الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا في فقْء عين الناظر، ولعل عليًّا رضي الله عنه رأى تعزيره بذلك، مصلحة للأمة، وله مساغ في الشرع في مسألة
فقء عين الناظر إلى بيت الرجل من خص
(1)
أو طاقة
، كما جاءت بذلك
(2)
السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها ولا دافع؛ لكونه جنى على صاحب المنزل، ونظر نظرًا محرمًا لا يحل له أن يقدم عليه، فجوَّز له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحذفه فيفقأ عينه، وهذا مذهب الشافعي
(3)
، وأحمد
(4)
.
وفي "الصحيح"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَومٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَفَقَأُوا عَيْنَهُ، فَلَا دِيَةَ
(5)
، وَلَا
= الشرح الكبير (25/ 63)، الإنصاف (25/ 63)، المغني (11/ 596)، الهداية (2/ 77)، المحرر (2/ 123)، شرح الزركشي (6/ 113)، المبدع (8/ 259)، المنح الشافيات (2/ 600)، الفتح الرباني (209).
(1)
الخُص: البيت من القصب. القاموس (796)، المصباح المنير (171)، مختار الصحاح (177). والمراد هنا: الثقب والشق في الباب. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 313)، كشاف القناع (6/ 157).
(2)
في "جـ": "بها".
(3)
مختصر المزني (9/ 283)"مع الأم"، الحاوي (13/ 460)، التهذيب (6/ 380)، روضة الطالبين (7/ 395)، فيض القدير (6/ 92)، تحفة المحتاج (9/ 190)، نهاية المحتاج (8/ 29)، مغني المحتاج (4/ 197).
(4)
المحرر (2/ 162)، إعلام الموقعين (2/ 379)، تهذيب السنن (6/ 380)، زاد المعاد (5/ 23)، شرح منتهى الإرادات (3/ 386)، مطالب أولي النهى (6/ 261)، تنقيح التحقيق (3/ 334)، كشاف القناع (6/ 157)، المغني (12/ 539). وهو مذهب الظاهرية. المحلى (10/ 513). ونصره الشوكاني. نيل الأوطار (7/ 35).
(5)
الدية شرعًا: المال الواجب بالجناية على الجاني في نفس أو طرف أو =
قَصَاصَ"
(1)
.
وفي "الصحيحين" من حديث الزهري
(2)
، عن سهل قال: اطلع رجل
(3)
في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه مِدْرى
(4)
يحك بها رأسه،
= غيرهما. التوقيف (345)، كشاف القناع (6/ 5)، شرح المنتهى (3/ 290)، مطالب أولي النهى (6/ 75).
(1)
القصاص: القود. مختار الصحاح (538). واصطلاحًا: أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل. المغرب (2/ 189)، حلية الفقهاء (195)، أنيس الفقهاء (292)، النهاية (4/ 74).
والحديث رواه أحمد (2/ 385)، وإسحاق بن راهويه (1/ 165) رقم (112)، والنسائي (8/ 61) رقم (4860)، وفي الكبرى (4/ 247) رقم (7065)، وابن الجارود (3/ 98) رقم (790)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 395)، والبيهقي (8/ 588)، والدارقطني (3/ 199)، وابن أبي عاصم في الديات (59) رقم (218)، وابن حبان (13/ 351) رقم (6004)، والطبراني في الأوسط (9/ 103) رقم (8217) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البيهقي في المعرفة (13/ 90) وقال:"وهذا إسناد صحيح"، وصحح إسناده ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 380). أما ما ذكره ابن القيم رحمه الله أن الحديث في الصحيح فلعله سبق قلم إذ الحديث ليس في أحد الصحيحين، وقد ذكره ابن القيم في عدد من كتبه ولم ينسبه للصحيح. انظر: إعلام الموقعين (2/ 380)، وتهذيب السنن (6/ 380).
(2)
في "جـ": "الزهراء".
(3)
قيل: إنه الحكم بن أبي العاص. الغوامض والمبهمات (2/ 595). وقيل: اسمه سعد. فتح الباري (12/ 254).
(4)
المدرى بكسر الميم وسكون المهملة: عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض. وقيل: مشط له أسنان يسيرة. فتح الباري (10/ =
فقال: "لَوْ أَعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُر لَطَعَنْتُ به في عَيْنِكَ، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر"
(1)
.
وفي "صحيح مسلم
(2)
" عنه: أن رجلًا اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر الحجرة، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم مِدْرى، فقال: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هذا يُنْظِرني حتَّى آتِيَهُ لَطَعَنْتُ بالمِدْرى في
(3)
عيْنِهِ، وهلْ جُعِلَ الاستِئذانُ إِلا من أجلِ البَصَرِ
(4)
؟ " أي لو أعلم أنه يقف لي حتى آتيه.
وفي "الصحيحين"
(5)
عن أنس رضي الله عنه: "أن رجلًا اطلع في بعض حُجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشْقص
(6)
، فذهب نحو الرجل، يخْتِلُه
(7)
ليطعنه به، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخْتِلُهُ
= 380)، عمدة القاري (18/ 91)، شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 384).
(1)
رواه البخاري رقم (6901)(12/ 253) وفي مواضع أخرى منها (6241)(11/ 26) و (5924)، ومسلم (2156)(14/ 384).
(2)
في كتاب الآداب باب تحريم النظر في بيت غيره (2156)(14/ 384).
(3)
من قوله "مدرى، فقال: لو" إلى قوله "بالمدرى في" ساقط من "ب".
(4)
في "جـ" و"هـ": "النظر".
(5)
البخاري رقم (6242)(11/ 26) ورقم (6900)، ومسلم رقم (2157)(14/ 385).
(6)
المشقص: بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه: نصل السهم إذا كان طويلًا غير عريض. النهاية في غريب الحديث (2/ 490)، غريب الحديث للحربي (1/ 96)، فتح الباري (11/ 27).
(7)
يختله: يطلبه من حيث لا يشعر. النهاية (2/ 10)، المجموع المغيث (1/ 549). في "جـ":"يختلفه".
ليَطْعَنَهُ".
وفي "سنن البيهقي" وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه
(1)
: "أن أعرابيًّا أتى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فألقم عينه خُصاص
(2)
الباب، فبصُر به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ عودًا محددًا
(3)
، فوجأ
(4)
عين الأعرابي فانقمع
(5)
، فقال: لو ثبتَّ لفقأت عينك"
(6)
.
وفي "الصحيحين"
(7)
من حديث الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن، فحَذَفْتَهُ بِحَصاة، فَفَقَأتَ عيْنَهُ: ما كان عَلَيْكَ من جُناح".
وفي "صحيح مسلم"
(8)
، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
(1)
قوله "بن مالك رضي الله عنه" من "جـ".
(2)
الخصاص جمع خُص وهو الثقب والشق من الباب. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 313)، كشاف القناع (6/ 157).
(3)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "محتدًّا".
(4)
وجأته بالسكين وجْأ إذا غرزتها فيه. المجموع المغيث (3/ 383). ووجأه ضربه. القاموس (70).
(5)
انقمع: أي رد بصره ورجع. النهاية (4/ 109).
(6)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/ 374) رقم (1091)، والنسائي (8/ 60) رقم (4858)، ورواه في الكبرى (4/ 247) رقم (7063)، والبيهقي (8/ 587) رقم (17654)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 227) رقم (731)، والضياء في المختارة (4/ 365) رقم (1530). وصححه الألباني - رحمه الله تعالى - في صحيح الأدب المفرد (411).
(7)
البخاري رقم (6902)(12/ 253)، ومسلم رقم (2158)(14/ 386).
(8)
مسلم كتاب الآداب: باب تحريم النظر في بيت غيره (14/ 386) رقم =
- صلى الله عليه وسلم: "مَن اطَّلعَ في بيت قوْمٍ بغَير إِذْنِهمْ، فقد حلَّ لهم أن يَفْقَأُوا عَيْنَهُ".
وفي "سنن البيهقي" عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنَّ رجلًا اطَّلَعَ في بيت رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ما كان عليه فيه شَيْءٌ"
(1)
.
فالحق: الأخذ بموجب هذه السنن الصحيحة الصريحة
(2)
، والناظر إلى القاتل يقتل المسلم، وهو يستطيع
(3)
أن يخلصه وينهاه أعظم إثمًا عند الله تعالى، وأحق بفقء العين، والله أعلم.
وقضى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في رجل قطع فرج امرأته: أن تؤخذ منه دية الفرج ويجبر على إمساكها، حتى تموت، وإن طلقها أنفق عليها
(4)
.
فلله ما أحسن هذا القضاء، وأقربه من الصواب.
= (2158).
(1)
رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 588) رقم (17659)، وفي "معرفة السنن والآثار"(13/ 90).
(2)
انظر: مختصر المزني (9/ 283)، الحاوي (13/ 460)، التهذيب (6/ 380)، روضة الطالبين (7/ 395)، فيض القدير (6/ 92)، تحفة المحتاج (9/ 190)، نهاية المحتاج (8/ 29)، مغني المحتاج (4/ 197)، المحرر (2/ 162)، المغني (12/ 539)، تنقيح التحقيق (3/ 334)، إعلام الموقعين (2/ 379)، تهذيب السنن (6/ 380)، زاد المعاد (5/ 23)، شرح منتهى الإرادات (3/ 386)، كشاف القناع (6/ 157)، مطالب أولي النهى (6/ 261)، المحلى (10/ 513)، نيل الأوطار (7/ 35).
