الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في القضاء بالنكول ورد اليمين
وقد اختلفت الآثار في ذلك، فروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله: "أن عبد الله بن عمر باع غلامًا له بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام داء لم تسمه؟ فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقال: بعتني عبدًا به داء لم تسمه لي
(1)
. فقال عبد الله بن عمر: إني بعته بالبراءة
(2)
. فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما باليمين، أن يحلف له: لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف له، وارتجع العبد، فباعه عبد الله بن عمر بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم"
(3)
وفي طريقٍ أخرى أنه لما أبى أن يحلف حكم عليه عثمان بالنكول
(4)
.
قال أبو عبيد: وحكم عثمان على ابن عمر في العبد الذي كان باعه بالبراءة، فرده عليه عثمان حين نكل عن اليمين، ثم لم ينكر ذلك ابن عمر من حكمه ورآه له لازمًا. فهل يوجد إمامان أعلم بسنة رسول الله
(1)
"فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقال: بعتني عبدًا به داء لم تسمه لي" مثبت من "أ". وساقط من جميع النسخ.
(2)
"فقال عبد الله بن عمر إني بعته بالبراءة" ساقط من "ب".
(3)
رواه مالك في الموطأ (2/ 613)، وابن أبي شيبة (4/ 370) رقم (21093)، وأحمد كما في مسائل صالح (2/ 39)، ومسائل عبد الله (276)، وأبو عبيد كما في المحلى (9/ 373)، وعبد الرزاق (8/ 163)، وابن وهب بسنده كما في المدونة (4/ 351)، والبيهقي (5/ 536) وصححه. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 58).
(4)
قوله "وفي طريق" إلى "بالنكول" ساقط من "أ".
- صلى الله عليه وسلم وبمعنى حديثه منهما رضي الله عنهما، فذهب إلى ذلك أبو حنيفة
(1)
وأحمد
(2)
في المشهور من مذهبه.
وأما رد اليمين: فقال أبو عبيد: حدثونا
(3)
عن مسلمة
(4)
بن علقمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي: "أن المقداد استسلف من عثمان سبعة آلاف درهم. فلما قضاها أتاه بأربعة آلاف، فقال عثمان: إنها سبعة، فقال المقداد: ما كانت إلا أربعة، فلم يزالا حتى ارتفعا إلى عمر، فقال المقداد: يا أمير المؤمنين، ليحلف أنها كما يقول، وليأخذها. فقال عمر: أنصفك، احلف أنها كما تقول وخذها"
(5)
.
(1)
انظر: المبسوط (17/ 34)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 383)، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (174)، بدائع الصنائع (6/ 230)، فتح القدير (8/ 172)، رؤوس المسائل للزمخشري (537)، الهداية (5/ 143) ، طريقة الخلاف (408)، عقود الجواهر المنيفة (2/ 69).
(2)
انظر: مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 39)، ومسائل الإمام أحمد رواية عبد الله (276)، الهداية (2/ 146)، المغني (14/ 233)، الشرح الكبير (30/ 138)، الروض المربع (711)، كشاف القناع (4/ 287)، جامع العلوم والحكم (2/ 234).
(3)
في المحلى (9/ 377): "رُوَّينا من طريق أبي عبيد عن عفان بن مسلم عن مسلمة بن علقمة" ا. هـ.
(4)
في "ب": "سلمة".
(5)
رواه البيهقي (10/ 310)، والطبراني في الكبير (20/ 237) رقم (559)، وابن القاص في أدب القاضي (1/ 282)، وأبو عبيد كما ذكره المؤلف وابن حزم في المحلى (9/ 377)، وذكر الحافظان الزيلعي وابن حجر أنه رواه أبو الوليد في المستخرج بإسناد صحيح عن الشعبي وفيه إرسال. ا. هـ. نصب الراية (5/ 158)، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 176). وقال =
قال أبو عبيد: فهذا عمر قد حكم برد اليمين، ورأى ذلك المقداد ولم ينكره عثمان، فهؤلاء ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عملوا برد اليمين.
حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن قال: كان شريح يقضي برد اليمين
(1)
.
وحدثنا يزيد
(2)
، عن هشام
(3)
، عن ابن سيرين، عن شريح: أنه كان إذا قضى على رجل باليمين، فردها على الطالب
(4)
، فلم يحلف: لم يعطه شيئًا، ولم يستحلف الآخر
(5)
.
