الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك من الأسماء العرفية الاصطلاحية -، فإن حكم الله تبارك وتعالى شامل لجميع الخلائق، وعلى كل من ولي أمرًا من أمور الناس، أو حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل فيحكم بكتاب الله وسنة رسوله وهذا هو الشرع المنزل من عند الله تعالى، قال الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]، وقال تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48].
فالدعاوى قسمان:
دعوى تهمة
،
ودعوى غير تهمة
.
فدعوى التهمة: أن يُدَّعى فعل محرم على المطلوب، يوجب عقوبته، مثل قتل، أو قطع الطريق، أو سرقة، أو غير ذلك من العدوان الذي يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأحوال.
وغير التهمة: أن يدعي عقدًا من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان، أو غير ذلك.
وكل من القسمين قد يكون حدًّا محضًا، كالشرب والزنا، وقد يكون حقًّا محضًا لآدمي، كالأموال، وقد يكون متضمنًا للأمرين، كالسرقة وقطع الطريق. فهذا القسم إن أقام عليه المدعي
(1)
حجة
= المتنازعين عن التجاحد بالهيبة. الأحكام السلطانية للماوردي (102)، ولأبي يعلى (73).
(1)
في "أ": "المدعى عليه"، وهو خطأ ظاهر.
شرعية، وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه.
لما روى مسلم في "صحيحه"
(1)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ اليَمِيْنَ عَلَى المُدَّعَىَ عَلَيْه"، وفي رواية في "الصحيحين"
(2)
عنه: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاليَمِيْنِ عَلىَ المُدَّعَى عَلَيْهِ".
فهذا الحديث نص أن
(3)
أحدًا لا يعطى بمجرد دعواه، ونص في أن الدعوى المتضمنة للإعطاء فيها اليمين ابتداءً على المدعى عليه وليس فيها أن الدعاوى الموجبة للعقوبات لا توجب اليمين إلا على المدعى عليه.
بل قد ثبت عنه
(4)
في "الصحيحين"
(5)
في قصة القسامة: أنه قال لمدعي الدم: "تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَقَالوا: كَيف نحلف، ولم نشهد، ولم نر؟ قال: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهودُ بَخَمْسِينَ يَمِينًا".
وثبت في "صحيح مسلم"
(6)
عن ابن عباس: "أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَضَى
(1)
في الأقضية: باب اليمين على المدعى عليه (12/ 243) رقم (1711).
(2)
البخاري (5/ 172) رقم (2514)، ومسلم (12/ 243) رقم (1711) مكرر.
(3)
في "جـ": "نص في أن".
(4)
"عنه" من "أ".
(5)
سبق تخريجه. وانظر: تهذيب السنن (6/ 320).
(6)
في الأقضية: باب القضاء بالشاهد واليمين (11/ 244) رقم (1712).
بِيَمين وَشَاهِدٍ". وابن عباس هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه قضى بَاليمين على المدعى عليه"
(1)
، وهو الذي روى:"أنه قضى باليمين والشاهد" ولا تعارض بين الحديثين، بل هذا في دعوى، وهذا في دعوى.
وأما الحديث المشهور على ألسنة الفقهاء: "البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى
(2)
وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"
(3)
فهذا قد روي، ولكن ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أصحاب السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الأمة، إلا طائفة من فقهاء الكوفة، مثل أبي حنيفة وغيره
(4)
، فإنهم يرون اليمين دائمًا في
(5)
جانب المنكر، حتى في القسامة
(6)
، يحلفون المدعى عليه، ولا يقضون بالشاهد واليمين
(7)
، ولا يردون اليمين على المدعي عند النكول
(8)
، واستدلوا بعموم هذا الحديث.
(1)
سبق تخريجه قريبًا.
(2)
في "ب": "البينة على المدعي".
(3)
سبق تخريجه ص: 25.
(4)
"وغيره" ساقطة من "جـ".
(5)
في "جـ" و"هـ": "على".
