المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شهادة الكفار بعضهم على بعض - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ إذا ادعى الخصم الفلس، وأنه لا شيء معه

- ‌ المستأجر ومالك الدار إذا تنازعا دفينًا في الدار

- ‌ اللقيط(5)إذا تداعاه اثنان، ووصف أحدهما علامة(6)خفية بجسده

- ‌البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره

- ‌ أخذ ما يسقط من الإنسان مما لا تتبعه همته

- ‌ أخذ ما يسقط من الحب عند الحصاد

- ‌ أخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه من الطعام والخرق

- ‌ لا يقبل قول المرأة: إن زوجها لم يكن ينفق عليها

- ‌ الشرب من المصانع الموضوعة على الطرقات

- ‌ القول قول المرتهن(4)في قدر الدين، ما لم يزد عن قيمة الرهن

- ‌ لو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة، فبادر وهدم الحائط

- ‌ لو رأى العدو يقصد مال غيره الغائب، فبادر وصالحه على بعضه

- ‌ الشريعة لا ترد حقًّا، ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارة صحيحة

- ‌البينة" في الشرع:

- ‌ فقء عين الناظر إلى بيت الرجل من خص(1)أو طاقة

- ‌ الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه(6)، في غير الحدود

- ‌الطريق الأول: أنها خلاف كتاب الله، فلا تقبل

- ‌الطريق الثاني: أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه

- ‌ الحكم بشهادة الشاهد الواحد، إذا علم صدقه من غير يمين

- ‌ شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان

- ‌ شهادة المرأة الواحدة في الرضاع

- ‌ القضاء بشهادة النساء منفردات في غير(1)الحدود والقصاص

- ‌فصل في القضاء بالنكول ورد اليمين

- ‌ إذا وجد بخط أبيه في دفتره: أن له(3)على فلان كذا وكذا

- ‌فصل في مذاهب أهل المدينة في الدعاوى

- ‌المرتبة الأولى: دعوى يشهد لها العرف بأنها مشبهة

- ‌ دعوى تهمة

- ‌ ودعوى غير تهمة

- ‌ البينة التي هي الحجة الشرعية:

- ‌ تارة تكون شاهدين عدلين ذكرين

- ‌ وتارة أربعة رجال

- ‌ لا يقبل في(6)بينة الإِعسار أقل من ثلاثة

- ‌وتارة تكون الحجة شاهدًا ويمين الطالب

- ‌ وتارة تكون امرأة واحدة عند أبي حنيفة

- ‌ القسامة

- ‌ وتارة تكون يمينًا مردودة، مع نكول المدعى عليه

- ‌ وتارة تكون علامات يصفها المدعي

- ‌ وتارة تكون علامات يختص بها أحد المتداعيين

- ‌ وتارة تكون علامات في بدن اللقيط

- ‌ وتارة تكون قرائن ظاهرة يحكم بها للمدعي مع يمينه

- ‌ لفظ "الشرع" في هذه الأزمنة ثلاثة أقسام:

- ‌الشرع المنزل:

- ‌ الشرع(7)المتأول

- ‌ الشرع المبدل

- ‌ دعاوى التهم:

- ‌القسم الثاني(7): أن يكون المتهم مجهول الحال

- ‌ هل يتخذ الإمام حبسًا

- ‌ هل يحضر(7)الخصم المطلوب بمجرد الدعوى

- ‌القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفًا بالفجور

- ‌ ضرب هذا النوع من المتهمين

- ‌ وهي نوعان: ترك واجب، أو فعل محرم

- ‌المعاصي ثلاثة أنواع

- ‌ نوعٌ فيه حدٌّ ولا كفارة فيه

- ‌ونوعٌ فيه كفارة ولا حدَّ فيه

- ‌ونوعٌ لا كفارة فيه ولا حدٌّ

- ‌ هل يجوزُ أن يبلغ بالتعزير القتل

- ‌ ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده - وقد كتمه

- ‌فصل في الطرق التي يحكم بها الحاكم

- ‌ إذا كان وصيًّا على طفل أو مجنون، وفي يده شيء انتقل إليه عن أبيه

- ‌الطريق الثاني: الإنكار المجرد

- ‌ دعوى الرجل على المرأة النكاح(1)، ودعواها عليه الطلاق

- ‌ فائدة الاستحلاف

- ‌ استثني من عدم التحليف في الحدود صورتان:

- ‌ الثانية: أن يكون المقذوف ميتًا، وأراد القاذف تحليف الوارث

- ‌ممَّا لا يحلف(2)فيه: إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت الإمكان

- ‌الطريق الثالث: أن يحكم باليد مع يمين صاحبها

- ‌ إذا ادعى عليه عينًا في يده، فأنكر، فسأل إحلافه

- ‌ المتهم بالسرقة إذا شوهدت العملة(3)معه، وليس من أهلها

- ‌الأيدي ثلاثة:

- ‌الثانية: يد يعلم أنها محقة عادلة

- ‌الثالثة(6): يد يحتمل أن تكون محقة، وأنْ تكون مبطلة

- ‌الطريق الرَّابع والخامس: الحكم بالنكول(1)وحده، أو به مع رد اليمين

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌إذا رُدَّت اليمين على المدعي، فهل تكون يمينه كالبينة

- ‌إذا قُضِيَ بالنكول فهل يكون كالإقرار أو كالبذل

- ‌إذا قلنا برد اليمين، فهل ترد بمجرد(3)نكول المدعى عليه

- ‌الطريق السادس: الحكم بالشاهد الواحد بلا يمين

- ‌ إذا شهدَ برؤية هلال رمضان شاهدٌ واحد

- ‌ شهادة طبيب واحد وبيطار واحد

- ‌ شهادة القابلة في الاستهلال

- ‌ شهادة خزيمة بن ثابت وحده

- ‌الطريق السَّابع: الحكم بالشَّاهد واليمين

- ‌إذا قضى بالشاهد واليمين، فالحكم بالشاهد وحده، واليمين تقوية

- ‌ إذا قضى باليمين مع الشاهد، فرجع الشاهد

- ‌ تقديم اليمين على الشاهد

- ‌المواضع التي يحكم فيها بالشاهد واليمين:

- ‌ممَّا يثبت بالشاهد واليمين: الغصوب، والعواري، والوديعة

- ‌هل يشترط أن يحلف المدعي(7)على صدق شاهده

- ‌تحليف الشهود

- ‌التحليف(2)ثلاثة أقسام:

- ‌ القسامة مع اللوث في الأموال

- ‌الثالثة: إذا شهد له شاهد واحد حلف معه واستحق

- ‌الخامسة: تحليفه مع شاهديه

- ‌شهادة النساء نوعان:

- ‌الطريق التاسع: الحكم بالنكول مع الشاهد الواحد، لا بالنكول المجرَّد

- ‌ النكول بمنزلة البينة

- ‌الطريق العاشر: الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال وحقوقها

- ‌الطريق الحادي عشر: الحكمُ بشهادة امرأتين فقط من غير يمين

- ‌الفرق بين هذا الباب وباب الشاهد واليمين

- ‌الطريق الثاني عشر: الحكم بثلاثة رجال

- ‌ الوطء المحرم لعارض

- ‌الطريق الرابع عشر: الحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما تقبل فيه شهادة الحر والحرة

- ‌ المقتضي لقبول شهادة المسلم

- ‌الطريق الخامس عشر: الحكم بشهادة الصبيان المميزين

- ‌الطريق السادس عشر: الحكم بشهادة الفساق

- ‌ إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته

- ‌الطريق السابع عشر: الحكم بشهادة الكافر

- ‌ شهادة الكفار بعضهم على بعض

- ‌ اعتبار اللوث في الأموال

- ‌هل ينقض حكم من حكم بغير حكم هذه الآية

الفصل: ‌ شهادة الكفار بعضهم على بعض

فصل

‌الطريق السابع عشر: الحكم بشهادة الكافر

.

