المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ إذا ادعى الخصم الفلس، وأنه لا شيء معه

- ‌ المستأجر ومالك الدار إذا تنازعا دفينًا في الدار

- ‌ اللقيط(5)إذا تداعاه اثنان، ووصف أحدهما علامة(6)خفية بجسده

- ‌البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره

- ‌ أخذ ما يسقط من الإنسان مما لا تتبعه همته

- ‌ أخذ ما يسقط من الحب عند الحصاد

- ‌ أخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه من الطعام والخرق

- ‌ لا يقبل قول المرأة: إن زوجها لم يكن ينفق عليها

- ‌ الشرب من المصانع الموضوعة على الطرقات

- ‌ القول قول المرتهن(4)في قدر الدين، ما لم يزد عن قيمة الرهن

- ‌ لو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة، فبادر وهدم الحائط

- ‌ لو رأى العدو يقصد مال غيره الغائب، فبادر وصالحه على بعضه

- ‌ الشريعة لا ترد حقًّا، ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارة صحيحة

- ‌البينة" في الشرع:

- ‌ فقء عين الناظر إلى بيت الرجل من خص(1)أو طاقة

- ‌ الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه(6)، في غير الحدود

- ‌الطريق الأول: أنها خلاف كتاب الله، فلا تقبل

- ‌الطريق الثاني: أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه

- ‌ الحكم بشهادة الشاهد الواحد، إذا علم صدقه من غير يمين

- ‌ شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان

- ‌ شهادة المرأة الواحدة في الرضاع

- ‌ القضاء بشهادة النساء منفردات في غير(1)الحدود والقصاص

- ‌فصل في القضاء بالنكول ورد اليمين

- ‌ إذا وجد بخط أبيه في دفتره: أن له(3)على فلان كذا وكذا

- ‌فصل في مذاهب أهل المدينة في الدعاوى

- ‌المرتبة الأولى: دعوى يشهد لها العرف بأنها مشبهة

- ‌ دعوى تهمة

- ‌ ودعوى غير تهمة

- ‌ البينة التي هي الحجة الشرعية:

- ‌ تارة تكون شاهدين عدلين ذكرين

- ‌ وتارة أربعة رجال

- ‌ لا يقبل في(6)بينة الإِعسار أقل من ثلاثة

- ‌وتارة تكون الحجة شاهدًا ويمين الطالب

- ‌ وتارة تكون امرأة واحدة عند أبي حنيفة

- ‌ القسامة

- ‌ وتارة تكون يمينًا مردودة، مع نكول المدعى عليه

- ‌ وتارة تكون علامات يصفها المدعي

- ‌ وتارة تكون علامات يختص بها أحد المتداعيين

- ‌ وتارة تكون علامات في بدن اللقيط

- ‌ وتارة تكون قرائن ظاهرة يحكم بها للمدعي مع يمينه

- ‌ لفظ "الشرع" في هذه الأزمنة ثلاثة أقسام:

- ‌الشرع المنزل:

- ‌ الشرع(7)المتأول

- ‌ الشرع المبدل

- ‌ دعاوى التهم:

- ‌القسم الثاني(7): أن يكون المتهم مجهول الحال

- ‌ هل يتخذ الإمام حبسًا

- ‌ هل يحضر(7)الخصم المطلوب بمجرد الدعوى

- ‌القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفًا بالفجور

- ‌ ضرب هذا النوع من المتهمين

- ‌ وهي نوعان: ترك واجب، أو فعل محرم

- ‌المعاصي ثلاثة أنواع

- ‌ نوعٌ فيه حدٌّ ولا كفارة فيه

- ‌ونوعٌ فيه كفارة ولا حدَّ فيه

- ‌ونوعٌ لا كفارة فيه ولا حدٌّ

- ‌ هل يجوزُ أن يبلغ بالتعزير القتل

- ‌ ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده - وقد كتمه

- ‌فصل في الطرق التي يحكم بها الحاكم

- ‌ إذا كان وصيًّا على طفل أو مجنون، وفي يده شيء انتقل إليه عن أبيه

- ‌الطريق الثاني: الإنكار المجرد

- ‌ دعوى الرجل على المرأة النكاح(1)، ودعواها عليه الطلاق

- ‌ فائدة الاستحلاف

- ‌ استثني من عدم التحليف في الحدود صورتان:

- ‌ الثانية: أن يكون المقذوف ميتًا، وأراد القاذف تحليف الوارث

- ‌ممَّا لا يحلف(2)فيه: إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت الإمكان

- ‌الطريق الثالث: أن يحكم باليد مع يمين صاحبها

- ‌ إذا ادعى عليه عينًا في يده، فأنكر، فسأل إحلافه

- ‌ المتهم بالسرقة إذا شوهدت العملة(3)معه، وليس من أهلها

- ‌الأيدي ثلاثة:

- ‌الثانية: يد يعلم أنها محقة عادلة

- ‌الثالثة(6): يد يحتمل أن تكون محقة، وأنْ تكون مبطلة

- ‌الطريق الرَّابع والخامس: الحكم بالنكول(1)وحده، أو به مع رد اليمين

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌إذا رُدَّت اليمين على المدعي، فهل تكون يمينه كالبينة

- ‌إذا قُضِيَ بالنكول فهل يكون كالإقرار أو كالبذل

- ‌إذا قلنا برد اليمين، فهل ترد بمجرد(3)نكول المدعى عليه

- ‌الطريق السادس: الحكم بالشاهد الواحد بلا يمين

- ‌ إذا شهدَ برؤية هلال رمضان شاهدٌ واحد

- ‌ شهادة طبيب واحد وبيطار واحد

- ‌ شهادة القابلة في الاستهلال

- ‌ شهادة خزيمة بن ثابت وحده

- ‌الطريق السَّابع: الحكم بالشَّاهد واليمين

- ‌إذا قضى بالشاهد واليمين، فالحكم بالشاهد وحده، واليمين تقوية

- ‌ إذا قضى باليمين مع الشاهد، فرجع الشاهد

- ‌ تقديم اليمين على الشاهد

- ‌المواضع التي يحكم فيها بالشاهد واليمين:

- ‌ممَّا يثبت بالشاهد واليمين: الغصوب، والعواري، والوديعة

- ‌هل يشترط أن يحلف المدعي(7)على صدق شاهده

- ‌تحليف الشهود

- ‌التحليف(2)ثلاثة أقسام:

- ‌ القسامة مع اللوث في الأموال

- ‌الثالثة: إذا شهد له شاهد واحد حلف معه واستحق

- ‌الخامسة: تحليفه مع شاهديه

- ‌شهادة النساء نوعان:

- ‌الطريق التاسع: الحكم بالنكول مع الشاهد الواحد، لا بالنكول المجرَّد

- ‌ النكول بمنزلة البينة

- ‌الطريق العاشر: الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال وحقوقها

- ‌الطريق الحادي عشر: الحكمُ بشهادة امرأتين فقط من غير يمين

- ‌الفرق بين هذا الباب وباب الشاهد واليمين

- ‌الطريق الثاني عشر: الحكم بثلاثة رجال

- ‌ الوطء المحرم لعارض

- ‌الطريق الرابع عشر: الحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما تقبل فيه شهادة الحر والحرة

- ‌ المقتضي لقبول شهادة المسلم

- ‌الطريق الخامس عشر: الحكم بشهادة الصبيان المميزين

- ‌الطريق السادس عشر: الحكم بشهادة الفساق

- ‌ إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته

- ‌الطريق السابع عشر: الحكم بشهادة الكافر

- ‌ شهادة الكفار بعضهم على بعض

- ‌ اعتبار اللوث في الأموال

- ‌هل ينقض حكم من حكم بغير حكم هذه الآية

الفصل: ‌البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره

"هل مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ " قالا: لا، قال:"فأَرِيَانِي سَيْفَيْكُمَا". فلما نظر فيهما، قال لأحدهما:"هذا قَتَلَهُ"

(1)

. وقضى له بسلبه. وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع

(2)

، فالدم في النصل شاهد عجيب.

وبالجملة: ف‌

‌البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره

(3)

ومَنْ خَصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد، لم يوف مسماها حقه. ولم تأت البينة قط في القرآن مرادًا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادًا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"البَيِّنَةُ على المُدَّعِي"

(4)

(1)

رواه البخاري (3141)(6/ 283)، ومسلم (1752)(12/ 304).

(2)

في "جـ": "في الاتباع".

(3)

انظر: إعلام الموقعين (1/ 131)، مفتاح دار السعادة (1/ 458)، معين الحكام (68)، تبصرة الحكام (1/ 240)، جامع العلوم والحكم (2/ 235)، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (6/ 446).

(4)

روى هذا الحديث جمع من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرو: رواه الترمذي (1341)(3/ 18)، والدارقطني (3/ 110) و (4/ 157)، والبيهقي (10/ 433). قال الترمذي:"هذا حديث في إسناده مقال ومحمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه ضعفه ابن المبارك وغيره" ا. هـ. وضعفه الحافظ في التلخيص (4/ 283). وقال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 204) بعد روايته: "وهذا الحديث وإن كان في إسناده لين فإن الآثار المتواترة في حديث هذا الباب تعضده" ا. هـ. ومن حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب: رواه الدارقطني (4/ 218 - 219)، وابن حبان (5996)(13/ 240)، والطبراني كما في الفتح (5/ 334). قال الألباني رحمه الله عن سند الدارقطني:"هذا إسناد جيد في الشواهد" ا. هـ. الإرواء (8/ 266).

ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الشافعي في الأم (7/ 153)، والبيهقي (10/ 427)، وفي المعرفة (14/ 350)، والبغوي في =

ص: 25

المراد به: أن عليه بيان

(1)

ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة. ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة

(2)

الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة: متقاربة في المعنى.

وقد روى ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله قال: "أردت السفر إلى خيبر، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إني أردت

(3)

الخروج إلى خيبر، فقال: "إذا أَتَيْتَ وَكِيلي فَخُذْ منه خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا

(4)

، فإذا

= شرح السنة (10/ 101). قال السيوطي: "أخرجه الشافعي في الأم من حديث ابن عباس بسند صحيح" ا. هـ. تخريج أحاديث العقائد (23) وفيه نظر لأن في إسناده مسلم بن خالد الزنجي والجمهور على تضعيفه، وله طريق آخر حسَّنه النووي في الأربعين (33)، وابن الصلاح في الكليات. انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 226)، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 334)، وصححه في البلوغ (293) رقم (1483). وقال ابن الملقن:"رواه البيهقي بإسناد جيد" ا. هـ. شرح عمدة الأحكام (10/ 53).

تنبيه: أخرج البخاري (4549) بسنده عن أبي وائل - في قصة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشعث بن قيس: "بينتك أو يمينه" الحديث.

(1)

"بيان" ساقطة من "ب".

(2)

في "أ" و"ب" و"هـ": "لدلالة".

(3)

وفي "ب": "أريد".

(4)

الوَسْق: ستون صاعًا بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد. حلية الفقهاء (1/ 102)، طلبة الطلبة (40)، التوقيف على مهمات التعاريف (725). واختار شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن الصاع النبوي يساوي كيلوين وأربعين جرامًا من البر الجيد. انظر: الشرح الممتع 6/ 76.

ص: 26

طلب منك آية، فَضَعْ يَدَكَ على تَرْقُوتِهِ"

(1)

فهذا اعتماد في الدفع إلى الطالب على مجرد العلامة، وإقامة لها مقام الشاهد.

فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل

(2)

الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدًا لها بالاعتبار، مرتبًا عليها الأحكام.

وقول أبي الوفاء ابن عقيل: "ليس هذا فراسة"، فيقال: ولا محذور في تسميته فراسة، فهي فراسة صادقة

(3)

. وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه، فقال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75]. وهم المتفرسون

(4)

الآخذون بالسِّيما، وهي العلامة، يقال: تفرست فيك كيت وكيت وتوسمته. وقال تعالى:

(1)

التَّرْقُوة: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. فقه اللغة (153)، المصباح المنير (74)، القاموس (1124).

والحديث رواه أبو داود (3615)(10/ 61)، والدارقطني (4/ 154)، والبيهقي (6/ 132) رقم (11432) من طريق أبي داود، وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 112)، وذكر في بلوغ المرام (186) أن أبا داود رواه وصححه. ولم أجده في سنن ابن ماجه المطبوع، ولم أر من نسبه لابن ماجه سوى بعض الفقهاء كابن فرحون في التبصرة (2/ 120)، وصاحب تهذيب الفروق (4/ 169) نقلًا عن التبصرة.

(2)

في "ب": "دلالات".

(3)

قوله "فيقال ولا محذور في تسميته فراسة فهي فراسة صادقة" ساقط من "جـ".

