الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
الرَّابعُ، أَنْ لَا يَكُونَ أَبًا لِلْمَقْتُولِ، فَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِى ذَلِكَ سَواءٌ.
ــ
فصل: (الرّابعُ، أن لا يكونَ أبًا للمَقتُولِ، فلا يُقْتَلُ الوالِدُ بوَلَدِه وإن سَفَل، والأبُ والأُمُّ في ذلك سَواءٌ) وجملةُ ذلك، أنَّ الأبَ لا يُقْتَلُ بوَلَدِه، ولا بوَلَدِ وَلَدِه، وإن نَزَلَتْ دَرَجَتُه، وسَواءٌ في ذلك وَلَدُ البَنِينَ ووَلَدُ البَناتِ. وممَّن نُقِلَ عنه أنَّ الوالدَ لا يُقْتَلُ بوَلَدِه (1)، عمرُ بنُ الخَطّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال رَبِيعَةُ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقال ابنُ نافِعٍ، وابنُ عبدِ الحَكَمِ، وابنُ المُنْذِرِ (2): يُقْتَلُ به؛ لظاهِرِ آىِ الكِتابِ، والأخْبارِ المُوجِبَةِ للقِصاصِ. ولأنَّهما حُرَّان مسلمان مِن أهلِ القِصاصِ، فوَجَبَ أن يُقْتَلَ كلُّ واحِدٍ منهما بصاحِبِه؛ كالأجْنَبِيَّيْنِ. وقال ابنُ المُنْذِرِ (2):
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد رُوِى (1) في هذا البابِ أخْبارٌ. وقال مالِكٌ: إن قَتَلَه حَذْفًا بالسَّيْفِ ونحوِه، لم يُقْتَلْ به، وإن ذَبَحَه، أو قَتَلَه قَتْلًا لا يُشَكُّ في أنَّه عَمَد إلى قَتْلِه دُونَ تَأْدِيبِه، أُقِيدَ به. ولَنا، ما روَى عمرُ بنُ الخَطَّابِ، وابنُ عباسٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ» . أخْرَجَ النَّسَائِىُّ حديثَ عمرَ (2)، ورَواهما ابنُ ماجه (3). وذَكَرَهما ابنُ عبدِ البَرِّ (4)، وقال (4): هو حديثٌ مَشْهُورٌ عندَ أهلِ العلمِ بالحِجازِ والعِراقِ، مُسْتَفِيضٌ عندَهم، يُسْتَغْنَى بشُهْرَتِه وقَبُولِه والعَمَلِ به عن الإِسْنادِ فيه، حتى يكونَ الإِسْنادُ في مِثْلِه مع شُهْرَتِه تَكَلُّفًا. ولأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أنْتَ ومَالُكَ لأبِيكَ» (5). وقَضِيَّةُ هذه الإِضافَةِ تمْلِيكُه إيّاه، فإذا لم تَثْبُتْ حقيقةُ المِلْكِيَّةِ، ثَبَتَتْ هذه (6) الإِضافَةُ شُبْهَةً في دَرْءِ
(1) في م: «رووا» ، وفى تش:«ورد» .
(2)
وأخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 49.
وانظر ما تقدم في صفحة 105.
(3)
في: باب لا يقتل الوالد بولده، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 888.
كما أخرج حديث ابن عباس الترمذى، في: باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه يقاد منه أو لا، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى 6/ 175. والدارمى، في: باب القود بين الوالد والولد، من كتاب الديات. سنن الدارمى 2/ 190.
(4)
في التمهيد 23/ 437.
(5)
تقدم تخريجه في 7/ 94، 17/ 106.
(6)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِصاصِ؛ لأنَّه يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ولأنَّه سَبَبُ إيجادِه، فلا يَنْبَغِى أن يَتَسَلَّطَ بسَبَبِه على إعْدامِه. وما ذكَرْناه يَخُصُّ العُمُوماتِ، ويُفارِقُ الأبُ سائِرَ الناسِ، فإنَّهم لو قَتَلُوا بالحَذْفِ بالسَّيْفِ، وَجَب عليهم القِصاصُ، والأبُ بخِلافِه.
فصل: والجَدُّ وإن عَلا كالأبِ في هذا، وسَواءٌ كان مِن قِبَلِ الأبِ أو مِن قِبَلِ الأُمِّ، في قولِ أكثَرِ مُسْقِطِى القِصاصِ عن الأبِ. وقال الحسنُ ابنُ حَىٍّ: يُقْتَلُ به. ولَنا، أنَّه والِدٌ، فيَدْخُلُ في عُمُومِ النَّصِّ. ولأَنَّ ذلك حُكْمٌ يتَعَلَّقُ بالوِلادَةِ، فاسْتَوَى فيه القَرِيبُ والبَعِيدُ، كالمَحْرَمِيَّةِ، والعِتْقِ إذا مَلَكَه. والجَدُّ مِن قِبَلِ الأُمِّ كالذى مِن قِبَلِ الأبِ، قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم[في الحَسَنِ] (1):«إنَّ ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ» (2).
