الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، أو خَطَأً، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ.
ــ
أداءَ مالٍ مُواساةً، فَلاقَ بحالِهم التَّخْفِيفُ عنهم، وهذا مَوْجُودٌ في الخَطَأ وشِبْهِ العَمْدِ على السَّواءِ، وأمَّا العَمْدُ، فإنَّما يَحْمِلُه الجانِى في غيرِ حالِ العُذْرِ، نرَجَبَ أن [يكونَ مُلْحَقًا ببَدَلِ](1) سائرِ المُتْلَفاتِ، ويُتَصَوَّرُ الخِلافُ معه، فيما إذا قَتَلَ ابْنَه، أو قَتَلَ أجْنَبِيًّا، وتَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ القِصاصِ لعَفْوِ بعْضِهم، أو غيرِ ذلك.
4172 - مسألة: (وإن كان شِبْهَ عَمْدٍ، أو خَطَأً، أو ما جَرَى مَجْراهُ، فعلى عاقِلَتِه)
دِيَة شِبْهِ العَمْدِ على العاقلةِ، في ظاهرِ المذهبِ. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، والشافعىُّ، والثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْى، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ سِيرِينَ، والزُّهْرىُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وقَتادةُ، وأبو ثَوْرٍ: هى على القاتِلِ في مالِه. واخْتارَه أبو بكرٍ عبدُ العَزيزِ؛ لأنَّها مُوحبُ فِعْلٍ قَصَدَه، فلم تَحْمِلْه العاقِلَةُ، كالعَمْدِ المَحْضِ، ولأنَّها دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، فأشْبَهَتْ دِيةَ العَمْدِ. وهكذا يجبُ أن يكونَ مذهبُ مالكٍ؛ لأَنَّ شِبْهَ العَمْدِ عندَه مِن بابِ العَمْدِ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: اقْتَتَلَتِ امْرأتانِ مِن هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إحْداهُما الأُخرَى بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها وما في بَطْنِها، فقَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بدِيَةِ المرأةِ على عاقِلَتِها. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأنَّه نَوْعُ قَتْلٍ لا يُوجِبُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 38.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قِصاصًا، فوَجَبَتْ دِيَتُه على العاقِلَةِ، كالخَطَأُ، ويُخالِفُ العَمْدَ المَحْضَ (1)؛ لأنَّه يُغَلَّظُ مِن كلِّ وَجْهٍ، لقَصْدِه الفِعْلَ، وإرادَتِه القَتْلَ، وعَمْدُ الخَطَأُ يُغلَّظُ مِن وَجْهٍ، وهو قَصْدُه الفِعْلَ، [ويُخَفَّفُ](2) مِن وَجْهٍ، وهو كَوْنُه لم يُرِدِ القَتْلَ، فاقْتَضَى تَغْلِيظَها مِن وَجْهٍ وهو الأسْنانُ، وتَخْفِيفَها مِن وَجْهٍ وهو حَمْلُ العاقِلَةِ لها وتَأْجِيلُها. ولا نعلمُ في (3) أنَّها تَجِبُ مُؤجَّلَةً خِلافًا بينَ أهلِ العلمِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعَلىٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادةُ، وأبو هاشمٍ، وعُبَيْدُ اللَّه بِنُ عمرَ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقد حُكِى عن قَوْم مِن الخَوارِجِ، أنَّهم قالوا: الدِّيَةُ حالَّةٌ؛ لأنَّها بَدَلُ مُتْلَفٍ. ولم يُنْقَلْ إلينا ذلك عمَّن يُعَدُّ خِلافُه خِلافًا. وتُخالِفُ الدِّيَةُ سائرَ المُتْلَفاتِ؛ لأنَّها تَجِبُ على غيرِ الجانِى على سبيلِ المُواساةِ له، فاقْتَضَتِ الحِكْمَةُ تَخْفِيفَها عليهم، وقد رُوِى عن عمرَ، وعلىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّهما قَضَيا بالدِّيَةِ على العاقِلَةِ في ثلاثِ سِنِينَ (4). ولا مُخالِفَ لهما في عَصْرِهما، فكان إجْماعًا. وأمَّا دِيَةُ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «ويجب» . وفى تش: «ويحف» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه البيهقى عن عمر وعلى، في: باب تنجيم الدية على العاقلة، من كتاب الديات. السنن الكبرى 8/ 109، 110. وأخرجه عبد الرزاق عن عمر، في: باب في كم تؤخذ الدية، من كتاب العقول. المصنف 9/ 420. وابن أبى شيبة، في: باب الدية في كم تؤدى، من كتاب الديات. المصنف 9/ 284.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخَطَأَ، فلا نَعْلَمُ خِلافًا في أنَّها على العاقِلَةِ. قال ابنُ المُنْذِرِ (1): أجْمَعَ على هذا كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه بِن أهلِ العلمِ، وقد ثَبَتَتِ الأخْبارُ عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّه قَضَى بدِيَةِ الخَطأُ على العاقِلَةِ، وأَجْمَعَ أهْلُ العلمِ على القولِ به. ولأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ دِيَةَ عَمْدِ الخَطأُ على العاقِلَةِ، بما قد رَوَينا من الحدِيثِ، وفيه تَنْبِيهٌ على أنَّ العاقِلَةَ تَحْمِلُ دِيَةَ (2) الخَطَأُ. والحِكْمَةُ في ذلك أنَّ جِناياتِ الخَطأَ تَكْثُرُ، ودِيةَ الآدَمِىِّ كثيرةٌ، فإيجابُها على الجانِى في مالِه يُجْحِفُ به، فاقْتَضَتِ الحِكْمَةُ إيجابَها على العاقِلَةِ، على سبيلِ المُواساةِ للقاتلِ، والإعانةِ له، تَخْفِيفًا عنه، إذ (3) كان مَعْذُورًا في فِعْلِه.
فصل: فأمَّا الكَفَّارةُ، ففى مالِ القاتلِ لا يَدْخُلُها تَحَمُّلٌ. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: تكونُ في بَيْتِ المالِ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّها تَكْثرُ، فإيجابُها عليه يُجْحِفُ به. ولَنا، أنَّها كَفَّارة، فاخْتَصَّتْ بمَن وُجِدَ منه سَبَبُها، كسائِرِ الكَفَّاراتِ، وكما لو كانت صَوْمًا. ولأَنَّ الكَفَّارةَ شُرِعَتْ للتَّكْفِيرِ عن الجانِى، ولا يُكَفَّرُ عنه بفِعْلِ غيرِه، وتُفارِقُ الدِّيَةَ، فإنَّها إنَّما شُرِعَتْ لجَبْرِ المَحَلِّ، وذلك يحْصُلُ بها كيْفما كان. ولأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قَضَى بالدِّيَةِ على العاقِلَةِ، لم يُكَفِّرْ عن القاتِلَةِ (4). وما ذكَرُوه
(1) انظر: الإشراف 3/ 127، الإجماع 74.
(2)
بعده في تش: «عمد» .
(3)
في م: «إذا» .
(4)
في تش: «العاقلة» وانظر ما تقدم تخريجه في صفحة 38.