(4)

انظر: تفسير ابن جرير (7/ 528)، معاني القرآن لابن النحاس (4/ 35)، زاد المسير (4/ 409)، تفسير ابن عطية (3/ 370).

ص: 27

{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد: 30]. وقال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273].

وفي "جامع الترمذي" مرفوعًا: "اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فإنه يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ، ثُم قَرَأ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75] "

(1)

.

(1)

رواه البخاري في التاريخ (7/ 354)، والترمذي في جامعه (5/ 200) رقم (3127)، وابن جرير في تفسيره (7/ 528) رقم (21249)، والخطيب في التاريخ (3/ 408) و (7/ 205)، والطبراني في المعجم الأوسط (8/ 410) رقم (7839)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 282) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الترمذي:"هذا حديث غريب" ا. هـ. كما رواه البيهقي في الزهد الكبير (159) رقم (358)، والطبراني في الكبير (8/ 102) رقم (7497)، وفي الأوسط (4/ 160) رقم (3278)، وفي مسند الشاميين (3/ 183) رقم (2042)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. قال ابن عراق:"حديث أبي أمامة على شرط الحسن" ا. هـ. تنزيه الشريعة (2/ 306)، وقال الهيثمي:"رواه الطبراني وإسناده حسن" ا. هـ. مجمع الزوائد (10/ 271). وقال السيوطي: "حديث أبي أمامة بمفرده على شرط الحسن". اللآلئ المصنوعة (2/ 330). والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، أما السيوطي فقال:"حسن صحيح". اللآلئ (2/ 330)، وقال الشوكاني:"وعندي أن الحديث حسن لغيره وأما صحيح فلا" ا. هـ. الفوائد المجموعة (244)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (127)، قال الزبيدي عن طرقه:"وكلها ضعيفة وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق مع وجوده الحكم على الحديث بالوضع". تخريج أحاديث الإحياء (3/ 1336)، ونقله في فيض القدير عن السخاوي. فيض القدير للمناوي (1/ 187).

ص: 28

فصل

وقال ابن عقيل في "الفنون"

(1)

: جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام. فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد

(2)

، وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك:"إلا ما وافق الشرع" أي لم يخالف ما نطق به الشرع: فصحيح. وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف

(3)

، فإنه كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي رضي الله عنه الزنادقة

(4)

في الأخاديد فقال:

(1)

انظر: بدائع الفوائد (3/ 152)، إعلام الموقعين (4/ 451)، الفروع (6/ 115)، مطالب أولي النهى (6/ 224).

(2)

وقيل السياسة: هي القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأموال. البحر الرائق (5/ 118). وعرفها بعضهم: بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسمًا لمادة الفساد. السياسة الشرعية لدده أفندي (73)، ولابن نجيم (17)، حاشية ابن عابدين (4/ 16).

(3)

رواه البخاري (8/ 627) رقم (4987) من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

الزنادقة: جمع زنديق فارسي معرَّب وهو الذي يُظهر الإسلام ويخفي الكفر. المطلع (378)، الإقناع لطالب الانتفاع (4/ 293)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 358)، حاشية العدوي على خليل (1/ 47).

ص: 29

إني إذا شاهدت أمرًا منكرا

(1)

أججت ناري ودعوت قنبرا

(2)

ونفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنصر بن حجاج. ا. هـ

(3)

.

وهذا موضع مَزَلَّة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة، فعطلوا

(4)

الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرَّءوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها

(5)

مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا أنها

(6)

حق مطابق للواقع، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع.

(1)

هكذا في جميع النسخ وسيذكره المؤلف بلفظ آخر ص: (48).

(2)

رواه البخاري (6/ 173) رقم (3017) و (12/ 279) رقم (6922) دون النظم، ومع النظم رواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 343)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 475). قال الحافظ ابن حجر: رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه - وذكر القصة وفيها النظم - ثم قال: "هذا سند حسن" ا. هـ. فتح الباري (12/ 282).

(3)

رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 216)، والخرائطي في "اعتلال القلوب"(2/ 392)، والبلاذري في "الأنساب" قسم الشيخين (211)، وابن شبه في أخبار المدينة (1/ 404)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 322)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 20). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وأخرج ابن سعد والخرائطي بسند صحيح عن عبد الله بن بريدة قال - فذكر القصة ا. هـ. الإصابة (3/ 549).

(4)

في "ب": "فغلظوا".

(5)

في "د": "وغلطوها".

(6)

في "جـ": "أنه".

ص: 30

ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك: نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا من أوضاع سياستهم شرًّا طويلًا، وفسادًا عريضًا، فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه، وعَزّ على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك، واستنقاذها من تلك المهالك.

وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتبه، فإن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه

(1)

، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق، أن مقصوده إقامةُ العدل بين عباده، وقيامُ الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، وليست مخالفة له.

فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا

(1)

قوله "فإن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه" ساقط من "ب".

ص: 31

لمصطلحهم

(1)

، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلامات. فقد حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة

(2)

، وعاقب في تهمة

(3)

، لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم، فمن

(4)

أطلق كل متهم وحلَّفه وخلى سبيله - مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل - فقوله مخالف للسياسة الشرعية.

وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الغال

(5)

من الغنيمة سهمه، وحرق متاعه هو وخلفاؤه من بعده

(6)

.

(1)

في "ب" و"جـ": "لمصطلحكم".

(2)

رواه عبد الرزاق (8/ 306)، وأحمد (5/ 2)، وأبو داود (10/ 58) رقم (3613) مع العون، وابن الجارود في المنتقى (3/ 256) رقم (1003)، والترمذي (3/ 85) رقم (1417)، والنسائي في الكبرى (4/ 328) رقم (7362)، وفي السنن (8/ 67) رقم (4875) ورقم (4876)، والحاكم (4/ 102)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 88) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. وحديث بهز حسنه الترمذي، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، قال ابن القيم:"قال أحمد وعلي بن المديني: هذا إسناد صحيح". زاد المعاد (5/ 5). وحسنه الألباني في تخريجه للمشكاة (2/ 1116).

(3)

انظر: زاد المعاد (5/ 56) وذكره المؤلف. وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الذي كان يتهم بأم ولده. رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه رقم (2771).

(4)

وفي "ب": "ثم".

(5)

الغال: هو الخائن الذي يخفي شيئًا من الغنائم. طلبة الطلبة (145)، النظم المستعذب (2/ 283)، المصباح المنير (452)، غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 45).

