الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ في الطَّرَفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، الْأَمْنُ مِنَ الْحَيْفِ، بأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِى إِلَيْهِ، كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ، فَإِنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ، أَو قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أوِ السَّاقِ، فَلَا قِصَاصَ في أَحدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِى الْآخَرِ، يَقْتَصُّ حَدِّ الْمَارِنِ، وَمِنَ الْكُوعِ وَالْكَعْبِ. وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
4135 - مسألة: (ويُشْتَرَطُ للقِصاصِ في الطَّرَفِ ثَلاثةُ شُروطٍ؛ أحدُها، أن يكونَ القَطْعُ مِن مَفْصِلٍ، أو له حَدٌّ يَنْتَهِى إليه، كَمارِنِ الأنْفِ، وهو ما لَانَ منه، فإن قطَع القَصَبَةَ، أو قطَعِ مِن نِصْفِ السَّاعدِ أو السّاقِ، فلا قِصاصَ في أحَدِ الوَجْهَيْن، وفى الآخرِ، يَقْتَصُّ مِن حَدِّ المَارِنِ، ومِنَ الكُوعِ والكَعْبِ. وهَل يَجِبُ له أَرْشُ البَاقِى؟ على وَجْهَيْنِ)
أجْمَعُوا على جَرَيانِ القِصاصِ في الأنْفِ؛ للآيةِ والمَعنَى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُؤخَذُ الكبيرُ بالصَّغيرِ، والأقْنَى (1) بالأَفْطَسِ (2)، وأنْفُ الأشَمِّ بأَنْفِ الأخْشَمِ الذى لا شَمَّ له؛ لأَنَّ ذلك لعِلَّةٍ في الدِّماغِ والأنْفُ صَحِيحٌ. كما تُؤْخَذُ أُذُنُ السَّمِيعِ بأُذُنِ الأصَمِّ. فإن كان بأَنْفِه جُذامٌ، أُخِذَ به الأنْفُ الصَّحِيحُ ما لم يَسْقُطْ منه شئٌ؛ لأَنَّ ذلك مَرَضٌ، فإن سقَط منه شئٌ، لم يُؤْخَذْ به الصَّحِيحُ، إلَّا أن يكونَ مِن أحَدِ جانِبَيْه، فيَأْخُذُ مِن الصَّحِيحِ مثلَ ما بَقِىَ منه، أو يَأْخُذُ أَرْشَ ذلك. والذى يَجبُ فيه القِصاصُ أو الدِّيَةُ هو المارِنُ، وهو ما لَان منه، دُونَ القَصَبَةِ؛ لأَنَّ ذلك حَدٌّ يَنْتَهِى إليه، فهو كاليَدِ، يَجِبُ القِصاصُ فيما انْتَهَى إلى الكُوعِ. فإن قطَع الأنْفَ كلَّه مع القَصَبةِ، فعليه القِصاصُ في المَارِنِ، وحُكومَةٌ للقَصَبَةِ. هذا قولُ ابنِ حامِدٍ، ومذهبُ الشافعىِّ. وفيه وجْهٌ آخرُ، أنَّه لا يَجِبُ مع القِصاصِ حُكومَةٌ، كَيْلَا يُجْمَعَ في عُضْوٍ واحدٍ بينَ قِصاصٍ ودِيَةٍ. وقِياسُ قولِ
(1) القنا في الأنف: طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه. النهاية 4/ 116.
(2)
الفطس: انخفاض قصبة الأنف وانفراشها. النهاية 3/ 458.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبى بكرٍ، أنَّه لا يجبُ القِصاصُ ههُنا؛ لأنَّه (1) يضَعُ الحَدِيدَةَ في غيرِ المَوْضِعِ الذى وَضَعَها الجانِى فيه، فلم يَمْلِكْ ذلك، كقولِه (2) في مَن قطَع اليَدَ مِن نِصْفِ الذِّراعِ أو الكَفِّ. وذكَر القاضى ههُنا كقولِ أبى بكرٍ، وفى نظائرِهِ مثلَ قولِ ابنِ حامدٍ. ولا يَصِحُّ التَّفْريقُ مع التَّساوِى. وإن قطَع بعضَ الأنْفِ، قُدِّرَ بالأجْزاءِ، وأُخِذَ منه بقَدْرِ ذلك، ولا يُؤْخَذُ بالمِساحَةِ، لئلَّا يُفْضِىَ إلى قَطعِ جَميعِ أنْفِ الجانِى لصِغَرِه ببعضِ أنْفِ المَجْنِىِّ عليه لكِبَرِه (3)، ويُؤْخَذُ المَنْخِرُ الأيْمَنُ بالأيْمَنِ، والأيْسَرُ بمثلِه، ويُؤْخَذُ الحاجِزُ بالحاجِزِ، لأنَّه يُمْكِنُ القِصاصُ فيه، لِانْتِهائِه إلى حَدٍّ.