(3)
في "أ": "مستطيع".
(4)
لم أجده.
فأما الفرج: ففيه الدية كاملة اتفاقًا
(1)
، وأما إنفاقه عليها إن طلقها؛ فلأنه أفسدها على الأزواج الذين يقومون بنفقتها ومصالحها فسادًا لا يعود، وأما إجباره على إمساكها: فمعاقبة له بنقيض قصده، فإنه قصد التخلص منها بأمر محرم، وقد كان يمكنه التخلص منها بالطلاق، والخلع
(2)
، فعدل عن ذلك إلى هذه المثلة
(3)
القبيحة، فكان جزاؤه أن يلزم بإمساكها إلى الموت.
وقضى في مولود وُلد وله رأسان وصدران في حقو
(4)
واحد، فقالوا له: أيُوَرَّث ميراث اثنين، أم ميراث واحد؟ فقال: يترك حتى ينام، ثم يصاح به، فإن انتبها جميعًا، كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر كان له ميراث اثنين
(5)
.
(1)
انظر: الأم (6/ 98)، المحلى (10/ 458)، مجمع الضمانات (168)، منح الجليل (9/ 115)، روضة الطالبين (7/ 147)، المحرر (2/ 138)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 84)، المغني (12/ 158)، المبدع (8/ 370)، شرح الزركشي (6/ 169)، تحفة المحتاج (8/ 472)، مغني المحتاج (4/ 67)، الخرشي على خليل (8/ 37)، بلغة السالك (4/ 388)، حاشية الدسوقي (6/ 235).
(2)
الخُلع: أن يفارق الزوج امرأته على عوض تبذله له. المطلع (231). وانظر: التعريفات (135)، التوقيف (323)، أنيس الفقهاء (161)، حلية الفقهاء (170)، الحدود لمصنفك (38)، حدود ابن عرفة (1/ 275) مع شرح الرصاع.
(3)
في "جـ": "المسألة".
(4)
الحَقو: موضع شد الإزار. المصباح المنير (145)، القاموس (1646).
(5)
تبصرة الحكام (2/ 146)، معين الحكام (173)، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (8)"ميراث من ليس له فرج".
فإن قيل: كيف
(1)
تُزوَّج مَن ولدت كذلك؟
قلت: هذه مسألة لم أر لها ذكرًا في كتب الفقهاء، وقد قال أبو جبلة
(2)
: رأيت بفارس امرأة لها رأسان وصدران في حقو واحد متزوجة، تغار هذه على هذه، وهذه على هذه
(3)
.
والقياس: أنها تزوج، كما تزوج النساء، ويتمتع الزوج بكل واحد من الفرجين
(4)
والوجهين، فإن ذلك زيادة في خلقة المرأة. هذا إذا كان الرأسان على حقو واحد ورجلين.
فإن كانا على حقوين، وأربعة أرجل، فقد روى محمد بن سهل
(5)
(1)
في "جـ": "فكيف".
(2)
أظنه: ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جُميع أبا جبلة الزهري الكوفي. تاريخ بغداد (7/ 152). وفي "أ": "جميلة".
(3)
انظر: الكامل (8/ 377)، المنتظم (16/ 95)، العبر للذهبي (3/ 244)، البداية والنهاية (16/ 7)، تاريخ الخلفاء للسيوطي (420)، شذرات الذهب (5/ 248) و (7/ 6)، مواهب الجليل (1/ 94).
(4)
ذكر بعض الشافعية أن الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - أُخبر بامرأة لها رأسان فنكحها بمائة دينار ونظر إليها وطلقها. انظر: أسنى المطالب (4/ 90)، تحفة الحبيب (4/ 156)، تحفة المحتاج (7/ 41)، الغرر البهية (5/ 24)، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (7/ 382)، مغني المحتاج (4/ 104).
(5)
محمد بن سهل العطار كما في ذيل ميزان الاعتدال (314) من شيوخ أبي بكر الشافعي. قال الدارقطني: "كان ممن يضع الحديث" ا. هـ. ميزان الاعتدال (6/ 180)، الكشف الحثيث (234). وقال الحاكم:"كذاب" وقال الخلال: "كان يضع الحديث". لسان الميزان (5/ 198).
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي
(1)
حدثني عمارة بن زيد
(2)
، حدثنا عبد الله
(3)
بن العلاء
(4)
، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإنسان له رأسان، وفمان، وأربع أعين
(5)
، وأربع أيد، وأربع أرجل، وإحليلان
(6)
، ودبران. فقالوا: كيف يرث يا أمير المؤمنين؟ فدعا بعلي رضي الله عنه، فقال: فيهما قضيتان، إحداهما: ينظر إذا نام، فإن غطَّ غطيطَ واحدٍ
(7)
، فنفْس واحدة، وإن غط من كل منهما فنفسان، وأما القضية الأخرى، فيطعمان ويسقيان فإن بال منهما
(8)
جميعًا، فنفس واحدة،
(1)
عبد الله بن محمد البلوي. قال الدارقطني: "كان يضع الحديث". انظر: ميزان الاعتدال (4/ 184)، لسان الميزان (3/ 395)، ذيل ميزان الاعتدال (314)، الكشف الحثيث (156)، المغني في الضعفاء (2/ 598).
(2)
عمارة بن زيد. قال الأزدي: "كان يضع الحديث". ميزان الاعتدال (5/ 212)، لسان الميزان (4/ 320). في "جـ":"يزيد".
(3)
في "أ" و"هـ": "عبيد الله".
(4)
هو عبد الله بن العلاء بن زَبْر الرَّبَعي أبو زَبْر الدمشقي، وثقه: ابن معين وابن سعد وغيرهما، روى له الجماعة سوى مسلم. توفي سنة 164 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ الدارمي (153)، طبقات ابن سعد (7/ 324)، تهذيب الكمال (15/ 405).
(5)
"وأربع أعين" ساقط من "هـ".
(6)
الإحليل: مخرج البول من ذكر الإنسان. القاموس (1275)، المطلع (148)، طلبة الطلبة (49).
(7)
في "أ": "غطيطة واحدة"، وفي "ب":"غطيطًا واحدًا".
(8)
في "أ": "من المبالين".
وإن بال من كل واحد
(1)
منهما على حدة، وتغوط من كل واحد على حدة
(2)
، فنفسان. فلما كان بعد ذلك طلبا النكاح. فقال علي رضي الله عنه: لا يكون فرج في فرج وعين تنظر، ثم قال: أما إذ حدثت
(3)
فيهما الشهوة، فإنهما سيموتان جميعًا سريعًا، فما لبثا أن ماتا، وبينهما ساعة أو نحوها
(4)
.
فصل
ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بامرأة زنت، فسألها فأقرت
(5)
، فأمر برجمها. فقال علي رضي الله عنه: لعل لها
(6)
عذرًا، ثم قال لها: ما حملك على الزنا؟ قالت: كان لي خليط، وفي إبله ماء ولبن، ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن، فظمئت فاستسقيته، فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي. فأبيت عليه ثلاثًا. فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج
(7)
أعطيته الذي أراد فسقاني، فقال علي رضي الله عنه: الله أكبر {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
(1)
"واحد" ساقط من "أ" و"ب" و"هـ".
(2)
قوله "وتغوط من كل واحد على حدة" ساقط من "هـ".
(3)
في "جـ": "حدث".
(4)
انظر: شرح النيل وشفاء العليل (13/ 28). وإسناد هذا الأثر مسلسل بالكذابين كما سبق في ترجمتهم.
(5)
"فأقرت" ساقطة من "هـ".
(6)
في "أ": "بها".
(7)
في "ب": "تخرج".
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]
(1)
.
وفي "سنن البيهقي"
(2)
، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي: أُتي عمر بامرأة جهدَها العطش، فمرّت على راع فاستسقت
(3)
، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت. فشاور الناس في رجمها. فقال علي: هذه مضطرة، أرى أن تخلي سبيلها، ففعل.
قلت: والعمل على هذا، لو اضطرت المرأة إلى طعام أو شراب عند رجل فمنعها إلا بنفسها، وخافت الهلاك، فمكنته من نفسها، فلا حد عليها.
فإن قيل: فهل يجوز لها في هذه الحال
(4)
أن تُمكِّن من نفسها، أم يجب عليها أن تصبر ولو ماتت؟
(5)
قيل
(6)
: هذه حكمها حكم المكرهة
(1)
روى نحوه البيهقي (8/ 411) رقم (17050)، وعبد الرزاق (8/ 407) رقم (13654).
(2)
في "جـ": "السنن للبيهقي". سنن البيهقي (8/ 411) رقم (17050). قيل لابن معين: سمع أبو عبد الرحمن السلمي من عمر؟ قال: لا. المراسيل لابن أبي حاتم (94). قال أبو حاتم: روى عن عمر مرسل. الجرح والتعديل (5) الترجمة (164).
(3)
في "ب": "فاستسقته".
(4)
في "جـ": "الحالة".
(5)
قواعد الأحكام (1/ 79)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 400)، التقرير والتحبير (2/ 211)، الفتاوى الهندية (5/ 48)، مطالب أولي النهى (6/ 188)، الدر المختار (6/ 145).