وهذه المسألة لها صورتان:

إحداهما:‌

‌ شهادة الكفار بعضهم على بعض

.

والثانية: شهادتهم على المسلمين.

فأمَّا المسألة الأولى فقد اختلف فيها النَّاس قديمًا وحديثًا، فقال حنبل: حدثنا قبيصة

(1)

حدثنا سفيان عن أبي حصين

(2)

عن الشعبي قال: تجوز شهادة اليهودي على النصراني

(3)

.

قال حنبل: وسمعت أبا عبد الله قال: تجوز شهادة بعضهم على بعض

(4)

، فأمَّا على المسلمين فلا تجوز، وتجوز شهادة المسلم

(1)

قبيصة بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي الكوفي أبو عامر الحافظ. توفي سنة 215 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (23/ 481)، سير أعلام النبلاء (10/ 130).

(2)

عثمان بن عاصم بن حصين بن كثير الأسدي، أبو حصين الإمام الحافظ. توفي سنة 128 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (6/ 160)، تهذيب الكمال (19/ 401)، سير أعلام النبلاء (5/ 412).

(3)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 207) رقم (360). ونحوه عند ابن أبي شيبة (4/ 533)، والطحاوي في المشكل (11/ 452)، وعبد الرزاق (8/ 358).

(4)

"اليهودي على النصراني" إلى قوله "بعضهم على بعض" ساقطة من "و"، وقوله "على بعض" ساقطة من "أ" و"هـ".

ص: 470

عليهم

(1)

.

وقال في رواية أبي داود

(2)

والمروذي

(3)

، وحرب

(4)

، والميموني

(5)

، وأبي الحارث

(6)

، وجعفر بن محمد

(7)

، ويعقوب بن بختان

(8)

، وأبي طالب

(9)

- واحتج في روايته بقوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا

(1)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 270) رقم (360). وانظر: المغني (14/ 173)، وشرح الزركشي (7/ 325)، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (3/ 92).

(2)

رواه الخلال في الجامع (1/ 207) رقم (263). وهي في مسائله ص: 210.

(3)

أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي أبو بكر الإمام الفقيه. توفي سنة 275 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 137)، تاريخ بغداد (5/ 188)، سير أعلام النبلاء (13/ 173).

والأثر رواه الخلال في الجامع (1/ 208) رقم (364).

(4)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 208) رقم (365). وانظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 325)، النكت (2/ 281).

(5)

رواه الخلال في الجامع (1/ 207). وانظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 325)، النكت (2/ 281).

(6)

رواه الخلال في الجامع (1/ 208) رقم (366). وانظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 325)، النكت (2/ 281).

(7)

رواه الخلال (1/ 209) رقم (368). وانظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 325)، النكت (2/ 281).

(8)

رواه الخلال في الجامع (1/ 209) رقم (369). وانظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 325)، النكت (2/ 281).

(9)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 209) رقم (370). وانظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 325)، النكت (2/ 281).

ص: 471

بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14] -

(1)

وصالح

(2)

ابنه، وأبي حامد

(3)

الخفاف

(4)

، وإسماعيل بن سعيد الشالنجي

(5)

، وإسحاق بن منصور

(6)

، ومهنا

(7)

بن يحيى

(8)

، فقال له مهنا: أرأيت أن عُدِّلُوا؟ قال: فمن يعدلهم؟ العلج منهم؟ وأفضلهم يشرب الخمر ويأكل الخنزير، فكيف يعدل؟

فنص

(9)

في رواية هؤلاء أنَّه لا تجوز شهادة بعضهم على بعض، ولا على غيرهم ألبتة؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وليسوا ممَّن نرضاه.

قال الخلال

(10)

: فقد روى هؤلاء النفر - وهم قريبٌ من عشرين

(1)

الآية التي استدلَّ بها الإمام أحمد في رواية أبي طالب: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64]

(2)

رواه الخلال (1/ 210) رقم (371)، مسائل صالح (2/ 218 و 274).

(3)

في "د": "وأبي صالح".

(4)

أحمد بن نصر أبو حامد الخفاف، كان عنده جزء فيه مسائل حسان عن الإمام أحمد أغرب فيها. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 204)، المنهج الأحمد (2/ 366).

والأثر رواه الخلال في الجامع (1/ 210) رقم (372).

(5)

رواه الخلال في الجامع (1/ 210) رقم (373).

(6)

رواه الخلال في الجامع (1/ 211) رقم (374). وهي في مسائله رقم 2898.

(7)

رواه الخلال في الجامع (1/ 211) رقم (375).

(8)

لم يذكر قول الإمام أحمد رحمه الله في رواية هؤلاء ولعلَّ فيه سقطًا، وهو:"لا تجوز"، كما سيأتي ذكره قريبًا.

(9)

"فنص" ساقطة من "ب".

(10)

في الجامع (1/ 212). وانظر: الشرح الكبير (29/ 328)، الإنصاف =

ص: 472

نفسًا - كلهم عن أبي عبد الله خلاف ما قال حنبل.

قال

(1)

: نظرت في أصل حنبل: أخبرني عبد الله عن أبيه بمثل ما أخبرني عصمة

(2)

عن حنبل، ولا شكَّ أنَّ حنبلًا توهم ذلك، لعله أراد أنَّ أبا عبد الله قال: لا تجوز، فغلط فقال: تجوز، وقد أخبرنا عبد الله عن أبيه بهذا الحديث، وقال عبد الله: قال أبي: لا تجوز، وقال أبي: حدثنا وكيع عن سفيان عن حصين

(3)

عن الشعبي قال: تجوز

(4)

شهادة بعضهم على بعض

(5)

، قال عبد الله: قال أبي

(6)

: لا تجوز؛ لأنَّ الله تعالى قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وليسوا هم ممَّن نرضى، فصحَّ الخطأ ها هنا من حنبل.

وقد اختلفوا على الشعبي

(7)

أيضًا، وعلى سفيان

(8)

، وعلى

= (29/ 331).

(1)

الخلال.

(2)

عصمة بن عصام بن الحكم بن عيسى الشيباني العكبري. انظر: تاريخ بغداد (12/ 284)، طبقات الحنابلة (2/ 176)، المنهج الأحمد (1/ 436).

(3)

في الجامع (1/ 212): "عن أبي حصين" وهو الصواب. وتقدمت ترجمته.

(4)

في "و": "لا تجوز".

(5)

روى نحوه ابن أبي شيبة (4/ 533)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 452)، والخلال في الجامع (1/ 207)، وعبد الرزاق (8/ 358).

(6)

"أبي" ساقطة من "ب".

(7)

انظر: مصنف عبد الرزاق (8/ 358)، وابن أبي شيبة (4/ 534)، المدونة (3/ 44) و (5/ 157)، فتح الباري (5/ 345)، الجامع للخلال (1/ 213)، أخبار القضاة (2/ 256).

(8)

انظر: مصنف عبد الرزاق (8/ 358)، الجامع للخلال (1/ 212).

ص: 473

وكيع

(1)

، في رواية هذا الحديث. وما قال أبو عبد الله فما اختُلِف عنه ألبتة إلَّا ما غلط حنبل بلا شك؛ لأنَّ أبا عبد الله مذهبه في

(2)

أهل الكتاب لا يجيزها ألبتة، ويحتج بقوله تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وأنَّهم ليسوا بعدول، وقد قال الله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، واحتج بأنَّه تكون بينهم أحكامٌ وأموال، فكيف يحكم بشهادة غير عدل؟ واحتج بقوله تعالى:{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 64].

