الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمارته لقول
(1)
أحد من الناس.
والمقصود أن "
البينة" في الشرع:
اسم لما يبين الحق ويظهره
(2)
، وهي تارة تكون أربعة شهود
(3)
، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس
(4)
، وتارة
(5)
شاهدين
(6)
، وشاهدًا وامرأتين، وشاهدًا ويمين المدعي، وشاهدًا
(7)
واحدًا
(8)
، وامرأة واحدة
(9)
، وتكون نكولًا ويمينًا
(10)
، أو خمسين يمينًا
(11)
، أو أربعة أيمان
(12)
، وتكون شاهد الحال في الصور التي ذكرناها وغيرها. فقوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على
(1)
وفي "ب" و"جـ" و"هـ": "بقول".
(2)
انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (6/ 466)، إعلام الموقعين (1/ 131)، مفتاح دار السعادة (1/ 458)، جامع العلوم والحكم (2/ 235)، تبصرة الحكام (1/ 240)، معين الحكام (68)، النظم المستعذب (2/ 357)، الفواكه العديدة (2/ 192).
(3)
وذلك في حد الزنا وسيأتي تفصيل ذلك في الطريق الثالث عشر من طرق الحكم.
(4)
وفي "أ" و"هـ": "الفلس". وسيأتي مفصلًا في الطريق الثاني عشر.
(5)
وفي "أ" و"ب" و"هـ": "وتكون".
(6)
كشهادة رجلين في الأموال.
(7)
قوله "وامرأتين وشاهدًا ويمين المدعي وشاهدًا" مثبت من "أ".
(8)
إذا عرف الحاكم صدقه في غير الحدود كما فصله المؤلف في الطريق السادس من طرق الحكم.
(9)
كشهادة القابلة وحدها على رأي بعض أهل العلم.
(10)
وسيأتي مفصلًا في الطريقين الرابع والخامس.
(11)
في القسامة وسيأتي تفصيله.
(12)
في اللعان.
المُدَّعِي" أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له.
فصل
ولم يزل حذاق الحكام
(1)
والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدّموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارًا. وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم
(2)
وسألهم: كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه، متى عدل عنه أثم، وجار في الحكم. وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق، وأين كان، ونظر في الحال: هل
(3)
يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله كالأمين
(4)
والمدعى عليه وجب عليه أن يستكشف الحال، ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال.
وقلَّ حاكم أو وال اعتنى بذلك، وصار له فيه ملكة، إلا وعرف
(1)
أي: مهرة الحكام معجم مقاييس اللغة (253)، المصباح المنير (126).
(2)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 491)، المبسوط (16/ 87)، الأشباه والنظائر مع شرح الحموي (2/ 364)، المدونة (6/ 268)، حاشية الدسوقي (6/ 92)، الخرشي (7/ 199)، تبصرة الحكام (219)، الأم (7/ 94)، نهاية المحتاج (8/ 267)، مغني المحتاج (4/ 405)، المغني (14/ 70)، الشرح الكبير (28/ 488)، الفتاوى الكبرى (5/ 563)، الفتاوى (15/ 353)، الإنصاف (28/ 488)، مطالب أولي النهى (6/ 513).
(3)
"هل" ساقطة من "أ".
(4)
"كالأمين" ساقط من "جـ" و"هـ"، وبياض في "ب".
المحق من المبطل، وأوصل الحقوق إلى أهلها.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أتته امرأة فشكرت عنده زوجها وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء، فقال:"جزاك الله خيرًا فقد أحسنت الثناء". فلما ولت قال كعب بن سُور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجَها. قال: عليَّ بهما. فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له قال: إن الله تعالى يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يومًا، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: "هذا أعجب إليَّ
(1)
من الأول" فبعثه قاضيًا لأهل البصرة
(2)
فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة. وكذلك شريح في فراسته وفطنته.
قال الشعبي: شهدت شريحًا وجاءته امرأة - تخاصم رجلًا - فأرسلت عينيها وبكت. فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة
(3)
إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً
(1)
"إليَّ" ساقط من "جـ".
(2)
رواه عبد الرزاق (7/ 149)، وابن سعد في الطبقات (7/ 63)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 275). ورواه بنحوه ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 288) وقال:"خبر عجيب مشهور" ا. هـ. الاستيعاب (3/ 286).
(3)
"البائسة" ساقط من "ب".
يبكون
(1)
.
وتقدم إلى إياس بن معاوية أربع نسوة، فقال إياس: أما إحداهن فحامل، والأخرى مرضع، والأخرى ثيب، والأخرى بكر. فنظروا فوجدوا الأمر كما قال. قالوا: وكيف عرفت؟ فقال: أما الحامل: فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها، فعلمت أنها حامل، وأما المرضع: فكانت تضرب ثدييها. فعلمت أنها مرضع، وأما الثيب: فكانت تكلمني وعينها في عيني فعلمت أنها ثيب
(2)
، وأما البكر: فكانت تكلمني وعينها في الأرض، فعلمت أنها بكر
(3)
.
وقال المدائني
(4)
عن روح
(5)
: استودع رجل رجلًا من أبناء
(6)
(1)
كما في قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)} [يوسف: 16]. رواه أبو نعيم في الحلية (4/ 313)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 46). وانظر: صفة الصفوة لابن الجوزي (3/ 40)، تهذيب الكمال (12/ 440)، الأذكياء (63)، عيون الأخبار (1/ 132).
(2)
قوله "وأما الثيب" إلى قوله "أنها ثيب" ساقط من "هـ".
(3)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 13). وانظر: أخبار القضاة (1/ 371)، تهذيب الكمال (3/ 410)، البداية والنهاية (13/ 118)، وفيات الأعيان (1/ 132).
(4)
هو علي بن محمَّد بن عبد الله المدائني الأخباري. توفي سنة 224 هـ - رحمه الله تعالى -. تاريخ بغداد (12/ 54)، سير أعلام النبلاء (10/ 400).
(5)
أبو الحسن القيسي روح بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة مشهور حافظ من علماء أهل البصرة. توفي سنة 205 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات ابن سعد (7/ 217)، ميزان الاعتدال (3/ 87).
(6)
عند ابن عساكر (10/ 28)، والمزي في التهذيب (3/ 426):"أفناء".
الناس مالًا، ثم رجع فطلبه فجحده، فأتى إياسًا فأخبره. فقال له إياس: انصرف فاكتم أمرك، ولا تعلمه أنك أتيتني، ثم عُد إليَّ بعد يومين. فدعا إياس المُودعَ، فقال: قد حضر مال كثير، وأريد أن أسلمه إليك، أفحصين منزلك؟ قال: نعم. قال: فأَعِدَّ له موضعًا وحمالين. وعاد الرجل إلى إياس، فقال له انطلق إلى صاحبك فاطلب المال. فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: إني أخبر القاضي
(1)
. فأتى الرجل صاحبه فقال: مالي، وإلا أتيت القاضي، وشكوت إليه، وأخبرته بأمري. فدفع إليه ماله. فرجع الرجل إلى إياس، فقال: قد أعطاني المال. وجاء الأمين إلى إياس لموعده
(2)
، فزبره
(3)
وانتهره، وقال: لا تقربني يا خائن
(4)
.
وقال يزيد بن هارون
(5)
رحمه الله: تقلد القضاء بواسط رجل ثقة، فأودع رجل بعض شهوده كيسًا مختومًا، وذكر أن فيه ألف دينار. فلما طالت غيبة الرجل فتق الشاهد الكيس من أسفله وأخذ الدنانير،
(1)
وفي "ب" زيادة: "وشكوت إليه وأخبرته".
(2)
وفي "أ" و"ب" و"هـ": "لوعده".
(3)
الزبر: "الزجر والانتهار". مختار الصحاح (267).
(4)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 28). وانظر: أخبار القضاة (1/ 371)، الأذكياء (64)، تهذيب الكمال (3/ 426)، المستطرف (1/ 38)، البداية والنهاية (13/ 124).
(5)
هو يزيد بن هارون بن زاذي أخو خالد السلمي الواسطي. توفي سنة 206 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (32/ 261)، سير أعلام النبلاء (9/ 358).
وجعل مكانها دراهم، وأعاد الخياطة كما كانت. وجاء صاحبه، فطلب وديعته، فدفع إليه الكيس بختمه لم يتغير، فلما فتحه وشاهد الحال رجع إليه، وقال: إني أودعتك دنانير، والذي
(1)
دفعت إليَّ دراهم، فقال: هو كيسك بخاتمك فاستَعدى عليه القاضي، فأمر بإحضار المُودَع، فلما صارا بين يديه قال له القاضي: منذ كم أودعك هذا الكيس؟ فقال: منذ خمس عشرة سنة، فأخذ القاضي تلك الدراهم وقرأ سكتها، فإذا فيها ما قد ضرب
(2)
من سنتين وثلاث، فأمره بدفع
(3)
الدنانير إليه، وأسقطه ونادى عليه
(4)
.
واستودع رجل لغيره
(5)
مالًا، فجحده، فرفعه إلى إياس، فسأله فأنكر، فقال للمدعي: أين دفعته
(6)
إليه؟ فقال: في مكان في البرية، فقال: وما كان هناك، قال: شجرة، قال: اذهب إليها فلعلك دفنت المال عندها ونسيت، فتذْكُر إذا رأيت الشجرة، فمضى، وقال للخصم: اجلس حتى يرجع صاحبك، وإياس يقضي وينظر إليه ساعة بعد ساعة. ثم قال له: يا هذا، أترى صاحبك بلغ مكان الشجرة؟ قال: لا، قال: يا عدو الله، إنك خائن، قال: أقلني، قال: أقالك الله، فأمر
(1)
وفي "جـ": "والتي".
(2)
في "أ": "ضربت".
(3)
وفي "ب": "أن يدفع".
(4)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 29). وانظر: أخبار القضاة (1/ 342)، الأذكياء (65)، تهذيب الكمال (3/ 425).
(5)
هكذا "لغيره"، ولعل الصواب "غيره".
(6)
في باقي النسخ عدا "أ": "دفعت".
من يحتفظ به حتى جاء الرجل، فقال له إياس: اذهب معه فخذ حقك
(1)
.
وجرى نظير هذه القضية
(2)
لغيره من القضاة: ادعى عنده رجل أنه سَلَّمَ غريمًا له مالًا وديعة فأنكر، فقال له القاضي: أين سلمته إياه؟ قال: بمسجد ناء عن البلد. قال: اذهب فجئني منه
(3)
بمصحف أحلفه عليه، فمضى، واعتقل القاضي الغريم
(4)
، ثم قال له: أتراه بلغ المسجد؟ قال: لا. فألزمه بالمال
(5)
.
وكان القاضي أبو خازم
(6)
له في ذلك العجب العُجاب، وكانوا ينكرون عليه، ثم يظهر الحق فيما يفعله
(7)
.
قال مُكرِّم بن أحمد
(8)
: كنت في مجلس القاضي أبي خازم فتقدم
(1)
في "ب": "مالك". رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 28). وانظر: أخبار القضاة (1/ 342)، الأذكياء (66)، تهذيب الكمال (3/ 424)، نثر الدر للآبي (4/ 108)، البداية والنهاية (13/ 124).
(2)
في "ب": "القصة".
(3)
"منه" ساقطة من "ب".
(4)
"واعتقل القاضي الغريم" ساقط من "ب".
(5)
انظر: الأذكياء (66).
(6)
هو عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني الحنفي القاضي أبو خازم - بالخاء المعجمة - توفي رحمه الله سنة 292 هـ. انظر: تاج التراجم (120)، المنتظم (13/ 38)، سير أعلام النبلاء (13/ 539).
(7)
في "ب": "فعله".
(8)
مكرم بن أحمد هكذا، وعند غيره: مكرّم بن بكر. انظر: تاريخ دمشق (34/ =
رجل شيخ ومعه غلام حَدَثٌ، فادعى الشيخ عليه ألف دينار دينًا
(1)
، فقال: ما تقول؟ قال: نعم. فقال القاضي للشيخ: ما تشاء؟ قال: حبسه، قال: لا، فقال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه فهو أرجى لحصول مالي. فتفرس أبو خازم فيهما ساعة. ثم قال: تلازما حتى أنظر في أمركما في مجلس آخر، فقلت له: لم أخرت حبسه؟ فقال: ويحك، إني أعرف في أكثر الأحوال في وجوه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لي بذلك دربة
(2)
لا تكاد تخطئُ، وقد وقع لي أن سماحة هذا بالإقرار عين كذبه
(3)
ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على بصيرة، أما رأيت قلة تغاضبهما
(4)
في المناكرة، وقلة اختلافهما، وسكون طباعهما مع عظم المال؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يُقِرَّ مثل هذا طوعًا عجلًا، منشرح الصدر على هذا المال، قال: فبينما
(5)
نحن كذلك نتحدث إذ أتى الآذن يستأذن على القاضي لبعض التجار، فأذن له، فلما دخل قال: أصلح
= 84)، وتاريخ بغداد (11/ 66)، وسير أعلام النبلاء (13/ 540). وقد ذكر الخطيب رحمه الله: أن مكرم بن أحمد القاضي قد روى عن أبي خازم. تاريخ بغداد (11/ 63). مكرم بن أحمد بن محمَّد بن مكرم أبو بكر القاضي البزاز وثقه الخطيب. وتوفي سنة 347 هـ. انظر: تاريخ دمشق (13/ 222)، وسير أعلام النبلاء (15/ 517).
(1)
"دينًا" ساقطة من "أ".
(2)
وفي "جـ": "دراية".
(3)
كذا في "جـ". أما "أ" ففيها: "عن بلية"، وفي "هـ":"عن ريبة".
(4)
وفي "جـ": "تعاصيهما".