(6)
في "جـ": "قلت".
على الزنا، التي يقال لها: إن مكَّنتِ من نفسك وإلا قتلتك
(1)
. والمكرهة لا حدَّ عليها، ولها أن تفتدي من القتل بذلك، ولو صبرت لكان أفضل لها، ولا يجب عليها
(2)
أن تُمَكِّن من نفسها، كما لا يجب على المكره على الكفر
(3)
أن يتلفظ
(4)
به، وإن صبر حتى قتل
(5)
لم يكن آثمًا
(6)
.
فالمكرهة على الفاحشة أولى.
فإن قيل: لو وقع مثل ذلك لرجل، وقيل
(7)
له: إن لم تُمكِّن من نفسك، وإلا قتلناك، أو منع الطعام والشراب، حتى يُمكَّن من نفسه، وخاف الهلاك. فهل يجوز له التمكين؟
(1)
في "أ": "قتلناك".
(2)
"عليها" ساقطة من "أ".
(3)
"على الكفر" ساقط من "هـ". وقد سقط من "جـ": "الكفر".
(4)
في "أ": "أن يلتفظ".
(5)
"قتل" ساقطة من "هـ".
(6)
انظر: تفسير الطبري (7/ 650)، ابن أبي حاتم (7/ 2304)، تفسير عبد الرزاق (2/ 276)، تفسير البغوي (3/ 86)، أحكام القرآن للشافعي (298)، تفسير ابن عطية (3/ 423)، أحكام القرآن لابن العربي (3/ 160)، تفسير ابن كثير (4/ 525)، الأم (6/ 226)، مغني المحتاج (4/ 137)، شرح معاني الآثار (3/ 95)، المبسوط (24/ 43)، بدائع الصنائع (7/ 176)، المغني (12/ 293)، كشاف القناع (6/ 167)، غذاء الألباب (2/ 83)، مطالب أولي النهى (6/ 298)، المنثور في القواعد (1/ 188)، الأشباه والنظائر للسيوطي (135)، روضة الطالبين (7/ 22 و 291).
(7)
في "هـ": "فقيل".
قيل: لا يجوز له ذلك، ويصبر للموت
(1)
.
والفرق بينه وبين المرأة: أن العار والفساد
(2)
الذي يلحق المفعول به لا يمكن تلافيه، وهو شر مما يحصل له بالقتل، أو منع الطعام والشراب حتى يموت، فإن هذا فساد في نفسه وعقله وقلبه ودينه وعرضه، ونطفة اللوطي مسمومة تسري في الروح والقلب، فتفسدها فسادًا قلَّ أن يُرجى معه صلاح. ففساد التفريق بين روحه وبدنه بالقتل دون هذه المفسدة
(3)
، ولهذا يجوز له أو يجب عليه أن يقتل من يراوده عن نفسه إن أمكنه ذلك من غير خوف مفسدة. ولو فعله السيد بعبده بيع عليه، ولم يُمكَّن من استدامة ملكه عليه
(4)
. وقال بعض السلف: يعتق عليه
(5)
. وهو قول قوي
(6)
مبني على العتق بالمثلة، لا سيما إذا استكرهه على ذلك، فإن هذا جار مجرى المثلة.
(1)
انظر: النتف في الفتاوى (2/ 699)، حاشية ابن عابدين (6/ 145)، الأشباه والنظائر للسيوطي (135).
(2)
"الفساد" ساقطة من "ب" و"جـ".
(3)
انظر: الجواب الكافي (271)، زاد المعاد (5/ 41)، روضة المحبين (369)، الكبائر للذهبي (81)، بدائع الفوائد (4/ 100)، الاستذكار (24/ 79)، منهاج السنة النبوية (3/ 435)، التفسير الكبير لابن تيمية (5/ 405)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 305)، الممتع شرح زاد المستقنع (1/ 244).
(4)
قال الذهبي - رحمه الله تعالى -: "أجمعت الأمة على أن من فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم" ا. هـ. الكبائر (82).
(5)
وفي "أ": "وكان بعض السلف يعتقه عليه".
(6)
"قوي" ساقط من "ب" و"جـ" و"هـ".
وقد سئل الإمام أحمد
(1)
عن رجل يُتهم بغلامه، فأراد بعض الناس أن يرفعه إلى الإمام، فدبَّر غلامه؟ فقال: يحال بينه وبينه، إذا كان فاجرًا معلنًا
(2)
.
فإن قيل: فهل يباح للغلام أن يهرب؟
قيل: نعم يباح له ذلك. قال أبو عمرو
(3)
الطرسوسي
(4)
- في كتاب
(5)
تحريم اللواط -
(6)
: باب إباحة الهرب للمملوك إذا أريد منه هذا البلاء، ثم ساق بإسناد صحيح إلى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري: "أن عبدًا أتاه، فقال: إني مملوك لهؤلاء، يأمرونني
(7)
بما لا يصلح أو نحوه؟ قال: اذهب في الأرض".
وذَكَرَ القاسم بن الريان
(8)
، قال: سئل عبد الله بن المبارك عن
(1)
في "أ": "بن حنبل"، وفي "جـ":"رضي الله عنه".
(2)
مسائل الإمام أحمد لأبي داود (372)، الفروع (4/ 42).
(3)
في "جـ": "عمر".
(4)
في "ب": "الطرشوشي"، وفي "هـ":"الطرطوشي"، وفي بغية الطلب في تاريخ حلب (1/ 101):"القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي قاضي مَعرَّة النعمان وكان فاضلًا مسندًا" ا. هـ.
(5)
"كتاب" ساقط من "ب".
(6)
لم أجده.
(7)
في "ب": "يأمروني".
(8)
القاسم بن كثير بن صدقة بن الريان اللكي. توفي سنة 220 هـ. المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 1073)، سير أعلام النبلاء (16/ 113)، تهذيب الكمال (23/ 417).
الغلام إذا أرادوا أن يفضحوه؟ قال: يمنع
(1)
، ويذبّ عن نفسه. قال: أرأيت إن علم أنه لا ينجيه إلا القتل، أيقتل حتى ينجو؟ قال: نعم. انتهى.
قلت
(2)
: ويكون مجاهدًا إن قَتل، وشهيدًا إن قُتل؛ فإنَّ "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد"
(3)
، فكيف مَنْ قُتل دون هذه الفاحشة؟
فصل
ومن ذلك: أن امرأة رُفعت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد زنت، فسألها عن ذلك؟ فقالت: نعم يا أمير المؤمنين، وأعادت ذلك وأيدته. فقال علي: إنها لتستهل
(4)
به استهلال من لا يعلم أنه حرام. فدرأ عنها الحد
(5)
. وهذا من دقيق الفراسة
(6)
.
فصل
ومن قضايا علي رضي الله عنه: أنه أُتي برجل وُجد في خَرِبة بيده سكين متلطخ بدم، وبين يديه قتيل يتشحَّط في دمه، فسأله؛ فقال:
(1)
في "ب": "يمتنع".
(2)
"قلت" ساقطة من "جـ".
(3)
رواه البخاري (2480)(5/ 147)، ومسلم رقم (141)(2/ 523)"مع شرح النووي" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(4)
أي ترفع صوتها. المصباح المنير (639)، مختار الصحاح (697).
(5)
رواه عبد الرزاق (7/ 403 و 404 و 405)، والشافعي في مسنده (168)، وفي اختلاف الحديث (505)، ومن طريقه البيهقي في السنن (8/ 415)، وفي المعرفة (12/ 326)، وابن حزم في المحلى (11/ 402). والقائل عثمان وليس عليًّا رضي الله عنهما.
(6)
هذا الفصل ساقط من "ب".
أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعًا، فقال: يا قوم، لا تعجلوا. ردوه إلى علي
(1)
، فردوه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ما هذا صاحبه، أنا قتلته. فقال علي للأول: ما حملك على أن قلت: أنك قاتله
(2)
، ولم تقتله؟ قال: يا أمير المؤمنين، وما أستطيع أن أصنع؟ وقد وقف العَسسُ على الرجل يتشحط في دمه، وأنا واقف، وفي يدي سكين، وفيها أثر الدم، وقد أخذتُ في خربة؟ فخفت ألا يقبل مني، وأن يكون قسامة، فاعترفت بما لم أصنع، واحتسبت نفسي عند الله. فقال علي: بئس ما صنعت. فكيف كان حديثك؟ قال: إني رجل قصَّاب، خرجت إلى حانوتي في الغَلس
(3)
، فذبحت بقرة وسلختها، فبينما
(4)
أنا أسلخها والسكين في يدي أخذني البول، فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها، فقضيت حاجتي، وعدت أريد حانوتي، فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره
(5)
، فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي، فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا عليّ، فأخذوني، فقال الناس: هذا قتل هذا، ما له قاتل سواه. فأيقنت أنك لا تترك قولهم
(6)
لقولي، فاعترفت بما لم أجْنه، فقال علي للمقرّ
(1)
"علي" ساقط من "ب".
(2)
في "ب": "أنا قتلته".
(3)
الغلس بفتحتين: ظلمة آخر الليل. مختار الصحاح (478)، المصباح المنير (450)، القاموس المحيط (723).
(4)
في "أ" و"ب": "فبينا".
(5)
"أمره" ساقطة من "ب".
(6)
"قولهم" سقطت من "أ".