وبالغ الخلال

(3)

في إنكار رواية حنبل

(4)

، ولم يثبتها رواية، وأثبتها غيره من أصحابنا

(5)

، وجعلوا المسألة على روايتين.

قالوا: وعلى رواية الجواز، فهل يعتبر اتحاد الملة

(6)

؟ فيه

(1)

انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 533).

(2)

في "أ" و"ب" و"و": "من".

(3)

الجامع "قسم الملل"(1/ 214). وانظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (3/ 92).

(4)

في "ب": "رواية أحمد".

(5)

كابن حامد. انظر: المغني (14/ 173)، شرح الزركشي (7/ 326)، الجامع الصغير (372)، المحرر (2/ 281)، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (3/ 92)، الهداية (2/ 149)، رؤوس المسائل (6/ 1010)، النكت على المحرر (2/ 281).

(6)

في "ب" و"هـ": "المسألة". والصواب: "الملة". انظر: المحرر (2/ 283)، الفروع (6/ 579)، شرح الزركشي (7/ 326)، النكت على المحرر (2/ 283)، تصحيح الفروع (6/ 579).

ص: 474

وجهان، ونصروا كلهم عدم الجواز إلَّا شيخنا، فإنَّه اختار الجواز

(1)

.

قال ابن حزم

(2)

: وصحَّ عن عمر بن عبد العزيز أنَّه أجازَ شهادة نصراني على مجوسي، أو مجوسي على نصراني

(3)

.

وصحَّ عن حمَّاد بن أبي سليمان أنَّه قال: تجوز شهادة النصراني على اليهودي، وعلى النصراني، كلهم أهل شرك

(4)

.

وصحَّ هذا أيضًا عن الشعبي

(5)

وشريح

(6)

وإبراهيم النخعي

(7)

.

وذكر ابن أبي شيبة

(8)

من طريق إبراهيم الصائغ

(9)

، قال: سألت نافعًا - مولى ابن عمر - عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض؟

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (30/ 396)، الاختيارات (357 و 359)، الإنصاف (29/ 333)، النكت على المحرر (2/ 282)، شرح الزركشي (7/ 326).

(2)

المحلَّى (9/ 410).

(3)

رواه عبد الرزاق (8/ 358)، وابن أبي شيبة (4/ 533)، والطحاوي في شرح المشكل (11/ 452).

(4)

روى نحوه ابن أبي شيبة (4/ 533)، وعبد الرزاق (8/ 357).

(5)

تقدم تخريجه أوَّل الفصل.

(6)

"وشريح" ساقطة من "و".

رواه ابن أبي شيبة (4/ 533)، وعبد الرزاق (8/ 358)، والطحاوي في شرح المشكل (11/ 451).

(7)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 534). وانظر: المحلَّى (9/ 410).

(8)

في المصنف (4/ 533).

(9)

إبراهيم بن ميمون الصائغ أبو إسحاق المروزي. قتله أبو مسلم الخراساني سنة 131 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (2/ 223).

ص: 475

فقال: تجوز. وقال عبد الرزاق

(1)

عن معمر: سألت الزهري عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض؟ فقال: تجوز

(2)

. وهو قول سفيان الثوري

(3)

ووكيع

(4)

وأبي حنيفة وأصحابه

(5)

.

وذكر أبو عبيد

(6)

عن قتادة عن علي بن أبي طالب قال: تجوز شهادة النصراني على النصراني.

وذكر أيضًا عن الزهري: تجوز شهادة النصراني على النصراني

(7)

، واليهودي على اليهودي، ولا تجوز شهادة أحدهما على الآخر

(8)

.

(1)

مصنف عبد الرزاق (8/ 357).

(2)

وللزهري قولٌ آخر: أنَّها لا تجوز. رواه عنه الخلال (1/ 222)، وابن أبي شيبة (4/ 534).

(3)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 533)، والخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 213).

(4)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 533).

(5)

انظر: المبسوط (16/ 140)، البحر الرَّائق (7/ 158)، منحة الخالق (7/ 158)، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (614)، رؤوس المسائل للزمخشري (529)، فتح القدير (7/ 416).

(6)

بسنده. انظر: المحلَّى (9/ 410). وقال ابن حزم: "لا يصح عن علي أصلًا؛ لأنَّه عن ابن لهيعة ثمَّ هو أيضًا منقطع" ا. هـ. المحلَّى (9/ 411).

(7)

"وذكر أيضًا عن الزهري تجوز شهادة النصراني على النصراني" ساقطة من "أ" و"ب".

(8)

رواه ابن حزم في المحلَّى (9/ 410)، ورواه أيضًا الطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 454)، وعبد الرزاق (8/ 357).

ص: 476

وروى ابن أبي شيبة

(1)

عن ابن عيينة

(2)

عن يونس

(3)

عن الحسن قال: إذا اختلفت الملل لم تجز شهادة بعضهم على بعض.

وكذلك قال عطاء: لا تجوز شهادة ملَّة على غير ملتها

(4)

إلَّا المسلمين

(5)

.

وهذه إحدى

(6)

الروايات

(7)

عن الشعبي

(8)

، والثانية: الجواز

(9)

، والثالثة: المنع

(10)

.

(1)

المصنف (4/ 533). وانظر: المحلَّى (9/ 410)، والمدونة (3/ 44) و (5/ 157).

(2)

في جميع النسخ: "ابن عيينة"، والصواب:"ابن علية" كما هو في مصنف ابن أبي شيبة (4/ 533)، والمحلَّى (9/ 410).

(3)

يونس بن عبيد بن دينار العبدي أبو عبد الله الإمام القدوة، وثَّقه أحمد وابن معين وغيرهما. توفي سنة 140 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: حلية الأولياء (3/ 15)، تهذيب الكمال (32/ 517)، سير أعلام النبلاء (6/ 288).

(4)

في "و": "على أهل ملة أخرى".

(5)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 533). وانظر: المحلَّى (9/ 410)، المدونة (3/ 44) و (5/ 157).

(6)

في "أ": "أحد".

(7)

في "ب": "الروايتين".

(8)

في "و": "الشافعي".

وانظر: عبد الرزاق (8/ 357)، وابن أبي شيبة (4/ 534)، والخلال في الجامع (1/ 213)، المدونة (5/ 157).

(9)

ابن أبي شيبة (4/ 533)، الخلال في الجامع "الملل"(1/ 213)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 341).

(10)

ابن أبي شيبة (4/ 533)، المحلَّى (9/ 411).

ص: 477

وكذلك قال النخعي: لا تجوز شهادة ملَّة إلَّا

(1)

على ملتها، اليهودي على اليهودي، والنصراني على النصراني

(2)

.

وقال مالك: تجوز شهادة الطبيب الكافر حتَّى على المسلم للحاجة

(3)

.

قال القابلون لشهادتهم

(4)

: قال الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75]، فأخبر أنَّ منهم الأمين على مثل هذا القدر من المال، ولا ريبَ أن يكون مثل هذا أمينًا على قرابته ذوي مذهبه أولى.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] ، فأثبت لهم الولاية على بعضهم بعضًا، وهي أعلى رتبة من الشهادة، وغاية الشهادة أن تشبه بها، وإذا كان له أن يزوج ابنته وأخته، ويلي مال ولده، فقبول شهادته عليه أولى وأحرى

(5)

.

قالوا: وقد حكمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادتهم في الحدود.

(1)

"إلَّا" ساقطة من "هـ".

(2)

ابن أبي شيبة (4/ 534). انظر: المحلَّى (9/ 411).

(3)

انظر: المنتقى (5/ 213)، الذخيرة (10/ 240)، تبصرة الحكام (1/ 347) و (2/ 12)، التاج والإكليل. (6/ 116).

(4)

وفي "هـ": "القائلون بشهادتهم".

