الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الطريق الثاني عشر: الحكم بثلاثة رجال
.
وذلك فيما إذا ادَّعى الفقر من عُرِفَ غناه، فإنَّه لا يقبل منه إلَّا ثلاثة شهود، وهذا منصوص الإمام أحمد
(1)
.
وقال بعض أصحابنا: يكفي فيه شاهدان
(2)
.
واحتج الإمام أحمد بحديث قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم أسأله، فقال: "يَا قَبيصَةُ أَقِمْ عندنا حَتَّى تَأْتِيْنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُر لَكَ بِهَا. ثمَّ قالَ: يَا قَبيصَةُ إنَّ المَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لأَحَدِ ثَلَاثَةِ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّت لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّت لَهُ المَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ -
(3)
: سِدَدًا مِنْ عَيْشٍ" وذكر الحديث، رواه مسلم
(4)
.
واختلف أصحابنا في نصِّ أحمد: هل هو عامٌ أو خاصٌّ؟ فقال
(1)
انظر: المغني (14/ 128)، المحرر (1/ 223)، الاختيارات (363)، شرح الزركشي (7/ 303)، شرح منتهى الإرادات (1/ 461)، كشاف القناع (2/ 286)، الفواكه العديدة (2/ 192). وقال ابن القيم:"وهو الصوابُ الَّذي يتعين القول به".
(2)
انظر: المغني (14/ 128)، المحرر (1/ 223). وانظر: المراجع السابقة.
(3)
"قوامًا من عيش أو قال" ساقطة من "و".
(4)
تقدم تخريجه.
القاضي
(1)
: إنَّما هذا في حِلِّ المسألة، كما دلَّ عليه الحديث، وأمَّا الإعسارُ، فيكفي فيه شاهدان
(2)
.
وقال الشيخ أبو محمد
(3)
: وقد نُقل عن أحمد في الإعسار ما يدل على أنه لا يثبت إلا بثلاثة
(4)
.
قلت: إذا كان في باب أخذ الزكاة وحل المسألة يعتبر العدد المذكور، ففي باب دعوى الإعسار المسقط لأداء الديون، ونفقة الأقارب والزوجات: أولى وأحرى؛ لتعلق حق العبد بماله، وفي باب المسألة وأخذ الصدقة: المقصود ألا يأخذ ما لا يحل له، فهناك اعتبرت البينة لئلا يمتنع
(5)
من أداء الواجب، وهنا لئلا يأخذ المحرم، والله أعلم
(6)
.
(1)
أبو يعلى.
(2)
انظر: المغني (14/ 128)، شرح الزركشي (7/ 303).
(3)
موفق الدِّين ابن قدامة.
(4)
المغني (14/ 128).
(5)
في "ب" و"جـ" و"هـ" و"و": "يمنع".
(6)
"والله أعلم" مثبتة من "د".
فصل
الطريق الثالث عشر: الحكم بأربعة رجال أحرار.
وذلك في حد
(1)
الزنا واللواط، أما الزنا: فبالنص
(2)
والإجماع
(3)
، وأما اللواط: فقالت طائفة: هو مقيس عليه في نصاب الشهادة، كما هو مقيس عليه
(4)
في الحد.
وقالت طائفة: بل هو داخل في مسمى الزنا؛ لأنه وطء فرج محرم، وهذا لا تعرفه العرب، فقال هؤلاء: هو داخل في مسمى الزنا شرعًا.
وقالوا: والأسماء الشرعية قد تكون أعم من اللغوية وتكون أخص
(5)
.
وقالت طائفة: بل هو أولى بالحد من الزنا، فإنه وطء فرج لا يستباح بحال
(6)
، والداعي إليه قوي، فهو أولى بوجوب الحد، فيكون نصابه نصاب حد الزنا.
(1)
"حد" ساقطة من "ب".
(2)
قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} [النور: 13].
(3)
الإجماع لابن المنذر (70)، مراتب الإجماع لابن حزم (130)، المعونة (3/ 1385).
(4)
"في نصاب الشهادة كما هو مقيس عليه" ساقطة من "و".
(5)
وفي "د" و"هـ" و"و": "والاسم قد يكون اسمًا في اللغة ويكون أخص".
(6)
انظر: الفواكه الدواني (2/ 209).
وقياس قول من لا يرى فيه الحد - بل التعزيز - أن يكتفى فيه بشاهدين، كسائر المعاصي التي لا حد فيها، وصرحت به الحنفية
(1)
وهو مذهب أبي محمد ابن حزم
(2)
.
وقياس قول من جعل حده القتل بكل حال - محصنًا كان أو بكرًا - أن
(3)
يكتفى فيه بشاهدين، كالردة والمحاربة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد
(4)
، وأحد قولي الشافعي
(5)
، ومذهب
(6)
مالك
(7)
رضي الله عنهم، لكن صرحوا بأن حد اللواط لا يقبل فيه أقل من أربعة.
ووجه ذلك: أن عقوبته عقوبة الزاني المحصن، وهو الرجم بكل حال.
(1)
انظر: فتح القدير (5/ 343)، معين الحكام (90)، الهداية مع البناية (8/ 126 و 255)، الجوهرة النيرة (2/ 225).
(2)
المحلى (11/ 390)، مراتب الإجماع (131).
(3)
"أن" ساقطة من "د" و"هـ" و"و".
(4)
"عن أحمد" ساقطة من "ب". وانظر: مختصر الخرقي (124)، المحرر (2/ 153)، الكافي (4/ 198)، المغني (9/ 57)، المبدع (9/ 66).