(5)
"بينما" من "ب".
الله القاضي، إني بليت بولد لي حدث يتلف كل مال يظفر به من مالي في القيان
(1)
عند فلان. فإذا منعته احتال بحيل تضطرني إلى التزام الغرم عنه
(2)
. وقد نصب اليوم صاحب القيان يطالب بألف دينار دينًا
(3)
حالًّا، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقرَّ له فيحبسه
(4)
، وأقع مع أمه
(5)
فيما ينكد عيشنا إلى أن أقضي عنه، فلما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له أمره، فتبسم القاضي، وقال
(6)
: كيف رأيت؟ فقلت: هذا من فضل الله على القاضي، فقال: عليَّ بالغلام والشيخ. فأرهب أبو خازم الشيخ، ووعظ الغلام. فأقرَّا، فأخذ الرجل ابنه وانصرفا
(7)
.
وقال أبو السائب
(8)
: كان ببلدنا رجل مستور الحال، فأحب القاضي قبول قوله، فسأل عنه فَزُكّي عنده سرًّا وجهرًا، فراسله في
(1)
القيان: جمع (قَيْنَة) وهي الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. مختار الصحاح (560)، المصباح المنير (521).
(2)
في "ب": "المغرم".
(3)
"دينًا" من "أ".
(4)
وفي "جـ" و"هـ": "فيسجنه".
(5)
"أمه" ساقطة من "ب".
(6)
في "جـ" و"هـ": "وقال له".
(7)
رواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 66)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 84). وذكره الذهبي في السير (13/ 540).
(8)
هو عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذاني أبو السائب الشافعي. توفي سنة 350 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 47)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 343)، تاريخ بغداد (12/ 316).
حضوره مجلسه في إقامة شهادة
(1)
، وجلس القاضي وحضر الرجل، فلما أراد إقامة الشهادة لم يقبله القاضي، فسئل عن السبب؟ فقال: انكشف لي أنه مُراء، فلم يسعني قبول قوله، فقيل له: ومن أين علمت ذلك؟ قال: كان يدخل إليَّ في كل يوم فأعدّ خطاه من حيث تقع عيني عليه من الباب إلى مجلسي، فلما دعوته اليوم جاء، فعددت خطاه من ذلك المكان فإذا هي قد زادت ثلاثًا أو نحوها، فعلمت أنه متصنع
(2)
فلم أقبله
(3)
.
وقال ابن قتيبة: شهد الفرزدق عند بعض القضاة، فقال: قد أجزنا شهادة أبي فراس وزِيْدُونا، فقيل له حين انصرف: إنه والله ما أجاز شهادتك
(4)
.
ولله فراسة إمامِ المتفرسين، وشيخ المتوسمين: عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم تكن تخطئُ له فراسة، وكان يحكم بين الأمة بالفراسة المؤيدة بالوحي.
قال الليث بن سعد: أُتِيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا بفتى أمرد، وقد وُجد قتيلًا ملقى على وجه الطريق، فسأل عمر عن أمره
(1)
وفي "أ": "الشهادة".
(2)
وفي "أ": "يتصنع".
(3)
رواه ابن الجوزي بسنده في الأذكياء (68).
(4)
عيون الأخبار (1/ 137). ورواه وكيع في أخبار القضاة (1/ 333)، وأبو الفرج الأصفهاني في الأغاني (21/ 402). وذكره ابن الجوزي في الأذكياء (69).
واجتهد، فلم يقف له على خبر، فشق ذلك عليه، فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وُجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل، فأتِيَ به عمر، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى، فدفع الصبي إلى امرأة، وقال: قومي بشأنه، وخذي منا نفقته، وانظري من يأخذه منك
(1)
، فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها. فلما شبّ الصبي جاءت جارية، فقالت للمرأة: إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك، قالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك. فذهبت بالصبي والمرأة معها، حتى دخلت على سيدتها، فلما أخذته فقبلته وضمته إليها
(2)
، فإذا هي ابنة شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت عمر فأخبرته، فاشتمل على سيفه، ثم أقبل إلى منزل المرأة، فوجد أباها متكئًا على باب داره، فقال: يا فلان، ما فعلت ابنتك فلانة؟ قال: جزاها الله خيرًا يا أمير المؤمنين، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها
(3)
، مع حسن صلاتها وصيامها، والقيام بدينها. فقال عمر: قد أحببت أن أدخل إليها، فأزيدها رغبة في الخير، وأحثها عليه، فدخل أبوها، ودخل عمر معه. فأمر عمر
(4)
من عندها فخرج، وبقي هو والمرأة في البيت، فكشف عمر عن السيف، وقال: اصدقيني
(5)
، وإلا ضربت عنقك،
(1)
"وانظري من يأخذه منك" ساقط من "ب".
(2)
قوله "وأنا معك" إلى قوله "وضمته إليها" ساقط من "ب".
(3)
في "أ": "هي من أعرف الناس بحق أبيها".
(4)
"عمر" مثبتة من "أ".
(5)
في "أ": "لتصدقيني".
وكان لا يكذب. فقالت: على رسْلك، فوالله لأصدقن: إن عجوزًا كانت تدخل عليَّ فأتخذها أُمّا، وكانت تقوم من أمري كما تقوم به الوالدة. وكنت لها بمنزلة البنت، فمضى لذلك حين
(1)
، ثم إنها قالت: يا بنية، إنه قد عرض لي سفر، ولي ابنة في موضع أتخوَّف عليها فيه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري، فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد، فهيأته كهيئة الجارية، وأتتني به، لا أشك أنه جارية، فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفلني يومًا وأنا نائمة، فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى
(2)
شِفْرة
(3)
كانت إلى جنبي فقتلته، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت
(4)
، فاشتملت منه على هذا الصبي، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك. قال: صدقت، ثم أوصاها
(5)
، ودعا لها وخرج. وقال لأبيها: نعم الابنة ابنتك، ثم انصرف
(6)
.
(1)
وفي "ب": "ولم تزل كذلك حينًا".
(2)
"يدي إلى" ساقط من "جـ".
(3)
الشِّفْرة: المدية وهي السكين العريض. المصباح المنير (317)، مختار الصحاح (341).
(4)
"رأيت" ساقطة من "أ".
(5)
في "ب" و"جـ": "أرضاها".
(6)
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "هذا أثر غريب، وفيه انقطاع بل معضل، وفيه فوائد كثيرة" ا. هـ. مسند الفاروق (2/ 456). وانظر: محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (1/ 378)، مناقب عمر (85).
وقال نافع عن ابن عمر: بينما عمر جالس إذْ رأى رجلًا
(1)
، فقال: "لست ذا رأي إن لم يكن هذا الرجل قد كان ينظر في الكهانة
(2)
، ادعوه لي، فدعوه، فقال: هل كنت تنظر وتقول
(3)
في الكهانة شيئًا؟ قال: نعم"
(4)
.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب قال لرجل
(5)
: "ما اسمك؟ قال: جمرة. قال: ابن مَنْ؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحُرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: بحَرَّة النار
(6)
. قال: بأيها؟ قال: بذات لظَى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا"
(7)
. فكان كما قال.
(1)
وهو سواد بن قارب، كما جاء مصرحًا به في رواية الحاكم (3/ 608)، وأبي يعلى في معجمه (1/ 263) رقم (329). سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (3/ 609):"الإسناد منقطع". وكذا قال ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 569). وقال الحافظ ابن حجر لما ذكر طرقه: "وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا" ا. هـ. الفتح (7/ 217). وانظر: سبل الهدى والرشاد (2/ 207).
(2)
الكاهن: هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 214). وانظر: فتح المجيد (2/ 492)، تيسير العزيز الحميد (409)، لسان العرب (13/ 363).
(3)
قوله "وتقول" ساقط من "ب".
(4)
رواه البخاري (7/ 215) رقم (3866)، ولم يذكر فيه اسم الرجل.
(5)
وهو جمرة بن شهاب بن ضرام الجهني مخضرم. الإصابة (1/ 263)، شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 382).
(6)
قرب المدينة وهي حرة لبني سليم. معجم البلدان (2/ 287).
(7)
رواه مالك (2/ 973)، ومن طريق مالك رواه ابن وهب في الجامع (1/ =
ومن فراسته التي تفرد بها عن الأمة أنه قال: "يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ". وقال: "يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب". واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في
(1)
الغَيرة، فقال لهن عمر:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]. فنزلت كذلك"
(2)
.
وشاوره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسرى يوم بدر، فأشار بقتلهم، ونزل
= 135) رقم (78)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 400) رقم (1276). وإسناده منقطع، يحيى بن سعيد لم يدرك عمر. انظر: شرح الزرقاني (4/ 382). ورواه عبد الرزاق (11/ 43) رقم (19864) عن معمر عن رجل عن ابن المسيب أن رجلًا أتى .. فذكره. وسمى الحافظ ابن حجر الرجل في رواية عبد الرزاق: الزهري. الإصابة (1/ 263). ونصر ابن القيم - رحمه الله تعالى - سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه. انظر: تهذيب السنن (9/ 162) و (13/ 357) مع العون، وزاد المعاد (2/ 224)، نصب الراية (3/ 36). ووصله أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر لرجل - فذكره -. انظر: الإصابة (1/ 263)، وشرح الزرقاني (4/ 382)، وذكر الحافظ ابن حجر له طرقًا أخرى. الإصابة (1/ 263).
(1)
في "أ": "من".
(2)
رواه البخاري رقم (402)(1/ 106) ورقم (4483)(8/ 18) من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه مسلم مختصرًا من حديث ابن عمر (15/ 176) رقم (2399). وقد نظم السيوطي - رحمه الله تعالى - موافقات عمر في قصيدة له سماها: "قطف الثمر في موافقات عمر"، مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوى (2/ 113).
القرآن بموافقته
(1)
. وقد أثنى الله سبحانه على فراسة
(2)
المتوسمين، وأخبر أنهم هم المنتفعون بالآيات
(3)
.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أفرس الناس ثلاثة: امرأة فرعون فيِ موسى، حيث قالت:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: 9]. وصاحب يوسف
(4)
، حيث قال لامرأته
(5)
: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21]. وأبو بكر الصديق في عمر رضي الله عنهما، حيث جعله الخليفة بعده"
(6)
.
(1)
رواه مسلم رقم (1763)(12/ 327). والآية التي نزلت كما في رواية مسلم: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67].
(2)
وفي "أ": "على أهل الفراسة".
(3)
في قوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75].
(4)
عزيز مصر، واسمه قطفير بن رويجب. تفسير الماوردي (3/ 19)، وتفسير الجلالين (195)، زاد المسير (4/ 198).
(5)
زليخا، وقيل: راعيل بنت رعاييل. تفسير الماوردي (3/ 19)، تفسير الجلالين (195)، زاد المسير (4/ 198).
(6)
رواه ابن سعد في الطبقات (3/ 207)، وابن جرير في التفسير (7/ 173)، وابن أبي حاتم في التفسير (7/ 2118)، وابن الجعد في مسنده (371) رقم (2555)، والحاكم (3/ 90)، والبيهقي في الاعتقاد (207)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 255) بأسانيدهم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال الحاكم:"فرضي الله عن ابن مسعود لقد أحسن في الجمع بينهم بهذا الإسناد الصحيح" ا. هـ. وقال الذهبي: "صحيح". تلخيص المستدرك (3/ 90).
ودخل رجل على عثمان رضي الله عنه فقال له عثمان: يدخل عليَّ أحدكم والزنا في عينيه. فقال: أوحيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ولكن فراسة صادقة
(1)
.
ومن هذه الفراسة: أنه رضي الله عنه لما تفَرس أنه مقتول ولا بد أمسكَ عن القتال والدفع عن نفسه، لئلا يجري بين المسلمين قتال وآخر الأمر يقتل هو، فأحب أن يقتل من غير
(2)
قتال يقع بين المسلمين
(3)
.
ومن ذلك: فراسة ابن عمر في الحسين لما ودَّعه، وقال:"أستودعك الله من قتيل"
(4)
، ومعه كتب أهل العراق، فكانت فراسة ابن عمر أصدق من كتبهم.
ومن ذلك: أن رجلين من قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة، وقالا: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه. فلبثا حولًا، فجاء
(1)
لم أجده بعد بحث طويل، وقد ذكره بعض الفقهاء. انظر: تبصرة الحكام (2/ 136)، معين الحكام (168)، تفسير الرازي (21/ 441).
(2)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "دون".
(3)
كما رواه أحمد (1/ 67)، وفي فضائل الصحابة (1/ 485) رقم (785)، والضياء في المختارة (1/ 250) رقم (387)، وابن شبه في تاريخ المدينة (2/ 246) رقم (2115) بأسانيدهم عن محمَّد بن عبد الملك عن المغيرة. قال الهيثمي:"رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن محمَّد بن عبد الملك بن مروان لم أجد له سماعًا من المغيرة" ا. هـ. مجمع الزوائد (7/ 233). وانظر: التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان (133)، والإصابة (2/ 459)، البداية والنهاية (10/ 317).
(4)
البخاري في التاريخ الكبير (1/ 356)، والبيهقي (7/ 161)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 201 و 202). وانظر: سير أعلام النبلاء (3/ 292).
أحدهما، فقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إِلَيَّ الدنانير. فأبت، وقالت: إنكما قلتما لي لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه، فلست بدافعتها إليك، فثقل عليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه، ثم لبثت حولًا آخر، فجاء الآخر، فقال: ادفعي إليَّ الدنانير. فقالت: إن صاحبك جاءني فزعم أنك قد مِتَّ، فدفعتها إليه. فاختصما
(1)
إلى عمر رضي الله عنه فأراد أن يقضي عليها. فقالت: ادفعنا إلى علي بن أبي طالب
(2)
رضي الله عنه فعرف علي أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟ قال: بلى، فقال: إن مالك عندها، فاذهب فجئ بصاحبك حتى تدفعه إليكما
(3)
.