(5)

انظر: المبسوط (16/ 140)، رؤوس المسائل (529)، شرح مشكل الآثار (11/ 456)، فتح القدير (7/ 416).

ص: 478

قال أبو خيثمة

(1)

: حدثنا حفص بن غياث عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلٍ منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بأربعة منكم يشهدون"

(2)

.

قالوا: ويكفي الحديث الَّذي في الصحيح

(3)

: مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي قد حمم

(4)

، فقال:"ما شأن هذا؟ " فقالوا: زنى، فقال:"ما تجدون في كتابكم؟ " وذكر الحديث، فأقام الحد بقولهم، ولم يسأل اليهودي واليهودية، ولا طلب

(5)

اعترافهما وإقرارهما، وذلك ظاهر في سياق القصة بجميع طرقها، ليس في شيءٍ منها ألبتة أنَّه

(1)

زهير بن حرب بن شداد النسائي، أبو خيثمة الحافظ الحجة. توفي سنة 234 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (3/ 591)، تهذيب الكمال (9/ 402)، سير أعلام النبلاء (11/ 489).

(2)

رواه أبو داود رقم (4428) مع شرحه عون المعبود، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 450) رقم (4545)، وفي شرح المعاني (4/ 142) واللفظ له، والبيهقي (8/ 402) من طريق مجالد بن سعيد وفي حديثه لين. قال ابن عبد الهادي:"وقد روي من غير هذا ولكن فيها ضعف" ا. هـ. التنقيح (3/ 551)، وصحح الألباني رواية أبي داود. انظر: صحيح أبي داود رقم (3740).

(3)

البخاري رقم (6819)(12/ 131)، ومسلم رقم (1699)(11/ 220) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أي صب عليه ماء حار مخلوط بالرماد، والمراد تسخيم الوجه بالحميم وهو الفحم. فتح الباري (12/ 131)، النهاية في غريب الحديث (1/ 444).

(5)

"طلب" ساقطة من "أ".

ص: 479

رجمهما بإقرارهما، ولما أقرَّ ماعز بن مالك

(1)

والغامدية

(2)

اتفقت جميع طرق الحديثين على ذكر الإقرار.

قالوا: وروى نافع عن ابن عمر في هذه القصة: أنَّه مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم، فقال:"ما باله؟ " قالوا: زنى، قال:"ائتوني بأربعة منكم يشهدون عليه"

(3)

.

قالوا: وقد أجازَ الله سبحانه شهادة الكفار على المسلمين في السفرِ في الوصية، للحاجة

(4)

، ومعلوم أنَّ حاجتهم إلى قبول شهادة بعضهم على بعض أعظم بكثير من حاجة المسلمين إلى قبول شهادتهم عليهم، فإنَّ الكفار يتعاملون فيما بينهم بأنواع المعاملات من المداينات وعقود

(5)

المعاوضات وغيرها، وتقع بينهم الجنايات وعدوان بعضهم على بعض، لا يحضرهم في الغالب مسلم، ويتحاكمون إلينا، فلو لم تقبل شهادة بعضهم على بعض لأدى ذلك إلى تظالمهم، وضياع حقوقهم، وفي ذلك فسادٌ كثير، فأين

(6)

الحاجة إلى قبول شهادتهم

(1)

"بن مالك" ساقطة من "أ". والحديث تقدم تخريجه.

(2)

لم أجد من ذكر اسمها. والحديث تقدم تخريجه.

(3)

لم أجد هذه الرواية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقد جاءت من حديث جابر رضي الله عنه، وقد سبق تخريجها قريبًا. وانظر: فتح الباري (12/ 176).

(4)

المائدة الآية (6)، وسيأتي تفصيل ذلك في الفصل التالي.

(5)

"وعقود" ساقطة من "أ".

(6)

في "أ" و"و": فإن.

ص: 480

على المسلمين في السفر من الحاجة إلى قبول شهادة بعضهم على بعض

(1)

في السفر والحضر؟.

قالوا: والكافر قد يكون عدلًا في دينه بين قومه، صادق اللهجة عندهم، فلا يمنعه كفره من قبول شهادته عليهم إذا ارتضوهُ، وقد رأينا كثيرًا من الكفار يصدق في حديثه، ويؤدي أمانته، بحيث يشار إليه في ذلك ويشتهر به بين قومه وبين المسلمين بحيث يسكن القلب إلى صدقه، وقبول خبره وشهادته ما لا يسكن

(2)

إلى كثيرٍ من المنتسبين إلى الإسلام، وقد أباحَ الله سبحانه معاملتهم، وأكل طعامهم، وحل نسائهم

(3)

، وذلك يستلزم

(4)

الرجوع إلى أخبارهم قطعًا، فإذا جاز لنا الاعتماد على خبرهم فيما يتعلق بنا من الأعيان التي تحل وتحرم، فلأن

(5)

نرجع إلى أخبارهم بالنسبة لما يتعلق بهم من ذلك أولى وأحرى.

فإن قلتم: هذا للحاجة، قيل: وذلك أشد حاجة.

قالوا

(6)

: وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالحكم بينهم إما إيجابًا

(1)

"لأدى ذلك إلى تظالمهم" إلى قوله "قبول شهادة بعضهم على بعض" ساقطة من "ب". وفي "أ" و"و": في السفر أولى من الحاجة.

(2)

"صدقه وقبول خبره وشهادته ما لا يسكن" ساقطة من "ب".

(3)

قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]

(4)

وفي "ب" و"د" و"و": "مستلزم".

(5)

في "أ" و"ب" و"د" و"و": "فأن".

(6)

في "أ": "قال".

ص: 481

وإما تخييرًا

(1)

، والحكم إمَّا بالإقرار وإمَّا بالبينة، ومعلومٌ أنَّه مع الإقرار لا يرتفعون

(2)

إلينا، ولا يحتاجون إلى

(3)

الحكم غالبًا، وإنَّما يحتاجون إلى الحكم

(4)

عند التجاحد وإقامة البينة، وهم في الغالب لا تحضرهم البينة من المسلمين، ومعلومٌ أنَّ الحكم بينهم مقصوده العدل، وإيصال كل ذي حقٍّ منهم إلى حقِّه، فإذا غلب على الظن صدق مدعيهم بما يحضره من الشهود الَّذين يرتضونهم فيما بينهم، ولا سيما إذا كثروا

(5)

، فالحكم بشهادتهم أقوى من الحكم بمجرد نكول ناكلهم أو يمينه، وهذا ظاهر جدًّا.

قالوا

(6)

: وأمَّا قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وقوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، فهذا إنَّما هو في الحكم بين المسلمين، فإنَّ السياق كله في ذلك، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قال:

(1)

قال تعالى: {فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ

} [المائدة: 42]. وانظر: تفسير ابن جرير (4/ 582)، تفسير ابن كثير (3/ 109)، زاد المسير (2/ 361)، تفسير الماوردي (2/ 41)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 123)، تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1135).

(2)

وفي "د" و"و": "لا يرفعون".

(3)

"ولا يحتاجون إلى" ساقطة من "و".

(4)

"غالبًا وإنَّما يحتاجون إلى الحكم" ساقطة من "ب".

(5)

في "ب": "ذكروا".

(6)

انظر: أحكام القرآن للجصاص (4/ 161) تفسير القرطبي (6/ 350)، المبسوط (30/ 152)، السيل الجرار (4/ 195).

ص: 482

{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وقال:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 1 - 2]، وكذلك قال في آية المداينة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، فلا تعرُّض في شيءٍ من ذلك لحكم أهل الكتاب ألبتة.

