الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ، سَقَطَ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ الْعَافِى زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً.
ــ
رجلًا له ابْنان، قَتَلَها أحَدُهما بغيرِ إذْنِ الآخَرِ، فللآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أبِيه في تَرِكَةِ المرأةِ التى قَتَلَتْه، ويَرْجِعُ وَرَثَتُها بنِصْفِ دِيَتِها على قَاتِلِها، وهو رُبْعُ دِيَةِ الرجلِ. وعلى الوَجْهِ الأَوَّلِ، يَرْجِعُ الابنُ الذى لم يَقْتُلْ على أخِيه بنِصْفِ دِيَةِ المرأةِ؛ لأنَّه لم يُفَوِّتْ على أخيه إلَّا نِصْفَ (1) المرأةِ، ولا يُمْكِنُ أن يَرْجِعَ على ورثةِ المرأةِ (2) بشئٍ؛ لأَنَّ أخاه الذى قَتَلَها أتْلَفَ جميعَ الحَقِّ. وهذا يَدُلُّ على ضَعْفِ هذا الوَجْهِ. ومِن فوائِدِه أيضًا، صِحَّةُ إبْراءِ مَن حَكَمْنا بالرُّجُوعِ عليه، ومِلْكُ مُطالَبَتِه. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ على وَرَثَةِ الجانِى. صَحَّ إبْراؤُهم، ومَلَكُوا الرُّجُوعَ على قاتِلِ مَوْرُوثِهم بقِسْطِ أخيه العافِى. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ على شَرِيكِه. مَلَك مُطالَبَتَه، وصَحَّ إبْراؤُه، ولم يكنْ لورثةِ الجانى مُطالَبَتُه بشئٍ. ومنها، أنَّا إذا قُلْنا: يَرْجِعُ على تَرِكَةِ الجانى. وله تَرِكَةٌ، فله الأخْذُ منها، سواءٌ [أمْكَنَ وَرَثَتَه أن يَسْتَوْفُوا مِن الشَّرِيكِ أو لم يُمْكِنْهم. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ على شَرِيكِه. لم يكنْ له مُطالَبَةُ وَرَثَةِ الجانى، سواءٌ] (3) كان شَرِيكُه مُوسِرًا أو مُعْسِرًا.
4093 - مسألة: (وإن عَفا بعضُهم، سَقَط القِصاصُ وإن كان
(1) في الأصل: «بنصف» .
(2)
بعده في الأصل: «له» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العافى زوجًا أو زوجةً) أجْمَعَ أهلُ العلمِ على إجازةِ العفوِ عن القِصاصِ، وأنَّه أفْضَلُ؛ لِما نَذْكُرُه (1). والقِصاصُ حَقٌّ لجميعِ الورثةِ مِن ذوى الأنْسابِ والأسْبابِ، الرجالِ والنِّساءِ، والصِّغارِ والكبارِ، فمَن عَفا منهم صَحَّ عَفْوُه، وسَقَط القِصاصُ، ولم يكنْ لأحَدٍ إليه (2) سَبِيلٌ. هذا قولُ أكْثَرِ أَهْلِ العلمِ؛ منهم عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، وحَمادٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعىُّ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن عُمَرَ، وطاوُسٍ، والشَّعْبِىِّ. وقال الحسنُ، وقَتادَةُ، والزُّهْرِىُّ، وابن شُبْرُمَةَ، واللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ: ليس للنِّساءِ عَفْوٌ. والمَشْهُورُ عن مالكٍ، أنَّه مَوْرُوثٌ للعَصباتِ خَاصَّةً. وهو وَجْهٌ لأصحابِ الشافعىِّ؛ لأنَّه ثَبَتَ لدَفْعِ العارِ، فاخْتَصَّ به العَصباتُ، كوِلايةِ النِّكاحِ. ولهم وَجْهٌ ثالثٌ، أنَّه لذوى الأنْسابِ دُونَ الزَّوْجَيْن؛ [لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم] (3):«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُه بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَأْخُذُوا العَقْلَ» (4). وأهلُه ذوو رَحِمِه، وذَهَب بعضُ أهلِ المدينةِ إلى أنَّ القِصاصَ لا يَسْقُطُ بعَفْوِ بعضِ الشُّرَكاءِ. وقيل: هو رِوايةٌ عن مالكٍ؛ لأَنَّ حَقَّ غيرِ العافى لم يَرْضَ بإسْقاطِه، وقد تُؤْخَذُ النَّفْسُ ببعضِ النَّفْسِ، بدليلِ قَتْلِ الجماعةِ بالواحدِ. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السلام:«فَأَهْلُه بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» . وهذا
(1) في الأصل، تش:«ذكره» .
(2)
في ق، م:«عليه» .