(6)

رواه أبو داود (7/ 383) رقم (2698) بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه. قال أبو =

ص: 32

ومنع القاتل من السلب

(1)

لما أساء شافعه على أمير السرية

(2)

(3)

، فعاقب المشفوع له عقوبة للشفيع

(4)

. وعزم على تحريق بيوت تاركي الجمعة

(5)

والجماعة

(6)

.

وأضعف الغرم على سارق ما لا قطع فيه، وشرع فيه جلدات

(7)

؛ نكالًا وتأديبًا. وأضعف الغرم على كاتم الضالة عن

= داود: وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد ولم أسمعه منه: "ومنعوه سهمه". قال ابن القيم: "وعلة هذا الحديث أنه من رواية زهير بن محمد بن عمرو بن شعيب وزهير هذا ضعيف" ا. هـ. تهذيب السنن (7/ 384) مع عون المعبود. ووثقه أحمد وابن معين في أحد قوليه. الجرح والتعديل (3/ 589)، كما وثقه ابن القيم في الطرق. ورواه الحاكم (2/ 131) وقال:"حديث غريب صحيح ولم يخرجاه" وأقره الذهبي. ورجح الحافظ الموقوف في الفتح (6/ 217).

(1)

السلب: بفتح اللام وهو ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه. فتح القدير لابن الهمام (5/ 514)، وروض الطالب "مع شرحه أسنى المطالب"(3/ 95).

(2)

السرية نحو أربعمائة رجل. طلبة الطلبة (144). وسميت بذلك لأن الغالب عليها أنها تسري ليلًا. حلية الفقهاء (161)، وغريب الحديث لابن قتيبة (1/ 45).

(3)

رواه مسلم (12/ 306) رقم (1753) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد لما أساء شافع القاتل له: "لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد" يعني سلبه. وانظر: كلام النووي في شرحه لمسلم (12/ 309).

(4)

في "ب": "الشفيع".

(5)

رواه مسلم رقم (652)(5/ 160) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(6)

رواه البخاري (2/ 148) رقم (644)، ومسلم (5/ 158) رقم (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

رواه أبو داود (12/ 56)"مع العون" رقم (4368)، والنسائي في المجتبى (8/ 85) رقم (4959)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحسنه الألباني في "الإرواء"(2413).

ص: 33

صاحبها

(1)

.

وقال في تارك الزكاة: "إنا آخذوها منه وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا"

(2)

. وأمر بكسر دنان

(3)

الخمر

(4)

.

(1)

رواه عبد الرزاق (9/ 302)، وأبو داود (5/ 141) رقم (1702)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 146)، والعقيلي (3/ 260). قال المنذري:"لم يجزم عكرمة بسماعه من أبي هريرة فهو مرسل". مختصر سنن أبي داود (2/ 273).

(2)

رواه أحمد (5/ 2 و 4)، وأبو داود (4/ 452) مع عون المعبود، والنسائي في الكبرى (2/ 8) رقم (2224)، وفي المجتبى (5/ 15)، والدارمي (1/ 486) رقم (1677)، وابن الجارود (2/ 10) رقم (341)، وعبد الرزاق (4/ 18) رقم (6824)، وابن خزيمة (4/ 18)، والحاكم (1/ 398)، والبيهقي (4/ 176) رقم (7328) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. قال الحاكم:"هذا صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة ولم يخرجاه" ا. هـ. قال الإمام أحمد: "هو عندي صالح الإسناد" ا. هـ. انظر: المحرر في الحديث (212)، التلخيص الحبير (2/ 313)، وقال يحيي بن معين:"إسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة" ا. هـ. وصححه ابن عبد الهادي في المحرر (213).

(3)

الدنان جمع الدَّن كهيئة الحُبّ - الجرة - إلا أنه أطول منه وأوسع رأسًا. المصباح المنير (201). قال المباركفوري: "بكسر الدال جمع الدن وهو ظرفها" ا. هـ. تحفة الأحوذي (4/ 429).

(4)

رواه الترمذي (2/ 566) رقم (1293)، والدارقطني (4/ 265)، والطبراني في الكبير (5/ 99) رقم (4714) من حديث أنس رضي الله عنه. وقال الترمذي:"روى الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عنده وهذا أصح من حديث الليث" ا. هـ. وجاء في مشكاة المصابيح (2/ 1082) رقم (3649): "رواه الترمذي وضعفه" ا. هـ. ولم أجد تضعيف الترمذي في المطبوع ولا في التحفة (3/ 247)، إلا إن كان يريد قوله الذي سبق ذكره:"وهذا أصح من حديث الليث".

ص: 34

وأمر بكسر القدور التي طبخ فيه اللحم الحرام، ثم نسخ عنهم الكسر، وأمرهم بالغسل

(1)

. وأمر عبد الله بن عمرو بتحريق الثوبين المعصفرين

(2)

، فسجرهما

(3)

في التنور

(4)

.

وأمر المرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها

(5)

.

وأمر بقتل شارب الخمر بعد الثالثة أو الرابعة

(6)

، ولم ينسخ ذلك، ولم يجعله حدًّا

(7)

لا بد منه، بل هو بحسب المصلحة إلى رأي

(1)

رواه البخاري رقم (5497)(9/ 538) مع الفتح، ومسلم رقم (1802)(13/ 100) مع "شرح النووي" من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

(2)

الثياب المعصفرة: هي المصبوغة بعصفر. شرح مسلم للنووي (14/ 298)، المطلع (177).

(3)

وفي "جـ": "فسجر بهما".

(4)

رواه مسلم (14/ 298)"مع النووي" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(5)

رواه مسلم رقم (2595) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. (16/ 384) مع شرح النووي.

(6)

رواه من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عبد الرزاق (7/ 380)، وأحمد (4/ 93 و 97)، وأبو داود رقم (4458)(12/ 184)، والنسائي في الكبرى رقم (5297) و (5298) و (5299)(3/ 255)، وابن ماجه (4/ 181) رقم (2573)، والترمذي (3/ 114) رقم (1444)، وأبو يعلى (13/ 349) رقم (7363)، والحاكم (4/ 372) وسكت عنه، وذكر ابن حزم (11/ 366) أنه في نهاية الصحة. وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك (4/ 372)، قال الألباني عن تصحيح الذهبي:"وهو كما قال إن كان يعني صحيحًا لغيره. وإلا فهو حسن للخلاف المعروف في عاصم بن بهدلة". السلسلة الصحيحة (3/ 348)، وقال رحمه الله:"إسناد أحمد صحيح على شرط الشيخين". الصحيحة (3/ 348). وللحديث طرق وشواهد متعددة.

