الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَو سَرَى إِلَى نَفْسِهِ، كَانَ هَدْرًا، وَإِنْ سَرَى الْقِصَاصُ إِلَى نَفْسِ الْجَانِى، كَانَ هَدْرًا أَيْضًا.
ــ
وبَطَل عَرَجُكَ». ثم نَهَى أن يُقْتَصَّ مِن جُرْحٍ حتى يَبْرَأَ صاحِبُه. وهذه زِيادةٌ يجبُ قَبُولُها، وهى مُتَأخِّرَة عن الاقْتِصاصِ، فتكونُ ناسِخَةً له. وفى نفسِ الحديثِ ما يَدُلُّ على أنَّ اسْتِقادَتَه قبلَ البُرْءِ مَعْصِيَةٌ؛ لقَوْلِه:«قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِى» . وما ذكَرُوه مَمْنُوعٌ، وهو مَبْنَى الخِلافِ.
4169 - مسألة: فإن فعَل ذلك، سقَط حقُّه مِن سِرايَتِه (فلو سرَى إلى نَفْسِه، كان هَدْرًا، ولو سَرَى القِصاصُ إلى نَفْسِ الجانى، كان هَدْرًا أيضًا)
وقال الشافعىُّ: هى مَضْمُونَةٌ؛ لأنَّها سِرايَة جنَايَةٍ، فكانت مَضْمُونَة، كما لو لم يَقْتَصَّ. ولَنا، الخَبَرُ المذْكورُ، ولأنَّه اسْتَعْجَلَ (1) ما لم يكُنْ له اسْتِعْجالُه، فبَطَلَ حَقُّه، كقاتِلِ مَوْرُوثِه، وبهذا فارَقَ مَن لم يَقْتَصَّ. فعلى هذا، لو سَرَى القَطْعانِ جميعًا، فمات الجانِى والمُسْتَوْفِى، فهما هَدْرٌ. وقال أبو حنيفةَ: يجبُ ضَمانُ كُلِّ واحدٍ منهما؛ لأَنَّ سِرايةَ كُلِّ واحدٍ منهما مَضْمُونَةٌ، ثم يتَقاصَّان. وقال الشافعىُّ: إن ماتَ المَجْنِىُّ عليه أوَّلًا، ثم مات الجانِى، كان قِصاصًا به؛ لأنَّه مات مِن سِرايَةِ القَطْعِ، فقد مات بفِعْلِ المَجْنِىِّ عليه. وإن مات
(1) في الأصل: «استعمل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجانِى (1)، فكذلك في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفى الآخَرِ، يكونُ مَوْتُ الجانِى هَدْرًا، ولوَلِىِّ المَجْنِىِّ عليه نِصْف الدِّيَةِ. فأمَّا إن سَرَى أحَدُ القَطْعَيْنِ دونَ صاحبِه، فعندَنا هو هَدْرٌ، لا ضَمانَ فيه. وعندَ أبى حنيفةَ، يجبُ ضَمانُ سِرايَتِه. وعندَ الشافِعىِّ، إن سَرَتِ الجِنايَةُ فهى مَضْمُونَةٌ، وإن سَرَى الاسْتِيفاءُ، لم يَجِبْ ضَمانُه. ومَبْنَى ذلك على ما تَقَدَّمَ مِنَ الخِلافِ.
فصل: وإنِ انْدَمَلَ جُرْحُ الجِنايةِ، فاقْتَصَّ منه، ثم انْتَقَضَ (2) فَسَرَى، فسِرايَتُه مَضْمُونةٌ، وسِرايَةُ الاسْتِيفاءِ غيرُ مَضْمُونةٍ؛ لأنَّه اقْتَصَّ بعدَ جوازِ القِصاصِ. فعلى هذا، لو قطَع يَدَىْ رَجُلٍ فَبَرأَ، فاقْتَصَّ، ثم انْتَقَضَ جُرْحُ المَجْنِىِّ عليه، فمات، فلِوَلِيِّه قَتْلُ الجانِى؛ لأنَّه مات مِن جِنايَتِه. وقال ابنُ أبى موسى: إذا جَرَحَه، فبَرَأَ، ثم انْتَقَضَ، فماتَ، فلا قَوَدَ فيه؛ ولَنا، أنَّ الجِنايةَ لو سَرَتْ إلى النَّفْسِ قبلَ الانْدِمالِ وجَب القِصاصُ، فكذلك بعدَه، وإن عَفا إلى الدِّيَةِ، فلا شئَ له (3)، لأنَّه اسْتَوْفَى بالقَطْعِ ما قِيمَتُه دِيَةٌ وهو يَداه، وإن سَرَى الاسْتِيفاءُ، لم يَجِبْ أيضًا شئٌ؛ لأَنَّ القِصاصَ قد سقَط بمَوْتِه، والدِّيَةُ لا يُمْكِنُ إيجابُها؛ لِما ذَكَرْنا. وإن كان المقْطُوعُ بالجِنايةِ يَدًا، فوَلِيُّه بالخِيارِ بينَ القِصاصِ في
(1) في تش: «المجنى عليه» .
