الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أحَدُ شَيْئَيْنِ؛ الْقِصَاصُ أوِ الدِّيَةُ، فِى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالْخِيَرَةُ فِيهِ إِلَى الْوَلِىِّ، إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا إِلَى غَيْرِ شَىْءٍ، وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ.
ــ
الرُّبَيِّعِ بنتِ النَّضْرِ حينَ كَسَرَتْ سِنَّ جارِيَةٍ، فأمَرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فعَفا القَوْم (1).
4113 - مسألة: (والواجِبُ بقَتْلِ العمدِ أحَدُ شَيْئَيْن؛ القِصاصُ أو الآيةُ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ، والخِيَرَةُ في ذلك إلى الوَلِىِّ، إن شاء اقْتَصَّ، وإن شاء أخَذَ الدِّيَةَ، وإن شاء عَفا إلى غيرِ شئٍ، والعَفْوُ أفْضَلُ)
لِما ذَكَرْنا. اخْتلفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في مُوجَبِ (2) العمدِ، فرُوِىَ عنه، أنَّ مُوجَبَه القِصاصُ عَيْنًا؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ عَمْدًا،
(1) أخرجه البخارى، في: باب الصلح في الدية، من كتاب الصلح، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. . .} ، من كتاب الجهاد، وفى: باب قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} ، وباب قوله:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ، من كتاب التفسير، وفى: باب السن بالسن، من كتاب الديات. صحيح البخارى 3/ 243، 4/ 23، 6/ 29، 65، 66، 9/ 10. ومسلم، في: باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها، من كتاب القسامة. صحيح مسلم 3/ 1302. وأبو داود، في: باب القصاص من السنن، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 503. والنسائى، في: باب القصاص من الثنية، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 24، 25. وابن ماجه، في: باب القصاص في السن، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 884، 885. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 128، 167، 284.
(2)
في الأصل، تش:«وجوب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَهُوَ قَوَدٌ» (1). ولقولِه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} . والمَكْتُوبُ لا يُتَخَيَّرُ فيه، ولأنَّه مُتْلَفٌ يَجِبُ به البَدَلُ، فكان مُعَيَّنًا، كسائرِ أبْدالِ المُتْلَفَاتِ. وبه قال النَّخَعِىُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ، قالوا: ليس للأوْلِياءِ إلَّا القَتْلُ، إلَّا أن يَصْطَلِحا على الدِّيَةِ برِضَا الجانى. والمَشْهُورُ في المَذْهَبِ، أنَّ الواجِبَ أحَدُ شَيْئَيْن، وأنَّ الخِيَرَةَ في ذلك إلى الوَلِىِّ، إن شاء اقْتَصَّ، وإن شاء أخَذَ الدِّيَةَ، وإن شاء قَتَل البعضَ إذا كان القاتِلُون جماعةً؛ لأَنَّ كل مَن لهم قَتْلُه، فلهم العَفْوُ عنه، كالمُنْفَرِدِ، ولا يَسْقُطُ القِصاصُ عن البعضِ بعَفْوِ البعضِ؛ لأنَّهما شَخْصان، فلا يَسْقُطُ القِصاصُ من أحَدِهما بإسْقاطِه عن الآخَرِ، كما لو قَتَل كلُّ واحدٍ رجلًا. ومتى اخْتارَ الأوْلِياءُ أخْذَ الدِّيَةِ مِن القاتلِ، أو مِن بعضِ القَتَلَةِ، فإنَّ لهم هذا [منِ غيرِ](2) رِضَا الجانِى. وبهذا قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وابنُ
(1) أخرجه أبو داود مرسلًا ومرفوعًا، في: باب من قتل في عِمِّيًّا بين قوم، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 490، 502. والنسائى، في: باب الحكم في المرتد، من كتاب تحريم القتل، وفى: باب من قتل بحجر أو سوط، من كتاب القسامة. المجتبى 7/ 95، 8/ 35. وابن ماجه، في: باب من حال بين ولى المقتول وبين القود أو الدية، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 880. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 63.
