الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوى بالدم، وظهوره في صحة الدعوى بالمال؟ وهل في القياس أصح من هذا؟ وقد ذكر أصحاب مالك القسامة في الأموال
(1)
، وذلك فيما إذا أغار
(2)
قومٌ على بيت رجلٍ وأخذوا ما فيه، والناس ينظرون إليهم، ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه، ولكن علم أنَّهم أغاروا وانتهبوا، فقال ابن القاسم وابن الماجشون: القول قول المنتهب مع يمينه
(3)
، وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب: القولُ قول المنهوب منه مع يمينه فيما يشبه
(4)
، وقد تقدم ذلك
(5)
، وذكرنا أنَّه اختيار شيخ الإسلام، وحكينا كلامه رحمه الله.
ولا يستريب عالمٌ أنَّ
اعتبار اللوث في الأموال
التي تباحُ بالبدل أولى منه في الدماء التي لا تباح به.
فإن قيل: فالدماء يحتاط لها.
قيل: نعم، وهذا الاحتياط لم يمنع القول بالقسامة فيها، وإن استحق بها دم المقسم عليه.
ثمَّ إنَّ الموجبين للدية في القسامة
(6)
حقيقة قولهم: إنَّ القسامة
(1)
انظر: الذخيرة (8/ 265)، تبصرة الحكام (2/ 98 و 168).
(2)
في "أ": "غار".
(3)
انظر: الذخيرة (8/ 265)، منح الجليل (7/ 131)، التاج والإكليل (7/ 332).
(4)
في "د" و"هـ": "يشتبه".
انظر: الذخيرة (8/ 265)، تبصرة الحكام (2/ 98 و 168)، التاج والإكليل (7/ 332)، منح الجليل (7/ 131).
(5)
ص (381).
(6)
انظر: مختصر المزني "مع الأم"(9/ 268)، معالم السنن (6/ 316)، =
على المالِ والقتلِ طريق لوجوبه، فهكذا القسامة ها هنا على مال
(1)
، كالدية سواء، فهذا من أصح القياس في الدنيا
(2)
وأبينه.
فظهرَ أنَّ القولَ بموجب هذه الآية هو الحق الذي لا مَعْدلَ
(3)
عنه نصًّا وقياسًا ومصلحة، وبالله التوفيق.
فصل
قال شيخنا رحمه الله
(4)
: وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع: "هو ضرورة"
(5)
يقتضي هذا التعليل قبولها في كلِّ ضرورة حضرًا وسفرًا
(6)
.
وعلى هذا، فشهادة بعضهم على بعضٍ مقبولة للضرورة
(7)
.
= التهذيب (7/ 225)، الحاوي (13/ 14)، الإشراف لابن المنذر (3/ 147)، الأم (6/ 118)، مغني المحتاج (116)، إحكام الإحكام (4/ 480)، مختصر القدوري (192)، مختصر اختلاف العلماء (5/ 177)، كتاب الأصل (4/ 426)، بدائع الصنائع (7/ 286)، العناية (10/ 383)، تكملة البحر الرائق (9/ 189)، البناية (12/ 409)، اللباب في شرح الكتاب (2/ 64).
(1)
في "و": "كل مال".
(2)
في "أ" و"ب": "الدماء".
(3)
في "ب": "يعدل".
(4)
انظر: الاختيارات (359).
(5)
كما رواه عنه الخلال في الجامع (1/ 216).
(6)
انظر: الناسخ والمنسوخ لابن الجوزي (385)، النكت على المحرر (2/ 277).
(7)
"فشهادة بعضهم على بعض مقبولة للضرورة" مثبتة من "أ".
فلو قيل: يحلفون في
(1)
شهادة بعضهم على بعض، كما يحلفون في شهادتهم على المسلمين في وصية السفر، لكان متوجهًا، ولو قيل: تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كلَّ شيءٍ عدم فيه المسلمون؛ لكان له وجه، وتكون
(2)
بدلًا مطلقًا
(3)
.