فصل: وتُؤْخَذُ (4) العَيْنُ بِالعَيْنِ؛ للآيَةِ. ولا يُشْتَرَطُ التَّساوِى في الصِّغَرِ والكِبَرِ، والصِّحَّةِ والمَرَضِ؛ لأَنَّ اعْتِبارَ ذلك يُفْضِى إلى سُقوطِ القِصاصِ بالكُلِّيَّةِ.
(1) في الأصل: «لا» .
(2)
في النسخ: «لقوله» . والمثبت كما في المغنى 11/ 544.
(3)
في الأصل: «لكثره» .
(4)
في الأصل، تش:«يأخذ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وتُؤْخَذُ الأُذُنُ بالأُذُنِ. أجْمَع أهْلُ العلمِ على أنَّ الأُذُنَ تُؤْخَذُ بالأُذُنِ، وقد دَلَّتِ الآيةُ على ذلك، ولأنَّها تَنْتَهِى إلى حَدٍّ فاصِلٍ، فأَشْبَهَتِ اليَدَ. وتُؤْخَذُ الكبيرةُ بالصَّغيرةِ، وتُؤْخَذُ أُذُنُ السَّميعِ بمثلِها وبأُذُنِ الأصَمِّ، وتُؤْخَذُ أُذُنُ الأصَمِّ بكلِّ واحدٍ منهما؛ لتَساوِيهما، فإنَّ ذَهابَ السَّمْعِ نَقْصٌ في الرَّأْسِ؛ لأنَّه مَحَلُّه، وليس بنَقْصٍ فيهما. وتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بالمَثْقوبَةِ؛ لأَنَّ الثَّقْبَ ليس بعَيْبٍ، وإنَّما يُفْعَل في العادةِ للقُرْطِ والتَّزَيُّنِ به، فإن كان الثَّقْبَ في غيرِ مَحَلِّه، أو كانت مَخْرُومةً، أُخذَتْ بالصَّحِيحَةِ، ولم تُؤْخَذِ الصَّحِيحَةُ بها؛ لأَنَّ الثَّقْبَ إذا انْخَرَمَ صار نَقْصًا فيها، والثَّقْبُ في غيرِ مَحَلِّه عَيْبٌ، ويُخَيَّر المَجْنِىُّ عليه بينَ أخْذِ الدِّيَةِ إلَّا قَدْرَ النَّقْصِ، وبينَ أن يَقْتَصَّ فيما سِوَى المَعِيبِ ويَتْرُكَه مِن أُذُنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجانِى (1). وفى وُجُوب الحُكومةِ له في قَدْرِ النَّقْصِ وَجْهان. وإن قُطِعَتْ بعضُ أُذُنِه، فله أَن يَقْتَصَّ مِن أُذُنِ الجانِى بقَدْرِ ما قُطِع مِن أُذُنِه، ويُقَدَّرُ ذلك بالأجْزاءِ، فيُؤْخَذُ النِّصْفُ بالنِّصْفِ، وعلى حسابِ (2) ذلك. وقال بعضُ أصْحابِ الشافعىِّ: لا يَجْرِى القِصاصُ في البَعْضِ؛ لأنَّه لا يَنْتَهِى إلى حَدٍّ. ولَنا، أنَّه يُمْكِنُ تَقْدِيرُ المَقْطُوعِ، وليس فيها كَسْرُ عَظْمٍ، فجَرَى القِصاصُ في بعْضِها، كالذَّكَرِ، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذكَرُوه.