وأمَّا

(1)

قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] فهذا إمَّا أن

(2)

يراد به العداوة التي بين اليهود والنصارى، أو يراد به العداوة التي بين

(3)

فرقهم وإن كانوا ملة واحدة

(4)

، وهذا لا يمنع قبول شهادة بعضهم على بعض، فإنَّها عداوة دينية، فهي كالعداوة التي بين فرق هذه الأمة، وإلباسهم شيعًا، وإذاقة بعضهم بأس بعض.

واحتجَّ الشافعي

(5)

بأنَّ من كذب على الله فهو إلى أن يكذب على مثله أقرب، فيقال: وجميع أهل البدع قد كذبوا على الله ورسوله،

(1)

في "ب": "ولنا".

(2)

"أن" ساقطة من "ب".

(3)

"اليهود والنصارى أو يراد به العداوة التي بين" ساقطة من "د".

(4)

انظر: تفسير ابن جرير (4/ 642)، تفسير ابن كثير (3/ 139)، تفسير البغوي (2/ 50)، تفسير الماوردي (2/ 52)، زاد المسير (2/ 394)، تفسير الشوكاني (2/ 85).

(5)

انظر: الأم (7/ 24).

ص: 483

والخوارج من أصدق النَّاس لهجة، وقد كذبوا على اللهِ ورسوله، وكذلك القدرية والمعتزلة، وهم يظنون أنَّهم صادقون غير كاذبين، فهم متدينون بهذا الكذب، ويظنونه من أصدق الصدق.

واحتجَّ المانعون أيضًا بأنَّ في قبول شهادتهم إكرامًا لهم، ورفعًا لمنزلتهم وقدرهم، ورذيلة الكفر تنفي ذلك.

قال الآخرون: رذيلة الكفر لم تمنع قبول قولهم على المسلمين للحاجة بنص القرآن

(1)

، ولم تمنع ولاية بعضهم على بعض، وعرافة بعضهم على بعض، وكون بعضهم حاكمًا وقاضيًا عليهم، فلا نمنع أن يكون بعضهم شاهدًا على بعض، وليس في هذا تكريمٌ لهم، ولا رفع لأقدارهم، وإنَّما هو دفعُ شر

(2)

بعضهم

(3)

عن بعض، وإيصال حقوق أهل الحقوق منهم بقول من يرضونه

(4)

، وهذا من تمام مصالحهم التي لا غنى لهم عنها.

وممَّا يوضح ذلك، أنَّهم إذا رضوا بأن نحكم بينهم، ورضوا بقبول

(1)

الآية (106) وما بعدها من سورة المائدة. قال عنها مكي بن أبي طالب رحمه الله في كتابه المسمَّى بالكشف (1/ 420): "هذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آي القرآن وأشكلها" حاشية الجمل على الجلالين (1/ 307)، الدر المصون للسمين الحلبي (4/ 453)، تفسير الرَّازي (12/ 101)، فتح الباري (5/ 480)، تفسير القرطبي (6/ 346)، تفسير الشوكاني (2/ 125).

(2)

في "د" و"هـ": "شرهم".

(3)

"بعضهم" ساقطة من "هـ".

(4)

في "أ": "يرتضونه".

ص: 484

قول بعضهم على بعض

(1)

، فألزمناهم بما رضوا به، لم يكن ذلك مخالفًا لحكم الله ورسوله، فإنَّه لا بُدَّ أن يكون الشاهد بينهم ممَّن يثقون

(2)

به، فلو كان معروفًا بالكذب وشهادة الزور لم نقبله، ولم نلزمهم بشهادته.

فصل

فهذا حكم المسألة الأولى.

وأمَّا المسألة الثانية - وهي قبول شهادتهم على المسلمين في السفر - فقد دلَّ عليه صريح القرآن

(3)

، وعمل بها

(4)

الصحابة

(5)

، وذهب إليه فقهاء الحديث

(6)

.

(1)

"وعرافة بعضهم على بعض" إلى قوله "ورضوا بقبول قول بعضهم على بعض" ساقط من "و".

(2)

في "هـ": "يوثق"، وفي "و":"يرضون".

(3)

الآية (106) وما بعدها من سورة المائدة.

(4)

في "د" و"هـ" و"و": "به".

(5)

سيأتي قريبًا ذكر الآثار عنهم وتخريجها.

(6)

انظر: تفسير ابن جرير (5/ 154)، مصنف عبد الرزاق (2/ 33)، مصنف ابن أبي شيبة (4/ 495)، الجامع للخلال "قسم الملل"(1/ 219)، سنن سعيد بن منصور (4/ 1667)، تفسير ابن كثير (3/ 251)، فتح الباري (5/ 483)، تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1231)، صحيح البخاري (2780)، جامع الترمذي (3060)، سنن أبي داود (3660)، جامع العلوم والحكم (2/ 239).

ص: 485

قال صالح بن أحمد: قال أبي: لا تجوز شهادة أهل الذمة إلَّا في موضع في السفر الَّذي قال الله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فأجازها أبو موسى الأشعري

(1)

، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أو آخران من غيركم من أهل الكتاب"

(2)

، وهذا موضع ضرورة؛ لأنَّه في سفر، ولا يجد من يشهد من المسلمين، وإنَّما جاءت في هذا المعنى

(3)

. ا. هـ.

وقال إسماعيل بن سعيد

(4)

الشالنجي: سألت أحمد - فذكر هذا المعنى - قلتُ: فإن كان ذلك على وصية المسلمين هل تجوز شهادتهم؟ قال: نعم، إذا كان على الضرورة، قلتُ: أليس يقال: هذه الآية منسوخة؟ قال: من يقول

(5)

؟ وأنكر ذلك، وقال: وهل يقول هذا إلَّا إبراهيم

(6)

؟

(1)

سيأتي قريبًا تخريجه.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1229) رقم (6934)، وابن جرير في التفسير (5/ 106 و 114). وانظر: معاني القرآن لابن النحاس (2/ 376).

(3)

انظر: مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 218)، ورواية ابن هانئ (2/ 37)، ورواية إسحاق بن منصور (2/ 394)، والجامع للخلال (1/ 216) رقم (216).

(4)

"إسماعيل بن سعيد" ساقطة من "أ".

(5)

في "أ": "من يقول وهل أحد".

(6)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 217) رقم (386).

وأثر إبراهيم النخعي رواه الخلال في الجامع (1/ 217)، وابن جرير في تفسيره (5/ 124). وانظر: فتح الباري (5/ 483).

ص: 486

وقال في رواية ابنه عبد الله وحنبل: تجوز شهادة النصراني واليهودي في الميراث، على ما أجازَ أبو موسى

(1)

في السفر، وأحلفه

(2)

.

وقال في رواية أبي الحارث: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني في شيءٍ إلَّا في الوصية في السفر، إذا لم يكن يوجد غيرهم، قال الله تعالى:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، فلا تجوز شهادتهم الَّا في هذا الموضع

(3)

.

وهذا مذهب قاضي العلم والعدل: شريح

(4)

، وقول سعيد بن المسيب

(5)

، وحكاه أحمد

(6)

عن ابن عباس

(7)

، وأبي موسى الأشعري

(8)

رضي الله عنهم.

(1)

سيأتي ذكر الأثر قريبًا.

(2)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 217) رقم (386)، مسائل عبد الله (435).

(3)

رواه الخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 318).

(4)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 495)، وابن جرير في التفسير (5/ 105)، والخلال في الجامع (1/ 219)، وابن أبي حاتم (4/ 1229).

(5)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 495)، وعبد الرزاق في التفسير (2/ 33)، وابن جرير (5/ 104)، والخلال (1/ 219 و 221 و 223)، وسعيد بن منصور رقم (852) و (859).

(6)

مسائل صالح (2/ 218)، ومسائل ابن هانئ (2/ 37)، الجامع للخلال (1/ 216 و 219).

(7)

تقدم تخريجه قريبًا.