(6)
انظر: مختصر القدوري (192)، المبسوط (26/ 106)، بدائع الصنائع (7/ 286)، النتف (2/ 679)، لسان الحكام (1/ 397).
(7)
من قوله "يرون اليمين" إلى قوله "بالشاهد واليمين" ساقطة من "ب". انظر: رؤوس المسائل (535)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 342)، عقود الجواهر المنيفة (2/ 69).
(8)
مختصر القدوري (214)، بدائع الصنائع (6/ 230)، المبسوط (17/ 34)، =
وأما سائر علماء الأمة - من أهل المدينة ومكة والشام وفقهاء الحديث وغيرهم، مثل ابن جريج
(1)
ومالك
(2)
والشافعي
(3)
والليث
(4)
وأحمد
(5)
وإسحاق
(6)
-: فتارة يحلفون
(7)
المدعى عليه، كما جاءت بذلك السنة، والأصل عندهم: أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، وأجابوا عن ذلك الحديث: تارة بالتضعيف
(8)
، وتارة بأنه عام، وأحاديثهم خاصة
(9)
، وتارة بأن أحاديثهم أصح وأكثر
(10)
، فالعمل بها
= مختصر اختلاف العلماء (3/ 383)، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (174)، طريقة الخلاف (418)، عقود الجواهر المنيفة (2/ 69)، فتح القدير (8/ 172)، الهداية (5/ 143).
(1)
مجموع الفتاوى (35/ 392).
(2)
انظر: المنتقى (5/ 210)، الخرشي على خليل (7/ 242)، فتح العلي المالك (1/ 282).
(3)
انظر: الأم (6/ 325)، فتاوى السبكي (1/ 334)، أسنى المطالب (2/ 118)، الغرر البهية (4/ 354)، تحفة المحتاج (10/ 253).
(4)
المغني (12/ 202)، الشرح الكبير (26/ 149)، مجموع الفتاوى (35/ 392).
(5)
المغني (12/ 202)، المقنع (295)، الشرح الكبير (26/ 149)، الإنصاف (26/ 148)، مطالب أولي النهى (6/ 154)، كشاف القناع (6/ 69).
(6)
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 392).
(7)
في الفتاوى (35/ 392): "فتارة يحلفون المدعي وتارة يحلفون المدعى عليه".
(8)
انظر: المغني (14/ 131).
(9)
انظر: المغني (12/ 204)، الشرح الكبير (26/ 151)، الممتع في شرح المقنع (5/ 628).
(10)
انظر: المراجع السابقة.
عند التعارض أولى.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه طلب البينة من المدعي، واليمين من المنكر" في حكومات معينة، ليست من جنس دعاوى التهم، مثل ما خرّجا في "الصحيحين"
(1)
عن الأشعث بن قيس أنه قال: "كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُل
(2)
حُكُومَةٌ فِي بِئرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فَقَال:"شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ"، فَقَلْتُ: إذا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ
(3)
يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئ مُسْلِمٍ - هُوَ فِيهَا فَاجِر - لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضبَان"، وفي رواية فقال: "بَيَّنَتُكَ أنَّها بِئْرُكَ، وَإِلَّا فَيَمِينُهُ"
(4)
.
وعن وائل بن حُجر قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الذي من حضرموت: يا رسول الله، إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قال: لا، قال:"فَلَكَ يَمِينُهُ"، فقال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما
(1)
البخاري (5/ 172) رقم (2516)، ومسلم (2/ 518) رقم (138).
(2)
واسمه "ربيعة بن عبدان" كما جاء مصرحًا به عند مسلم في إحدى روايات الحديث رقم (139).
(3)
سميت "يمين الصبر" لأن صاحبها يصبر عليها أي يلزم بها ويحبس عليها.
انظر: الدلائل في غريب الحديث (1/ 286)، النهاية في غريب الحديث (3/ 8).
(4)
رواه أحمد (5/ 212)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 205) رقم (640) وإسناده حسن.