(2)
في الأصل: «اقتص» .
(3)
في الأصل: «عليه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النَّفْسِ وبينَ العَفْوِ (1) إلى نِصْفِ الدِّيَةِ. ومتى سقَط القِصاصُ بمَوْتِ الجانِى أو غيرِه، وجَب نِصْفُ الدِّيَةِ في تَرِكَةِ الجانِى، أو مالهِ إن كان حَيًّا.
فصل: ولو قطَع كِتَابِىٌّ يَدَ مُسْلِمٍ، [فبَرأَ و](2) اقْتَصَّ، ثم انْتَقَضَ جُرْحُ المُسْلِمِ ومات، فلِوَلِيِّه قَتْلُ الكِتابِىِّ والعَفْوُ إلى أَرْشِ الجُرْحِ، وفى قَدْرِه وَجْهان؛ أحدُهما، نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لأنَّه قد اسْتَوْفَى بَدَلَ يَدِه بالقِصاصِ، وبَدَلُها نِصْفُ دِيَتِه، فبَقِىَ له نِصْفُها، كما لو كان القاطِعُ مُسْلِمًا. والثانى، له ثَلاثَةُ أرْباعِها؛ لأَنَّ يَدَ اليَهودِىِّ تَعْدِلُ نِصْفَ دِيَتِه، وذلك رُبْعُ دِيَةِ المُسْلِمِ، فقد اسْتَوْفَى رُبْعَ دِيَتِه، وبَقِىَ له ثَلاثةُ أرْباعِها. وإن كان قَطَع يَدَىِ المُسْلِمِ، فاقْتَصَّ منه، ثم مات المسلمُ، فعَفا وَلِيُّه إلى مالٍ، انْبَنَى على الوَجْهَيْنِ. وإن قُلْنا: تُعْتَبَرُ قِيمةُ يَدِ اليَهُودِىِّ. فله ههُنا نِصْفُ الدِّيَةِ. وإن قُلْنا: الاعْتِبارُ بقِيمَةِ يَدِ المسلمِ. فلا شئَ له ههُنا؛ لأنَّه قد اسْتَوْفَى بَدَلَ يَدَيْه (3)، وهما جَمِيعُ دِيَتِه. ولو كان القَطْعُ في يَدَيْه ورِجْلَيْه، فعَفَا إلى الدِّيَةِ، لم يكُنْ له شئٌ، وجْهًا واحدًا؛ لأَنَّ دِيَةَ ذلك دِيَةُ المُسْلِمِ. ولو كان الجانِى امرأةً، فالحُكْمُ على ما ذكَرْنا سَواءً؛ لأَنَّ دِيَتَها نِصْفُ دِيَةِ (4) الرَّجُلِ.
(1) في الأصل: «القود» .
(2)
في الأصل: «فسرى أو» .
(3)
في الأصل: «يده» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا قطَع يدَ رَجُلٍ [مِن الكُوعِ](1)، ثم قَطَعَها آخَرُ مِن المَرْفِقِ، فمات بسِرايَتِهما، فلِلْوَلِىِّ قَتْلُ القاطِعَيْنِ، وليس له أن يَقْطَعَ
طَرَفَيْهِما، في أحدِ الوَجْهَيْنِ. وفى (2) الآخَرِ، له قَطْعُ يَدِ القاطِعِ مِنَ الكُوعِ. فإن قَطَعَها، ثم عَفا عنه، فله نِصْفُ الدِّيَةِ، وأمَّا الآخَرُ، فإن كانتْ يَدُه مقْطُوعَة مِن الكُوعِ، فقَطَعَها من المَرْفِقِ، ثم عَفا، فله دِيَةٌ إلَّا قَدْرَ الحُكومةِ في الذِّراعِ. ولو كانت يَدُ القاطعِ مِن المَرْفِقِ صَحِيحةً، لم يَجُزْ قَطْعُها، رِواية واحدةً؛ لأنَّه يأْخُذُ صَحِيحَةً بمَقْطُوعةٍ. وإن قطَع أيْدِيَهما وهما صَحيحَتانِ، أو قطَع رَجُلانِ يَدُيْهِ، فقَطَع أيْدِيَهما، ثم سَرَتِ الجِنايةُ، فمات مِن قَطْعِهما، فليس لوَلِيِّهما العَفْوُ إلى الدِّيَةِ؛ لأنَّه قد اسْتَوْفَى ما قِيمَتُه دِيَةٌ. وإنِ اخْتارَ قَتْلَهما، فله ذلك. واللَّهُ أعلمُ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل، تش.