فصل
ومن فراسة الحاكم: ما ذكره حماد بن سلمة عن حميد الطويل: أن إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان، استودع أحدهما صاحبه وديعة، فقال صاحب الوديعة: استحلفه بالله مالي عنده وديعة. فقال إياس بن معاوية: بل أستحلفه بالله مالك عنده وديعة
(4)
ولا غيرها
(5)
.
وهذا من أحسن الفراسة، فإنه إذا
(6)
قال: "ماله عندي وديعة"
(1)
في "أ" و"هـ": "فاختصموا".
(2)
"بن أبي طالب" من "جـ" و"هـ".
(3)
رواه البيهقي (6/ 473) رقم (12701). وانظر: الأذكياء (24)، تبصرة الحكام (2/ 144)، معين الحكام (172).
(4)
قوله "فقال إياس بن معاوية بل استحلفه بالله مالك عنده وديعة" ساقط من "جـ".
(5)
تهذيب الكمال (3/ 421).
(6)
في "ب": "إن".
احتمل النفي، واحتمل الإقرار، فينصب "ماله" بفعل محذوف مقدر، أي دفع إلى، أو أعطاني ماله، أو يجعل "ما" موصولة، والجار والمجرور صلتها
(1)
ووديعة خبر عن "ما" فإذا قال: "ولا غيرها" تعين النفي.
وقال حماد بن سلمة: شهدت إياس بن معاوية يقول في رجل ارتهن رهنًا، فقال المرتهن: رهنته بعشرة. وقال الراهن: رهنته بخمسة، فقال: إن كان للراهن بينة أنه دفع إليه الرهن فالقول ما قال الراهن، وإن لم يكن له بينة بدفع الرهن إليه، والرهن بيد المرتهن، فالقول ما قال المرتهن؛ لأنه لو شاء لجحده
(2)
الرهن
(3)
.
قلت: وهذا قول ثالث في المسألة، وهو من أحسن الأقوال
(4)
، فإن إقراره بالرهن - وهو في يده ولا بينة للراهن - دليل على صدقه، وأنه محق، ولو كان مبطلًا لجحده الرهن رأسًا.
ومالك
(5)
وشيخنا
(6)
رحمهما الله يجعلان القول قول المرتهن، ما لم يزد على قيمة الرهن.
(1)
"صلتها" ساقط من "ب" و"جـ" و"هـ".
(2)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "جحده".
(3)
تهذيب الكمال (3/ 421).
(4)
في "جـ": "انتهى".
(5)
انظر: الموطأ (732)، المدونة (5/ 323)، الاستذكار (22/ 110)، المنتقى (5/ 260)، التفريع (2/ 264)، التلقين (419)، القوانين (335)، تفسير القرطبي (3/ 388)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 345)، تبصرة الحكام (2/ 88).
(6)
الفتاوى الكبرى (4/ 478)، الاختيارات (133)، إغاثة اللهفان (2/ 470).
والشافعي
(1)
، وأبو حنيفة
(2)
، وأحمد
(3)
رحمهم الله يجعلون القول قول الراهن مطلقًا.
وقال إياس أيضًا: من أقر بشيء، وليس عليه بينة، فالقول ما قال
(4)
.
وهذا أيضًا من أحسن القضاء؛ لأن إقراره علَمٌ على صدقه، فإذا ادعى عليه ألفًا، ولا بينة له، فقال: صدق، إلا أني قضيته إياها، فالقول قوله، وكذلك إذا أقر أنه قبض من مورثه وديعة، ولا بينة له، وادعى ردها إليه.
وقال إبراهيم بن مرزوق البصري: جاء رجلان إلى إياس بن
(1)
الأم (3/ 221)، مختصر المزني (9/ 108)، التهذيب (4/ 72)، الوجيز (1/ 168)، حلية العلماء (4/ 465)، الحاوي الكبير (6/ 192)، روضة الطالبين (3/ 349)، مغني المحتاج (2/ 142)، نهاية المحتاج (4/ 297)، فتح الباري (5/ 173).
(2)
المبسوط (21/ 86 و 130)، بدائع الصنائع (6/ 174)، نوادر الفقهاء للجوهري (281)، الفتاوى الهندية (5/ 471)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 646)، معين الحكام (103)، روضة القضاة (1/ 423)، مختصر اختلاف العلماء (4/ 307).
(3)
مختصر الخرقي (71)، الجامع الصغير (151)، التذكرة (137)، الإرشاد (245)، رؤوس المسائل (2/ 809)، الهداية (1/ 152)، المغني (6/ 525)، الكافي (2/ 162)، الفروع (4/ 227)، بلغة الساغب (211)، شرح منتهى الإرادات (2/ 118)، مطالب أولي النهى (2/ 118)، كشاف القناع (3/ 352).
(4)
تهذيب الكمال (3/ 422).
معاوية، يختصمان في قطيفتين: إحداهما حمراء، والأخرى خضراء
(1)
، فقال أحدهما: دخلت الحوض لأغتسل، ووضعت قطيفتي، ثم
(2)
جاء هذا، فوضع قطيفته تحت قطيفتي، ثم دخل فاغتسل، فخرج قبلي، وأخذ قطيفتي فمضى بها، ثم خرجت فتبعته، فزعم أنها قطيفته، فقال: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ائتوني بمشط، فأتي بمشط
(3)
، فسرح رأس هذا، ورأس هذا، فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر، ومن رأس الآخر صوف أخضر، فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر، وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر
(4)
.
وقال معتمر بن سليمان، عن زيد
(5)
أبي العلاء
(6)
: شهدت
(1)
في "ب": "صفراء".
(2)
في "أ" و"ب": "و".
(3)
"فأتي بمشط" ساقط من "أ".
(4)
رواه وكيع في أخبار القضاة (1/ 388). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 423).
(5)
في "ب": "يزيد".
(6)
لم أجد له ترجمة. ولم يذكره ابن عساكر في سنده، بل ساق إسناده إلى معتمر بن سليمان قال: - فذكر إياسًا ولم يذكر زيدًا أبا العلاء -. انظر: تاريخ دمشق (10/ 29). وقد ذكره المزي في تهذيب الكمال (3/ 424). وفي النسخة "ب": "يزيد"، فلعله يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري أبو العلاء البصري، وثقه النسائي وابن حبان، وروى له الجماعة. توفي سنة 111 هـ رحمه الله. انظر: تهذيب الكمال (32/ 175)، سير أعلام النبلاء (4/ 493).
إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان، فقال أحدهما: إنه باعني جارية رعْناء، فقال إياس: وما عسى أن تكون هذه
(1)
الرعونة
(2)
؟ قال: شبه الجنون. فقال إياس: يا جارية، أتذكرين متى ولدت؟ قالت: نعم. قال: فأي رجليك أطول؟ قالت: هذه. فقال إياس: ردها، فإنها مجنونة
(3)
.
وقال أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن مصعب
(4)
: أن معاوية بن قُرَّة شهد عند ابنه إياس بن معاوية - مع رجال عدَّلهم
(5)
- على رجل بأربعة آلاف درهم، فقال المشهود عليه: يا أبا وائلة، تَثبَّت في أمري، فوالله ما أشهدتهم إلا بألفين. فسأل إياس أباه والشهود: أكان في الصحيفة التي شهدوا عليها فضل؟ قالوا: نعم، كان الكتاب في أولها والطينة
(6)
في وسطها، وباقي الصحيفة أبيض. قال: أفكان المشهود له يلقاكم أحيانًا، فيذكركم شهادتكم بأربعة آلاف
(1)
"هذه" من "جـ".
(2)
الرعونة: الحمق والاسترخاء، وامرأة رعناء بينة الرعونة. مختار الصحاح (248). والأرعن: الأهوج في منطقه الأحمق المسترخي. القاموس (1549).
(3)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 29)، وابن قتيبة في عيون الأخبار (1/ 142). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 424)، البداية والنهاية (13/ 125).
(4)
عبد الله بن مصعب السلطي، كما في تهذيب الكمال (3/ 425). ولم أجد له ترجمة.
(5)
في أخبار القضاة (1/ 369): "عدَّهم".
(6)
الطينة: ختم الكتاب. القاموس (1566).
درهم
(1)
؟ قالوا: نعم، كان لا يزال يلقانا، فيقول: اذكروا
(2)
شهادتكم على فلان بأربعة آلاف درهم، فصرفهم، ودعا المشهود له. فقال: يا عدو الله، تغفلت قومًا صالحين مغفلين، فأشهدتهم على صحيفة جعلت طينتها
(3)
في وسطها، وتركت فيها بياضًا في أسفلها، فلما ختموا الطينة
(4)
قطعت الكتاب الذي فيه حقك ألفا درهم، وكتبت في البياض أربعة آلاف فصارت الطينة
(5)
في آخر الكتاب، ثم كنت تلقاهم فتلقنهم، وتذكرهم أنها أربعة آلاف، فأقر بذلك، وسأله الستر عليه
(6)
. فحكم له بألفين وستر عليه
(7)
.
وقال نعيم بن حماد عن إبراهيم بن مرزوق
(8)
البصري: كنا عند إياس بن معاوية، قبل أن يُستقضى، وكنا نكتب عنه الفراسة، كما نكتب عن المحدث الحديث، إذ جاء رجل، فجلس على دكان مرتفع بالمِرْبَد
(9)
، فجعل يترصد الطريق، فبينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلًا، فنظر إلى وجهه، ثم رجع إلى موضعه، فقال إياس:
(1)
"درهم" ساقط من "أ".
(2)
في "ب" و"هـ": "أذكركم".
(3)
في "ب" و"جـ": "طيها".
(4)
في "أ": "الطينة"، وفي باقي النسخ:"الطية".
(5)
في باقي النسخ عدا "أ": "وصارت الطية".
(6)
"عليه" من "أ".
(7)
رواه وكيع في أخبار القضاة (1/ 369). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 425).
(8)
في "ب": "مسروق".
(9)
سوق الإبل في البصرة. معجم البلدان (5/ 115).
قولوا
(1)
في هذا الرجل، فقالوا: ما
(2)
نقول؟ رجل طالب حاجة. فقال: هو معلم صبيان
(3)
، قد أبق
(4)
له غلام أعور، فقام إليه بعضنا فسأله عن حاجته، فقال: هو
(5)
غلام لي آبق. قالوا: وما صفته؟ قال: كذا وكذا، وإحدى عينيه ذاهبة، قلنا: وما صنعتك؟ قال: أعلّم الصبيان. فقلنا لإياس: كيف علمت ذلك؟ قال: رأيته جاء، فجعل يطلب
(6)
موضعًا يجلس فيه، فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه فجلس عليه، فنظرت في قَدْره فإذا ليس قدره قدر الملوك، فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك، فلم أجدهم إلا المعلمين، فعلمت أنه معلم صبيان، فقلنا: كيف علمت أنه أبق له غلام؟ قال: إني رأيته يترصد الطريق، ينظر في وجوه الناس. قلنا: كيف علمت أنه أعور؟ قال: بينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلًا قد ذهبت إحدى عينيه، فعلمت أنه شبهه بغلامه
(7)
.
وقال الحارث بن مرة
(8)
: نظر إياس بن معاوية إلى رجل، فقال:
(1)
في "ب": "ما تقولون".
(2)
"ما" ساقطة من "ب".
(3)
في "ب" و"جـ": "معلم الصبيان"، وفي "هـ":"يعلم الصبيان".
(4)
أبق العبد إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كدِّ عمل. المصباح المنير (2)، القاموس المحيط (116).
(5)
"هو" ساقط من "أ".
(6)
في "جـ": "فطلب".
(7)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 32). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 426)، البداية والنهاية (13/ 126).
(8)
الحارث بن مرة بن مجاعة أبو مرة الحنفي اليمامي. انظر: تاريخ بغداد (8/ =
هذا غريب، وهو
(1)
من أهل واسط، وهو معلم، وهو يطلب عبدًا له آبق. فوجدوا الأمر كما قال
(2)
. فسألوه؟ فقال: رأيته يمشي ويلتفت، فعلمت أنه غريب، ورأيته وعلى ثوبه حمرة تربة واسط فعلمت أنه من أهلها، ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم ولا يسلم على الرجال، فعلمتُ أنه معلم، ورأيته إذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه، وإذا مر بذي أسمال تأمله، فعلمت أنه يطلب آبقًا
(3)
.
وقال هلال بن العلاء الرقي عن القاسم بن منصور عن عمر
(4)
بن بكير
(5)
: مرَّ إياس بن معاوية، فسمع قراءة من عِلَّية، فقال: هذه قراءة امرأة حامل بغلام، فسئل، كيف عرفت ذلك؟ فقال: سمعت صوتًا
(6)
ونفسها يخالطه
(7)
، فعلمت أنها حامل وسمعت صوتًا
(8)
وصحلًا
(9)
، فعلمت أن الحمل غلام، ومرَّ بعد ذلك بكتَّاب فيه
= 204).
(1)
في "جـ": "وهذا".
(2)
في "ب": "كما ذكر".
(3)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 31). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 427).
(4)
وفي "جـ": "عمرو".
(5)
وفي "ب": "بكر". عند ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 32): "عمر بن بكير"، وكذا في تهذيب الكمال (3/ 428). وفي الفهرست (172):"عمر بن بكير صاحب الحسن بن سهل كان أخباريًّا راوية نسابة" ا. هـ.
(6)
في "ب": "صوتها"، وفي "جـ":"بصوتها".
(7)
في "ب": "مخالطة".