وحدثنا عباد بن العوام، عن أشعث
(6)
، عن الحكم بن عتيبة
(7)
،
= البيهقي بعد روايته: "هذا إسناد صحيح إلا أنه منقطع" ا. هـ.
(1)
قوله "حدثنا هشيم" إلى "برد اليمين" ساقط من "أ".
(2)
يزيد بن هارون، تقدمت ترجمته.
(3)
هو هشام بن حسان الأزدي، وثقه العجلي. توفي سنة 148 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (30/ 181)، سير أعلام النبلاء (6/ 355).
(4)
في "ب": "ابن أبي طالب" وهو خطأ ظاهر.
(5)
رواه أبو عبيد كما ذكره المؤلف، ونسبه لأبي عبيد ابن حزم في المحلى (9/ 377). وانظر: المغني (14/ 233).
(6)
وفي "جـ": "الأشعث". وهو أشعث بن سوّار الكندي النجار الكوفي. توفي سنة 136 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (3/ 264)، سير أعلام النبلاء (6/ 275).
(7)
في "جـ" و"هـ": "عنبسة"، والصواب ما أثبتناه. وهو الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي، قال عنه ابن معين "ثقة ثبت". توفي سنة 115 هـ رحمه الله =
عن عون بن
(1)
عبد الله بن عتبة: أن أباه كان إذا قضى على رجل باليمين، فردها على الذي يدعي، فأبى أن يحلف: لم يجعل له شيئًا، وقال: لا أعطيك ما لا تحلف عليه
(2)
.
قال أبو عبيد: على
(3)
أن رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة. فالذي في الكتاب: قول الله تعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، ثم قال:{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 107، 108].
وأما السنة: فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة بالأيمان على المدعين، فقال:"تَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ بأَنْ يُقْسِم مِنْكُم خَمْسُونَ: أنَّ يَهُودَ قَتَلتْهُ". فقالوا: كيف نقسم علىَ شيء لم نحضره؟ قال: "فَيَحْلِف لَكُمْ خَمْسُونَ مِنْ يَهُود مَا قَتَلُوهُ"
(4)
قال: فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الآخرين، بعد أن حكم بها للأولين. فهذا هو الأصل في رد اليمين.
= تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (7/ 114)، الكنى للدولابي (2/ 95)، سير أعلام النبلاء (5/ 208).
(1)
في "ب": "عن".
(2)
رواه أبو عبيد كما ذكر المؤلف وابن حزم في المحلى (9/ 377).
(3)
في "ب": "بل".
(4)
سبق تخريجه.
قلت: وهذا مذهب الشافعي
(1)
، ومالك
(2)
، وصوبه الإمام أحمد
(3)
رضي الله عنهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه -: وليس المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في النكول ورد اليمين بمختلف، بل هذا له موضع، وهذا له موضع، فكل موضع أمكن المدعي معرفته والعلم به فرد المدعى عليه اليمين، فإنه إن حلف استحق، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه.
وهذا كحكومة عثمان والمقداد رضي الله عنهما، فإن المقداد قال لعثمان:"احلف أن الذي دفعته إليَّ كان سبعة آلاف وخذها"
(4)
فإن المدعي هنا يمكنه معرفة ذلك والعلم به، كيف وقد ادعى به؟ فإذا لم يحلف لم يحكم له إلا ببينة أو إقرار.
وأما إذا كان المدعي لا يعلم ذلك، والمدعى عليه هو المنفرد بمعرفته، فإنه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالنكول، ولم ترد على
(1)
انظر: الأم (7/ 75)، الحاوي (16/ 316)، الرسالة (483 و 600)، روضة الطالبين (8/ 322)، أدب القاضي للماوردي (2/ 355)، أدب القاضي لابن أبي الدم (221)، المسائل الفقهية لابن كثير (206)، نهاية المحتاج (8/ 347)، مغني المحتاج (4/ 468)، بجيرمي (4/ 350).
(2)
انظر: المدونة (5/ 174)، الموطأ (722)، الاستذكار (22/ 57)، الفروق (4/ 93)، الذخيرة (11/ 76)، المعونة (3/ 1549)، التمهيد (23/ 222)، القوانين (311)، تبصرة الحكام (1/ 225).
(3)
انظر: المغني (14/ 433)، الفروع (6/ 477).
(4)
سبق تخريجه ص: 229.