الثاني: فأنت كيف كانت قصتك؟ فقال: اعتراني فلس، فقتلت الرجل طمعًا في ماله، ثم سمعت حس العسس، فخرجت من الخربة، واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس، فأخذوه وأتوك به. فلما أمرتَ بقتله علمت أني أبوء بدمه
(1)
أيضًا فاعترفت بالحق. فقال علي للحسن رضي الله عنهما: ما الحكم في هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وقد قال تعالى:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، فخلى عليٌّ رضي الله عنه عنهما، وأخرج دية القتيل من بيت المال
(2)
.
وهذا إن وقع صلحًا برضى الأولياء فلا إشكال، وإن كان بغير رضاهم فالمعروف من أقوال الفقهاء: أن القصاص لا يسقط بذلك؛ لأن الجاني قد اعترف بما يوجبه، ولم يوجد ما يسقطه، فيتعين استيفاؤه.
وبعد: فلحكم أمير المؤمنين
(3)
وجهٌ قوي، وقد وقع نظير هذه القصة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها ليست في القتل.
قال النسائي: حدثنا محمد بن يحيى
(4)
بن كثير الحراني، حدثنا
(1)
في "أ": "بذنبه".
(2)
انظر: المغني (12/ 201)، تصحيح الفروع (5/ 644)، حاشية ابن قندس على الفروع (386).
(3)
في "ب": "علي رضي الله عنه".
(4)
في "هـ": "علي".
عمرو بن حماد بن طلحة، حدثنا أسباط بن نصر، عن سماك
(1)
، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: "أن امرأةً وقعَ عليها رجُلٌ في سواد الصُّبحِ - وهي تعْمَدُ إلى المسجد - بمَكْرُوهٍ على نَفْسِها، فاسْتغاثتْ برجُلٍ مرَّ عليها، وفرَّ صاحبُها، ثُمَّ مرَّ عليها ذَوو عَدَدٍ، فاسْتَغاثَتْ بهمْ، فأدركوا الرَّجُلَ الذي كانت اسْتغاثَتْ به
(2)
، فأخذُوه، وسَبَقَهُمْ الآخَرُ، فجاءوا به يقودُونَهُ إليها، فقال: أنا الذي أَغَثْتُكِ، وقد ذهبَ الآخَرُ. فأَتَوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَتهُ أنه وَقَعَ عليها، وأخبرَ القوْمُ: أَنَّهم أَدْركُوهُ يشْتَدُّ، فقال: إِنَّما كُنْتُ أُغِيثُها على صاحبها، فأَدْركَني هؤلاء فَأَخَذوني، فقالت: كَذَبَ، هو الذي وَقَعَ عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطَلِقوا به فارْجموهُ. فقام رجل مِنْ الناس
(3)
، فقال: لا تَرْجموهُ، وارْجموني فأَنا الذي فَعَلْتُ بها الفِعْلَ، فَاعْترَفَ. فَاجْتَمَع ثلاثةٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقَعَ عليْها، والذي أَغاثَها، والمرأةُ - فقال:"أمَّا أنتِ فقد غُفِرَ لكِ". وقال للَّذي أَغَاثَها قولًا حسنًا. فقال عمر رضي الله عنه: ارْجُم الذي اعترَفَ بالزِّنا. فأَبى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: "لَا إِنَّه
(4)
قَدْ تَابَ"
(5)
.
(1)
هو سماك بن حرب بن أوس الذهلي البكري. توفي سنة 123 هـ. انظر: تهذيب الكمال (12/ 115)، سير أعلام النبلاء (5/ 245).
(2)
"فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به" ساقط من "ب".
(3)
"من الناس" ساقطة من "جـ".
(4)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "لأنه".
(5)
رواه النسائي في الكبرى (4/ 313) رقم (7311)، وابن الجارود في المنتقى (3/ 122) رقم (823)، والطبراني في الكبير (22/ 15) رقم (19)، =
ورواه الإمام أحمد في "مسنده" عن محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه - فذكره - وفيه: فقالوا يَا رَسُولَ اللهِ، ارْجُمْهُ فَقَالَ: "لَقَدْ تَابَ توبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِيْنةِ لَقَبِلَ
(1)
اللهُ منهُمْ"
(2)
.
وقال أبو داود: "باب في صاحب الحدِّ يجيء فيقر"
(3)
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، عن الفِريابي
(4)
، عن إسرائيل، عن سماك - فذكره بنحوه - وفيه: أَلا تَرْجُمُه؟
(5)
قَالَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِينَةِ لَقُبِلت
(6)
مِنْهُم".
وقال الترمذي: "باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على
= والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 494) رقم (17323)، وفي السنن الصغير (3/ 323) رقم (3326).
(1)
في "ب" و"هـ": "لقبلها".
(2)
المسند (6/ 399)، رواه الطبراني في الكبير (22/ 16) رقم (19)، والقيسراني في تذكرة الحفاظ (3/ 917) وقال:"هذا حديث منكر جدًّا على نظافة إسناده" ا. هـ.
(3)
سنن أبي داود (616).
(4)
هو محمد بن يوسف بن واقد الفريابي أبو عبد الله الضبي، وثقه النسائي وأبو حاتم والدارقطني. توفي سنة 212 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (8/ 120)، تهذيب الكمال (27/ 52)، سير أعلام النبلاء (10/ 114).
(5)
لفظ أبي داود: "ارجموه"(616) رقم (4379). واللفظ الذي ذكره ابن القيم رواه أحمد (6/ 399).
(6)
في "ب" و"هـ": "لقبل".
الزنا"
(1)
حدثنا علي بن حجر، أخبرنا معتمر
(2)
بن سليمان الرقي، عن الحجاج بن أرطاة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قَال: "اسْتُكرهَت امرأةٌ على عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَدَرأَ عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحدّ
(3)
، وأقامَهُ على الذي أصابَها". ولم يَذْكُرْ أنه جَعَلَ لها مَهْرًا. قال الترمذي: هذا حديث غريب، ليس إسناده بمتصل، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، وسمعت محمدًا يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه، يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر
(4)
، والعمل على هذا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن ليس على المستكره
(5)
حد.
ثم ساق حديث علقمة بن وائل عن أبيه من طريق محمد بن يحيى
(6)
النيسابوري عن الفريابي عن
(7)
سماك عنه: ولفظه: أَنَّ امْرَأَةً
(1)
جامع الترمذي (3/ 122).
(2)
هكذا في جميع النسخ، والصواب:"معمر" كما عند الترمذي (3/ 122)، وأحمد (4/ 318). انظر: تهذيب الكمال (28/ 326).
(3)
"الحد" ساقط من "أ" و"ب".
(4)
التاريخ الكبير (6/ 106) رقم (1855). كما رواه أحمد (4/ 318)، وابن أبي شيبة (5/ 501)، والطبراني في الكبير (22/ 29) رقم (64)، وابن ماجه رقم (2598)، والبيهقي (8/ 410) وقال:"هذا الإسناد ضعيف من وجهين أحدهما: أن الحجاج لم يسمع من عبد الجبار، والآخر: أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه قاله البخاري وغيره" ا. هـ.
(5)
في "جـ": "المكره".
(6)
في "هـ": "علي".
(7)
عند الترمذي: "عن إسرائيل قال: حدثنا سماك" ا. هـ. الجامع (3/ 122).
خَرَجَتْ عَلَى عهد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم تُرِيدُ الصَّلاةَ فَتلَقَّاهَا رَجلٌ فَتَجَلَّلهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، فَصَاحَتْ، فَانْطَلَقَ، وَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاكَ
(1)
الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذا وَكذَا، وَمَرَّتْ بعصَابَةٍ مِنَ المُهَاجرِينَ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاك
(2)
الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكذَا
(3)
، فَانْطَلَقُوا فأَخَذُوا الرَّجُلَ الَّذي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا. فَأَتوهَا بِهِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ هُوَ هَذَا، فَأَتَوا بهِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلَمَّا أَمَرَ بهِ ليُرْجَمَ قَامَ صَاحِبُها الَّذي وقَعَ عَلَيْها
(4)
: فقال: يا رسول الله أنا صاحبها. فقال لها: "اذهبي فقد غفر الله لك" وقال للرجل قولًا حسنًا، وقال للذي وقع عليها:"ارْجُمُوهُ" وقَالَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أهلُ المَدِينَة لَقُبِلَ مِنْهُمْ"
(5)
قال الترمذي: "هذا حديث حسن
(6)
غريب". وفي نسخة: "صحيح"
(7)
. وعلقمة بن وائل بن حُجْر سمع من أبيه
(8)
، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد
(1)
في "ب" و"هـ": "ذلك".
(2)
في "ب": "ذلك".
(3)
من قوله "ومرت بعصابة" إلى قوله "فعل بي كذا وكذا" ساقط من "هـ".
(4)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "للرجل الذي".
(5)
أبو داود رقم (4379)، والترمذي (3/ 122) رقم (1454).
(6)
"حسن" ساقط من "أ".
(7)
في طبعة دار الغرب (3/ 123): "حسن غريب صحيح"، وكذا في المطبوع مع تحفة الأحوذي (5/ 15)، والمطبوع مع العارضة (6/ 237). وفي تحفة الأشراف (9/ 87) وقال:"حسن غريب"، وفي بعض النسخ:"حسن صحيح غريب" ا. هـ. وفي تذكرة الحفاظ: "صحيح"(3/ 917). وفي مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 215): "حسن صحيح غريب".