(8)
"صوتًا" ساقط من "ب" و"جـ" و"هـ".
(9)
صحل صوته كفرح بَحّ أو احتد في بحح، والصِّحَل محركة: خشونة في =
صبيان، فنظر إلى صبي منهم، فقال: هذا ابن تلك المرأة فكان كما قال
(1)
.
وقال رجل لإياس بن معاوية
(2)
: علمني القضاء. فقال: إن القضاء لا يعلّم، إنما القضاء فَهْم، ولكن قل: علمني من
(3)
العلم
(4)
.
وهذا هو سر المسألة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79] فخص سليمان بفهم القضية، وعمّهما بالعلم
(5)
.
وكذلك كتب عمر إلى قاضيه أبي موسى في كتابه المشهور: "والفَهْمَ الفَهْمَ فِيما أُدْلِيَ إِلَيْكَ"
(6)
.
= الصدر وانشقاق في الصوت من غير أن يستقيم. القاموس المحيط (1321).
(1)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 32)، ووكيع في أخبار القضاء (1/ 362). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 328)، والبداية والنهاية (13/ 125).
(2)
"بن معاوية" ساقط من "أ".
(3)
"من" مثبتة من "أ".
(4)
رواه ابن عساكر (10/ 30). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 435).
(5)
انظر: تهذيب السنن للمؤلف (6/ 341)، وإعلام الموقعين (1/ 403).
(6)
رواه الدارقطني (4/ 206)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 70)، والسيوطي في الأشباه والنظائر (5) من طريق عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة
…
" إلخ الكتاب بطوله. وعبيد الله بن أبي حميد متروك الحديث. انظر: الجرح والتعديل (5/ 312) الترجمة رقم (1487)، قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= البخاري: "منكر الحديث .. ذاهب عن أبي المليح". التاريخ الكبير (5/ 396)، ورواه الدارقطني (4/ 207)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 70 و 283)، والبيهقي (10/ 229)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 492)، وابن حزم في الإحكام (2/ 442)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 72) من طريق سعيد بن أبي بردة أنه أخرج كتابًا فقال: "هذا كتاب عمر
…
". وسعيد بن أبي بردة لم يدرك عمر. الإحكام لابن حزم (2/ 443)، والإرواء (8/ 241). وله طرق أخرى رواها البيهقي في المعرفة (14/ 240)، وابن عساكر (32/ 72)، وابن شبه في أخبار المدينة (1/ 411)، وابن حزم في الإحكام (2/ 446)، والبلاذري في الأنساب "قسم الشيخين" (302)، وابن عبد البر في الاستذكار (22/ 30). وقد تلقى كثير من العلماء هذه الرسالة بالقبول، قال البيهقي رحمه الله تعالى: "هو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة من معرفته والعمل به" ا. هـ. معرفة السنن (14/ 240)، وقال ابن تيمية رحمه الله: "ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه ومن طرقها ما رواه أبو عبيد وابن بطة وغيرهما بالإسناد الثابت عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر
…
" ا. هـ. منهاج السنة النبوية (6/ 71)، وقال ابن القيم رحمه الله: "هذا خطاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه" ا. هـ. إعلام الموقعين (1/ 86)، قال ابن كثير رحمه الله: "هذا أثر مشهور وهو من هذا الوجه غريب ويسمى وجادة والصحيح أنه يحتج بها إذا تحقق الخط - إلى قوله - وهو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة من معرفته والعمل به". انظر: مسند الفاروق (2/ 546 - 548)، وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "واختلاف المخرج فيها مما يقوي أصل الرسالة لا سيما في بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة". التلخيص الحبير (4/ 358)، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "هذه وجادة جيدة في قوة الإسناد الصحيح إن لم
والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم: الفهم في الواقع، والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال، وهذا الذي فات كثيرًا من الحكام، فأضاعوا كثيرًا من الحقوق
(1)
.
فصل
ومن أنواع الفراسة: ما أرشدت إليه السنة النبوية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدًّا، من تعريض بقول أو فعل.
فمن ذلك: ما رواه الإِمام أحمد في "مسنده" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن لي جارًا يؤذيني. فقال: "انطلق، فأخرج
(2)
متاعك إلى الطريق". فانطلق، فأخرج متاعه. فاجتمع الناس إليه
(3)
، فقالوا: ما شأنك؟ قال: إن لي جارًا
(4)
يؤذيني. فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم أخرجه. فبلغه ذلك، فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أوذيك أبدًا
(5)
.
= تكن أقوى منه" ا. هـ. حاشيته على المحلى (1/ 60)، وقال الألباني رحمه الله: "وهي وجادة صحيحة من أصح الوجادات وهي حجة" ا. هـ. إرواء الغليل (8/ 241)، أما ابن حزم رحمه الله: فيرى أن الرسالة لا تصح كما في الإحكام (2/ 443) وأنها مكذوبة موضوعة. المحلى (1/ 590).
(1)
وفي "أ": "الحق".
(2)
وفي "ب": "فألق".
(3)
وفي "أ": "عليه".
(4)
وفي "أ": "لي جار".
(5)
رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (124)، وأبو داود رقم (5131)(14/ 62) مع العون، وأبو يعلى في مسنده (11/ 506) رقم (6630)، وابن =
فهذه وأمثالها هي الحيل
(1)
التي أباحتها الشريعة، وهي تَحيُّل الإنسان بفعل مباح على تخلصه من ظلم غيره وأذاه، لا الاحتيال على إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه
(2)
.
وفي "المسند" و"السنن" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ في صَلاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، فإِنْ كان في صلاة جماعَةٍ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ وَلْيَنْصَرِف"
(3)
.
= حبان (2/ 278) رقم (520)، والحاكم (4/ 165)، والبيهقي في الشعب (7/ 79) رقم (9547) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال عنه الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". وله شواهد من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه. رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (125)، والحاكم (4/ 166)، والبزار (2/ 253) رقم (1810)"الزوائد"، والبيهقي في الشعب (7/ 79) رقم (9548)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 134) رقم (356). قال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي. وقال الألباني رحمه الله: "حسن صحيح" ا. هـ. صحيح الأدب المفرد (72). أما ما ذكره المؤلف - رحمه الله تعالى - أن الإِمام أحمد رواه في مسنده فلم أجده في المسند ولم أجد أحدًا من المحدثين - حسب اطلاعي - نسبه للمسند، ولكن رأيت بعض الفقهاء نسبه لمسند أحمد كابن فرحون في التبصرة (2/ 143)، والطرابلسي في معين الحكام (172).
(1)
جمع: حيلة وهي التي تحول المرء عما يكرهه إلى ما يحبه. التعريفات (127).
(2)
فَصَّل ابنُ القيم أحكام الحيل في إعلام الموقعين (3/ 308).
(3)
لم أجده بهذا اللفظ عند المحدثين، وقد ذكره بنصه المرتضى في "البحر الزخار" (2/ 287) وقال:"أخرجه أبو داود" ا. هـ. وإنما جاء من حديث =
وفي السنة كثير مِن ذِكْرِ
(1)
المعاريض
(2)
التي لا تُبطل حقًّا
(3)
، ولا تُحق باطلًا كقوله صلى الله عليه وسلم للسائل
(4)
: ممن أنتم؟ قالوا: "نحن من ماء"
(5)
. وقوله للذي ذهب بغريمه ليقتله: "إِنْ قَتَلَهُ فهُوَ مِثْلُه"
(6)
.
= عائشة رضي الله عنها بلفظ: "إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف" رواه أبو داود رقم (1101)(3/ 463)، وابن ماجه (1222)، والترمذي في العلل (170)، والدارقطني (1/ 158)، وابن خزيمة (2/ 108) رقم (1019)، وابن حبان (6/ 10) رقم (2238)، وابن الجارود (1/ 201) رقم (222)، والحاكم (1/ 184)، والبيهقي (2/ 361) رقم (3378). قال الحاكم:"صحيح على شرطهما". ووافقه الذهبي.
(1)
"ذكر" مثبتة من "ب".
(2)
المعاريض: جمع معراض وهي: التورية بالشيء عن الشيء. مختار الصحاح (425)، المصباح المنير (403). واصطلاحًا: كلام له وجهان يطلق أحدهما ويراد لازمه. فتح الباري (10/ 610). وقيل: أن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ وهو خلاف الظاهر. الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 79).
(3)
فَصَّل ابنُ القيم أحكام المعاريض في إعلام الموقعين (3/ 403).
(4)
واسمه: سفيان الضمري. سيرة ابن هشام (2/ 255)، البداية والنهاية (5/ 75).
(5)
رواه ابن جرير الطبري في تاريخه (2/ 27). وانظر: سيرة ابن هشام (2/ 255)، المنتظم (3/ 101).
(6)
رواه مسلم (11/ 184) رقم (1680) من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه. انظر معناه في: شرح النووي لمسلم (11/ 185)، وزاد المعاد (5/ 8)، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (267)، شرح الأبي لصحيح مسلم (6/ 127).
وكان إذا أراد غزوة ورَّى
(1)
بغيرها
(2)
.
وكان الصديق رضي الله عنه يقول في سفر الهجرة لمن يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا بين يديك؟ فيقول: "هاد يدلني على الطريق"
(3)
.
وكذلك الصحابة من بعده.
فروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قَدِمَتْ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حُلل
(4)
من اليمن، فقسمها بين الناس، فرأى فيها حلةً رديئةً، فقال: كيف أصنع بهذه؟ إن أحدًا لم يقبلها، فطواها وجعلها تحت مجلسه، وأخرج طرفها، ووضع الحلل بين يديه، فجعل يقسم بين الناس. فدخل الزبير وهو على تلك الحال، فجعل ينظر إلى تلك الحلة، فقال: ما هذه الحلة؟ فقال عمر: دعها عنك، قال: ما شأنها؟ قال: دعها. قال: فأعطنيها. قال: إنك لا ترضاها، قال: بلى، قد
(1)
التورية اصطلاحًا: أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره. التعريفات (97).
وانظر: التوقيف (214)، عمدة القاري (12/ 29)، جامع الأصول (2/ 576).
(2)
البخاري (6/ 131) رقم (2947) و (2948)، ومسلم (2769)(17/ 106) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
(3)
البخاري (7/ 293) رقم (3911) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
الحلل: جمع حُلة وهي ثياب ذات خطوط ولا تكون إلا من ثوبين، وقال أبو عبيد: الحلل برود اليمن. انظر: النهاية (1/ 432)، هدي الساري مقدمة فتح الباري (113)، شرح السيوطي لسنن النسائي (3/ 96).
رضيتها. فلما توثق منه، واشترط عليه ألا يردها، رمى بها إليه، فلما نظر إليها إذا هي رديئة، قال: لا أريدها، قال عمر: أيهات
(1)
، قد فرغت منها. فأجازها عليه، ولم يقبلها
(2)
.
قال عبد الله بن سَلَمَة: سمعت عليًّا يقول: "لا أغسل رأسي بغسل حتى آتي البصرة فأحرقها، وأسوق الناس بعصاي إلى مصر"
(3)
، فأتيت أبا مسعود البدري، فأخبرته، فقال:"إن عليًّا يورد الأمور موارد لا تحسنون تصدرونها، عليٌّ لا يغسل رأسه بغسل، ولا يأتي البصرة، ولا يحرقها، ولا يسوق الناس عنها بعصاه، عليٌّ رجل أصلع إنما على رأسه مثل الطست إنما حوله شعرات"
(4)
.
ومن ذلك تعريض عبد الله بن رواحة لامرأته بإنشاد شعر يوهم أنه يقرأ، ليتخلص من أذاها له حين واقع جاريته
(5)
.
(1)
بمعنى: هيهات. وفي "ب": "إيها".
(2)
الأذكياء (23).
(3)
قوله "فأحرقها وأسوق الناس بعصاي إلى مصر" ساقطة من "ب".
(4)
رواه الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 212) و (9/ 467). وانظر: الأذكياء لابن الجوزي (24).
(5)
رواه الدارقطني (1/ 120)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 259)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 30) بإسنادهم عن عكرمة عن ابن رواحة. قال ابن عبد الهادي رحمه الله:"رواه الدارقطني هكذا مرسلًا" ا. هـ. تنقيح التحقيق (1/ 139). ورواه موصولًا الدارقطني (1/ 121)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 32)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/ 116) وفي إسنادهم زمعة بن صالح ضعفه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم. تنقيح التحقيق (139). وله شواهد =
وتعريض محمَّد بن مسلمة لكعب بن الأشرف حين أمّنه بقوله: "إن هذا الرجل قد أخذنا بالصدقة وقد عنَّانا"
(1)
. وتعريض الصحابة لأبي رافع اليهودي
(2)
.
فصل
ومن ذلك: قول عبد الرحمن بن أبي ليلى
(3)
الفقيه - وقد أقيم على دكان ليلعن علي بن أبي طالب بعد صلاة الجمعة - فقام على الدكان، وقال: إن الأمير
(4)
أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوه
= رواها ابن أبي شيبة (5/ 275)، وابن عساكر (28/ 113)، والدارمي في الرد على الجهمية (82) ولا تخلو أسانيدهم من مقال.
قال النووي: "إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع" ا. هـ. المجموع (2/ 159). وقد ضعفها ابن عبد الهادي في التنقيح (1/ 139)، والذهبي في العلو (42). وصحح إسنادها ابن عبد البر في التمهيد (1/ 296)، وفي الاستيعاب (2/ 287)، وقد صححه محمَّد بن عثمان الحافظ. ذكره ابن القيم ولم يتعقبه بشيء. اجتماع الجيوش الإِسلامية (308)، وضعفه الألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية (315).