(7)

"حدًّا" ساقط من "ب".

ص: 35

الإمام

(1)

، ولذلك

(2)

زاد عمر رضي الله عنه في الحد أربعين

(3)

ونفى فيها

(4)

. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الذي كان يتهم بأم ولده

(5)

، فلما تبين أنه

(1)

وقد قال بعدم النسخ: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما رواه عنه أحمد (2/ 191 و 211)، وصحح روايته: ابن القيم في زاد المعاد (5/ 47). وبه قال الحسن البصري. انظر: الدراية للحافظ ابن حجر (2/ 248). وابن حزم كما في المحلى (11/ 369). والسيوطي في شرحه للترمذي، نقله عنه السندي في حاشيته على النسائي (8/ 313)، وأبو الطيب آبادي في عون المعبود (12/ 184). وبه يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله. انظر كتابه: كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر. أما ابن تيمية وابن القيم فقد ذهبا إلى أنه قد نسخ الوجوب لا الجواز. انظر: الفتاوى (7/ 483)، الاختيارات (300)، زاد المعاد (5/ 46)، تهذيب السنن (6/ 237)، الإنصاف (26/ 448). وبه يقول الألباني رحمه الله كما في السلسلة الصحيحة (3/ 348). أما الجمهور فالحديث منسوخ عندهم. انظر: الاعتبار للحازمي (300)، وناسخ الحديث لابن شاهين (404)، وشرح السنة للبغوي (10/ 335)، فتح الباري (12/ 80)، العواصم لابن الوزير (3/ 169)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 289)، معالم السنن (6/ 287)، المرقاة شرح المشكاة (7/ 209).

(2)

في النسخ عدا "أ": "كذلك".

(3)

رواه مسلم (11/ 227) رقم (1706) من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

رواه عبد الرزاق (9/ 230) رقم (17040)، ومن طريقه النسائي في المجتبى (8/ 319) رقم (5676)، وفي الكبرى (3/ 231) رقم (5186)، والبيهقي (8/ 556) رقم (17545)، والبغوي في الجعديات (1/ 415) رقم (614). قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - عن إسناد النسائي:"هذا إسناد جيد" ا. هـ. مسند الفاروق (2/ 518).

(5)

أم ولده هي مارية القبطية رضي الله عنها والرجل ابن عم لها. كما رواه البزار في مسنده (2/ 237) رقم (634)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 93)، =

ص: 36

خصي تركه

(1)

.

وأمر بإمساك اليهودي الذي أومأت الجارية

(2)

برأسها أنه رضخه

(3)

بين حجرين فأُخذ فأقرَّ فرضخ رأسه

(4)

. وهذا يدل على جواز أخذ المتهم إذا قامت قرينة التهمة. والظاهر: أنه لم تقم عليه بينة، ولا أقر اختيارًا منه للقتل، وإنما هدد أو ضرب فأقر

(5)

.

وكذلك العرنيّون فعل بهم ما فعل بناءً على شاهد الحال ولم يطلب بينة بما فعلوا

(6)

، ولا وقف الأمر على إقرارهم

(7)

.

= والضياء في المختارة (2/ 353)، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (2/ 511) رقم (493). وحسَّن إسناد البزار الحافظ ابن حجر. مختصر زوائد مسند البزار (1/ 605). واسم الرجل مأبور. انظر: الغوامض والمبهمات (2/ 511)، الإصابة (3/ 315).

(1)

رواه مسلم (17/ 123) رقم (2771) مبهمًا اسم الرجل والجارية.

(2)

قال الحافظ ابن حجر: "لم أقف على اسمها لكن في بعض طرقه أنها من الأنصار" ا. هـ. فتح الباري (12/ 207).

(3)

رضخه: دقه وكسره. النهاية في غريب الحديث (2/ 229)، وحاشية السندي على النسائي (8/ 22)، وتحفة الأحوذي (4/ 542).

(4)

رواه البخاري (9/ 345) رقم (5295)، ومسلم (11/ 169) رقم (1672) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(5)

انظر شرح الحديث في: شرح مسلم للنووي (11/ 169)، والمعلم للمازري (2/ 248)، وفتح الباري (12/ 207).

(6)

رواه البخاري رقم (233)(1/ 400)، ومسلم رقم (1671)(11/ 165) من حديث أنس رضي الله عنه.

(7)

من قوله "وكذلك العرنيون

" إلى نهاية الفصل ساقط من "جـ".

ص: 37

فصل

وسلك أصحابه وخلفاؤه من بعده

(1)

ما هو معروف لمن طلبه.

فمن ذلك: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حرَّق اللوطية

(2)

، وأذاقهم حر النار في الدنيا قبل الآخرة. وكذلك قال أصحابنا: إذا رأى الإمام تحريق اللوطي فله ذلك

(3)

. فإن خالد بن الوليد رضي الله عنه كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه "أنه

(4)

وجد في بعض ضواحي العرب رجلًا يُنكح كما تنكح المرأة" فاستشار الصديق رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان أشدهم قولًا، فقال: "إن هذا الذنب لم تعص به أمة من

(1)

وفي "أ" و"جـ": "ذلك".

(2)

اللواط هو وطء الذكر في دبره. المطلع (322).

رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 405)، وفي معرفة السنن (12/ 314) وقال:"هذا مرسل مروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي"، ورواه في شعب الإيمان (4/ 357) رقم (5389)، ورواه الآجري في تحريم اللواط رقم (29)، ورواه ابن حزم بسنده في المحلى (11/ 381) من طرق ذكر ص (383) أنها منقطعة. قال الحافظ ابن حجر:"ضعيف جدًّا" ا. هـ. الدراية (2/ 103)، وقال المنذري وابن حجر الهيتمي:"روى ابن أبي الدنيا ومن طريقه البيهقي بإسناد جيد عن محمد المنكدر" فذكره. انظر: الترغيب والترهيب (3/ 229)، والزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 312). وقال ابن القيم:"ثبت عن خالد بن الوليد". الداء والدواء (262)"طبعة ابن الجوزي".

(3)

انظر: إعلام الموقعين (4/ 457)، الإنصاف (26/ 273)، مطالب أولي النهى (6/ 175).

(4)

في "ب" و"هـ": "أنه قد".

