الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَظَاهِرُ كَلامِ الْخِرَقِىِّ، أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ الآيَةِ وَالْأَخْبَارِ.
ــ
يَظْهَرُ ويَنْتَشِرُ، ولم يُنْكَرْ، فثَبَتَ إجْماعًا. وهذا فيه الجَمْعُ بينَ تَغْلِيظاتٍ ثلاثٍ، ولأنَّهُ قولُ التابِعينَ القائلِينَ بالتَّغْلِيظِ. واحْتَجُّوا على التَّغْليظِ في العَمْدِ، أنَّه إذا غُلِّظَ الخَطَأُ مع العُذْرِ فيه، ففى العَمْدِ مع عَدَمِ العُذْرِ أَوْلَى. وكلُّ مَن غَلَّظَ الدِّيَةَ، أوْجَبَ التَّغْلِيظَ في بَدَلِ الطَّرَفِ بهذه الأسْبابِ؛ لأَنَّ ما أوْجَبَ تَغْلِيظَ دِيَةِ النَّفْسِ، أوْجَبَ تغْلِيظَ دِيَةِ الطَّرَفِ، كالعَمْدِ (1).
4223 - مسألة: (وظاهرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ أنَّ الدِّيَةَ لا تُغَلَّظُ لشئٍ مِن ذلك)
وهو قولُ الحَسَنِ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وأبى حَنيفَةَ، وابْن المُنْذِرِ. ورُوِىَ ذلك عن الفُقَهاءِ السَّبْعَةِ، وعمرَ بنِ عبدِ العزِيزِ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِهم؛ لأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «في النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ مِائةٌ مِنَ الإِبِلِ» (1). لم يَزِدْ على ذلك. «وعلى أهْلِ الذَّهَبِ ألْفُ مِثْقَالٍ» (2). وفى حديثِ أبى شُرَيْحٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«وَأَنْتُمْ يَا خُزاعَةُ قدْ قَتَلْتُمْ هذا القَتِيلَ مِن هُذَيْلٍ، وأنا واللَّهِ عَاقِلُه، فمَن قُتِلَ له قَتِيل بعدَ ذلِكَ، فأهْلُه بينَ خِيَرَتَيْنِ؛ إن أحَبُّوا قَتَلُوا، وإن أحَبُّوا أخَذُوا الدِّيَةَ» (3). وهذا القَتِيلُ كان بمَكَّةَ في حَرَمِ اللَّهِ تعالى، ولم يَزِدِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم على الدِّيَةِ، ولم يُفَرِّق بينَ الحَرَمِ وغيرِه. وقال اللَّهُ تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (4). وهذا يقْتَضِي أن تكونَ الدِّيَةُ واحدةً في كلِّ مكانٍ، وكلِّ حالٍ، ولأَنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أخَذ مِن قَتادَةَ المُدْلِجِىِّ دِيَةَ ابْنِه، لم يَزِدْ على مائةٍ. ورَوَى الجُوزْجَانِىُّ، بإسْنادِه، عن أبى الزِّنادِ، أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، كان
(1) تقدم تخريجه في صفحة 309.
(2)
انظر تخريج الحديث السابق، وما تقدم في صفحة 369.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 142.
(4)
سورة النساء 92.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَجْمَعُ الفُقَهاءَ، فكان ممَّا أحْيَى مِن تلك السُّنَنِ بقولِ فُقَهاءِ المدينةِ السَّبْعَةِ ونُظَرائهم، أنَّ نَاسًا كانوا يقولون: إنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ في الشَّهْرِ الحَرامِ أرْبَعةَ آلافٍ، فتكونُ سِتَّةَ عشرَ ألْفًا. فألْغَى عمرُ ذلك بقَوْلِ الفُقَهاءِ، وأثْبَتَها اثْنَى عَشَرَ ألْفَ دِرْهمٍ في الشَّهْرِ الحرامِ، والبَلَدِ الحَرامِ، وغيرِهما. قال ابن المُنْذِرِ (1): وليس بثابِتٍ ما رُوِىَ عن الصَّحابةِ في هذا. ولو صَحَّ، ففِعْلُ عمرَ في حديثِ قَتادةَ أَوْلَى، وهو مُخالِفٌ لغيرِه، فيُقَدَّمُ على قولِ مَن خالَفَه، وهو أَصَحُّ في الرِّوايةِ، مع مُوافَقَتِه الكِتابَ والسُّنَّةَ والقِياسَ.
فصل: ولا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ بموضِع غيرِ حَرَمِ مَكَّةَ. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: تُغَلَّظُ الدِّيَةُ بالقَتْلِ في المدينةِ. على قولِه القَديم؛ لأنَّها مكان يَحْرُمُ صَيْدُه، فأشْبَهَتْ حَرَمَ مَكَّةَ. ولا يَصِحُّ القِياسُ؛ لأنَّها ليست مَحَلًّا للمَناسِكِ، فأشْبَهَت سائرَ البُلْدانِ، ولا يَصِحُّ قِياسُها على الحَرَمِ؛ لأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أىُّ بَلَدٍ هذَا؟ أَلَيْسَتِ البَلْدَةَ؟» . قال: «فَإنَّ دِمَاءَكُم وأمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرام، كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذَا، في
(1) انظر: الإشراف 3/ 92.