(1)
عنّانا: بتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب. فتح الباري (7/ 392). البخاري (3031)(6/ 184) و (7/ 390) رقم (4037)، ومسلم (1801)(12/ 403) من حديث جابر رضي الله عنه.
(2)
البخاري (3022)(6/ 179) ورقم (4039)(7/ 395).
(3)
الإِمام العلامة الحافظ أبو عيسى الأنصاري الكوفي الفقيه من أبناء الأنصار، ولد في خلافة الصديق، واسم والده أبي ليلى: يسار، وقيل: بلال بن أبي أحيحة. توفي - رحمه الله تعالى - سنة 83 هـ. انظر: حلية الأولياء (4/ 350)، وسير أعلام النبلاء (4/ 262)، وطبقات الحفاظ (26).
(4)
الأمير هو الحجاج بن يوسف. طبقات ابن سعد (6/ 169). وفي تاريخ =
لعنه الله
(1)
.
ومن ذلك: تعريض الحجاج بن علاط، بل تصريحه لامرأته
(2)
، بهزيمة الصحابة وقتلهم، حتى أخذ ماله منها
(3)
.
فصل
(4)
ومن الفراسة الصادقة: فراسة خزيمة بن ثابت، حين قدم وشهد
= دمشق (56/ 210): أن الأمير محمَّد بن يوسف.
(1)
رواه بنحوه عن ابن أبي ليلى ابن سعد في الطبقات (6/ 169)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 195)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (4/ 351). أما ابن عساكر فقد رواه عن حجر المدري تابعي ثقة، والأمير محمَّد بن يوسف. تاريخ دمشق (56/ 210) وهو أقرب للفظ المؤلف.
(2)
أم شيبة بنت أبي طلحة. انظر: تاريخ الطبري (2/ 139)، سيرة ابن هشام (3/ 398)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 211)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2145).
(3)
كما في الحديث الذي رواه عبد الرزاق (5/ 446)، وأحمد (3/ 183)، وعبد بن حميد (3/ 143) رقم (1286)، والنسائي في الكبرى (5/ 94) رقم (8646)، وأبو يعلى (6/ 194)(3479)، والبيهقي في السنن (9/ 254)، وفي دلائل النبوة (4/ 266)، والضياء في المختارة (5/ 182)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 247) رقم (3196)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 507) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه ابن حبان (10/ 390) رقم (4530)، وقال الهيثمي:"رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح" ا. هـ. مجمع الزوائد (6/ 158)، وقال ابن كثير عن إسناد أحمد:"وهذا الإسناد على شرط الشيخين" ا. هـ. البداية والنهاية (6/ 348).
(4)
قوله "فصل" ساقطة من "جـ".
على عقد التبايع بين الأعرابي
(1)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن حاضرًا، تصديقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يخبر به
(2)
.
ومنها: فراسة حذيفة بن اليمان، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عينًا إلى المشركين فجلس بينهم. فقال أبو سفيان: لينظر كل منكم جليسه
(3)
، فبادر حذيفة وقال لجليسه: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان
(4)
.
(1)
واسمه سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي. كما في رواية ابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 390). وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 224)، وعون المعبود (10/ 28).
(2)
رواه أحمد (5/ 215 - 216)، وأبو داود (3590)(10/ 25)، والنسائي (7/ 301) رقم (4647)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 116) رقم (2085)، والحاكم (2/ 17)، والبيهقي (10/ 246) من حديث عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي" الحديث. وقال الحاكم: "هذا صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه وعمارة بن خزيمة سمع هذا الحديث من أبيه أيضًا" ا. هـ. ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد الهادي: "رواه أبو داود ورواه النسائي وهو حديث ثابت صحيح" ا. هـ. تنقيح التحقيق (3/ 545).
(3)
في "أ": "من جليسه".
(4)
رواه أحمد (5/ 392)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 233)(215) من طريق محمد بن كعب القرظي - ومحمد لم يدرك حذيفة -. البداية والنهاية (6/ 64). ورواه أبو عوانة (4/ 320)(6842) من طريق عبد العزيز ابن أخي حذيفة. ورواه الحاكم (3/ 31)، والبزار (7/ 346)، والبيهقي في الدلائل (3/ 450)، وابن أبي شيبة كما في المطالب العالية (4/ 403)، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وذكره الحافظ البوصيري والحافظ ابن حجر من طريق ابن أبي شيبة وحسناه. مختصر إتحاف السادة المهرة (7/ 28)، والمطالب =
ومنها: فراسة المغيرة بن شعبة، وقد استعمله عمر على البحرين. فكرهه أهلها فعزله عمر، فخافوا أن يرده عليهم. فقال دهقانهم
(1)
: إن فعلتم ما آمركم به لم يرده علينا. قالوا: مُرْنا بأمرك. قال: تجمعون مائة ألف درهم، حتى أذهب بها إلى عمر، وأقول: إن المغيرة اختان
(2)
هذا، ودفعه إليَّ، فجمعوا ذلك. فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة اختان هذا
(3)
، فدفعه إليَّ. فدعا عمر المغيرة، فقال: ما يقول هذا
(4)
؟ قال: كذب، أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف، فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للدهقان: ما تقول؟ فقال: لا والله، لأصدقنك، والله ما دفع إليَّ قليلًا ولا كثيرًا. ولكن كرهناه وخشينا أن ترده إلينا، فقال عمر للمغيرة: ما حملك على هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَّ فأردت أن أخزيه
(5)
.
وخطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان الفتى
= العالية (4/ 403). والحديث أصله في صحيح مسلم ولكن بدون ذكر الشاهد. (1788)(12/ 387).
(1)
الدَّهقان: بالكسر والضم. القوي على التصرف مع حدّة، والتاجر، وزعيم فلاحي المعجم، ورئيس الإقليم. معرّب. انظر: القاموس المحيط (1546)، لسان العرب (13/ 163)، النهاية (2/ 145).
(2)
خانه خيانة ومخانة واختانه فهو خائن: بأن يؤتمن فلا ينصح. القاموس (1541)، مختار الصحاح (193).
(3)
"هذا" ساقط من "أ".
(4)
في "جـ": "ما تقول في هذا".
(5)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 30 و 31)، والبغوي كما في الإصابة (3/ 432). وانظر: الأذكياء (29)، وسير أعلام النبلاء (3/ 26).
جميلًا، فأرسلت إليهما المرأة: لا بد أن أراكما، وأسمع كلامكما، فاحضرا إن شئتما. فأجلستهما بحيث تراهما، فعلم المغيرة أنها تؤثر عليه الفتى، فأقبل عليه، فقال: لقد أوتيت حسنًا وجمالًا وبيانًا
(1)
. فهل عندك سوى ذلك؟ قال: نعم. فعدد عليه محاسنه، ثم سكت. فقال المغيرة: فكيف حسابك؟ فقال: لا
(2)
يسقط عليّ منه شيء، وإني لأستدرك منه أقل من الخردلة، فقال له المغيرة: لكني أضع البَدْرَة
(3)
في زاوية البيت، فينفقها أهل بيتي على ما يريدون، فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها، فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إليَّ من الذي يحصي عليَّ أدنى
(4)
من الخردلة. فتزوجت المغيرة
(5)
.
ومنها: فراسة عمرو بن العاص لما حاصر غزَّة
(6)
، فبعث إليه صاحِبُها: أن أرسل إليَّ رجلًا من أصحابك أكلمه. ففكر عمرو بن العاص
(7)
، وقال: ما لهذا الرجل غيري، فخرج حتى دخل عليه، فكلمه
(1)
"وبيانًا" ساقطة من "ب" وفيها: "وشبابًا".
(2)
في "ب": "ما".
(3)
البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم. القاموس (444)، مختار الصحاح (43). والبدرة: الطبق شُبه بالبدر لاستدارته. النهاية في غريب الحديث (1/ 106).
(4)
في "أ": "أدق".
(5)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 51). وانظر: الأذكياء (29).
(6)
غزة: مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر ولا زالت عامرة. معجم البلدان (4/ 299). وهي اليوم من مدن فلسطين.
(7)
"بن العاص" ساقط من "أ".
كلامًا لم يسمع مثله
(1)
قط. فقال له: حدثني، هل أحد من أصحابك مثلك؟ فقال: لا تسل، من هواني عندهم بعثوني إليك، وعرَّضوني لما عرضوني، ولا يدرون ما يصنع بي. فأمر له بجائزة
(2)
وكسوة، وبعث إلى البواب: إذا مرَّ بك فاضرب عنقه، وخذ ما معه. فمر برجل من نصارى غسان فعرفه، فقال: يا عمرو قد أحسنت الدخول، فأحسن الخروج. فرجع، فقال له الملك: ما ردك إلينا؟ قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع
(3)
بني عمي، فأردت الخروج، فآتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة رجال خيرًا من أن يكون عند واحد. قال: صدقت عجّل
(4)
بهم. وبعث إلى البواب: خلّ سبيله. فخرج عمرو وهو يلتفت، حتى إذا أَمِنَ قال: لا عدت لمثلها
(5)
. فلما كان بعدُ رآه الملك، فقال: أنت هو؟ قال: نعم، على ما كان من غدرك
(6)
.
ومن ذلك: فراسة الحسن بن علي رضي الله عنهما لما جيء إليه بابن مُلْجِم قال له: أريد أُسارّك بكلمة. فأبى الحسن، وقال: تريد أن تَعضَّ أذني. فقال ابن ملجم: والله لو أمكنتني منها لأخذتها من
(1)
في "ب": "بمثله".
(2)
وفي "جـ": "بجارية".
(3)
في "جـ": "مع بني".
(4)
في "ب": "فعجل".
(5)
في "ب": "إلى مثلها".
(6)
روى نحوه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 155). وانظر: الأذكياء (30)، لطف التدبير (208)، نثر الدر للآبي (4/ 123).
صماخيها
(1)
.
قال أبو الوفاء ابن عقيل: فانظر إلى حسن رأي هذا السيد الذي قد نزل به من
(2)
المصيبة العاجلة ما يذهل
(3)
الخلق، وفطنته إلى هذا الحد، وإلى ذلك اللعين كيف لم يشغله حاله عن استزادة
(4)
الجناية
(5)
.
ومن ذلك: فراسة أخيه الحسين رضي الله عنهما: أن رجلًا ادعى عليه مالًا. فقال الحسين: ليحلف على ما ادعاه ويأخذه، فتهيأ الرجل لليمين، وقال: والله الذي لا إله إلا هو. فقال الحسين: قل: والله، والله، والله إن هذا الذي تدعيه عندي، وفي
(6)
قِبَلي. ففعل الرجل ذلك، وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتًا. فقيل للحسين: لم فعلت ذلك؟ أي عدلت عن قوله: والله الذي لا إله إلا هو إلى قوله: والله والله والله. فقال: كرهت أن يثني على الله، فيحلم عنه
(7)
.
ومن ذلك: فراسة العباس رضي الله عنه ما ذكره مجاهد قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ وجد ريحًا. فقال: "ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ". فاستحيا الرجل، ثم
(1)
في "أ": "صماخه"، وفي "ب" و"هـ":"صماخيه". وانظر: الأذكياء (25).
(2)
"من" ساقطة من "أ".
(3)
في "ب": "ما ذهل".
(4)
في "جـ": "استرداده".
(5)
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "قرأت بخط أبي الوفاء ابن عقيل - فذكر القصة وقول ابن عقيل -". الأذكياء (25).
(6)
"عندي وفي" ساقط من "جـ".
(7)
الأذكياء (25).
قال
(1)
: "ليقم صاحب هذه فليتوضأ، فإن الله لا يستحي من الحق" فقال العباس: ألا نقوم كلنا نتوضأ؟ "
(2)
هكذا رواه الفريابي
(3)
عن الأوزاعي مرسلًا
(4)
، ووصله عنه
(5)
محمد بن مصعب
(6)
القرقساني
(7)
، فقال: عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد جرت مثل هذه القصة في مجلس عمر رضي الله عنه. قال الشعبي: كان عمر رضي الله عنه في بيت، ومعه جرير بن عبد الله البجلي، فوجد عمر ريحًا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، أو يتوضأ القوم جميعًا.
(1)
قوله "ليقم صاحب .. " إلى "ثم قال" ساقط من "ب".
(2)
رواه عبد الرزاق (1/ 140)(531)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 373).
(3)
هو محمد بن يوسف بن واقد الضبي أبو عبد الله الفريابي الإمام الحافظ، وثقه النسائي وأبو زرعة وغيرهما. توفي سنة 212 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (27/ 52)، سير أعلام النبلاء (10/ 114). وفي "جـ":"الفرياني"، وفي "هـ":"الفرائي".
(4)
المرسل: هو ما سقط من منتهاه ذِكْرُ الصحابي بأن يقول تابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: مقدمة ابن الصلاح (25)، الموقظة للذهبي (38)، نزهة النظر (109)، اختصار علوم الحديث لابن كثير (153).
(5)
وفي "جـ": "عن".
(6)
هو محمد بن مصعب بن صدقة القرقساني أبو عبد الله. توفي سنة 208 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (26/ 460)، الكاشف (3/ 97)، تاريخ الإسلام (14/ 373)، تاريخ دمشق (55/ 398).
(7)
"القرقساني" مثبتة من "أ".
فقال عمر: يرحمك الله نِعْم السيد كنت في الجاهلية، ونِعْم السيد أنت في الإسلام
(1)
.
ومن أحسن الفراسة: فراسة عبد الملك بن مروان لما بعث الشعبي إلى ملك الروم فحسد المسلمين عليه. فبعث معه ورقة لطيفة إلى عبد الملك. فلما قرأها قال: تدري ما فيها؟ قال: لا. قال: فيها "عجبٌ، كيف ملكت العرب غير هذا؟ " أفتدري ما أراد؟ قال: لا. قال: حسدني بك، فأراد أن أقتلك. فقال الشعبي: لو رآك يا أمير المؤمنين
(2)
ما استكبرني. فبلغ ذلك ملك الروم، فقال: والله ما أخطأ ما كان في نفسي
(3)
.