(8)
كما نص عليه البخاري في التاريخ (7/ 41). وقد صرح علقمة أن أباه حدثه =
الجبار لم يسمع من أبيه
(1)
.
قلت: هذا الحديث إسناده على شرط مسلم، ولعله تركه لهذا الاضطراب الذي وقع في متنه، والحديث يدور على سماك، وقد اختلفت الرواية هل
(2)
رجم المعترف، فقال أسباط بن نصر عن سماك:"فأبى أن يرجمه"
(3)
، ورواية أحمد
(4)
وأبي داود
(5)
ظاهرة في ذلك. ورواية الترمذي
(6)
عن محمد بن يحيى صريحة في أنه رجمه. وهذا الاضطراب: إما من سماك - وهو الظاهر - وإما ممن هو دونه. والأشبه: أنه لم يرجمه، كما رواه أحمد
(7)
والنسائي
(8)
وأبو داود
(9)
،
= عند مسلم حديث رقم (1680)، وجاء في إسناد مسلم:"عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه .. ". وانظر: تحفة الأحوذي (5/ 15).
(1)
انتهى كلام الترمذي. وانظر: طبقات ابن سعد (6/ 310)، الاستيعاب (3/ 606)، تهذيب الكمال (16/ 394)، تهذيب التهذيب (6/ 96).
(2)
في "ب" و"هـ": "على".
(3)
النسائي في الكبرى (4/ 313) رقم (7311)، وابن الجارود (3/ 122) رقم (823)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 15) رقم (18)، والبيهقي (8/ 494)، وفي السنن الصغير (3/ 323) رقم (3326).
(4)
المسند (6/ 399).
(5)
السنن (616) رقم (4379). وفي المطبوع: "ارجموه".
(6)
جامع الترمذي (3/ 122) رقم (1454).
(7)
المسند (6/ 399).
(8)
السنن الكبرى (4/ 313) رقم (7311) كتاب الرجم.
(9)
السنن (616) رقم (4379).
ولم يذكروا غير ذلك، ورواته حفظوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
(1)
رجمه فأبى وقال: "لا". والذي قال: "إنه أمر برجمه" إما أن يكون جرى على المعتاد
(2)
، وإما أن يكون اشتبه عليه أمره برجم الذي جاءوا به أولًا، فوهم، وقال: إنه أمر برجم المعترف.
وأيضًا؛ فالذين رجمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا مضبوطون معدودون، وقصصهم محفوظة معروفة، وهم ستة نفر
(3)
: الغامدية
(4)
، وماعز
(5)
، وصاحبة
(6)
العسيف
(7)
، واليهوديين
(8)
،
(1)
"سئل" ساقطة من "هـ".
(2)
في "هـ": "المعتمد".
(3)
ولم يذكر المؤلف سوى خمسة، والسادسة امرأة من جهينة كما رواه مسلم: كتاب الحدود الحديث رقم (1696)(11/ 216)، وهو ما يظهر من كلام الحافظ في الفتح (12/ 122) أنهما امرأتان. أما إن كانت الجهنية هي الغامدية لكون غامد بطنًا من جهينة كما ذكر العلماء، انظر: شرح مسلم للنووي (11/ 214)، تنوير الحوالك؛ فيكون عدد الذين رجمهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسة لا ستة والله أعلم.
(4)
مسلم رقم (1695)(11/ 211).
(5)
البخاري رقم (6824)(12/ 138)، ومسلم رقم (1695)(11/ 211).
(6)
البخاري (2695)(5/ 355) وفي مواضع أخرى منها (2724)(6827)، ومسلم (1697)(11/ 217) من حديث أبي هريرة وخالد بن زيد الجهني رضي الله عنهما.
(7)
العسيف: الأجير. شرح مسلم للنووي (11/ 218)، فتح الباري (12/ 142)، إكمال إكمال المعلم للأبي (6/ 183)، مكمل الإكمال للسنوسي (6/ 183).
(8)
في "جـ": "اليهوديان". البخاري (6841)(12/ 172) و (6819)(12/ 131)، ومسلم (1699)(11/ 220).
والظاهر: أن راوي الرجم في هذه القصة استبعد أن يكون قد اعترف بالزنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجمه. وعلم أن من هديه: رجم الزاني. فقال: "وأمر برجمه".
فإن قيل: فحديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، الظاهر أنه في هذه القصة، وقد ذكر "أنه أقام الحد على الذي أصابها"
(1)
.
قيل: لا يدل لفظ الحديث على أن القصة واحدة، وإن دل فقد قال البخاري: لم يسمعه
(2)
حجاج من عبد الجبار، ولا سمعه عبد الجبار من أبيه. حكاه البيهقي
(3)
عنه. على أن في قول البخاري: "إن عبد الجبار ولد بعد موت أبيه بأشهر"
(4)
نظرًا
(5)
؛ فإن مسلمًا روى في
(1)
انظر: الحاشية رقم (4) ص 145.
(2)
في "ب": "لم يسمع".
(3)
السنن الكبرى (8/ 410).
(4)
التاريخ الكبير (6/ 106) رقم (1855)، جامع الترمذي (3/ 122)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 216)، عون المعبود (12/ 44).
(5)
وقال المزي معلقًا على كلام البخاري: "وهذا القول ضعيف جدًّا فإنه قد صح عنه أنه قال: "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي" ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول" ا. هـ. تهذيب الكمال (16/ 395). قال الحافظ ابن حجر: "نص أبو بكر البزار على أن القائل: "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي" هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار" ا. هـ. تهذيب التهذيب (6/ 96). قال المباركفوري: "قول أبي بكر البزار هذا ضعيف جدًّا فإنه لو كان القائل: "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي" هو علقمة بن وائل لم يقل فحدثني علقمة بن وائل" ا. هـ. تحفة الأحوذي (5/ 14). وقال الحافظ ابن حجر: "ونقل بعضهم أنه ولد بعد وفاة أبيه ولا يصح ذلك لما يعطيه ظاهر سياق =
"صحيحه" عن عبد الجبار قال: "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي .. "
(1)
الحديث، وليس في ترك رجمه - مع الاعتراف - ما يخالف أصول الشرع، فإنه قد تاب بنص النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تاب من حدٍّ قبل القدرة عليه سقط عنه في أصح القولين
(2)
، وقد أجمع عليه الناس في المحارب
(3)
، وهو تنبيه على من دونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لما فرَّ ماعز من بين أيديهم:"هلَّا تركْتُموهُ يتُوبُ، فيتُوبَ الله علَيهِ؟ "
(4)
.
= مسلم .. كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي" ا. هـ. التلخيص الحبير (1/ 367)، نيل الأوطار (2/ 311).
(1)
لم أجده في صحيح مسلم، وقد نسبه لمسلم الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 367). وانظر: تحفة الأحوذي (1/ 512). وقد أخرجها أبو داود رقم (723)(113)، وابن خزيمة (2/ 55)، وابن حبان (5/ 173) رقم (1862)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 257)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 78)(2619)، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم (2/ 24). وصححه المزي في التهذيب (16/ 395)، والعلائي في "جامع التحصيل"(219)، والذهبي، كما في نيل الأوطار (2/ 311).
(2)
وصححه في إعلام الموقعين (3/ 14). وانظر: الأم (7/ 192)، الحاوي الكبير (13/ 370)، التهذيب للبغوي (7/ 404)، المبسوط (9/ 176)، بدائع الصنائع (7/ 96)، العواصم لابن الوزير (9/ 296)، الاختيارات الفقهية (296)، فتاوى ابن تيمية (16/ 32) و (28/ 301)، فتح الباري (12/ 138)، مطالب أولي النهى (6/ 256)، الفروع (6/ 144)، المنتقى (7/ 174)، كشاف القناع (6/ 154)، المحلى (11/ 126)، المغني (12/ 484)، الإنصاف (27/ 31).
(3)
المغني (12/ 483).
(4)
أحمد (5/ 217)، وأبو داود (622) رقم (4419)، والنسائي في الكبرى =
فإن قيل: فكيف تصنعون بأمره برجم المتهم الذي ظهرت براءته، ولم يقر، ولم تقم عليه بينة، بل بمجرد إقرار المرأة عليه؟
قيل: هذا - لعمر الله - هو الذي يحتاج إلى جواب شافٍ، فإن الرجل لم يقر، بل قال:"أنا الذي أغثتها".
فيقال - والله أعلم -: إن هذا مثل إقامة الحد باللوث الظاهر القوي، فإنه أدرك وهو يشتد هاربًا بين أيدي القوم، واعترف بأنه كان عند المرأة، وادعى أنه كان مغيثًا
(1)
لها، وقالت المرأة: هو هذا. وهذا لوث ظاهر.
وقد أقام الصحابة حد الزنا والخمر باللوث الذي هو نظير هذا أو قريب منه، وهو الحمل
(2)
والرائحة
(3)
.
= (4/ 290) رقم (7205)، وابن أبي شيبة (5/ 532) رقم (28758)، والبيهقي (8/ 382)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 356) رقم (2393)، والحاكم (4/ 363) من حديث نعيم بن هزال عن أبيه هزال بن يزيد رضي الله عنه. وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وحسن الحافظ ابن حجر إسناد أبي داود. التلخيص الحبير (4/ 107).