ص: 38

الأمم إلا واحدة، فصنع الله بهم ما قد

(1)

علمتم، أرى أن يحرقوا بالنار، فأجمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقوا بالنار

(2)

. فكتب أبو بكر الصديق إلى خالد رضي الله عنهما أن يحرقوا فحرقهم"

(3)

. ثم حرقهم عبد الله بن الزبير في خلافته

(4)

. ثم حرقهم هشام بن عبد الملك

(5)

.

وحرق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حانوت الخمار بما فيه

(6)

. وحرق قرية يباع فيها الخمر

(7)

.

(1)

في "أ": "فصنع الله بهم ما صنع كما قد".

(2)

قوله "فأجمع رأي أصحاب .. " إلى قوله "بالنار" ساقط من "ب" و"جـ" و"هـ".

(3)

سبق تخريجه قريبًا.

(4)

"في خلافته" ساقط من "أ".

(5)

ذكره عنهما: البيهقي في شعب الإيمان (4/ 357)، وابن حزم في المحلى (11/ 381)، والباجي في المنتقى (7/ 141)، وابن المنذر في الإشراف (3/ 26)، والقرطبي في تفسيره (7/ 244)، وابن القيم في روضة المحبين (376)، والهيتمي في الزواجر (2/ 312)، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة (5/ 231)، وابن فرحون في تبصرة الحكام (2/ 292)، والطرابلسي في معين الحكام (195).

(6)

رواه عبد الرزاق (6/ 77)، وابن سعد في الطبقات (5/ 42)، وأبو عبيد في الأموال (114)، ومالك كما في البيان والتحصيل (9/ 416)، وابن وهب في الموطأ (42)، والبلاذري في الأنساب "قسم الشيخين"(191)، والدولابي في الكنى (1/ 189)"طبعة الهند"، وصححه الألباني رحمه الله في تحذير الساجد (42).

(7)

لم أجد ذلك مسندًا إلى عمر، وإنما رواه أبو عبيد في الأموال (105) عن علي رضي الله عنه. كما رواه ابن بطة. انظر: الآداب الشرعية (1/ 218)،

ص: 39

وحرق قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب في قصره

(1)

عن الرعية. فذكر الإمام أحمد رضي الله عنه في مسائل ابنه صالح

(2)

: أنه دعا محمد بن مسلمة فقال: "اذهب إلى سعد بالكوفة، فحرّق عليه قصره، ولا تحدثن حدثًا حتى تأتيني" فذهب محمد إلى الكوفة، فاشترى من نبطي

(3)

حزمة حطب

(4)

، وشرط عليه حملها إلى قصر سعد، فلما وصل إليه ألقى الحزمة فيه، وأضرم فيها النار، فخرج سعد، فقال:"ما هذا؟ " قال: "عزمة أمير المؤمنين" فتركه حتى احترق. ثم انصرف إلى المدينة، فعرض عليه سعد نفقة، فأبى أن يقبلها، فلما قدم على عمر قال له:"هلّا قبلت نفقته؟ " فقال: "إنك قلت لا تحدثن حدثًا حتى تأتيني"

(5)

.

وحلق عمر رأس نصر بن حجاج، ونفاه من المدينة لتشبيب النساء به

(6)

. وضرب صَبيغ بن عِسْل التميمي على رأسه، لما سأل عما لا يعنيه

(7)

.

(1)

"في قصره" ساقطة من "ب".

(2)

مسائل صالح (2/ 174).

(3)

النبط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين وسموا نبطًا لأنهم يستنبطون الماء الذي يستخرجونه من الأرض ومعنى نبطي اللسان الذي اشتبه كلامه بكلام العرب والعجم. النظم المستعذب (2/ 320)، المطلع (372).

(4)

في "جـ": "من حطب".

(5)

رواه أحمد في مسنده (1/ 54)، وعبد الله بن المبارك في الزهد ص (176).

(6)

سبق تخريجه.

(7)

رواه البزار (1/ 423) رقم (299)، وعبد الرزاق (11/ 426)، والدارمي =

ص: 40

وصادر عماله، فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوها بجاه العمل

(1)

، واختلط ما يختصون به بذلك، فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين.

وألزم الصحابة أن يُقلُّوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتغلوا به عن القرآن

(2)

، سياسة منه، إلى غير ذلك من سياسته

(3)

التي ساس بها الأمة رضي الله عنه.

= (1/ 66) رقم (148)، واللالكائي في شرح السنة رقم (1136) رقم (1137)، والآجري في الشريعة رقم (152) و (153)، وابن بطة في الإبانة رقم (329) و (330)، والصابوني في عقيدة السلف رقم (85)، وابن وضاح في البدع (56)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 410). قال ابن كثير:"قصة صبيغ بن عسل مشهورة". مسند الفاروق (2/ 606)، والتفسير (7/ 391) وقال الحافظ ابن حجر:"أخرجه ابن الأنباري من وجه آخر عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عن عمر بسند صحيح .. " ا. هـ. الإصابة (2/ 191).

(1)

رواه ابن زنجوية في الأموال (2/ 604 و 605 و 606)، وأبو عبيد في الأموال (282)، والبلاذري في الأنساب "قسم الشيخين"(257، 268، 297)، وابن جرير الطبري في تاريخه (2/ 356 - 357). وانظر: الإصابة (3/ 364)، والبداية والنهاية (9/ 575).

(2)

روى نحوه عبد الرزاق (11/ 257) رقم (20484)، ومن طريقه الخطيب في تقييد العلم (49)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 274) رقم (343)، وإسناده منقطع: عروة لم يدرك عمر. الأنوار الكاشفة (38). وروى أثرًا آخر عنه: أبو خيثمة في العلم (115) رقم (26)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 275) رقم (345)، والخطيب في التقييد (52).

(3)

في "أ": "السياسة"، وفي "ب":"سياساته".

ص: 41

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن ذلك إلزامه للمطلق ثلاثًا واحدة بالطلاق، وهو يعلم أنها واحدة، ولكن لما أكثر الناس منه رأى عقوبتهم بإلزامهم به، ووافقه على ذلك رعيته من الصحابة، وقد أشار هو إلى ذلك، فقال:"إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أمضيناه عليهم؟ "

(1)

فأمضاه عليهم ليقلوا منه، فإنهم إذا علموا أن أحدهم إذا أوقع الثلاث جملة واحدة وقعت عليه

(2)

، وأنه لا سبيل له إلى المرأة: أمسك عن ذلك. فكان الإلزام به عقوبة منه لمصلحة رآها، ولم يكن يخفى عليه أن الثلاث كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر

(3)

كانت تجعل واحدة، بل مضى على ذلك صدر من خلافته، حتى أكثر الناس من ذلك، وهو اتخاذ لآيات الله هزوًا. كما في "المسند" و"النسائي" وغيرهما من حديث محمود بن لبيد:"أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أَيُلْعَبُ بكِتَابِ اللهِ وأَنا بَيْنَ أَظْهُركُمْ؟ " فقال رجل: ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟ "

(4)

فلما أكثر الناس من ذلك

(1)

رواه مسلم (10/ 325) رقم (1472) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

"عليه" من "هـ".