ومن دقيق الفطنة: أنك لا ترد
(4)
على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ. وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به، حيث لا يشعر به غيره.
ومن دقيق الفراسة: أن المنصور جاءه رجل، فأخبره أنه خرج في
(1)
رواه البلاذري في أنساب الأشراف "قسم الشيخين"(219). وانظر: الأذكياء (26)، صفة الصفوة (1/ 741)، الاستيعاب (1/ 235)، تهذيب الكمال (4/ 539)، سير أعلام النبلاء (2/ 535).
(2)
"يا أمير المؤمنين" ساقط من "أ".
(3)
رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 594)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 225)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 386). وانظر: الأذكياء (35)، تهذيب الكمال (14/ 38)، تاريخ الإسلام (7/ 127).
(4)
في "ب": "أنه لا يرد".
تجارة فكسب مالًا، فدفعه إلى امرأته، ثم طلبه
(1)
فذكرت أنه سرق من البيت ولم ير نقبًا ولا أمارة، فقال المنصور: منذ كم تزوجتها؟ قال: منذ سنة، قال: بكرًا أو ثيبًا؟ قال: ثيبًا، قال: فلها ولد من غيرك؟ قال: لا
(2)
، فدعا له المنصور بقارورة طيب كان
(3)
يتخذ له حادّ الرائحة، غريب النوع، فدفعها إليه، وقال له: تطيب من هذا الطيب، فإنه يذهب غمك. فلما خرج الرجل من عنده قال المنصور لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم فمن شمَّ منكم رائحة هذا الطيب من أحد فليأت به. وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته، فلما شمته بعثت منه
(4)
إلى رجل كانت تحبه، وقد كانت دفعت إليه المال، فتطيب منه، ومر مجتازًا ببعض أبواب المدينة، فشم الموكل بالباب رائحته عليه
(5)
، فأتى به المنصور، فسأله: من أين لك هذا الطيب؟ فلجلج
(6)
في كلامه. فدفعه
(7)
إلى والي الشرطة، فقال: إن أحضر لك
(8)
كذا وكذا من المال فخل عنه، وإلا اضربه ألف سوط. فلما جرد للضرب أحضر المال
(9)
على هيئته، فدعا المنصورُ صاحبَ
(1)
"ثم طلبه" ساقطة من "جـ".
(2)
"لا" ساقطة من "ب".
(3)
"كان" ساقطة من "جـ".
(4)
وفي "هـ": "به".
(5)
وفي "جـ": "رائحة طيبه".
(6)
أي تردد في كلامه. مختار الصحاح (592)، المصباح المنير (549).
(7)
وفي "ب" و"هـ": "فبعثه"، وفي "جـ":"فبعث به".
(8)
وفي "أ" و"ب" و"هـ": "إليك".
(9)
من قوله "فخل عنه" إلى "أحضر المال" ساقط من "ب".
المال، فقال: أرأيت إن رددت عليك
(1)
مالك تحكمني في امرأتك؟ قال: نعم. قال: هذا مالك، وقد طلقت المرأة منك
(2)
.
فصل
ومنها أن شريكًا دخل على المهدي، فقال للخادم: هات عودًا للقاضي - يعني البخور - فجاء الخادم بعود يضرب به، فوضعه في حجر شريك، فقال: ما هذا؟ فبادر المهدي، وقال: هذا عود أخذه صاحب العسس البارحة، فأحببت أن يكون كسره على يديك، فدعا له وكسره
(3)
.
ومن ذلك: ما يذكر عن المعتضد بالله، أنه كان جالسًا يشاهد الصناع، فرأى فيهم أسود منكر الخلقة، شديد المرح، يعمل ضعف ما يعمل الصناع، ويصعد مرقاتين مرقاتين، فأنكر أمره، فأحضره وسأله عن أمره؟ فلجلج، فقال لبعض جلسائه ما تقولون
(4)
؟ أي شيء يقع لكم في أمره؟ قالوا: ومَن هذا حتى تصرف فكرك إليه؟ لعله لا عيال له، وهو خالي القلب، فقال: قد خمَّنتُ في أمره تخمينًا، ما أحسبه باطلًا: إما أن يكون معه دنانير، وقد ظفر بها دفعة
(5)
، أو يكون لصًّا
(1)
وفي "ب" و"جـ" و"هـ": "إليك".
(2)
الأذكياء (37).
(3)
الأذكياء (39).
(4)
"ما تقولون" ساقطة من "ب" و"جـ" و"هـ".
(5)
"دفعة" ساقطة من "جـ".
يتستر بالعمل، فدعا به، واستدعى بالضرّاب فضربه، وحلف له إن لم يصدقْه أن يضرب عنقه، فقال: لي الأمان، قال: نعم، إلا فيما يجب عليك بالشرع. فظن أنه قد أمنه، فقال: كنت أعمل في الآجُر
(1)
، فاجتاز رجل في وسطه هِمْيان
(2)
، فجاء إلى مكان فجلس وهو لا يعلم مكاني، فحل الهميان وأخرج منه دنانير فتأملته
(3)
، وإذا كله دنانير فبادرته
(4)
وكتفته وشددت
(5)
فاه، وأخذت الهميان، وحملته على كتفي وطرحته في الأتون
(6)
وطيَّنته. فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه فطرحتها في دجلة. فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزله، وإذا على الهميان مكتوب: فلان بن فلان، فنادى في البلد باسمه، فجاءت امرأة فقالت: هذا زوجي، ولي منه هذا الطفل، خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار: فغاب إلى الآن. فسلم الدنانير إليها
(7)
، وأمرها أن تعتد، وأمر بضرب عنق الأسود، وحمل
(8)
جثته إلى ذلك الأتون
(9)
.
(1)
الآجر: اللَّبِن إذا طُبخ. المصباح المنير (6)، لسان العرب (4/ 11).
(2)
الهِمْيان: كيس تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط. المصباح المنير (641)، القاموس المحيط (1600).
(3)
من قوله "فجلس وهو لا يعلم" حتى "فتأملته" ساقط من "ب".
(4)
في "أ": "فثاورته"، وفي "جـ":"فساورته".
(5)
وفي "أ": "وسددت".
(6)
الأتون: الموقد. مختار الصحاح (4)، لسان العرب (13/ 7).
(7)
وفي "ب" و"جـ" و"هـ": "إلى امرأته".
(8)
وفي "ب": "حملت".
(9)
الأذكياء (42)، سير أعلام النبلاء (13/ 465)، تاريخ الإسلام (21/ 64).
وكان للمعتضد من ذلك عجائب، منها: أنه قام ليلة، فإذا غلام قد وثب على ظهر غلام، فاندس بين الغلمان فلم يعرفه، فجاء فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد، فيجده ساكنًا، حتى وضع يده
(1)
على فؤاد ذلك الغلام، فإذا به يخفق خفقًا
(2)
شديدًا، فركضه برجله، واستقره، فأقر، فقتله
(3)
.
ومنها: أنه رُفِع إليه أن
(4)
صيادًا ألقى شبكته في دجلة، فوقع فيها جراب فيه كف مخضوبة بحناء، وأُحضر بين يديه، فهاله ذلك، وأمر الصياد أن يعاود طرح الشبكة هنالك ففعل، فأخرج جرابًا آخر فيه رجْل، فاغتم المعتضد وقال: معي في البلد من يفعل هذا ولا أعرفه؟ ثم أحضر ثقة له وأعطاه
(5)
الجراب، وقال: طف به على كل من يعمل الجُرُبَ ببغداد، فإن عرفه أحد منهم فاسأله عمن باعه منه، فإذا دلك عليه فاسأل
(6)
المشتري عن ذلك ونقِّر
(7)
عن خبره. فغاب الرجل ثلاثة أيام، ثم عاد، فقال: لا زلت أسأل عن خبره حتى انتهى إلى فلان الهاشمي، اشتراه مع عشرة جُرُب، وشكا البائع شره وفساده، ومن جملة ما قال أنه كان يعشق فلانة المغنية وأنه غيبها، فلا يعرف لها
(1)
قوله "على فؤاد" إلى قوله "حتى وضع يده" ساقط من "ب".
(2)
وفي "أ": "خفقانًا".
(3)
الأذكياء (43)، سير أعلام النبلاء (13/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 65).
(4)
"أن" ساقطة من "ب".
(5)
وفي "أ": "وأعطى له".
(6)
وفي "ب": "قل".
(7)
في "ب": "وقص"، وفي "جـ":"ونقب".
خبر، وادعى أنها هربت، والجيران يقولون: إنه
(1)
قتلها. فبعث المعتضد من كَبَسَ منزل الهاشمي وأحضره، وأحضر اليد والرجل، وأراه إياهما، فلما رآهما انتقع لونه، وأيقن بالهلاك واعترف. فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية إلى مولاها، وحبس الهاشمي حتى مات في الحبس
(2)
.
فصل
ومن محاسن الفراسة: أن الرشيد رأى في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ قال عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أمه
(3)
.
ونظير هذا: أن بعض الخلفاء سأل ولده - وفي يده مسواك - ما جمع هذا؟ قال: ضدُّ محاسنك
(4)
يا أمير المؤمنين. وهذا من الفراسة في تحسين اللفظ. وهو باب عظيم النفع، اعتنى به الأكابر والعلماء. وله شواهد كثيرة في السنة وهو من خاصية العقل والفطنة.
(1)
"إنه" ساقطة من "ب" و"جـ" و"هـ".
(2)
وفي "أ": "حتى مات فيه". انظر: الأذكياء (43)، سير أعلام النبلاء (13/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 65).
(3)
الخيزران جارية المهدي اشتراها فأعتقها، وتزوجها فولدت له الهادي والرشيد، لم تلد امرأة خليفتين سوى ثلاث نسوة هي إحداهن، توفيت سنة 173 هـ. انظر: المنتظم (8/ 346)، تاريخ الإسلام (11/ 109).
في "أ" و"ب": "امرأته". انظر الأذكياء (47).
(4)
كذا في "هـ". وسقطت "ضد" من باقي النسخ.
فقد روينا عن عمر رضي الله عنه: أنه خرج يَعُسُّ
(1)
المدينة بالليل، فرأى نارًا موقدة في خباء، فوقف وقال:"يا أهل الضوء". وكره أن يقول: يا أهل النار
(2)
.
وسأل رجلًا عن شيء: "هل كان؟ " قال: لا، أطال الله بقاءك، فقال:"قد عُلِّمتم فلم تتعلموا، هلّا قلت: لا، وأطال الله بقاءك"
(3)
.
وسئل العباس: أنت أكبر أم
(4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله
(5)
.
وسئل عن ذلك قباث
(6)
بن أشيم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه
(7)
.
(1)
العسُّ: طلب أهل الريبة في الليل. المصباح المنير (409)، القاموس المحيط (719).
(2)
انظر: الأذكياء (24)، معجم ما استعجم (3/ 830).
(3)
انظر: الأذكياء (24). ونحوه في مجمع الأمثال (2/ 451)، والبيان والتبيين (1/ 261).
(4)
في "ب": "من".
(5)
رواه ابن أبي شيبة (5/ 298) رقم (26247) و (7/ 35) رقم (33910)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 269) رقم (350)، والحاكم (3/ 320)، والفسوي في التاريخ (1/ 504)، وابن عساكر (26/ 280 - 281). قال الهيثمي:"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" ا. هـ. مجمع الزوائد (9/ 273).
(6)
وفي "جـ" و"هـ": "غياث".
(7)
رواه الحاكم (3/ 625)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 183) =
وكان لبعض القضاة جليس أعمى، فكان إذا أراد أن ينهض يقول: يا غلام، اذهب مع أبي محمد، ولا يقول: خذ بيده، قال: والله ما أخلَّ بها مرة واحدة
(1)
.
ومن ألطف ما يحكى في ذلك: أن بعض الخلفاء سأل رجلًا عن اسمه؟ فقال: سعد يا أمير المؤمنين، فقال: أيّ السعود أنت؟ قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين، وسعد الذابح لأعدائك، وسعد بَلَع على سماطك، وسعد الأخبية لسرك
(2)
، فأعجبه ذلك.
ويشبه هذا: أن مَعْن بن زائدة دخل على المنصور، فقارب في خطوه، فقال له المنصور: كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين. قال: إنك لجَلْد. قال: على أعدائك. قال: وإن فيك
= (927)، والطبراني في المعجم الكبير (19/ 37)(75)، والبيهقي في الدلائل (1/ 78)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 218)(5970)، وخليفة بن خياط في تاريخه (52). وسكت عنه الحاكم، والذهبي في تلخيص المستدرك. ورواه الترمذي (6/ 13)(3619)، والطحاوي في شرح المشكل (15/ 217)(5969)، والبيهقي في الدلائل (1/ 77)، والطبري في التاريخ (1/ 453). والسائل عندهم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال الترمذي:"حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق" ا. هـ.
(1)
"واحدة" ساقطة من "أ".
(2)
هذه الأربعة من منازل القمر. القاموس المحيط (368). وانظر: شرح العمدة لابن تيمية (553)"قسم الصلاة"، مفتاح دار السعادة (3/ 189)، صبح الأعشى (2/ 180).
لبقية. قال: هي لك
(1)
.
وأصل هذا الباب: قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53] فالشيطان ينزغ بينهم
(2)
إذا كلم بعضهم بعضًا بغير التي هي أحسن، فرب حرب كان وقودها جُثث وهام
(3)
، أهاجها قبيح الكلام.