(1)
"مغيثًا لها" ساقطة من "ب" وفيها: "يغشاها".
(2)
في "ب" و"هـ": "الحبل" البخاري (6830)(12/ 148)، ومسلم (1691)(11/ 204) عن عمر رضي الله عنه.
(3)
رواه مالك (2/ 842)، وابن أبي شيبة (5/ 519)، والنسائي في الكبرى (3/ 238)(5217) عن عمر رضي الله عنه. وصحح الحافظ ابن عبد البر وابن حجر إسناد الإمام مالك. تغليق التعليق (5/ 26)، الاستذكار (24/ 258)، وصحح =
وجوز النبي صلى الله عليه وسلم لأولياء القتيل أن يقسموا على عين القاتل - وإن لم يروه
(1)
- للوث، ويُدفع
(2)
إليهم.
فلما انكشف الأمر بخلاف ذلك تعين الرجوع إليه، كما لو شهد عليه أربعة: أنه زنا بامرأة، فحكم برجمه، فإذا هي عذراء
(3)
، أو ظهر كذبهم، فإن الحد يدرأ عنه، ولو حكم به.
فهذا ما ظهر في هذا الحديث الذي هو من مشكلات الأحاديث، والله أعلم
(4)
.
وقرأت في "كتاب
(5)
أقضية علي"
(6)
رضي الله عنه بغير إسناد - أن امرأة رفعت إلى علي، وشُهد عليها: أنها قد بغَتْ، وكان من قصتها
(7)
أنها يتيمة عند رجل، وكان للرجل امرأة، وكان كثير الغيبة
= ابن كثير إسناد النسائي. مسند الفاروق (2/ 513). وعن ابن مسعود رواه البخاري (8/ 663)(5001)، ومسلم (6/ 335)(801). ورواه ابن أبي شيبة (5/ 519) عن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنهم أجمعين.
(1)
البخاري (6/ 317) رقم (3173)، ومسلم (11/ 155)(1669) من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(2)
وفي "ب": "ولم يدفع إليهم".
(3)
وفي "ب" و"جـ" و"هـ": "أنه زنا بامرأة لم يحكم برجمه إذا هي عذراء".
(4)
انظر: إعلام الموقعين (3/ 12)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 216)، عون المعبود (12/ 42).
(5)
"كتاب" ساقط من "أ".
(6)
للأصبغ بن نباتة، ولم أجده مطبوعًا ولا مخطوطًا.
(7)
في "جـ" و"هـ": "قضيتها".
عن أهله. فشبت اليتيمة، فخافت المرأة أن يتزوجها زوجها، فدعت نسوة حتى أمسكنها
(1)
. فأخذت عذرتها بأصبعها، فلما قدم زوجها من غيبته رمتها المرأة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللواتي ساعدنها على ذلك. فسأل المرأة: ألك شهود؟ قالت: نعم. هؤلاء جاراتي يشهدن بما أقول. فأحضرهن علي، وأحضر السيف، وطرحه بين يديه، وفرق بينهن، فأدخل كل امرأة بيتًا، فدعا امرأة الرجل، فأدارها بكل
(2)
وجه، فلم تزل على قولها، فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا بإحدى الشهود، وجثا على ركبتيه، وقال: قد
(3)
قالت المرأة ما قالت، ورجعت إلى الحق، وأعطيتها الأمان، وإن لم تصدقيني لأفعلن، ولأفعلن. فقالت: لا والله، ما فعلت، إلا أنها رأت جمالًا وهيئة
(4)
، فخافت فساد زوجها، فدعتنا
(5)
وأمسكناها لها، حتى افتضتها
(6)
بأصبعها؛ قال علي: الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشاهدين. فألزم المرأة حد القذف، وألزم النسوة جميعًا العُقْر
(7)
، وأمر الرجل أن يطلق المرأة، وزوجه اليتيمة، وساق إليها المهر من
(1)
في "أ" و"ب" و"هـ": "أمسكوها".
(2)
في "ب": "قبل كل".
(3)
"قد" من "أ".
(4)
في "ب" و"جـ": "وهيبة".
(5)
في "ب": "فدعتها".
(6)
فضضت البكارة أزلتها. المصباح المنير (475).
(7)
العُقْر: بالضم ما تعطاه المرأة على وطء الشبهة. النهاية في غريب الحديث (3/ 273)، لسان العرب (4/ 595). في "جـ":"العفو".
عنده
(1)
.
ثم حدثهم: أن دانيال
(2)
كان يتيمًا، لا أب له ولا أم، وأن عجوزًا من بني
(3)
إسرائيل ضمته
(4)
وكفلته، وأن ملكًا من ملوك
(5)
بني إسرائيل كان له قاضيان. وكانت امرأة مهيبة جميلة تأتي الملك فتناصحه وتقص عليه، وأن القاضيين عشقاها، فراوداها
(6)
عن نفسها فأبت، فشهدا عليها عند الملك أنها بغت
(7)
. فدخل الملكَ من ذلك أمرٌ عظيم، فاشتد غمه - وكان فيها معجبًا -، فقال لهما: إن قولكما مقبول، وأجلها ثلاثة أيام، ثم ترجمونها. ونادى في البلد: احضروا رجْمَ فُلانة، فأكثر الناس في ذلك، وقال الملك لثقته: هل عندك من
(1)
روى نحوه ابن أبي شيبة (4/ 30) رقم (17463). أما كون علي رضي الله عنه أول من فرق بين الشهود فقد رواه ابن أبي شيبة (4/ 491) رقم (22401) و (7/ 259) رقم (35869)، والبيهقي (10/ 208).
(2)
دانيال عليه الصلاة والسلام ممن أتاه الله عز وجل الحكمة والنبوة، وكان في أيام بختنصر. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي (179). وانظر: شيئًا من أخباره: العظمة لأبي الشيخ (2/ 603)، والزهد للإمام أحمد (81)، البداية والنهاية (2/ 375)، الشكر لابن أبي الدنيا (68) رقم (173)، معجم البلدان (2/ 441).
(3)
في "أ": "من ملوك بني إسرائيل".
(4)
في "ب": "يتمته".
(5)
"ملوك" ساقطة من "أ" و"جـ".
(6)
في "أ": "فأرادها على".
(7)
بغت المرأة: فجرت. هي وصف مختص بالمرأة ولا يقال للرجل. انظر: المصباح المنير (57)، القاموس (1631).
حيلة؟ فقال: ماذا عسى عندي؟ - يعنى وقد شهد عليها القاضيان -، فخرج ذلك الرجل في اليوم الثالث، فإذا هو بغلمان يلعبون، وفيهم دانيال، وهو لا يعرفه، فقال دانيال: يا معشر الصبيان تعالوا حتى أكون أنا الملك، وأنت يا فلان المرأة العابدة، وفلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها، ثم جمع ترابًا وجعل سيفًا من قصب، وقال للصبيان: خذوا بيد هذا القاضي إلى مكان كذا وكذا، ففعلوا، ثم دعا الآخر، فقال له: قل الحق، فإن لم تفعل قتلتك، بأي شيء تشهد؟ - والوزير واقف ينظر ويسمع -، فقال أشهد أنها بغت، قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا. قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان
(1)
. قال: في أي مكان؟ قال: في مكان كذا وكذا، فقال: ردوه إلى مكانه، وهاتوا الآخر. فردوه إلى مكانه
(2)
، وجاءوا بالآخر فقال: بأي شيء تشهد؟ قال: بَغَتْ. قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال: وأين؟ قال: بموضع كذا وكذا، فخالف صاحبه، فقال دانيال: الله أكبر، شهدا عليها والله بالزور، فاحضروا قتلهما. فذهب الثقة إلى الملك مبادرًا، فأخبره الخبر، فبعث إلى القاضيين، ففرق بينهما. وفعل بهما ما فعل دانيال، فاختلفا كما اختلف الغلامان، فنادى الملك في الناس: أن احضروا قتل القاضيين، فقتلهما
(3)
.
(1)
"بن فلان" ساقطة من "أ".
(2)
"وهاتوا الآخر فردوه إلى مكانه" ساقطة من "ب"
(3)
رواه ابن أبي شيبة مختصرًا (7/ 261) رقم (35887)، والبيهقي (8/ 409). وانظر: التلخيص الحبير (4/ 356)، خلاصة البدر المنير (2/ 434). وذكره =
فصل
وكان علي رضي الله عنه لا يحبس في الدين، ويقول:"إنه ظلم".
قال أبو داود في غير كتاب السنن: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان - يعني ابن معاوية - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن علي
(1)
، قال: قال علي: "حبس الرجل في السجن بعد معرفة ما عليه من الحق ظلم"
(2)
.
وقال ابن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل
(3)
، عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر
(4)
، عن علي قال:"حَبْس الرجل في السجن بعد أن يعلم ما عليه من الحق ظلم"
(5)
.
= بطوله ابن بابويه القمي في: "من لا يحضره الفقيه"(3/ 20) رقم (3251).
(1)
هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب السيد الإمام أبو جعفر، اشتهر بالباقر. توفي سنة 114 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الطبقات الكبرى (5/ 246)، تهذيب الكمال (26/ 136)، سير أعلام النبلاء (4/ 401)، حلية الأولياء (3/ 180).