(8)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 495)، وعبد الرزاق (8/ 360)، وأحمد في مسائل =

ص: 487

قال المروذي: حدثنا ابن نمير

(1)

قال: حدثني يعلى بن الحارث عن أبيه عن غيلان بن جامع عن

(2)

إسماعيل بن أبي خالد

(3)

عن عامر قال: شهد رجلان من أهل دقوقا

(4)

على وصية مسلم، فاستحلفهما أبو موسى بعد العصر بالله

(5)

: ما اشترينا به ثمنًا قليلًا، ولا كتمنا شهادة الله إنَّا إذًا لمن الآثمين، ثمَّ قال: إنَّ هذه القضية ما قضي بها منذ

(6)

مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم

(7)

.

= عبد الله (436)، وأبو عبيد في النَّاسخ والمنسوخ (157)، وابن جرير في تفسيره (5/ 106 و 110)، وسعيد بن منصور (4/ 1667)، وأبو داود رقم (3605)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 462)، والبيهقي (3/ 278)، والحاكم (2/ 314)، والخلال في الجامع "قسم الملل" (1/ 219) قال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر عن إسناد أبي داود:"رجاله ثقات" ا. هـ. فتح الباري (5/ 483)، وصحح ابن كثير إسناد ابن جرير. تفسير ابن كثير (3/ 215).

(1)

محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي أبو عبد الرحمن الحافظ. توفي سنة 234 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (1/ 320)، تهذيب الكمال (25/ 566)، سير أعلام النبلاء (11/ 455).

(2)

"ابن نمير قال: حدثني يعلى بن الحارث عن أبيه عن غيلان بن جامع عن" ساقطة من "أ".

(3)

في "ب" و"جـ": "إسماعيل بن خالد".

(4)

دَقُوقا: مدينة بين إربل وبغداد. انظر: معجم البلدان (2/ 523).

(5)

"بالله" مثبتة من "أ".

(6)

وفي "د": "مذ".

(7)

تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 488

وذكر محمد بن إسحاق عن أبي النضر

(1)

عن زاذان

(2)

- مولى أم هانئ - عن ابن عباس عن تميم الدَّاري في قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] قال: برئ

(3)

النَّاسُ منها غيري وغير عدي بن بدَّاء

(4)

- وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام - فأتيا الشام، وقدم بريل

(5)

بن أبي مريم

(6)

- مولى بني سهم

(7)

- ومعه جام

(8)

من فضة، هو أعظم تجارته، فمرض

(1)

محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الأخباري المفسر كان رأسًا في الأنساب إلَّا أنَّه متروك الحديث. توفي سنة 146 هـ. انظر: الجرح والتعديل (7/ 207)، المجروحين (2/ 253)، تهذيب الكمال (25/ 246)، سير أعلام النبلاء (6/ 248).

(2)

وفي "و": "باذان" وهو باذام، ويقال: باذان، ويقال:"زاذان" أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب، قال ابن معين:"ليس به بأس وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء". انظر: الجرح والتعديل (1/ 431)، تهذيب الكمال (4/ 6)، تقريب التهذيب (120).

(3)

"برئ" ساقطة من "د" و"هـ" و"و".

(4)

عدي بن بداء، قال ابن حبان: له صحبة. وقال أبو نعيم: لا يعرف له إسلام.

وقال ابن عطية: لا يصح لعدي عندي صحبة. واختاره الحافظ ابن حجر. انظر: الإصابة (2/ 460).

(5)

في "د" و"هـ" و"و": "زيد".

(6)

بديل، ويقال: بريل وغير ذلك ابن أبي مريم السهمي مولى عمرو بن العاص.

ذكر ابن بزيزة في تفسيره: أن لا خلاف بين المفسرين أنَّه كان مسلمًا من المهاجرين. انظر: الإصابة (1/ 145).

(7)

في "ب": "بني تميم".

(8)

الجام: الإناء. فتح الباري (5/ 482).

ص: 489

فأوصى إليهما، قال تميم: فلمَّا مات أخذنا الجام، فبعناه بألف درهم

(1)

، ثمَّ اقتسمناه أنا وعدي بن بداء، فلمَّا قدمنا دفعنا ماله إلى أهله، فسألوا عن الجام؟ فقلنا: ما دفع إلينا غير هذا، فلمَّا أسلمت تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أنَّ عند صاحبي مثلها، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجيبوا، فأحلفهم بما يعظم به على أهل دينهم، فأنزل الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] الآية، فحلف عمرو بن العاص وأخو سهم

(2)

، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء"

(3)

.

وروى يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن القاسم

(4)

عن

(1)

"درهم" ساقطة من "أ".

(2)

"وأخو سهم" ساقطة من "ب". وهو المطلب بن أبي وداعة. فتح الباري (5/ 482).

(3)

رواه الترمذي رقم (3059)، وابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1231)، والبيهقي (10/ 278)، وابن جرير (5/ 116)، وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 308). وقال الترمذي:"هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الَّذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي يُكنى أبا النضر، وقد تركه أهل الحديث، وهو صاحب التفسير .. " ا. هـ.

(4)

عند الترمذي (3060)، وابن جرير (5/ 115)، وابن كثير (3/ 214):"محمد بن أبي القاسم" وهو الصواب. وهو: محمد بن أبي القاسم الطويل، وثَّقه ابن معين وابن حبان. انظر: تهذيب الكمال (26/ 305)، تهذيب التهذيب (9/ 352).

ص: 490

عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال: "كان تميم الدَّاري وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة بالتجارة، فخرج معهم رجلٌ من بني سهم

(1)

، فتوفي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما، فدفعا تركته إلى أهله، وحبسا جامًا من فضة مُخوَّصًا

(2)

بالذهب، ففقده أولياؤه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفهما: ما كتمنا ولا أضعنا، ثمَّ عرف الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله: إن هذا لجام السهمي، ولشهادتنا أحقُّ من شهادتهما وما اعتدينا إنَّا إذًا لمن الظالمين، فأخذ الجام، وفيهما نزلت هذه الآية

(3)

.

والقول بهذه الآية هو قول جمهور السلف

(4)

.

قالت عائشة رضي الله عنها: "سورة المائدة آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حلالًا فحللوه، وما وجدتم فيها

(5)

حرامًا فحرِّموه"

(6)

.

(1)

في "ب": "تميم".

(2)

أي منقوشًا فيه صفة الخوص. فتح الباري (5/ 482).

(3)

أخرجه البخاري مختصرًا معلقًا رقم (2780)(5/ 480)، والترمذي رقم (3060)، وأبو داود رقم (3606)، وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 308)، وابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1231)، وابن جرير (5/ 116)، وأبو يعلى (4/ 338) رقم (4546)، ومن طريقه الواحدي في أسباب النزول (212).

(4)

في "أ": "الجمهور والسلف". وانظر: المحلَّى (9/ 407)، تفسير الرَّازي (12/ 95)، مختصر الفتاوى المصرية (772)، تفسير ابن كثير (3/ 210).

(5)

"حلالًا فحللوه وما وجدتم فيها" ساقطة من "د" و"و".

(6)

رواه أحمد (6/ 188)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ رقم (301)، وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 232) رقم (398)، والبيهقي (7/ 278)، =

ص: 491

وصحَّ عن ابن عباس رضي الله عنه أنَّه قال في هذه الآية: "هذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمرَ اللهُ أن يشهد في وصيته عدلين من المسلمين، ثمَّ قال تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فهذا لمن ماتَ وليس عنده أحد من المسلمين، فأمرَ اللهُ عز وجل أن يشهد رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: لا نشتري بشهادتنا ثمنًا"

(1)

، وقد تقدم أنَّ أبا موسى حكم بذلك

(2)

.