(3)

في "أ": "وعهد أبي بكر".

(4)

رواه النسائي في المجتبى (6/ 142)، وفي السنن الكبرى (3/ 349). قال ابن القيم:"إسناده على شرط مسلم". زاد المعاد (5/ 241)، وقال ابن كثير:"النسائي بإسناد جيد قوي" ا. هـ. إرشاد الفقيه (2/ 194)، وقال

ص: 42

عاقبهم به. ثم إنه ندم على ذلك قبل موته، كما ذكره الإسماعيلي

(1)

في "مسند عمر"

(2)

. فقلت لشيخنا: فهلا تبعت عمر في إلزامهم به عقوبة، فإن جمع الثلاث محرم

(3)

عندك؟ فقال: أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم

(4)

، ولا سيما

(5)

والشافعي يراه جائزًا

(6)

، فكيف يعاقب الجاهل بالتحريم

(7)

.

(1)

الحافظ ابن حجر: "أخرجه النسائي ورجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد هو أحمد بن إبراهيم الجرجاني الشافعي الإمام الحافظ أبو بكر شيخ الشافعية له "مسند عمر" و"المستخرج على الصحيح". توفي سنة 371 هـ - رحمه الله تعالى -.

انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 292)، وطبقات الشافعية للسبكي (3/ 7).

(2)

لم أجده مطبوعًا. وقد ذكر سنده ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 366)، قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مسند عمر: أخبرنا أبو يعلى حدثنا صالح بن مالك حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندامتي على ثلاث أن لا أكون حرمت الطلاق وعلى أن لا أكون أنكحت الموالي وعلى أن لا أكون قتلت النوائح" ا. هـ. وسنده ضعيف؛ لضعف خالد بن يزيد.

(3)

في "أ": "يحرم".

(4)

قوله "عندك فقال أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم" ساقط من "هـ".

(5)

قوله "ولا سيما" ساقط من "أ".

(6)

الأم (5/ 264)، وانظر: التهذيب للبغوي (6/ 43)، الحاوي (10/ 117)، روضة الطالبين (6/ 10)، التنبيه (174)، حلية العلماء (7/ 24)، الإشراف (1/ 141)، شرح مسلم للنووي (10/ 325)، فتح الباري (9/ 275)، شرح السنة (9/ 210).

(7)

في "أ": "في التحريم".

ص: 43

قال: وأيضًا فإن عمر ألزمهم بذلك، وسد عليهم باب التحليل، وأما هؤلاء: فيلزمونهم بالثلاث، وكثير منهم يفتح لهم باب التحليل، فإنه لا بد للرجل من امرأته، فإذا علم أنها لا ترجع إليه إلا بالتحليل سعى في ذلك. والصحابة لم يكونوا يسوغون ذلك، فحصلت مصلحة الامتناع من الجمع من غير وقوع مفسدة التحليل بينهم

(1)

.

قال: ولو علم عمر أن الناس يتتايعون في التحليل لرأى أن إقرارهم على ما كان عليه الأمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدر من خلافته أولى. وبسط شيخنا الكلام في ذلك بسطًا طويلًا

(2)

.

قال: ومن ذلك منعه بيع

(3)

أمهات الأولاد

(4)

، وإنما كان رأيًا منه رآه للأمة، وإلا فقد بِعْنَ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدة خلافة

(1)

في "ب": "فيهم"، وفي "هـ":"منهم".

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (32/ 311) و (33/ 12)، العقود الدرية (324)، الشهادة الزكية (90)، جلاء العينين (268)، زاد المعاد (5/ 241)، الصواعق المرسلة (2/ 619)، إغاثة اللهفان (1/ 314)، إعلام الموقعين (3/ 40).

(3)

في "أ": "من بيع".

(4)

رواه مالك (2/ 776)، وابن أبي شيبة (4/ 415)، وعبد الرزاق (7/ 292) رقم (13225)، وأبو داود في العتق (1/ 488) رقم (3935)، وقال الحافظ عن إسناد عبد الرزاق:"إسناده من أصح الأسانيد" ا. هـ. الدراية (2/ 88)، والتلخيص الحبير (4/ 403).

ص: 44

الصديق

(1)

، ولهذا عزم علي بن أبي طالب على بيعهن، وقال:"إن عدم البيع كان رأيًا اتفق عليه هو وعمر"، فقال له قاضيه عبيدة السلماني:"يا أمير المؤمنين، رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك"

(2)

، فقال: "اقضوا كما

(3)

كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف"

(4)

. فلو كان عنده نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم بيعهن لم

(1)

رواه من حديث جابر رضي الله عنه عبد الرزاق (7/ 288) رقم (13211)، وأحمد (3/ 321)، والشافعي في السنن (1/ 357) رقم (285)، والنسائي في الكبرى (3/ 199) رقم (5039) و (5040)، وأبو داود (10/ 388) رقم (3935)، وابن ماجه (4/ 142) رقم (2517)، وأبو يعلى (4/ 461) رقم (2229)، وابن حبان (10/ 165) رقم (4323)، والحاكم (2/ 7) وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". والحديث حسنه المنذري. مختصر سنن أبي داود (5/ 412).

(2)

رواه عبد الرزاق (7/ 291) رقم (13224)، وابن أبي شيبة (4/ 414) رقم (21583)، وابن الأعرابي في معجمه (3/ 464) رقم (494)، والبيهقي (10/ 583) رقم (21794)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 386). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - عن إسناد عبد الرزاق:"وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد" ا. هـ. التلخيص الحبير (4/ 304)، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 88).

(3)

في "ب": "ما".

(4)

روى هذه الجملة: البخاري في صحيحه (7/ 88) رقم (3707)، والمؤلف رحمه الله جمع بين الأثرين، ولم أجد من رواهما معًا بلفظ واحد مع أن شراح الحديث ذكروا أن سبب قول علي رضي الله عنه ذلك هو قول عبيدة السلماني في الأثر السابق. انظر: فتح الباري (7/ 91)، عمدة القاري (13/ 291)، تحفة الطالب (172)، الإفصاح (1/ 270).

