الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَإِنِ اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِى قَطعِ طَرَفٍ، أَوْ جُرجٍ مُوجاٍ لِلْقِصَاصِ وَتَسَاوتْ أفْعَالُهُم، مِثْلَ أَنْ يَضَعُوا الْحَدِيدَةَ عَلَى يَدِهِ وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْها جَمِيعًا حَتَّى تَبِينَ، فَعَلَى جَمِيعِهِمُ الْقِصَاصُ، في إحدَى الرِّوَايَتَيْن.
ــ
يجوزُ، لأنَّه غيرُ الموْضِعِ الذىَ شَجَّه فيه، فلم يَجُزْ له الاسْتِيفاءُ منه، كما لو أمكَنَه اسْتِيفاءُ حَقِّه مِن مَحَلِّ الشَّجَّةِ. واحتَمَلَ الجوازُ، لأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ واحدٌ، فإذا لم يُمكِنْه اسْتِيفاءُ حَقِّه مِن مَحَلِّ شَجَّتِه، جازَ مِن غيرِه، كما لو شَجَّه في مُقَدَّم رَأْسِه شجةً قَدرها جَمِيعُ رَأسِ الشَّاجِّ، جازَ إتْمامُ اسْتِيفائِها مِن مُؤَخَّرِ رأسِ الجانِى. وهذا مَنْصُوصُ الشافعىِّ. وهكذا يُخَرَّجُ فيما إذا كان الجرحُ في مَوْضِعٍ مِن السَّاقِ والقَدَمِ والذِّراعِ والعَضُدِ. وإن أَمْكَنَ الاسْتِيفاءُ مِن مَحَل الجِنايةِ، لم يَجُزِ العُدُولُ عنه، وَجْهًا واحدًا.
فصل: قال: (وإذا اشْتَرَكَ جماعةٌ في قَطْعِ طَرَفٍ، أو جُرحٍ مُوجِبٍ للقِصاصِ وتَساوَتْ أفْعالُهم، مثلَ أن يضَعُوا الحَدِيدةَ على يَدِه ويتَحامَلُوا عليها جميعًا حتى تَبِينَ، فعلى جَمِيعِهم القِصاصُ، في أشْهرِ الرِّوايتَيْن) وهى التى ذكَرها الخِرَقِىُّ. وبذلك قال مالكٍ، والشافعى (1)، وأبو
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثَوْرٍ. وقال الحسنُ، والزُّهْرِىُّ، والثَّوْرىُّ، وأصحابُ الرَّأْى، وابنُ المُنْذِرِ: لا تُقْطَعُ يَدانِ بيَدٍ واحدةٍ. وهى الروايةُ الأُخْرَى؛ لأَنَّه رُوِى عنه أنَّ الجماعةَ لا يُقْتَلون بالواحدِ. وهذا تَنْبيهٌ على أنَّ الأطْرَافَ لا تُؤْخَذُ بطَرَفٍ واحدٍ؛ لأَنَّ الأَطْرَافَ يُعتَبَرُ التَّساوِى فيها، بدليلِ أنَّا لا نَأخُذُ الصَّحِيحةَ بالشَّلَّاءِ، ولا كامِلَةَ الأصابعِ بناقِصَتِها (1)، ولا أصْلِيَّةً بزائدةٍ، ولا يَمِينًا بيَسارٍ، ولا يَسارًا بيَمين، ولا تَساوِىَ بينَ الطَّرَفِ والأطْرَافِ، فوَجَبَ امْتِناعُ القِصاصِ بينَهما، ولا يُعتَبَرُ التَّساوِى في النَّفْسِ، فإنَّا نَأْخُذُ الصَّحِيحَ بالمريضِ، وصَحِيحَ الأطْرَافِ بمقْطُوعِها وأشَلِّها، ولأنَّه يُعتَبَرُ في القِصاصِ في الأطْرَافِ التَّساوِى (2) في نَفْسِ القَطْعِ، بحيث لو قطَع كُل واحدٍ مِن جانبٍ (3)، لم يَجِبِ القِصاصُ، بخِلافِ النَّفْسِ، ولأَنَّ الاشْتِراكَ المُوجِبَ للقِصاصِ في النَّفْسِ يَقَعُ كثيرًا، فوَجَبَ القِصاصُ زَجْرًا عنه، كَيْلا يُتَّخَذَ وسِيلةً إلى كَثْرَةِ القَتْلِ، والاشْتِراكُ المُخْتَلَفُ فيه لا يَقَعُ إلَّا في غايةِ النُّدرَةِ، فلا حاجةَ إلى الزَّجْرِ عنه، ولأَنَّ إيجابَ القِصاصِ على المُشْتَرِكينَ في النَّفْسِ يحْصُلُ به الزَّجْرُ عن كُلِّ اشْتِراكٍ، أو عن الاشْتِراكِ المُعتادِ، وإيجابُه على المُشْترِكينَ في
(1) في ق، م:«بناقصة» .
(2)
في الأصل، تش:«تساوى» .