(2)
في م: «متى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِيرِينَ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابن المنْذِرِ. وهى رِواية عن مالكٍ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} . قال ابن عباسٍ: كان في بَنِى إسْرائِيلَ القصاصُ ولم تكنْ فيهم الدِّيةُ، فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} . الآية، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} . فالعَفْو أن يَقْبَلَ في العمدِ الدِّيَةَ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} . يتَّبعُ الطَّالِب بمَعْروفٍ، ويُؤدِّى إليه المَطْلُوب بإحْسانٍ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} . ممّا كتِب على مَن قبلَكم رَواه البُخارِى (1). وروَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: قام رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ قتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إمَّا أن يُودَى، وإمَّا أن يُقَادَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وروَى أبو شُرَيْحٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثُمَّ أنْتُم (3) يَا خُزَاعَة، قَدْ قَتَلْتم هَذَا القَتِيلَ، وأنَا وَاللَّه عِاقِلُهُ، فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأهْلُه بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ إن أَحَبُّوا
(1) في: باب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى. . .} ، من كتاب التفسير، وفى: باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، من كتاب الديات. صحيح البخارى 6/ 28، 29، 9/ 7.
كما أخرجه النسائى، في: باب تأويل قوله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ. . .} ، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 33.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 17.
(3)
سقط من: الأصل.
فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ، فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ،
ــ
قَتَلُوا، وإنْ أحَبُّوا أخَذُوا الدِّيَةَ». رَواه أبو داودَ، وغيرُه (1). ولأَنَّ القَتْلَ المَضْمُونَ إذا سَقَط فيه القِصاصُ مِن غيرِ إبْراء، ثَبَت المالُ، كما لو عَفا بعْضُ الوَرَثَةِ، ويُخالِفُ سائِرَ المُتْلفاتِ؛ لأَنَّ بَدَلَها يَجِبُ مِن جِنْسِها، وهَهُنا يَجِبُ في الخَطَأ وعَمْدِ الخَطَأ مِن غيرِ الجِنْسِ، فإذا رَضِىَ في العمدِ ببَدَلِ الخَطَأَ، كان له ذلك؛ لأنَّه أسْقَطَ بعضَ حَقِّه، ولأَنَّ القاتِلَ أمْكَنَه إحْياءُ نفسِه ببَذْلِ الدِّيَةِ، فلَزِمَه. ويَنْتَقِضُ ما ذَكَرُوه بما إذا كان رَأْسُ (2) الشّاجِّ أصْغَرَ، أو يَدُ القاطِعِ أنْقَصَ (3)، فإنَّهم سَلَّموا فيهما. وأمَّا الخَبَرُ الذى ذَكَرُوه، فالمُرادُ به وُجُوبُ القَوَدِ، ونحن نقولُ به. وللشَّافعىِّ قَوْلان كالرِّوايَتَيْن. فإذا قُلْنا: مُوجَبُه القِصاصُ. فله العَفْوُ إلى الدِّيَةِ، والعَفْوُ مُطْلَقًا، فإذا عَفا مُطْلَقًا، لم يَجبْ شئٌ. وهذا ظاهرُ مَذهَبِ الشَّافعىِّ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 142.
(2)
في الأصل، تش:«أرش» .
(3)
في الأصل، تش:«انفصل» .
وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ.
ــ
وقال بعضهم: تَجِبُ الدِّيَة؛ لئلَّا يُطَلَّ (1) الدَّم. وليس بشئٍ؛ لأنَّه لو عَفا عن الدِّيَةِ بعدَ وجوبِها، صَحَّ عَفْوه. ومتى عَفا عن القِصاصِ مُطْلَقًا إلى غيرِ مالٍ، لم يَجِبْ شئٌ، إذا قلْنا: الواجِبُ القِصاصُ عَيْنًا. فإن عَفا عن (2) الدِّيَةِ، لم يَصِحَّ عَفْوُه؛ لأنَّها لم (3) تَجِبْ. وإن قلْنا: الواجِبُ أحَدُ شَيْئينِ لا بعينِه. فعَفا عن القِصاصِ مُطْلَقًا، أو إلى الدِّيَةِ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ؛ لأَنَّ الواجِبَ غيرُ مُعَيَّنٍ، فإذا تَرَك أحَدَهما تَعَيَّنَ الآخَرُ (فإنِ اخْتارَ الدِّيَةَ، سَقَط القِصاصُ، ولم يَمْلِكْ طَلَبَه) لأَنَّ الواجِبَ أحَدُ شَيْئَيْن، [فإذا تَعَيَّنَ أحَدُهما سَقَط الآخَرُ. فإنِ اخْتارَ القِصاصَ تَعَيَّنَ لذلك (4). فإنِ اخْتارَ بعدَ ذلك العَفْوَ إلى الدِّيَةِ، فله ذلك](5). ذَكَرَه القاضى؛ لأَنَّ
(1) في الأصل: «يبطل» . وطلّ دمه: هدر.