(2)
لم أجده من رواية أبي داود. وقد رواه أبو عبيد: "حدثنا أحمد بن خالد الوهبي عن محمد بن إسحاق .. ". المحلى (8/ 169). ومحمد بن علي بن الحسين لم يدرك عليًّا رضي الله عنه. سير أعلام النبلاء (4/ 401).
(3)
هو محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الضبي. مات سنة 195 هـ رحمه الله. انظر: الجرح والتعديل (8) ترجمة (263)، سير أعلام النبلاء (9/ 173)، تهذيب الكمال (26/ 293).
(4)
هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر.
(5)
من قوله "ابن أبي شيبة" إلى "من الحق ظلم" ساقط من "ب" و"جـ" و =
وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا يزيد
(1)
، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر
(2)
، أن عليًّا كان يقول: "حبس الرجل في السجن بعد أن يعلم ما
(3)
عليه من الحق ظلم"
(4)
.
وقال أبو نعيم: حدثنا إسماعيل
(5)
بن إبراهيم قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: "إن عليًّا كان إذا جاءه الرجل بغريمه، قال: لي عليه كذا. يقول: اقْضِهِ، فيقول: ما عندي ما أقضيه، فيقول غريمه: إنه كاذب، وإنه غيَّب ماله. فيقول: هلُمَّ ببينة على ماله يُقْضَى لك عليه. فيقول: إنه غيّبه، فيقول: استحلفه بالله ما غيّب منه شيئًا. قال: لا أرضى بيمينه. فيقول: فما تريد؟ قال: أريد أن تحبسه لي، فيقول: لا آمنك على ظلمه ولا أحبسه، قال: إذن ألزمه، قال: إن لزمته كنت ظالمًا له، وأنا حائل بينك وبينه"
(6)
.
= "هـ". والأثر رواه البيهقي (6/ 88). وأبو جعفر الباقر لم يدرك عليًّا رضي الله عنه. سير أعلام النبلاء (4/ 401).
(1)
هو يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي أبو القاسم. توفي سنة 276 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: ثقات ابن حبان (9/ 277)، تهذيب الكمال (32/ 234)، سير أعلام النبلاء (13/ 151).
(2)
هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر.
(3)
في "ب": "بما".
(4)
سبق تخريجه. وإسناده منقطع أبو جعفر الباقر لم يدرك عليًّا رضي الله عنه.
(5)
في "هـ": "سهل".
(6)
رواه أبو عبيد كذلك، وفي إسناده عبد الملك بن عمير قال الإمام أحمد:"مضطرب الحديث". تهذيب الكمال (18/ 370)، المحلى (8/ 171).
وروى أبو عبيد ووكيع وابن أبي شيبة نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قلت: هذا الحكم عليه جمهور الأمة
(1)
فيما إذا كان عليه دين
(2)
عن غير عوض مالي، كالإتلاف والضمان والمهر ونحوه، فإن القول قِوله مع يمينه، ولا يحل حبسه بمجرد قول الغريم: إنه مليء، وإنه غيَّب ماله.
قالوا: وكيف يقبل قول غريمه عليه
(3)
، ولا أصل هناك يستصحبه ولا عوض؟ هذا الذي ذكره أصحاب الشافعي
(4)
ومالك
(5)
وأحمد
(6)
.
وأما أصحاب أبي حنيفة
(7)
: فإنهم قسموا الدين إلى ثلاثة أقسام: قسم عن عوض مالي، كالقرض، وثمن البيع ونحوهما. وقسم لزمه بالتزامه، كالكفالة والمهر وعوض الخلع ونحوه. وقسم لزمه بغير
= مصنف ابن أبي شيبة (4/ 354) رقم (30919)، أخبار القضاة (1/ 112)، المحلى (8/ 171). وانظر: شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (2/ 356).
(1)
في "هـ": "الأئمة".
(2)
في "أ" و"ب": "كان دينه عن غير".
(3)
"عليه" ساقطة من "ب".
(4)
الأم (3/ 242)، مختصر المزني (9/ 114)"مع الأم"، الوجيز (464)، الحاوي (6/ 332)، التهذيب (4/ 115)، روضة الطالبين (3/ 373)، مغني المحتاج (2/ 155)، تكملة المجموع الثانية (13/ 275).
(5)
المدونة (5/ 204)، تبصرة الحكام (2/ 320)، المنتقى (5/ 81)، منتخب الأحكام (1/ 191)، البهجة (2/ 327)، الخرشي (5/ 279).
(6)
الهداية (1/ 163)، المحرر (1/ 346)، المغني (6/ 584)، كشاف القناع (3/ 421)، شرح منتهى الإرادات (2/ 159).
(7)
المبسوط (20/ 88)، بدائع الصنائع (7/ 174)، فتح القدير (7/ 279)، البناية (8/ 33)، أدب القضاء للسروجي (168)، تبيين الحقائق (4/ 180).
التزامه، وليس في مقابلة عوض، كبدل المتلف وأرش
(1)
الجناية، ونفقة الأقارب والزوجات، وإعتاق العبد المشترك ونحوه.
ففي القسمين الأولين: يسأل المدعي عن إعسار
(2)
غريمه، فإن أقر بإعساره لم يحبس له، وان أنكر إعساره وسأل حبسه: حبس؛ لأن الأصل بقاء عوض الدين عنده، والتزامه
(3)
للقسم
(4)
الآخر باختياره يدل على قدرته على الوفاء.
وهل تسمع بينته
(5)
بالإعسار قبل الحبس أو بعده؟ على قولين
(6)
عندهم. وإذا قيل: لا تسمع
(7)
إلا بعد الحبس، فقال بعضهم: تكون مدةُ الحبس شهرًا، وقيل: اثنين
(8)
، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: ستة، والصحيح: أنه لا حد له، وأنه مفوض إلى رأي
(1)
الأرش: هو المال الواجب فيما دون النفس. التوقيف (50)، التعريفات (31)، أنيس الفقهاء (295).
(2)
العُسْرُ له معان كثيرة منها الفقر وهو المراد هنا. المصباح المنير (409)، القاموس (564)، طلبة الطلبة (87).
(3)
في "أ": "التزام".
(4)
"للقسم" ساقط من "أ".
(5)
في "جـ": "بينة".
(6)
فتح القدير (7/ 283)، البناية (8/ 37)، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (2/ 367)، أدب القضاء للسروجي (171)، البحر الرائق (6/ 481)، منحة الخالق (6/ 481)، الفتاوى الهندية (3/ 415).
(7)
في "أ": "لا تسمع بينته".
(8)
في "أ" و"جـ": "اثنان".
الحاكم
(1)
.
والذي يدل عليه الكتاب والسنة وقواعد الشرع: أنه لا يحبس في شيء من ذلك، إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل، سواء كان دَيْنُهُ عن عوض أو عن غير عوض، وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره، فإن الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها، وهي من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعها بالشبهة، بل يتثبت الحاكم، ويتأمل حال الخصم، ويسأل عنه، فإن تبين له مَطْلُه وظلمُه ضربه إلى أن يُوفِّي أو يحبسه
(2)
، وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه
(3)
ولو أنكر غريمه إعسارَه، فإن عقوبة المعذور شرعًا ظلم، وإن لم يتبين له من حاله شيء أخَّره حتى يتبين له حاله.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء المفلس الذي لم يكن له ما يوفي دينه: "خُذوا ما وَجدْتُمْ، وليس لكُمْ إِلا ذلك"
(4)
.
وهذا صريح في أنهم ليس لهم إذا أخذوا ما وجدوه إلا ذلك، وليس لهم حبسه ولا ملازمته. ولا ريب أن الحبس من جنس الضرب،
(1)
المبسوط (20/ 89)، البناية (8/ 37)، أنفع الوسائل (349)، معين الحكام (198). وانظر: المراجع السابقة.
(2)
في "أ": "حبسه".
(3)
"وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه" ساقط من "ب" و"جـ" و"هـ".
(4)
رواه مسلم رقم (1556)(10/ 477) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
بل قد يكون أشد منه. ولو قال الغريم للحاكم: اضربه إلى أن يُحضر المال، لم يُجِبْه إلى ذلك. فكيف يُجيبه إلى الحبس الذي هو مثله أو أشد. ولم يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم طول مدته أحدًا في دين قط، ولا أبو بكر بعده ولا عمر ولا عثمان
(1)
رضي الله عنهم، وقد ذكرنا قول علي رضي الله عنه.
قال شيخنا رحمه الله: وكذلك لم يحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من الخلفاء الراشدين زوْجًا في صداق امرأته
(2)
أصلًا
(3)
.
وفي رسالة الليث بن سعد
(4)
إلى مالك التي رواها يعقوب بن سفيان الفسوي
(5)
الحافظ في "تاريخه"
(6)
عن أيوب عن
(7)
يحيى بن
(1)
انظر: أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن فرج (11)، الفروع (4/ 290)، تبصرة الحكام (2/ 216).
(2)
في "ب": "امرأة".
(3)
وذكر أن هذا قول المذاهب الأربعة. الفتاوى (32/ 197). وانظر: رسالة الليث التالية.
(4)
"بن سعد" من "أ".
(5)
في "أ" و"ب" و"هـ": "النسوي".