قال الشيخ
(4)
: ويؤيد هذا ما ذكره القاضي
(5)
وغيره - محتجًّا به - وهو في النَّاسخ والمنسوخ لأبي عبيد
(6)
: أنَّ رجلًا من المسلمين خرجَ، فمرَّ بقرية فمرض، ومعه رجلان من المسلمين، فدفع إليهما ماله، ثمَّ قال: ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه، فلم يجدوا من المسلمين في تلك القرية، فدعوا ناسًا من اليهود والنصارى، فأشهدهم على ما دفع إليهما - وذكر القصَّة - فانطلقوا إلى ابن مسعود، فأمر اليهود والنصارى أن يحلفوا بالله: لقد تركَ من المالِ كذا وكذا
(7)
ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين، ثمَّ أمر أهل المتوفى أن يحلفوا أنَّ شهادة اليهودِ والنصارى حق، فحلفوا، فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهد به اليهود
(1)
"لو قيل يحلفون في" مثبتة من "ب".
(2)
في "أ": "وتكون شهادتهم".
(3)
انظر: النكت على المحرر (2/ 277).
(4)
ابن تيمية رحمه الله. انظر: النكت على المحرر (2/ 277).
(5)
انظر: كلام القاضي في النكت على المحرر (2/ 277)، جامع العلوم والحكم (2/ 239).
(6)
الناسخ والمنسوخ (156) رقم (289).
(7)
"كذا وكذا" ساقطة من "ب".
والنصارى
(1)
، وذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه
(2)
.
فهذه شهادة للميت على وصيته، وقد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة؛ لأنَّهم المدعون، والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة.
ولعلَّ ابن مسعود أخذ هذا
(3)
من جهة أنَّ الورثة يستحقون
(4)
بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثمًا، فكذلك يستحقون
(5)
على الوصيين مع شهادة الذميين بطريق الأولى
(6)
.
وقد ذكر القاضي
(7)
هذا في مسألة دعوى الأسير إسلامًا، فقال: وقد قال الإمام أحمد في السبي: إذا ادعوا نسبًا، وأقاموا بينة من الكفار قبلت شهادتهم، نصَّ عليه أحمد في رواية حنبل، وصالح، وإسحاق بن إبراهيم؛ لأنَّه قد تتعذَّر البينة العادلة، ولم يجز ذلك في رواية عبد الله وأبي طالب.
(1)
في "أ" و"ب": "اليهودي والنصراني".
(2)
انتهى الأثر.
(3)
في "ب": "أخذها من".
(4)
في "ب" و"جـ" و"د" و"هـ" و"و": "مستحقون".
(5)
"بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثمًا فكذلك يستحقون" مثبت من "أ" وساقط من باقي النسخ.
(6)
انظر: النكت على المحرر (2/ 277).
(7)
أبو يعلي. انظر: النكت على المحرر (2/ 275)، شرح الزركشي (7/ 326)، التمام لابن أبي يعلى (2/ 222).
قال شيخنا: فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص: فيه روايتان، لكن التحليف ها هنا لم يتعرضوا له، فيمكن أن يقال: لأنَّه إنَّما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلًا، كما في مسألة الوصية، بخلاف ما إذا كانوا أصولًا
(1)
، والله سبحانه أعلم.
فصل
قال شيخنا رحمه الله: وهل تعتبر عدالة الكافرين في الشهادة بالوصية في دينهما؟ عموم كلام الأصحاب يقتضي أنَّها لا تعتبر، وإن كُنَّا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم
(2)
.
وصرَّح القاضي: بأنَّ العدالة غير معتبرة في هذه الحال، والقرآن يدلُّ عليه
(3)
.
وصرَّح القاضي: أنَّه لا تقبل شهادة فُسَّاق المسلمين في هذا الحال، وجعله محل وفاق، واعتذرَ منه
(4)
.
وفي اشتراط كونهم من أهل الكتاب روايتان
(5)
، وظاهر القرآن أنَّه لا يشترط، وهو الصحيح؛ لأنَّه سبحانه قال للمؤمنين:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وغير المؤمنين: هم الكفار كلهم، ولأنَّه موضع
(1)
انظر: الاختيارات (359)، النكت على المحرر (2/ 276).
(2)
انظر: الاختيارات (358)، النكت على المحرر (2/ 272).
(3)
في "أ" زيادة: "وكذلك الأيمان المرفوعة والموقوفة".
(4)
انظر: المراجع السابقة، والفروع (6/ 578)، وتصحيح الفروع (6/ 578).
(5)
انظر: المراجع السابقة.