ص: 45

يضف ذلك إلى رأيه ورأي عمر، ولم يقل:"إني رأيت أن يُبَعْن".

فصل

ومن ذلك: اختياره للناس الإفراد بالحج، ليعتمروا في غير أشهر الحج، فلا يزال البيت الحرام مقصودًا

(1)

، فظن بعض الناس أنه نهى عن المتعة، وأنه أوجب الإفراد. وتنازع في ذلك ابن عباس وابن

(2)

الزبير

(3)

، وأكثر الناس على ابن عباس في ذلك، وهو يحتج عليهم بالأحاديث الصحيحة الصريحة. فلما أكثروا عليه في ذلك قال:"يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! "

(4)

وكذلك ابنه عبد الله كانوا إذا

(1)

رواه مسلم (8/ 418) رقم (1217)، وأبو عوانة (2/ 343) رقم (3365).

(2)

في "أ": "عبد الله بن الزبير".

(3)

رواه مسلم (8/ 418) رقم (1217)، وأبو عوانة (2/ 345) رقم (3374).

(4)

لم أجده بهذا اللفظ، ولكن روى أحمد (1/ 337)، والضياء في المختارة (10/ 331) رقم (357)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 377) رقم (379)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 1210) رقم (2381) نحوه ولفظه:"أراهم سيهلكون أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: نهى أبو بكر وعمر". وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 70).

كما رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 377) رقم (380)، بلفظ:"والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثونا عن أبي بكر وعمر". انظر: جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 1209) رقم (2377).

ص: 46

احتجوا عليه بأبيه يقول: "إن عمر لم يرد ما تقولون" فإذا أكثروا عليه قال: "أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا

(1)

، أم عمر؟ "

(2)

.

والمقصود: أن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة، يختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكلٍّ عذرٌ وأجرٌ. ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين.

وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وأضعافها هي من تأويل القرآن والسنة. ولكن: هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فيتقيد بها زمانًا ومكانًا؟

ومن ذلك: جمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة

(3)

التي أطلق لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة بها، لما كان ذلك مصلحة. فلما خاف الصحابة رضي الله عنهم على الأمة

(1)

في "جـ": "أن يتبع".

(2)

رواه أحمد (2/ 95)، والترمذي (2/ 175) رقم (824)، وأبو يعلى (9/ 341) رقم (5451) ورقم (5563)، وأبو عوانة (2/ 343) رقم (3366)، والبيهقي (5/ 30) رقم (8876). وصححه النووي في المجموع (7/ 35).

(3)

رواه البخاري (8/ 627) رقم (4987) مع الفتح. اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولًا. وجمهور العلماء على أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة. نحو: أقبل وهلم، وعجل وأسرع، وأنظر وأخِّر وأمهل. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 140)، البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 213)، فضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 163)، تفسير ابن جرير (1/ 53)، مجموع الفتاوى (13/ 390).

ص: 47

أن يختلفوا في القرآن، ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم، وأبعد من وقوع الاختلاف: فعلوا ذلك، ومنعوا الناس من القراءة بغيرها

(1)

. وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت، وكان سلوكهم في تلك الطرق يوقعهم في التفرق والتشتت، ويطمع فيهم العدو، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد، وترك

(2)

بقية الطرق: جاز ذلك، ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود، وإن كان فيه

(3)

نهي عن سلوكها لمصلحة الأمة.

ومن ذلك تحريق علي رضي الله عنه

(4)

الزنادقة الرافضة، وهو يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الكافر، ولكن لما رأى أمرًا عظيمًا جعل عقوبته من أعظم العقوبات؛ ليزجر الناس عن مثله. ولذلك قال:

لما رأيت الأمر أمرًا منكرا

أججت ناري ودعوت قنبرا

(5)

وقنبر غلامه.

وهذا الذي ذكرناه، جميع الفقهاء يقولون به في الجملة، وإن تنازعوا في كثير من موارده

(6)

. فكلهم يقول بجواز

(7)

وطء الرجل

(1)

في "ب" و"جـ" و"هـ": "بغيره".

(2)

وفي "جـ": "فترك".

(3)

قوله "إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه" ساقط من "ب".

(4)

"علي رضي الله عنه" ساقط من "أ".

(5)

سبق تخريجه ص (30).

(6)

في "ب": "نوادره".

(7)

"بجواز" ساقطة من "أ".

ص: 48

المرأة إذا أهديت إليه ليلة الزفاف، وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال أن

(1)

هذه فلانة بنت فلان التي عقدت عليها، وإن لم يستنطق النساء أن هذه هي

(2)

امرأته؛ اعتمادًا على القرينة الظاهرة القوية

(3)

فنزَّلوا هذه القرينة القوية منزلة الشهادة

(4)

.

ومن ذلك: أن الناس - قديمًا وحديثًا - لم يزالوا يعتمدون على قول الصبيان المرسل معهم الهدايا، وأنها مبعوثة إليهم، فيقبلون أقوالهم، ويأكلون الطعام المرسل به، ويلبسون الثياب، ولو كانت أمة لم يمتنعوا من وطئها، ولم يسألوا إقامة

(5)

البينة على ذلك؛ اكتفاء بالقرائن

(6)

الظاهرة

(7)

.

ومن ذلك: أن الضيف يشرب

(8)

من كوز صاحب البيت، ويتكئ

(1)

وفي "جـ": "بأن".

(2)

"هي" من "أ" و"ب".

(3)

"القوية" مثبتة من "أ".

(4)

انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (65)، قواعد الأحكام (2/ 115)، الفروق (1/ 14)، تبصرة الحكام (2/ 121)، تهذيب الفروق (4/ 167)، معين الحكام (96)، بدائع الفوائد (1/ 7)، المبسوط (10/ 177).

(5)

"إقامة" ساقطة من "جـ".

(6)

وفي "جـ": "بالقرينة".

(7)

انظر: قواعد الأحكام (2/ 113)، الفروق (1/ 14)، روضة القضاة (2/ 715)، تبصرة الحكام (2/ 121 و 373)، معين الحكام (166)، تهذيب الفروق (4/ 167)، بدائع الفوائد (1/ 6)، إعلام الموقعين (4/ 459).

(8)

وفي "ب": "يأكل".

ص: 49