(6)
قال عنه الذهبي: "جم الفوائد" ا. هـ. سير أعلام النبلاء (13/ 180). وقال ابن القيم: "كتاب جليل غزير العلم جم الفوائد" ا. هـ. إعلام الموقعين (3/ 110). وانظر: كشف الظنون (1/ 280)، الفهرست (280).
(7)
هكذا في جميع النسخ "عن أيوب عن". والمثبت في التاريخ والمعرفة للفسوي (1/ 687): حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ولم يذكر "عن أيوب عن". وهو ما أثبته كذلك ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 114). ويحيى بن عبد الله من شيوخ أبي يوسف الفسوي وقوله هنا: "عن أيوب عن" =
عبد الله
(1)
بن بكير
(2)
المخزومي، قال: هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك فذكرها إلى أن قال: "ومن ذلك: أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء، أنها متى شاءت أن تكلم في مؤخر صداقها تكلمت
(3)
فيدفع
(4)
إليها. وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك، وأهل الشام وأهل مصر. ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعده لامرأة بصداقها المؤخر، إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق، فتقوم على حقها"
(5)
.
قلت: مراده بالمؤخر: الذي أخر قبضه عن
(6)
العقد، فتُرك مسمى، وليس المراد به: المؤجل؛ فإن الأمة مجمعة على أن المرأة لا تطالب به قبل أجله، بل هو كسائر الديون المؤجلة
(7)
، وإنما المراد: ما يفعله الناس من تقديم بعض المهر إلى المرأة، وإرجاء الباقي، كما
= أظنه سبق قلم، والله أعلم.
(1)
في "جـ": "عبيد الله".
(2)
في "ب": "بن بكر"، وفي "جـ":"بن أبي بكر".
(3)
في "جـ": "فتكلمت".
(4)
في "أ": " فدفع" وكذا "ب". أما "جـ": "يدفع".
(5)
رواها الفسوي في تاريخه (1/ 687)، ويحيى بن معين في التاريخ (4/ 487). وانظر: سير أعلام النبلاء (8/ 156)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (64)، تاريخ دمشق (32/ 142)، إعلام الموقعين (3/ 114).
(6)
في "جـ": "من".
(7)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (3/ 464)، المغني (10/ 115)، إعلام الموقعين (3/ 109)، الهداية للمرغيناني (3/ 383) مع "نصب الراية"، فتح القدير (3/ 371)، تحفة المحتاج (244)، الإنصاف (21/ 126).
يفعله الناس اليوم، وقد دخلت الزوجة
(1)
والزوج
(2)
والأولياء على تأخيره إلى الفرقة
(3)
، وعدم المطالبة به ما داما متفقين. ولذلك لا تطالب به إلا عند الشر والخصومة، أو تزوجه بغيرها، والله يعلم والزوج والشهود والمرأة والأولياء أن الزوج والزوجة لم يدخلا إلا على ذلك.
وكثير من الناس يسمي
(4)
صداقًا تتجمل به المرأة وأهلها، ويَعِدُونه - بل يحلفون له - أنهم لا يطالبون
(5)
به، فهذا لا تسمع دعوى المرأة به قبل الطلاق، أو الموت، ولا يطالب به الزوج ولا يحبس به أصلًا، وقد نص أحمد على ذلك
(6)
، وأنها إنما تطالب به عند الفرقة أو الموت، وهذا هو الصواب الذي لا تقوم مصلحة الناس إلا به.
قال شيخنا رحمه الله: ومن حين سُلط النساء على المطالبة
(7)
بالصدقات المؤخرة، وحبس الأزواج عليها، حدث من الشر
(8)
(1)
في "أ": "المرأة".
(2)
والزوج" من "أ" و"ب".
(3)
في "ب": "للفرقة".
(4)
في "ب": "من يسمى".
(5)
في "أ": "يطالبونه".
(6)
إبطال التحليل لابن تيمية (6/ 69)"ضمن الفتاوى الكبرى"، إعلام الموقعين (3/ 119)، تصحيح الفروع (5/ 267)، مطالب أولي النهى (5/ 214)، المغني (10/ 115).
(7)
في "أ": "مطالبة".
(8)
في "ب": "الشرور".
والفساد ما الله به عليم، وصارت المرأة إذا أحست من زوجها بصيانتها
(1)
في البيت، ومنعها من البروز والخروج من منزله والذهاب حيث شاءت: تدّعي بصداقها، وتحبس الزوج عليه، وتنطلق حيث شاءت، فيبيت الزوج
(2)
ويظل يتلوى في الحبس، وتبيت المرأة فيما تبيت فيه
(3)
.
فإن قيل: فالشروط
(4)
إنما تكتب حالًّا في ذمته تطالبه به متى شاءت.
قيل: لا عبرة بهذا بعد الاطلاع على حقيقة الحال، وأن الزوج لو عرف أن هذا دين حالٌّ تطالبه به بعد يوم أو شهر، وتحبسه عليه
(5)
: لم يقدم على ذلك أبدًا، وإنما دخلوا على أن
(6)
ذلك مسمى، تتجمل به المرأة، والمهر هو ما ساق إليها، فإن قدر بينهما طلاق أو موت طالبته بذلك. وهذا هو الذي في نظر الناس وعرفهم وعوائدهم، ولا تستقيم أمورهم إلا به
(7)
، والله المستعان.
(1)
في "ب": "يضايقها".
(2)
"الزوج" ساقطة من "ب".
(3)
مختصر الفتاوى المصرية (777). وانظر: الفتاوى (32/ 197 - 199)، الفروع (4/ 295).
(4)
في "جـ": "فالشرط".
(5)
"عليه" ساقط من "أ".
(6)
"أن" ساقطة من "ب" و"هـ".
(7)
انظر: المغني (10/ 173)، الشرح الكبير (21/ 245)، الإنصاف (21/ 247).
والمقصود: أن الحبس في الدين من جنس الضرب بالسياط والعصي فيه، وذلك عقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب، ولا تسوغ بالشبهة، بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة
(1)
، والله أعلم.
وقال الأصبغ بن نباتة: بينا علي رضي الله عنه جالسًا في مجلسه، إذ سمع صيحة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجل سرق، ومعه من يشهد عليه، فأمر بإحضارهم فدخلوا، فشهد شاهدان عليه: أنه سرق درعًا، فجعل الرجل يبكي ويناشد عليًّا أن يتثبت في أمره، فخرج علي إلى مجمع
(2)
الناس بالسوق، فدعا بالشاهدين فناشدهما الله
(3)
وخوفهما، فأقاما على شهادتهما، فلما رآهما لا يرجعان دعا
(4)
بالسكين وقال: ليمسك أحدكما يده ويقطع الآخر، فتقدما ليقطعاه، فهاج
(5)
الناس، واختلط بعضهم ببعض، وقام علي عن الموضع. فأرسل الشاهدان يد الرجل وهربا. فقال علي: من يدلني على الشاهدين الكاذبين؟ فلم يوقف لهما على خبر، فخلى سبيل
(1)
في "ب": "بالبينة". والشبهة في الاصطلاح: ما يشبه الثابت وليس بثابت. انظر: الهداية للمرغيناني (4/ 139)، وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 282)، فتح القدير (5/ 262)، غرر الأحكام (2/ 64)، الفتاوى الهندية (2/ 147)، مجمع الأنهر (1/ 592).
(2)
في "أ": "مجتمع".
(3)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "فأشهدهما الله".
(4)
في "جـ": "أمر".
(5)
في "أ": "وماج".
الرجل
(1)
.
وهذا من أحسن الفراسة، وأصدقها، فإنه ولَّى الشاهدين من ذلك ما توليا، وأمرهما أن يقطعا بأيديهما من قطعا يده بألسنتهما، ومن هنا قالوا: إنه يبدأ الشهود بالرجم إذا شهدوا بالزنا
(2)
.
وجاءت إلى علي رضي الله عنه امرأة، فقالت: إن زوجي وقع على جاريتي بغير أمري، فقال للرجل: ما تقول؟ قال: ما وقعت عليها إلا بأمرها، فقال: إن كنت صادقة رجمته، وإن كنت كاذبة جلدتك الحد، وأقيمت الصلاة، وقام ليصلي، ففكرت المرأة في نفسها، فلم تر لها فَرَجًا
(3)
في أن يرجم زوجها ولا في أن تجلد، فولت ذاهبة، ولم يسأل عنها علي
(4)
.
فصل
ومن المنقول عن كعب بن سور، قاضي عمر بن الخطاب، أنه اختصم إليه امرأتان، كان لكل واحدة
(5)
منهما ولد، فانقلبت إحدى المرأتين على أحد الصبيين فقتلته، فادعت كل واحدة منهما الباقي، فقال كعب: لست سليمان
(6)
بن داود، ثم دعا بتراب ناعم ففرشه، ثم
(1)
لم أجد من أخرجها. وفي الإسناد الذي ذكره المؤلف الأصبغ بن نباتة وقد سبق بيان حاله ص (119).
(2)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (5/ 539)، مصنف عبد الرزاق (7/ 327)، سنن الدارقطني (3/ 124)، مسند ابن الجعد (46)، سنن البيهقي (8/ 383).
(3)
في "ب": "من".
(4)
رواه مختصرًا البيهقي (8/ 419).
(5)
"واحدة" من "هـ".
(6)
وفي "ب": "بسليمان".