(5)
انظر: الأم (7/ 101)، حلية العلماء (8/ 270)، أبي القاضي لابن أبي الدم (424)، نهاية المحتاج (8/ 311)، الإقناع للخطيب (4/ 371)، مغني المحتاج (4/ 441).
(6)
"ومذهب" ساقطة من "و".
(7)
انظر: الاستذكار (24/ 79)، الكافي (574)، المعونة (3/ 1399)، المدخل لابن الحاج (3/ 115)، تبصرة الحكام (2/ 257)، التفريع (2/ 225)، مواهب الجليل (6/ 178)، الفواكه الدواني (2/ 209).
وقد يحتج
(1)
على
(2)
اشتراط نصاب الزنا في حد اللواط بقوله تعالى لقوم لوط: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)} [النمل: 54] وقال في الزنا: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15].
وبالجملة: فلا خلاف بين من أوجب عليه حد الزنا
(3)
أو الرجم بكل حال أنه لا بد فيه من أربعة شهود أو إقرار
(4)
.
وأما أبو حنيفة
(5)
وابن حزم
(6)
: فاكتفيا فيه بشاهدين
(7)
، بناءً على أصلهما.
وأما الحكم بالإقرار بهما
(8)
، فهل يكتفى فيه بشاهدين أو لا بد من أربعة: فيه قولان في مذهب مالك
(9)
والشافعي
(10)
، وروايتان عن
(1)
وفي "ب": "احتج".
(2)
"على" ساقطة من "أ".
(3)
في "و": "الزاني".
(4)
انظر: تفسير ابن كثير (6/ 11).
(5)
انظر: فتح القدير (5/ 343)، معين الحكام (90)، الهداية مع البناية (8/ 126 و 255)، الجوهرة النيرة (2/ 225).
(6)
المحلَّى (11/ 390).
(7)
في "ب": "فيكفي فيه شاهدان".
(8)
في "ب": "الحكم بإقرارهما".
(9)
انظر: بلغة السالك (4/ 265)، الشرح الكبير (4/ 316)، الفواكه الدواني (2/ 223).
(10)
انظر: حلية العلماء (8/ 283)، أدب القاضي لابن أبي الدم (424)، المنهاج =
أحمد
(1)
، فمن لم يشترط الأربعة
(2)
قال: إقامة الحد إنما مستنده
(3)
إلى الإقرار.
فالشهادة عليه والإقرار يثبت بشاهدين، ومن اشترط الأربعة قال: الإقرار
(4)
كالفعل، فكما أننا لا نكتفي في الشهادة على الفعل إلا بأربعة، فكذلك الشهادة على القول.
يوضحه: أن كل واحد من الفعل والقول موجب للحد، فإذا كان الفعل الموجب لا يثبت إلا بأربعة، فالقول الموجب كذلك.
قال أصحاب القول الآخر
(5)
: الفعل موجب بنفسه، والقول دال على الفعل الموجب، فبينهما مرتبة.
قال أصحاب القول الآخر: لا تأثير لذلك
(6)
، وإذا كنا لا نحده إلا بإقرار أربع مرات، فلا نحده إلا بشهادة أربعة
(7)
على الإقرار.
= (4/ 441) مع مغني المحتاج، نهاية المحتاج (8/ 311).
(1)
انظر: المحرر (2/ 312)، شرح الزركشي (7/ 301)، الروض المربع (723)، كشاف القناع (6/ 433).
(2)
في "د" و"هـ" و"و": "الأربع".
(3)
في باقي النسخ عدا "أ": "إنَّما هي مستندة".
(4)
"قال الإقرار" ساقطة من "ب".
(5)
في "أ": "الأخير".
(6)
في "ب": "إنَّما هو كذلك".
(7)
في "أ" و"ب" و"د" و"هـ": "أربع".
فصل
وأما إتيان البهيمة
(1)
: فإن قلنا يوجب الحد، لم يثبت إلا بأربعة
(2)
.
وإن قلنا: يوجب
(3)
التعزيز - كقول أبي حنيفة
(4)
والشافعي
(5)
ومالك
(6)
- ففيه وجهان:
أحدهما: لا يقبل فيه إلا أربعة؛ لأنه فاحشة، وإيلاج فرج في فرج
(1)
انظر: الجواب الكافي (274)، زاد المعاد (5/ 41).
(2)
انظر: حلية العلماء (8/ 272)، الأم (7/ 101)، روضة الطالبين (7/ 311)، بجيرمي (4/ 371)، الإقناع (4/ 371)، التهذيب (7/ 337)، المغني (2/ 376)، المحرر (2/ 312)، شرح الزركشي (7/ 301)، الروض (724).
(3)
"الحد لم يثبت إلَّا بأربعة وإن قلنا يوجب" ساقطة من "ب".
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 34)، المبسوط (9/ 102)، روضة القضاة (2/ 1303)، النتف في الفتاوى (1/ 270)، الهداية (6/ 259) مع "البناية"، فتح القدير (5/ 265)، البحر الرَّائق (5/ 29)، الفتاوى الهندية (2/ 150).
(5)
انظر: الأم (7/ 101)، التهذيب (7/ 337)، معرفة السنن والآثار (12/ 315)، روضة الطالبين (7/ 311) و (8/ 255)، بجيرمي (4/ 371)، الإقناع (4/ 371)، مغني المحتاج (4/ 441)، نهاية المحتاج (8/ 310)، حلية العلماء (8/ 272).
(6)
انظر: المدونة (6/ 214)، التفريع (2/ 225)، المعونة (3/ 1400)، تبصرة الحكام (2/ 254)، تفسير القرطبي (7/ 244)، المعيار المعرب (2/ 419)، الكافي (274)، التاج والإكليل (8/ 392).