وقال سفيان الثوري: عن أبي إسحاق السَّبيعي عن عمرو بن شرحبيل قال: "لم ينسخ من سورة المائدة شيء"

(3)

.

وقال وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: " {مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ} قال: من أهل الكتاب"

(4)

، وفي رواية صحيحة عنه: "من غير

= والحاكم (2/ 311) وصححه ووافقه الذهبي، كما صححه الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 483).

(1)

في "ب": "إثمًا". والأثر رواه ابن جرير في تفسيره (5/ 110)، وابن النحاس في الناسخ (2/ 302) رقم (459)، قال الحافظ ابن حجر عن إسناد الطبري:"رجاله ثقات" ا. هـ. فتح الباري (5/ 483).

(2)

ص (488).

(3)

رواه أبو عبيد في الناسخ رقم (250)، وابن النحاس في الناسخ (2/ 232)، وابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه (359). وصححه الحافظ ابن حجر. فتح الباري (5/ 483).

(4)

رواه عبد الرزاق (6/ 360)، وأبو عبيد في الناسخ (159)، والخلال في الجامع "قسم الملل"(1/ 221 و 223)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 464)، والطبري في التفسير (5/ 104).

ص: 492

أهل ملتكم

(1)

".

وصحَّ عن عبيدة السلماني: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قال: "من غير أهل الملَّة"

(2)

.

وصحَّ عن شريح قال: "لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلَّا في الوصية، ولا تجوز في وصية إلَّا أن يكون مسافرًا"

(3)

.

وصح عن إبراهيم النخعي: {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]"من غير أهل ملتكم"

(4)

.

وصح عن سعيد بن

(5)

جبير: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال: "إذا كان في أرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر، فإن اطلع بعد حلفهما أنهما خانا، حلف أولياء الميت، أنه كان كذا وكذا، واستحقوا

(6)

".

(1)

رواه الطبري (5/ 104)، وسعيد بن منصور (4/ 1662 و 1671)، وابن أبي شيبة (4/ 495).

(2)

قول عبيدة السلماني ساقط من جميع النسخ عدا "أ". والأثر رواه ابن جرير (5/ 105) وعبد الرزاق (8/ 360).

(3)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 495)، وابن جرير الطبري (5/ 105)، وسعيد بن منصور (4/ 1661)، وعبد الرزاق (6/ 360) و (8/ 360)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (158)، ووكيع في أخبار القضاة (2/ 281)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 463).

(4)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 495)، وابن النحاس في النَّاسخ (2/ 376)، وابن أبي حاتم (4/ 1229). وانظر: المحلَّى (9/ 408)، الفتح (5/ 483).

(5)

"سعيد بن" ساقطة من "و".

(6)

في "د": "واستحلفوا".

ص: 493

وصح عن الشعبي: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال: "من اليهود والنصارى"

(1)

.

وصح ذلك عن مجاهد قال: "من غير أهل الملة"

(2)

.

وصح عن يحيى بن يعمر

(3)

مثله

(4)

.

وصح عن ابن سيرين ذلك

(5)

.

فهؤلاء أئمة المؤمنين: أبو موسى الأشعري، وابن عباس. وروي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه

(6)

، ذكر ذلك أبو محمد ابن حزم

(7)

، وذكره أبو يعلى

(8)

عن ابن مسعود

(9)

، ولا مخالف لهم من الصحابة.

ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل، وشريح، وعبيدة

(10)

،

= والأثر رواه ابن جرير (5/ 110 و 113)، وأبو عبيد في النَّاسخ رقم (299). وانظر: المحلَّى (9/ 408).

(1)

رواه ابن أبي حاتم (4/ 1229)، وأبو عبيد في الناسخ (160) رقم (297).

(2)

رواه ابن جرير (5/ 106). وانظر: شرح مشكل الآثار (11/ 465)، والمحلَّى (9/ 108).

(3)

"بن يعمر" ساقطة من "جـ" و"د" و"و".

(4)

رواه ابن جرير (5/ 104). وانظر: المحلَّى (9/ 408).

(5)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 495)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 467).

(6)

انظر: المحلَّى (9/ 408).

(7)

المحلَّى (9/ 407 - 408).

(8)

انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 239)، النكت على المحرر (2/ 277).

(9)

رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (156) رقم (289).

(10)

رواه ابن جرير (5/ 105)، وسعيد بن منصور (4/ 1665)، وعبد الرزاق =

ص: 494

والنخعي، والشعبي، والسعيدان

(1)

، وأبو مجلز

(2)

، وابن سيرين، ويحيى بن يعمر، وتابعي التابعين: كسفيان الثوري

(3)

، ويحيى بن حمزة

(4)

، والأوزاعي

(5)

.

وبعد هؤلاء: كأبي عبيد

(6)

، وأحمد بن حنبل

(7)

، وجمهور فقهاء أهل

(8)

الحديث

(9)

، وهو قول جميع أهل

= (8/ 360)، والخلال (1/ 221)، وابن أبي حاتم (4/ 1229)، والطحاوي في شرح المشكل (11/ 465).

(1)

سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير.

(2)

رواه ابن جرير (5/ 104). وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1229)، النَّاسخ لابن النحاس (2/ 376)، فتح الباري (5/ 483)، المحلَّى (9/ 408).

(3)

انظر: شرح مشكل الآثار (11/ 468)، المحلَّى (9/ 408)، فتح الباري (5/ 483).

(4)

انظر: المحلَّى (9/ 408).

(5)

رواه الطحاوي في شرح المشكل (11/ 467). وانظر: المحلَّى (9/ 408)، فتح الباري (5/ 483)، أحكام القرآن للكيا (3/ 118).

(6)

"الثوري ويحيى بن حمزة والأوزاعي وبعد هؤلاء كأبي عبيد" ساقطة من "و".

وانظر: الناسخ والمنسوخ (160 و 164).

(7)

انظر: الجامع للخلال "قسم الملل"(1/ 218)، مسائل أحمد رواية صالح (2/ 218)، ورواية ابن هانئ (2/ 37)، ورواية عبد الله (435)، الهداية (2/ 149)، الجامع الصغير (372)، المحرر (2/ 317)، المغني (14/ 170)، شرح الزركشي (7/ 378)، الفروع (6/ 578)، الاختيارات (359).

(8)

"أهل" ساقطة من "أ".

(9)

انظر: تفسير الطبري (5/ 108)، مصنف عبد الرزاق (2/ 33)، مصنف ابن أبي شيبة (4/ 495)، سنن سعيد بن منصور (4/ 1667)، مشكل الآثار =

ص: 495

الظاهر

(1)

.

وخالفهم آخرون

(2)

.

ثم اختلفوا في تخريج الآية على ثلاث طرق

(3)

:

أحدها: أن المراد بقوله: {غَيْرِكُمْ} أي من غير قبيلتكم

(4)

، وروي ذلك عن الحسن

(5)

، وروي عن الزهري

(6)

أيضًا.

= (11/ 462)، فتح الباري (5/ 483)، جامع العلوم والحكم (2/ 239).

(1)

انظر: المحلى (9/ 409).

(2)

انظر: المدونة (5/ 156)، الذخيرة (10/ 224)، تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1230)، الناسخ لابن النحاس (2/ 304)، تفسير ابن كثير (3/ 211)، تفسير ابن جرير (5/ 107)، الناسخ لابن الجوزي (384)، شرح مشكل الآثار (11/ 470)، فتح الباري (5/ 483).

(3)

ذكر ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 222)"مع المعالم" خمس طرق ومما لم يذكره هنا:

1 -

أن الشهادة هنا بمعنى الحضور لا الإخبار. وهذا إخراج للكلام عن الفائدة، وحمل له على غير مراده، والسياق يبطل هذا التأويل المستنكر.