(3)
في ق، م:«لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 142.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عامٌّ في جميعِ أهلِه، والمرأةُ مِن أهْلِه؛ بدليلِ قولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ يَعْذِرُنى مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِى (1) أذَاهُ فِى أهْلِى، ومَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِى إلَّا خَيْرًا، ولَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، ومَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أهْلِى إلَّا مَعِى» . يُرِيدُ عائشةَ. وقال له (2) أُساْمةُ [بنُ زيدٍ](3): يا رسولَ اللَّهِ، أهْلُكَ (4) ولا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا (5). ورَوَى زيدُ بنُ وَهْبٍ، أنَّ عُمَرَ أُتِى برجلٍ قَتَل قَتِيلًا، فجاء ورثةُ المَقْتُولِ ليَقْتُلُوه، فقالتِ امرأةُ المَقْتُولِ، وهى أخْتُ القاتلِ: قد عَفَوْتُ عن حَقِّى. فقال عمرُ: اللَّه أكبرُ، عَتَقَ القَتِيلُ. رَواه أبو داودَ (6). وفى رِوايةٍ عن زيدٍ، قال: دَخَل رجلٌ على امرأتِه، فوَجَدَ عندَها رجلًا، فقَتَلَها، فقال بعضُ إخْوَتِها: قد تَصَدَّقْتُ. فقَضَى لسائِرِهِم بالدِّيَةِ (7). ورَوَى قَتادَةُ، أنَّ عُمَرَ رُفِعَ إليه رجلٌ قَتَل
(1) في ق، م:«بلغ» . وهو لفظ مسلم.
(2)
سقط من: الأصل، تش.
(3)
سقط من: ق، م.
(4)
سقط من: الأصل، تش.
(5)
أخرجه البخارى، في: باب إذا عدل رجل أحدا. . .، وباب تعديل النساء بعضهن بعضا، من كتاب الشهادات، وفى: باب حديث الإفك، من كتاب المغازى، وفى: باب قوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ. . .} . من كتاب التفسير. صحيح البخارى 3/ 219، 220، 229، 5/ 151، 6/ 130. ومسلم، في: باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، من كتاب التوبة. صحيح مسلم 4/ 2133، 2134. والنسائى، في: باب قرعة الرجل بين نسائه. . .، من كتاب عشرة النساء. السنن الكبرى 5/ 295 - 300. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 196.
(6)
ليس في سنن أبى داود، وانظر: تلخيص الحبير 4/ 20، إرواء الغليل 7/ 279، وأخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 10/ 13.
(7)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب العفو، من كتاب العقول. المصنف 13/ 10. وابن أبى شيبة، في: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رجلًا، فجاءَ أوْلادُ المَقْتُولِ وقد عَفا بعضُهم، فقال عُمَرُ لابنِ مسعودٍ: ما تقولُ؟ فقال: إنَّه قد أحْرِزَ مِن القَتْلِ. فضَرَبَ على كَتِفِه (1)، فقال: كُنَيْفٌ (2) مُلِئَ عِلْمًا (3). والدَّلِيلُ على أن القِصاصَ لجميعِ الوَرَثَةِ، ما ذكَرْناه في مسألَةِ القِصاصِ بينَ (4) الصَّغيرِ والكبيرِ. ولأَنَّ مَن وَرِث الدِّيةَ وَرِث القِصاصَ، كالعَصَبَةِ، وإذا عَفا بعضُهم، صَحَّ عَفْوُه، كعَفْوِه عن سائرِ حُقُوقِه، وزَوالُ الزَّوْجِيَّةِ لا يَمْنَعُ اسْتِحْقاقَ القِصاصِ، كما لم (5) يَمْنَعِ اسْتِحْقاقَ الدِّيَةِ، وسائرِ حُقُوقِه المَوْرُوثَةِ. ومتى ثَبَت أنَّه حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بينَ جَمِيعِهم، سَقَط بإسْقاطِ مَن كان مِن أَهْلِ الإسْقاطِ منهم؛ لأَنَّ حَقَّه منه له، فيَنْفُذُ تَصَرُّفُه فيه (6)، فإذا سَقَط سَقَط جَمِيعُه؛ لأنَّه مِمَّا لا يَتَبَعَّضُ، كالطَّلاق والعَتاق. ولأَنَّ القِصاصَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بينَهم لا يَتَبَعَّضُ، مبْنَاه على الدَّرْءِ (7) والإِسقاطِ، فإذا أسْقَطَ بعضُهم، سَرَى
= باب الرجل يقتل فيعفو بعض الأولياء، من كتاب الديات. المصنف 9/ 317. والبيهقى، في: باب عفو بعض الأولياء عن القصاص دون بعض، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى 8/ 59. وصححه في الإرواء 7/ 281.
(1)
في الأصل: «كتفيه» .
(2)
الكنيف: تصغير الكِنْف، وهو وعاء طويل يكون فيه متاع التجار، شبهه بأنه وعاء للعلم، بمنزلة الوعاء الذى يضع الرجل فيه أداته، وإنما صغره على وجه المدح. انظر غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 169.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب العغو، من كتاب العقول. المصنف 10/ 13.
وأخرجه الحاكم، في: المستدرك 3/ 318. عن زيد بن وهب.
(4)
في الأصل: «من» .
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
في الأصل: «منه» .
(7)
في م: «الدور» .