(3)
بعده في م: «الآخر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطَّرَفِ لا يَحْصُلُ به الزَّجْرُ عن الاشْتِراكِ المُعتادِ، ولا عن شئٍ مِنَ الاشْتِراكِ، إلَّا عن صُورَةٍ نادرةِ الوُقوعِ، بَعِيدةِ الوُجُودِ، يُحْتاجُ في وُجُودِها إلى تَكَلُّفٍ، فإيجابُ القِصاصِ للزَّجْرِ عنها يكون مَنْعًا لشئٍ لا يَكادُ يَقَعُ لصُعُوبَتِه، وإطْلاقًا في القَطْع السَّهْلِ المُعْتادِ بِنَفْى القِصاصِ عن فاعِلِه، وهذا لا فائدَةَ فيه، بخلافِ الاشْتِراكِ في النَّفْسِ، يُحَقِّقُه أنَّ وُجُوبَ القِصاصِ في الطَّرَفِ والنَّفْسِ على الجماعةِ بواحدٍ على خِلافِ الأصْلِ، لكَوْنِه يأخُذُ في الاسْتِيفاءِ زِيادَةً على ما فوَّتَ عليه، ويُخِلُّ بالتَّماثُلِ المَنْصُوصِ على النَّهْى عمَّا عَداه، وإنَّما خُولِفَ هذا الأصلُ زَجْرًا عن الاشْتِراكِ الذى يَقَعُ القَتْلُ به غالِبًا، ففيما عَدَاه يَجِب البَقاءُ على أصْلِ التَّحْريمِ، ولأَنَّ النَّفْسَ أشْرَفُ مِنَ الطَّرَفِ، ولا يَلْزَمُ مِن المُحافظةِ عليها بأَخْذِ الجماعةِ بالواحدِ، المُحافظَةُ على ما دُونَها بذلك. ولَنا، ما رُوِى أنَّ شاهِدَينِ شَهِدا عندَ علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، على رَجُل بالسَّرِقَةِ، فقَطَعَ يَدَه، ثم جاءَا بآخَرَ، فقالا: هو السَّارِقُ، وأخْطَأْنا في الأَوَّلِ. فرَدَّ شَهادَتَهُما على الثانى، وغَرَّمَهُما دِيَةَ يَدِ الأَوَّلِ، وقال: لو عَلِمتُ أنَّكُما تَعَمَّدْتُما لمَطَعتُكُما (1). فأخْبَرَ أنَّ القِصاصَ على كلِّ واحدٍ منهما لو تَعَمَّدَا قَطْعَ يَدٍ واحدةٍ. ولأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ القِصاصِ، فيُؤْخَذُ فيه الجماعةُ بالواحدِ، كالأنْفُس (2)، وأمَّا اعتِبارُ التَّساوِى، فمِثْلُه في الأنْفُسِ (3)؛
(1) تقدم تخريجه في صفحة 32.
(2)
في الأصل: «كالنفس» .
(3)
في الأصل: «النفس» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّا نَعتَبِرُ التَّساوِىَ فيها فلا نأْخُذُ مُسْلِمًا بكافِر، ولا حُرًّا بعَبْدٍ، وأمَّا أَخْذُ صَحيحِ الأَطْرَافِ بمقْطُوعِها، فلأنَّ الطَّرَفَ ليس هو مِنَ النَّفْسِ المُقْتَصِّ منها، وإنَّما يُؤْخَذُ تَبَعًا، ولذلك (1) كانتْ دِيَتُهُما واحدةً، بخِلافِ اليَدِ النَّاقِصَةِ والشَّلَّاءِ مع الصَّحِيحةِ، فإنَّ دِيَتَهُما مُخْتلِفة. وأمَّا اعتِبارُ التَّساوِى في الفِعْلِ، فإنَّما اعتُبِرَ في اليَدِ؛ لأنَّه يُمْكِنُ مُباشَرَتُها بالقَطْعِ، فإذا قطَع كلُّ واحدٍ منهما مِن جانبٍ، كان (2) فِعْلُ كلِّ واحدٍ منهما مُتَمَيِّزًا عن فِعْلِ الآخرِ، فلا يَجِبُ على إنْسانٍ قَطْعُ مَحَلٍّ لم يُقْطَعْ مثلُه، وأمَّا النَّفْسُ، فلا يُمكِنُ مُباشَرَتُها بالفِعلِ، وإنَّما أفْعالُهم في البَدَنِ، فَيُفْضِى (3) أَلَمُه إليها فتَزْهَقُ، ولا يتَمَيَّزُ أَلَمُ فِعْلِ أحَدِهما مِن ألَمِ فِعْلِ (4) الآخَرِ، فكانا كالقاطِعَيْنِ في مَحَل واحدٍ، ولذلك لا يُسْتَوْفَى مِن الطَّرَفِ إلَّا في المَفْصِلِ الذى قطَع الجانِى منه (5)، ولا يجوزُ تَجاوُزُه، وفى النَّفْسِ لو قَتَلَه بجُرْحٍ في جَنْبِه أو بَطْنِه أو غيرِ ذلك، كان الاسْتِيفاءُ مِنَ العُنُقِ دونَ المَحَلِّ الذى وقَعَتِ الجِنايةُ فيه. إذا ثبَت هذا، فإنَّ الجِنايةَ إنَّما تَجِبُ على المُشْتَرِكينَ في الطَّرَفِ، إذا اشْتَرَكُوا فيه على وَجْهٍ لا يتَمَيَّزُ فِعلُ أحَدِهم
(1) بعده في الأصل، تش:«لو» .
(2)
في ق، م:«فإن» .
(3)
في الأصل: «فيقتضى» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في الأصل: «به» .