وفي "الصحيحين"
(4)
من حديث سهل بن حنيف، قال: قال رسول الله: "لا يقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ
(5)
نَفْسِي" وخبثت ولقست وغثت متقاربة المعنى. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ "الخبث" لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ أحسن منه، وإن كان بمعناه، تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح في الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال
(6)
.
(1)
رواه الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 236)، ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم (7/ 160). وانظر: الأذكياء (56)، وسير أعلام النبلاء (7/ 97)، تاريخ الإسلام (9/ 623).
(2)
"فالشيطان ينزغ بينهم" ساقط من "جـ" و"هـ".
(3)
جمع هامة وهي الرأس. مختار الصحاح (704).
(4)
البخاري رقم (6180)(10/ 579)، ومسلم (2251)(15/ 11) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه. ورواه البخاري (6179)، ومسلم (2250) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
لقست: أي غثت. واللَّقس: الغثيان. النهاية في غريب الحديث (4/ 263). وقيل معناه: ساء خلقها. فتح الباري (10/ 579).
(6)
انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 2209)، شرح السنة (13/ 359)، شرح مسلم للنووي (15/ 11)، تحفة المودود (37)، إعلام الموقعين (3/ =
فصل
ومن عجيب الفراسة ما ذُكر عن أحمد بن طولون: أنه بينما هو في مجلس له يتنزه
(1)
فيه، إذ رأى سائلًا في ثوب خلق، فوضع دجاجة على رغيف وحلوى وأمر بعض الغلمان فدفعه إليه، فلما وقع في يده لم يهش له ولم يعبأ به، فقال للغلام: جئني به، فلما وقف قدامه استنطقه، فأحسن الجواب، ولم يضطرب من هيبته، فقال: هات الكتب
(2)
التي معك، واصدقني من بعثك، فقد صح عندي أنك صاحب خبر. وأحضر السياط، فاعترف، فقال بعض جلسائه: هذا والله السحر، قال: ما هو بسحر، ولكن فراسة صادقة، رأيت سوء حاله، فوجهت إليه بطعام يشره إلى أكله الشبعان، فما هش له، ولا مد يده إليه، فأحضرته فتلقاني بقوة جأش، فلما رأيت رثاثة
(3)
حاله، وقوة جأشه، علمت أنه صاحب خبر، فكان كذلك
(4)
.
ورأى يومًا حمالًا يحمل صنًّا
(5)
وهو يضطرب تحته، فقال: لو
= 167)، زاد المعاد (2/ 356 و 468)، شرح الأبي لمسلم (7/ 367)، فتح الباري (10/ 581)، عمدة القاري (18/ 252)، مرقاة المفاتيح (8/ 523)، مكمل إكمال الإكمال (7/ 468).
(1)
"يتنزه" ساقطة من "أ".
(2)
في "هـ": "الكتاب".
(3)
في "جـ": "وثاقه".
(4)
انظر: تاريخ الإسلام (20/ 48)، سير أعلام النبلاء (13/ 95)، النجوم الزاهرة (3/ 13)، الأذكياء (56).
(5)
الصَّن: زنبيل كبير يجعل فيه الطعام والخبز. انظر: لسان العرب (13/ =
كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنق الحمال، وأنا أرى عنقه بارزة، وما أرى
(1)
هذا الأمر
(2)
إلا من خوف، فأمر بحط الصن، فإذا فيه جارية قد قتلت
(3)
وقطعت، فقال: اصدقني عن حالها، فقال: أربعة نفر في الدار الفلانية أعطوني هذه الدنانير، وأمروني بحمل هذه المقتولة، فضربه وقتل الأربعة
(4)
.
وكان يتنكر ويطوف ويستمع
(5)
قراءة الأئمة، فدعا ثقته، وقال: خذ هذه الدنانير، وأعطها إمام مسجد كذا، فإنه فقير مشغول القلب. ففعل، وجلس معه وباسطه، فوجد زوجته قد ضربها الطلق
(6)
، وليس معه ما يحتاج إليه. فقال: صدق، عرفت شغل قلبه في كثرة غلطه في القراءة
(7)
.
ومن ذلك: أن اللصوص أخذوا في زمن المكتفي بالله مالًا عظيمًا، فألزم المكتفي صاحب الشرطة بإخراج اللصوص، أو غرامة المال، فكان يركب وحده، ويطوف ليلًا ونهارًا، إلى أن اجتاز يومًا في زقاق
(8)
خال في بعض أطراف البلد، فدخله فوجده منكرًا، ووجده لا ينفذ،
= 249)، النهاية (3/ 57).
(1)
"أرى" ساقطة من "أ".
(2)
"الأمر" ساقطة من "أ".
(3)
وفي "ب" و"جـ" و"هـ": "مقتولة".
(4)
الأذكياء (57).
(5)
في باقي النسخ عدا "أ": "ويسمع".
(6)
الطَّلْق: المخاض وهو وجع الولادة. المصباح المنير (377).
(7)
الأذكياء (57).
(8)
الزُّقاق: السكة. مختار الصحاح (273)، لسان العرب (10/ 143).
فرأى على بعض أبوابه شوكَ سمكٍ كثير، وعظامَ الصلب. فقال لشخص: كم يكون تقدير
(1)
ثمن هذا السمك الذي هذه عظامه؟ قال: دينار، قال: أهل الزقاق لا تحتمل أحوالهم مشترى
(2)
مثل هذا؛ لأنه زقاق بين الاختلال إلى جانب الصحراء، لا ينزله من معه شيء يخاف عليه، أو له مال ينفق منه
(3)
هذه النفقة، وما هي إلا بلية ينبغي أن يكشف عنها
(4)
، فاستبعد الرجلُ هذا، وقال: هذا فكر بعيد، فقال: اطلبوا لي
(5)
امرأة من الدرب أكلمها. فدق بابًا غير الذي عليه الشوك واستسقى ماءً، فخرجت عجوز ضعيفة. فما زال يطلب شربة بعد شربة، وهي تسقيه، وهو في خلال ذلك يسأل عن الدرب وأهله، وهي تخبره غير عارفة بعواقب ذلك، إلى أن قال لها: وهذه الدار من يسكنها؟ - وأومأ إلى التى عليها عظام السمك - فقالت: فيها خمسة شباب
(6)
أعفار
(7)
، كأنهم تجار، وقد نزلوا منذ شهر لا نراهم نهارًا إلا في كل مدة طويلة، ونرى الواحد منهم يخرج في الحاجة ويعود سريعًا، وهم في طول النهار يجتمعون فيأكلون ويشربون، ويلعبون بالشطرنج
(1)
وفي "ب": "يقوم التقدير".
(2)
في "أ": "شري".
(3)
"منه" ساقطة من "أ".
(4)
وفي "هـ": "عن حالها".
(5)
"لي" ساقطة من "أ".
(6)
وفي "جـ""شبان".
(7)
العِفْر: الرجل الخبيث الداهي. مختار الصحاح (442)، لسان العرب (4/ 586).
والنرد، ولهم صبي يخدمهم، فإذا كان الليل انصرفوا
(1)
إلى دار لهم بالكَرْخ
(2)
، ويَدَعون الصبي في الدار يحفظها، فإذا كان سحرًا جاءوا ونحن نيام لا نشعر
(3)
بهم. فقال للرجل: هذه صفة لصوص أم لا؟ قال: بلى، فأنفذ في الحال، فاستدعى عشرة من الشرط، وأدخلهم إلى أسطحة الجيران، ودق هو الباب، فجاء الصبي ففتح. فدخل الشرط معه
(4)
، فما فاتهم من القوم أحد فكانوا هم أصحاب الجناية
(5)
بعينهم
(6)
.
ومن ذلك: أن بعض الولاة سمع في بعض ليالي الشتاء صوتًا بدار يطلب ماءً باردًا
(7)
، فأمر بكبس الدار، فأخرجوا رجلًا وامرأة، فقيل له: من أين علمت؟ قال: الماء لا يبرد في الشتاء، إنما ذلك علامة بين هذين
(8)
.
وأحضر بعض الولاة
(9)
شخصين
(10)
متهمين بسرقة، فأمر أن
(1)
وفي "جـ": "صدروا".
(2)
الكرخ: محلة في وسط بغداد. معجم البلدان (4/ 508).
(3)
وفي "أ" و"ب" و"هـ": "لا نعقل".
(4)
قوله "فجاء الصبي ففتح فدخل الشرط معه" ساقط من "ب".
(5)
في "أ" و"ب" و"هـ": "الخيانة".
(6)
الأذكياء (58).
(7)
قوله "يطلب ماءً باردًا" ساقط من "أ" و"ب" و"هـ".
(8)
الأذكياء (60).
(9)
وهو ابن النسوي. الأذكياء (60).
(10)
في "أ": "خصمين".
يؤتى بكوز من ماء، فأخذه بيده
(1)
فألقاه عمدًا فانكسر، فارتاع أحدهما، وثبت الآخر فلم يتغير. فقال للذي انزعج: اذهب، وقال للآخر: أحضر العملة. فقيل له: ومن أين عرفت ذلك؟ فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج، والبريء يرى أنه لو تحركت
(2)
في البيت فأرة لأزعجته، ومنعته من السرقة
(3)
.
فصل
ومن الحكم بالفراسة والأمارات: ما رواه محمد بن عبيد الله
(4)
بن أبي رافع عن أبيه، قال: خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجحدته، فسأله البينة، فلم تكن عنده، وجاءت المرأة بنفر، فشهدوا أنها لم تُزوج وأن الغلام كاذب عليها
(5)
، وقد قذفها. فأمر عمر رضي الله عنه بضربه، فلقيه علي رضي الله عنه، فسأل عن أمرهم، فأُخْبِر، فدعاهم، ثم قعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسأل المرأة فجحدت، فقال للغلام: اجحدها كما جحدتك، فقال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها أمي، قال: اجحدها، وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك، قال: قد جحدتها، وأنكرتها.
(1)
"بيده" ساقطة من "أ" و"هـ".
(2)
في "جـ": "نزلت".
(3)
رواه ابن الجوزي بسنده في الأذكياء (60).
(4)
في "ب" و"هـ": "عبد الله".
(5)
"عليها" ساقط من "ب".
فقال علي لأولياء المرأة: أمري في هذه المرأة جائز؟ قالوا نعم، وفينا أيضًا، فقال علي: أُشْهِد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم، فأتاه بها، فعد أربعمائة وثمانين درهمًا، فدفعها
(1)
مهرًا لها. وقال للغلام: خذ بيد امرأتك، ولا تأتنا إلا وعليك أثر العرس، فلما ولى، قالت المرأة: يا أبا الحسن، الله الله هو النار، هو
(2)
والله ابني. قال: كيف ذلك؟ قالت: إن أباه كان زنجيًّا
(3)
، وإن إخوتي زوجوني منه، فحملت بهذا الغلام. وخرج الرجل غازيًا فقتل، وبعثت بهذا إلى حي بني فلان. فنشأ فيهم، وأنفت أن يكون ابني، فقال علي: أنا أبو الحسن، وألحقه بها
(4)
، وثبت نسبه
(5)
.
ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب سأل رجلًا: كيف أنت؟ فقال: ممن يحب الفتنة، ويكره الحق، ويشهد على ما لم يره، فأمر به إلى
(1)
وفي "ب" و"جـ": "فقذفها".
(2)
"هو" ساقط من "أ".
(3)
وفي "أ": "هجينًا"، وفي "هـ":"مولى"، وهذه الكلمة ساقطة من "ب".
(4)
"بها" ساقطة من "جـ".
(5)
ذكره ابن شهر في المناقب (2/ 367)، وفي سنده محمد بن عبيد الله بن أبي رافع قال عنه ابن معين:"ليس بشيء". وقال البخاري: "منكر الحديث". وقال ابن حبان: "منكر الحديث جدًّا يروي عن أبيه ما ليس يشبه حديث أبيه فلما غلب المناكير على روايته استحق الترك". انظر: تاريخ ابن معين (2/ 529)، والتاريخ (1/ 171)، المجروحين (2/ 249)، تهذيب الكمال (26/ 36).
السجن. فأمر علي برده
(1)
، وقال: صدق، قال: كيف صدّقته؟ قال: يحب المال والولد، وقد قال الله تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] ويكره الموت، وهو حق
(2)
، ويشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره، فأمر عمر رضي الله عنه بإطلاقه، قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته
(3)
.
وقال أصبغ بن نباتة: جاء رجل إلى مجلس علي - والناس حوله - فجلس بين يديه، ثم التفت إلى الناس، فقال: يا معشر الناس، إن للداخل حيرة، وللسائل
(4)
روعة، وهما دليل السهو والغفلة. فاحتملوا زلّتي
(5)
إن كانت من سهو نزل بي، ولا تحسبوني من شر الدواب عند الله الذين لا يعقلون. فتبسم علي رضي الله عنه وأعجب به، فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت ألفًا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد، فما عليَّ؟ وما لي؟ فقال له علي رضي الله عنه: إن كنت أصبتها في خربة تؤدي خراجَها قريةٌ أخرى عامرة بقربها فهي لأهل تلك القرية، وإن كنت وجدتها في خربة ليست تؤدي خراجَها قريةٌ أخرى عامرة فلك فيها أربعة أخماس، ولنا خمس
(6)
.
(1)
قوله "فأمر به إلى السجن فأمر علي برده" ساقط من "ب".
(2)
وفي "ب" و"جـ" و"هـ": "الحق".
(3)
رواه البلاذري في أنساب الأشراف "قسم الشيخين"(398) مختصرًا من قول ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
في "أ": "وإن للسائل".
(5)
في "أ": "زلة"، وفي "ب" و"جـ":"زلته".
(6)
"ولنا خمس" ساقط من "ب".