فصل: ويَسْتَوِى في ذلك الأبُ والأمُّ، في الصَّحِيحِ مِن المَذْهَبِ، وعليه العَمَلُ عندَ مُسْقِطِى القِصاص عِن الأب. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه لا يَسْقُطُ عن الأُمِّ، فإنَّ مُهَنَّا نَقَلَ عنه، في أُمِّ ولدٍ قَتَلَتْ سَيِّدَها عمدًا، تُقْتَلُ. قال: مَن يَقْتُلُها؟ قال: وَلَدُها. وخَرَّجَها أبو بكرٍ على رِوايَتَيْن؛ إحْداهما، أنَّ الأُمَّ تُقْتَلُ بوَلَدِها؛ لأنَّها لا وِلايَةَ لها عليه، أشْبَهَ الأخَ.
(1) زيادة من: الأصل، ر 3.
(2)
تقدم تخريجه في 7/ 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصَّحيحُ الأَوَّلُ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بوَلَدِه» . ولأنَّها أحَدُ الأبَوَيْن، فأشْبَهَتِ الأبَ. ولأنَّها أوْلَى بالبِرِّ، فكانت أوْلَى بنَفْىِ القِصاصِ عنها، والوِلايَةُ غيرُ مُعْتَبَرَةٍ، بدليلِ انْتِفاءِ القِصاصِ عن الأبِ بقَتْلِ وَلَدِه الكبيرِ الذى لا وِلايةَ له عليه، وعن الأبِ المُخالِفِ في الدِّينِ، أو الرَّقِيقِ. والجَدَّةُ وإن عَلَتْ في ذلك كالأُمِّ، وسَواءٌ في ذلك مِن قِبَلِ الأبِ، أو مِن قِبَلِ الأُمِّ؛ لِما ذَكَرْنا في الجَدِّ.
فصل: وسواءٌ في ذلك اتِّفاقُهما في الدِّينِ والحُرِّيَّةِ واخْتِلافُهما فيه؛ لأَنَّ انْتِفاءَ (1) القِصاصِ لشَرَفِ الأُبُوَّةِ، وهو مَوْجُودٌ في كلِّ حالٍ، فلو قَتَل الكافرُ وَلَدَه (2) المسلمَ، أو قَتَل المسلمُ أباه الكافرَ، أو قَتَل العبدُ وَلَدَه الحُرَّ، أو قَتَل الحُرُّ وَالِدَه (3) العبدَ، لم يَجِبِ القِصاصُ لشَرَفِ الأُبُوَّةِ فيما إذا قَتَل وَلَدَه، وانْتِفاءِ المُكافَأةِ فيما إذا قَتَل والِدَه.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «والده» .
(3)
في م: «ولده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا تَداعَى نَفْسان نَسَبَ صغيرٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ، ثم قَتَلاه قبلَ إلْحاقِه بواحدٍ منهما، فلا قِصاصَ عليهما؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ ابنَ كلِّ واحدٍ منهما أو ابنَهما. وإن ألْحَقَتْه القافَةُ بأحَدِهما، ثم قَتَلاه، لم يُقْتَلْ أبوه، وقُتِل الآخَرُ؛ لأنَّه شَرِيكُ الأبِ في قَتْلِ الابنِ. وإن رَجَعا جميعًا عن الدَّعْوَى، لم يُقْبَلْ رُجُوعُهما؛ لأَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ للوَلَدِ، فلم يُقْبَلْ رُجُوعُهما عن إقْرارِهما به، كما لو أقَرّا له بحَقٍّ سِواه، أو كما لو ادَّعاه واحدٌ، فأُلْحِقَ به، ثم جَحَدَه. وإن رَجَع أحَدُهما، صَحَّ رُجُوعُه، وثَبَت نَسَبُه مِن الآخَرِ؛ لأَنَّ رُجُوعَه لا يُبْطِلُ نَسَبَه، ويَسْقُطُ القِصاصُ عن الذى لم يَرْجِعْ، ويَجبُ على الرَّاجِعِ؛ لأنَّه شارَكَ الأبَ، وإن عُفِىَ (1) عنه، فعليه نِصْفُ الدِّيَةِ. ولو اشْتَرَكَ رَجُلان في وَطْءِ امرأةٍ في طُهْرٍ واحدٍ، وأتَتْ بوَلَدٍ يُمْكِنُ أن يكونَ منهما، فقَتَلاه قبلَ إلحاقِه بأحَدِهما، لم يَجِبِ القِصاصُ. وإن نَفَيَا نَسَبَه، لم يَنْتَفِ [بقَوْلِهما، وإن نَفاه أحَدُهما، لم يَنْتَفِ](2) بقَوْلِه؛ لأنَّه لَحِقَه (3) بالفِراشِ، فلا يَنْتَفِى إلَّا باللِّعانِ. وفارَقَ التىِ قبلَها مِن وَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّ أحَدَهما إذا رَجَع عن دَعْواه، لَحِق الآخرَ، وههُنا لا يَلْحَقُ بذلك. والثانى، أنَّ ثُبُوتَ نَسَبِه ثَمَّ (4)
(1) في م: «عفا» .
(2)
سقط من: ق، م.
(3)
في م: «لحق» .
(4)
في الأصل، م:«تم» .