فصل: وتُؤْخَذُ الأُذُنُ المُسْتَحْشِفَةُ (3) بالصَّحِيحةِ. وهل تُؤْخَذُ الصَّحِيحةُ بها؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا تُؤْخَذُ بها؛ لأنَّها ناقِصَةٌ مَعِيبةٌ، فلم تُؤْخَذْ بها الصَّحِيحَةُ، كاليَدِ الشَّلَّاءِ وسائرِ الأعْضاءِ. والثانى، تُؤْخَذُ بها؛ لأَنَّ المَقْصُودَ منها جَمْعُ الصَّوْتِ، وحِفْظُ مَحَلِّ السَّمْعِ، والجمالُ (4)، وهذا يَحْصُلُ بها كحُصُولِه بالصَّحِيحةِ، بخِلافِ سائرِ الأعْضاءِ.
(1) بعده في تش: «قدر ما قطع من أذنه» .
(2)
ف م: «حسب» .
(3)
استحشفت الأذن: يبست وتقلصت.
(4)
في الأصل، تش:«الكمال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن قطَع أُذُنَه فأَبانَها، فأَلْصَقَها صاحِبُها فالْتَصَقَتْ وثَبَتَتْ، فقال القاضى: يجبُ القِصاصُ. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ؛ لأنَّه وَجَبَ بالإِبَانَةِ، وقد وُجِدَتْ. وقال أبو بكرٍ: لا قِصاصَ فيها. وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّها لم تَبِنْ على الدَّوامِ، فلم يَسْتَحِقَّ إبانَةَ أُذُنِ الجانِى دَوامًا. فإن سَقَطَتْ بعدَ ذلك قَرِيبًا أو بَعِيدًا، فله القِصاصُ، ويَرُدُّ ما أخَذَ. وعلى قولِ أبى بكرٍ، إذا لم تَسْقُطْ، له دِيَةُ الأُذُنِ. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأْى. وكذلك قولُ الأوَّلِينَ إذا اخْتارَ الدِّيَةَ. وقال مالكٌ: لا عَقْلَ لها إذا عادَتْ مَكانَها. فأمَّا إن قطَع بعضَ أُذُنِه فالْتَصَقَ، فله أَرْشُ الجُرْحِ، ولا قِصاصَ فيه. وإن قطَع أُذُنَ إنسانٍ، فاسْتَوْفَى منه، فألْصَقَ الجانِى أُذُنَه فالْتَصَقَتْ، فطَلَبَ المَجْنِىُّ عليه إبانَتَها، لم يَكُنْ له ذلك؛ لأَنَّ الإِبانَةَ قد حَصَلَتْ، والقِصاصَ قد اسْتُوفِىَ، فلم يَبْقَ له (1)
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قِبَلَه حَقٌّ. فأمَّا إن كان المَجْنِىُّ عليه لم يَقْطَعْ جميعَ الأُذُنِ، إنَّما قطَع بعْضَها فالْتَصَقَ، كان للمَجْنِىِّ عليه قَطْعُ جَمِيعِها؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ إبانَةَ جَمِيعِها، ولم يَكُنْ إِبَانَةٌ، والحُكْمُ في السِّنِّ كالحُكْمِ في الأُذُنِ (1).
فصل: ومَن ألْصَقَ أُذُنَه بعدَ إبانَتِها، أو سِنَّهُ، فهل تَلْزَمُه (2) إبَانتها؟ فيه وَجْهان مَبْنِيّانِ على الرِّوايتَيْنِ فيما بانَ مِن الآدَمِىِّ، هل هو نَجِسٌ أو طاهِرٌ؟ إن قُلْنا: هو نَجِسٌ. لَزِمَتْه إزالتها، ما لم يَخْفِ الضَّرَرَ بذلك، كما لو جبَر عَظْمَه (3) بعَظْم نجِسٌ. وإن قُلْنا بطَهارَتِها. لم تَلْزَمْه إزالَتُها. اخْتارَه أبو بكرٍ. وهو قولُ عَطاءِ بنِ أبى رباحٍ، وعَطاءٍ الخُراسانىِّ. وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّه جُزْءُ آدَمِىٍّ طاهِرٌ في حَياتِه ومَوْتِه، فكان طاهِرًا (4) كحالةِ اتِّصالِه (5). فأمَّا إن قطَع بعضَ أُذُنِه فالْتَصَقَتْ، لم يَلْزَمْه إبَانَتُها، على
(1) في الأصل، تش:«الأنف» .
(2)
في م: «تلزم» .
(3)
في م، ق:«ساقه» .
(4)
بعده في الأصل: «في» .
(5)
في الأصل، تش:«انفصاله» .