قال الرجل: أصبتها في خربة ليس حولها أنيس، ولا عندها عمران، فخذ الخمس، قال: قد جعلته لك
(1)
.
وأتى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه رجلٌ
(2)
أسود، ومعه امرأة سوداء، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أغرس غرسًا أسود، وهذه سوداء على ما ترى، فقد
(3)
أتتني بولد أحمر، فقالت المرأة: والله يا أمير المؤمنين ما خنته، وإنه لولده. فبقي عمر لا يدري ما يقول، فسئل عن ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال للأسود: إن سألتك عن شيء أتصدقني؟ قال: أجل والله، قال: هل واقعت امرأتك وهي حائض؟ قال: قد كان ذلك، قال علي: الله أكبر، إن النطفة إذا اختلطت بالدم فخلق الله عز وجل منها خلقًا كان أحمر، فلا تنكر
(1)
في إسناده كما ذكر المؤلف: الأصبغ بن نباتة. والجمهور على عدم الاحتجاج به، قال عنه ابن معين:"ليس بثقة". التاريخ (2/ 42)، وقال ابن حبان:"هو ممن فتن بحب علي فأتى بالطامات في الروايات فاستحق من أجلها الترك". المجروحين (1/ 174)، وقال ابن عدي:"عامة ما يرويه عن علي لا يتابعه أحد عليه وهو بين الضعف وله عن علي أخبار وروايات وإذا حدث عن الأصبغ ثقة فهو عندي لا بأس بروايته وإنما أتى الإنكار من جهة من روى عنه لأن الراوي عنه لعله يكون ضعيفًا" ا. هـ. الكامل (2/ 102)، وقال الذهبي:"واه غال في تشيعه" ا. هـ. المغني في الضعفاء (1/ 93)، وقال:"أصبغ بن نباتة عن عمر وعلي وعنه الأجلح وقطر بن خليفة تركوه" ا. هـ. الكاشف (1/ 136)، ووثقه العجلي. معرفة الثقات (1/ 233).
(2)
في "جـ": "برجل".
(3)
وفي "ب" و"هـ": "وقد".
ولدك، فأنت جنيت على نفسك
(1)
.
وقال جعفر بن محمد
(2)
: أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار كانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت
(3)
صفرتها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني. فهمّ بعقوبة الشاب فجعل يستغيث، ويقول: يا أمير المؤمنين، تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة ولا هممت
(4)
بها، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصُبَّ على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت
(5)
.
قلت: ويشبه هذا ما ذكره الخرقي وغيره
(6)
عن
(1)
لم أجده.
(2)
جعفر بن محمد بن علي.
(3)
في "أ": "وألقت".
(4)
في "جـ": "وما هممت".
(5)
لم أجده.
(6)
مختصر الخرقي (105)، المغني (10/ 92)، المقنع لابن البناء (3/ 929)، الكافي (4/ 301)، شرح الزركشي (5/ 270)، الشرح الكبير (20/ 497)، الإنصاف (20/ 497)، المحرر (2/ 25)، الهداية (1/ 256)، المبدع (7/ 105)، الفروع (5/ 229).
أحمد
(1)
: أن المرأة إذا ادعت أن زوجها عنين
(2)
، وأنكر ذلك، وهي ثيب، فإنه يخلى معها في بيت، ويقال له: أخرج ماءك على شيء، فإن
(3)
ادعت أنه ليس بمني جعل على النار، فإن ذاب فهو مني، وبطل قولها. وهذا مذهب عطاء بن أبي رباح
(4)
.
وهذا حكم بالأمارات الظاهرة، فإن المني إذا جعل على النار ذاب واضمحل، وإن كان بياض بيض تجمع ويبس، فإن قال: أنا أعجز عن إخراج مائي صح قولها.
ويشبه هذا: ما ذكره بعض
(5)
القضاة
(6)
: أن زوجين ترافعا إليه، وادعى كل منهما: أن الآخر عِذْيَوط
(7)
يغوط عند الجماع
(8)
،
(1)
نص عليه الإمام أحمد في رواية أبي داود (246).
(2)
العنّين: هو الذي لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن أو يصل إلى الثيب دون البكر. التوقيف (529)، أنيس الفقهاء (165)، التعريفات (204). وانظر: طلبة الطلبة (88)، حدود ابن عرفة (1/ 253)، المطلع (319)، الكليات (872).
(3)
في "أ": "فإذا".
(4)
مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (246)، المغني (10/ 92)، الشرح الكبير (20/ 497).
(5)
في "أ" و"هـ": "ما ذكر عن بعض".
(6)
وهو أحمد بن نصر من أصحاب سحنون. انظر: مواهب الجليل (3/ 484)، تبصرة الحكام (2/ 196).
(7)
"عذيوط" ساقطة من "جـ" و"هـ".
(8)
هذا معناه لغة واصطلاحًا وهو بكسر العين وفتح الياء. انظر: المصباح المنير (399)، لسان العرب (7/ 349)، مواهب الجليل (3/ 484)، تبصرة =
وتناكرا، فأمر أن يطعم أحدهما تينًا
(1)
، والآخر قثَّاءً
(2)
، فعلم صاحب العيب بذلك
(3)
.
وقال أصبغ
(4)
بن نباتة: إن شابًّا شكا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفرًا، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يَعُدْ أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئًا، وكان معه مال كثير، وترافعنا
(5)
إلى شريح، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فدعا علي بالشُّرط، فوكل بكل رجل
(6)
منهم رجلين، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم أن يدنو من بعض، ولا يدعوا
(7)
أحدًا يكلمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم. فقال: أخبرني عن أبي هذا الفتى: أي يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزلتم؟ وكيف كان سيركم؟ وبأي علة مات؟ وكيف أصيب بماله؟ وسأله عمن
(8)
غسله ودفنه؟ ومن تولى الصلاة عليه؟ وأين دفن؟ ونحو ذلك، والكاتب يكتب، ثم كبَّر
(9)
= الحكام (2/ 196)، البهجة في شرح التحفة (1/ 312).
(1)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "لفتًا".
(2)
القثاء: الخيار. المصباح المنير (490)، مختار الصحاح (521).
(3)
تبصرة الحكام (2/ 196)، مواهب الجليل (3/ 484).
(4)
في "أ": "الأصبغ".
(5)
في " أ" و"ب" و"هـ": "فارتفعنا".
(6)
في "ب" و"هـ": "بكل واحد".
(7)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "ولا يمكنوا".
(8)
في "ب": "عن".
(9)
في "أ" و"ب" و"هـ": "فكبر".
علي فكبر
(1)
الحاضرون معه، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنوا أن صاحبهم قد أقرَّ عليهم. ثم دعا آخر بعد أن غيَّب الأول عن مجلسه، فسأله كما سأل صاحبه، ثم الآخر كذلك، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضد ما أخبر به صاحبه، ثم أمر برد الأول، فقال: يا عدو الله، قد عرفتُ غدرك
(2)
وكذبك بما سمعتُ من أصحابك، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق، ثم أمر به إلى السجن، وكبَّر، وكبر معه الحاضرون، فلما أبصر القوم الحال لم يشكُّوا أن صاحبهم أقرَّ عليهم، فدعا آخر منهم، فهدده، فقال: يا أمير المؤمنين والله لقد كنت كارهًا لما صنعوا، ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة، واستدعى الذي في السجن، وقيل له: قد أقرَّ أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق، فأقرَّ بمثل
(3)
ما أقر به القوم، فأغرمهم المال، وأقاد منهم بالقتيل
(4)
.
ورُفِع إلى بعض القضاة رجل ضرب رجلًا على هامته، فادعى المضروب: أنه أزال بصره وشمه، فقال: يُمتحن، بأن يرفع عينيه إلى قرص الشمس، فإن كان صحيحًا
(5)
لم تثبت عيناه لها، وينحدر منها الدمع، وتحرق خرقة وتقدم إلى أنفه، فإن كان صحيح الشم: بلغت
(1)
"فكبر" ساقطة من "ب".
(2)
"غدرك" ساقطة من "ب". وفي "جـ""عنادك".
(3)
في "ب" و"جـ" و"هـ": "بكل".
(4)
رواه مختصرًا عبد الرزاق (10/ 42)، والبيهقي (10/ 179). وانظر: فيض القدير (1/ 588)، المحلى (11/ 142)، معين الحكام (173).
(5)
في "ب": "فإن فتحها".
الرائحة خيشومه ودمعت عيناه
(1)
.
ورأيت في "أقضية علي رضي الله عنه"
(2)
نظير هذه القضية، وأن المضروب ادعى
(3)
أنه أخرس، فأمر أن يخرج لسانه، وينخس بإبرة، فإن خرج الدم أحمر فهو صحيح اللسان، وإن خرج أسود فهو أخرس
(4)
.
وقال أصبغ
(5)
بن نباتة: قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في فداء أسرى المسلمين من أيدي المشركين، فقال: فنادوا منهم من كانت جراحاته بين يديه، دون من كانت من ورائه؛ فإنه فارّ
(6)
.
قال: وأوصى رجل إلى آخر: أن يتصدق عنه من هذه الألف دينار بما أحب، فتصدق بعشرها، وأمسك الباقي، فخاصموه إلى علي رضي الله عنه وقالوا: يأخذ النصف ويعطينا النصف. فقال: أنصفوك، قال: إنه قال لي: أخرج منها ما أحببت، قال: فأخرج عن الرجل تسعمائة، والباقي لك، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن الرجل أمرك أن
(7)
تخرج ما أحببت، وقد أحببت التسعمائة، فأخرجها.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل (13/ 30).
(2)
لم أجد الكتاب مطبوعًا ولا مخطوطًا. وهو للأصبغ بن نباتة.
(3)
"ادعى" ساقط من "أ".
(4)
انظر: تبصرة الحكام (2/ 145)، معين الحكام (173).
(5)
في "أ": "الأصبغ".
(6)
تبصرة الحكام (2/ 145).
(7)
"أن" ساقطة من "أ".
وقضى في رجلين حُرّين يبيع أحدهما صاحبه على أنه عبد، ثم يهربان من بلد إلى بلد بقطع أيديهما
(1)
؛ لأنهما سارقان لأنفسهما، ولأموال الناس.
قلت: وهذا من أحسن القضاء، وهو الحق
(2)
، وهما أولى بالقطع من السارق المعروف، فإن السارق إنما قطع - دون المنتَهِب
(3)
والمغتصب
(4)
-؛ لأنه لا يمكن التحرز منه. ولهذا قُطع النَّباش
(5)
، ولهذا جاءت السنة بقطع جاحد العارية
(6)
.
وقضى علي رضي الله عنه أيضًا في امرأة تزوجت، فلما كان ليلة زفافها أدخلت صديقها الحجلة
(7)
سرًّا، وجاء الزوج فدخل
(1)
روى نحوه عبد الرزاق (10/ 194 و 195)، ورواه من طريقه ابن حزم في المحلى (11/ 336). وانظر: فتح الباري (4/ 488)، عمدة القاري (10/ 28). وإسناده منقطع ابن جريج وقتادة لم يدركا عليًّا رضي الله عنه.
(2)
وهو مذهب الظاهرية. المحلى (11/ 337)، والجمهور على خلافه. انظر: فتح الباري (4/ 488)، عمدة القاري (10/ 28)، الإشراف لابن المنذر (2/ 294).
(3)
المنتهب: اسم فاعل من انتهب الشيء إذا سلبه ولم يختلسه. المطلع (375).
(4)
المغتصب: من استولى على حق غيره عدوانًا. التعريفات (538)، المطلع (274).
(5)
نبش الميت استخرجه، والنباش من يعتاد ذلك. طلبة الطلبة (141)، مختار الصحاح (643)، المصباح المنير (590).
(6)
العاريَّة اصطلاحًا: تمليك المنافع بغير عوض. تبيين الحقائق (5/ 83)، الهداية (5/ 245). والحديث رواه مسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7)
الحجلة: بيت يزين بالحلل والأثواب للعروس. مختار الصحاح (124)، =
الحجلة، فوثب إليه الصديق
(1)
فاقتتلا، فقتل الزوج الصديق، فقامت إليه المرأة فقتلته، فقضى بدية الصديق على المرأة، ثم قتلها بالزوج، وإنما قضى بدية الصديق عليها؛ لأنها هي التي عرضته لقتل الزوج له، فكانت هي المتسببة إلى قتله، وكانت أولى بالضمان
(2)
من الزوج المباشر قتله؛ لأن المباشر قتله
(3)
قتلًا مأذونًا فيه، دفعًا عن حرمته. فهذا من أحسن القضاء الذي لا يهتدي إليه كثير من الفقهاء، وهو الصواب.
وقضى في رجل فرَّ من رجل يريد قتله، فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله، وبقُرْبه رجل ينظر إليهما، وهو يقدر على تخليصه، فوقف ينظر إليه حتى قتله. قضى أن يُقتل القاتل، ويُحبس الممسك حتى يموت، وتُفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر ولم ينكر
(4)
.
فذهب الإمام أحمد وغيره من أهل العلم
(5)
إلى القول بذلك،
= القاموس (1270).
(1)
قوله "فوثب إليه الصديق" ساقطة من "ب".
(2)
في "ب": "بالنكال".
(3)
"قتله" ساقطة من "ب".
(4)
رواه عبد الرزاق (9/ 427)، والشافعي في الأم (7/ 541)، وابن أبي شيبة (5/ 438)، والدارقطني (3/ 140)، والبيهقي (8/ 91)، وفي المعرفة (12/ 59)، دون قوله "وتفقأ عين الناظر".
(5)
انظر: قواعد ابن رجب (2/ 606)، زاد المعاد (5/ 7)، تنقيح التحقيق (3/ 266)، كشاف القناع (5/ 519)، الممتع في شرح المقنع (5/ 412)، =