(2)
في الأصل: «إلى» .
(3)
في الأصل: «لا» .
(4)
في ر 3: «ذلك» .
(5)
سقط من: الأصل.
وَعَنْهُ، أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَينًا، وَلَهُ الْعَفْوُ الَى الدِّيَةِ وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِى.
ــ
القِصاصَ أعْلَى، فكان له الانْتِقالُ إلى الأدْنَى، ويكونُ بَدَلًا عن القِصاصِ، وليستِ التى وَجَبَتْ بالقَتْلِ، كما قُلْنا في الرِّوايةِ الأُولَى: إنَّ الواجبَ القِصاصُ عَيْنًا، وله العَفْوُ إلى الدِّيَةِ. ويَحْتَمِلُ أَنَّه ليس له ذلك؛ لأنَّه أَسْقَطَها باخْتِيارِه القَوَدَ، فلم يَعُدْ إليها (وعنه، أنَّ الواجِبَ القِصاصُ عَيْنًا، وله العَفْوُ إلى الدِّيَةِ وإن سَخِط الجانِى) لِما ذَكَرْنا.
فصل: إذا جَنَى عبدٌ على حُرٍّ جِنايةً مُوجِبَةً للقِصاصِ، فاشْتَراه المَجْنِىُّ عليه بأَرْشِ الجِنايةِ، سَقَط القِصاصُ؛ لأَنَّ عُدُولَه إلى الشِّراءِ اختيارٌ للمالِ، ولا يَصِحُّ الشِّراءُ؛ لأنَّهما إن لم يَعْرِفا قَدْرَ الأَرْشِ فالثَّمَنُ مَجْهُولٌ، وإن عَرَفا عَدَدَ الإبِلِ وأسْنانَها فصِفَتُها مَجْهُولةٌ، والجَهْلُ بالصِّفَةِ كالجَهْلِ بالذَّاتِ في فَسادِ البَيْعِ، ولذلك لو باعَه شيئًا
فَإِنْ عَفَا مُطلَقًا، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَهُ الدِّيَةُ. وإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا. فَلَا شَىْءَ لَهُ.
ــ
بحِمْلِ جَذَعٍ غيرِ مَعْرُوفِ الصِّفَةِ، لم يَصِحَّ، فإن قَدَّرَ الأَرْشَ بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فباعَه به، صَحَّ.
فصل: ومتى كان القِصاصُ لمَجْنُونٍ أو لصغيرٍ، لم يَجُزِ العَفْوُ إلى غيرِ مالٍ للوَلِىِّ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ إسْقاطَ حَقِّه. وقد ذَكَرْناه.
فصل: ويَصِحُّ عَفْوُ المُفْلِسِ والمَحْجُورِ عليه لسَفَهٍ عن القِصاصِ؛ لأنَّه ليس بمالٍ. وإن أراد المُفْلِسُ القِصاصَ، لم يكنْ لغُرَمائِه إجْبارُه على تَرْكِه. وإن أحَبَّ العَفْوَ عنه إلى مالٍ، فله ذلك؛ لأَنَّ فيه حَظًّا للغُرَماءِ. وإن أراد العَفْوَ إلى غيرِ مالٍ، انْبَنَى على الرِّوايتَيْنِ (وإن قُلْنا: الواجب القِصاصُ عَيْنًا) فله ذلك؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ له مالٌ يَتَعَلَّقُ به حَقُّ الغُرَماءِ (وإن قُلْنا: الواجِبُ أحَدُ شَيْئَيْن) لم يَمْلِكه؛ لأَنَّ المالَ يَجِبُ بقَوْلِه: عَفوْت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن القِصاصِ. فقَوْلُه: على غيرِ مالٍ. إسْقاطٌ له بعدَ وُجُوبِه وتَعَيُّنِه، ولا يَمْلِكُ ذلك. وهكذا الحكمُ في السَّفِيهِ ووارِثِ المُفلِسِ. وإن عَفا المَرِيضُ على غيرِ مالٍ، فذَكَرَ القاضى في مَوْضِع، أنَّه يَصِحُّ، سواءٌ خَرَج من الثُّلُثِ أو لم يَخْرُجْ. وذكَر أنَّ أحمدَ نَصَّ على ذلك. وقال في مَوْضِعٍ: يُعْتَبَرُ خُرُوجُه مِن ثُلُثِه. ولَعَلَّه يَنْبَنِى على الرِّوايَتَيْن في مُوجَبِ العَمْدِ، على ما مَضَى.