2 -

أن هذه الآية ترك العمل بها إجماعًا. وهذه مجازفة وقول بلا علم، فالخلاف فيها أشهر من أن يخفى، وهي مذهب كثير من السلف، وحكم بها أبو موسى الأشعري، وذهب إليه الإمام أحمد ا. هـ. بتصرف.

(4)

في "ب": "ملتكم".

انظر: تفسير ابن جرير (5/ 106)، زاد المسير (2/ 446)، تفسير القرطبي (6/ 351)، أحكام القرآن للشافعي (2/ 145).

(5)

رواه ابن أبي حاتم (4/ 1230)، وابن النحاس في الناسخ (2/ 304)، وابن جرير (5/ 106)، وسعيد بن منصور (4/ 1670)، والطحاوي في شرح المشكل (11/ 469).

(6)

رواه ابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1229)، وأبو عبيد في الناسخ (163).

ص: 496

والثاني: أن الآية منسوخة، وهذا مروي عن زيد بن أسلم

(1)

وغيره

(2)

.

والثالث: أن المراد بالشهادة فيها: أيمان الوصي بالله تعالى للورثة، لا الشهادة

(3)

المعروفة

(4)

.

قال القائلون

(5)

بها: أما دعوى النسخ فباطلة

(6)

، فإنه يتضمن أن حكمها باطل، لا يحل العمل به، وأنه ليس من الدين، وهذا ليس

(1)

رواه الطحاوي في شرح المشكل (11/ 471).

(2)

"وغيره" ساقطة من "ب".

كابن عباس رضي الله عنهما، رواه عنه ابن جرير (5/ 124)، والبيهقي (10/ 276). والنخعي، رواه عنه ابن جرير (5/ 124)، والخلال في الجامع (1/ 215).

(3)

"فيها أيمان الوصي بالله تعالى للورثة لا الشهادة" ساقطة من "ب".

(4)

انظر: أحكام القرآن للشافعي (2/ 152)، سنن البيهقي (10/ 276)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 251)، تفسير الماوردي (2/ 75)، زاد المسير (5/ 445)، فتح الباري (5/ 484)، تفسير أبي السعود (3/ 91)، تفسير الألوسي (7/ 51)، حاشية الصاوي على الجلالين (2/ 245).

(5)

وفي "ب" و"د" و"و": "العاملون".

(6)

فى"أ" و"ب" و"د" و"و": "فباطل".

أنكر الإمام أحمد نسخ الآية. الجامع للخلال (1/ 215). وقال ابن جرير: "الصوابُ من القول في ذلك أن حكم الآية غير منسوخ" ا. هـ. التفسير (5/ 124). وقال مكي بن أبي طالب: "وأكثر النَّاس على أنَّ هذا محكم غير منسوخ" ا. هـ. الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (275). وقال ابن النحاس: "وصح من هذا كله أنَّ الآية غير منسوخة، ودلَّ الحديث على ذلك" ا. هـ. النَّاسخ والمنسوخ (2/ 213).

ص: 497

بمقبول إلا بحجة صحيحة لا معارض لها، ولا يمكن أحد قط أن يأتي بنص صحيح صريح متأخر عن هذه الآية مخالف لها لا يمكن الجمع بينه وبينها، فإن وجد إلى ذلك سبيلًا صح النسخ، وإلا فما معه إلا مجرد الدعوى الباطلة، ثم قد قالت أعلم نساء

(1)

الصحابة بالقرآن

(2)

: إنه لا منسوخ في المائدة

(3)

، وقاله غيرها أيضًا من السلف

(4)

، وعمل بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده

(5)

، ولو جاز قبول دعوى النسخ بلا حجة لكان كل من احتج عليه بنص يقول: هو منسوخ، وكأن القائل لذلك لم يعلم أن معنى كون النص منسوخًا أن الله سبحانه حرم العمل به، وأبطل

(6)

كونه من الدين والشرع، ودون هذا مفاوز تنقطع فيها الأعناق.

قالوا

(7)

: وأما قول من قال: المراد بقوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} أي من غير قبيلتكم، فلا يخفى بطلانه وفساده، فإنه ليس في أول الآية خطاب

(1)

"نساء" ساقطة من "أ".

(2)

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

(3)

تقدم تخريجه ص (492).

(4)

قال الحافظ ابن حجر: "صحَّ عن ابن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلفِ أنَّ سورة المائدة محكمة" ا. هـ. فتح الباري (5/ 483)، وانظر: النَّاسخ والمنسوخ لابن النحاس (2/ 232)، والنَّاسخ لأبي عبيد رقم (250)، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن الجوزي (2/ 232).

(5)

كأبي موسى الأشعري، وقد تقدم تخريجه ص (488).

(6)

في "أ": "فأبطل".

(7)

انظر: الشرح الكبير (29/ 334)، وشرح الزركشي (7/ 340)، إعلام الموقعين (1/ 133).

ص: 498

لقبيلة دون قبيلة، بل هو خطاب عام لجميع المؤمنين، فلا يكون غير المؤمنين إلا من الكفار، هذا مما لا شك فيه، والذي قال من غير قبيلتكم

(1)

: زلة عالم، غفل عن تدبر الآية

(2)

.

وأما قول من قال: "إن المراد بالشهادة: أيمان الأوصياء للورثة" فباطل من وجوه

(3)

:

أحدها: أنه سبحانه قال: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ولم يقل: أيمان بينكم.

الثاني: أنه قال: {اَثْنَانِ} واليمين لا تختص بالاثنين.

الثالث: أنه قال: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} واليمين لا يشترط فيها ذلك.

الرابع: أنه قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] واليمين لا يشترط فيها

(4)

شيء من ذلك.

الخامس: أنه قيد ذلك بالضرب في الأرض، وليس ذلك شرطًا في اليمين.

السادس: أنه قال: {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} [المائدة: 106] وهذا لا يقال في اليمين

(5)

في هذه

(1)

"فلا يخفى بطلانه" إلى قوله "والَّذي قال من غير قبيلتكم" ساقطة من "و".

(2)

المحلَّى (9/ 409).

(3)

انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف (29/ 334).

(4)

"ذلك. الرَّابع: أنَّه قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} واليمين لا يشترط فيها" ساقطة من "ب".

(5)

"وهذا لا يقال في اليمين" ساقطة من "ب" و"د".

ص: 499

الأفعال

(1)

، بل هو نظير قوله:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]

السابع: أنه قال: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] ولم يقل: بالأيمان.

الثامن: أنه قال: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] فجعل الأيمان قسيمًا للشهادة، وهذا صريح في أنها غيرها.

التاسع: أنه قال: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] فذكر اليمين والشهادة، ولو كانت اليمين على المدعى عليه لما احتاجا إلى ذلك، ولكفاهما القسم: أنهما ما خانا

(2)

.

العاشر: أن الشاهدين يحلفان بالله {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] ولو كان المراد بها اليمين، لكان المعنى: يحلفان بالله لا نكتم اليمين، وهذا لا معنى له ألبتة، فإن اليمين لا تكتم، فكيف يقال: احلف أنك لا تكتم حلفك؟

الحادي عشر: أن المتعارف من لفظ "الشهادة" في القرآن والسنة: إنما هو الشهادة المعروفة، كقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، وقوله:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، وقوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ونظائره.

(1)

"في هذه الأفعال" ساقطة من "أ" و"و".

(2)

في "أ": "أنهما تكافيا" هكذا.

ص: 500

فإن قيل: فقد سمَّى الله عز وجل أيمان اللعان شهادة

(1)

في قوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6]، وقال:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}

(2)

[النور: 8].

قيل: إنَّما سمى أيمان الزوج شهادة؛ لأنَّها قائمةٌ مقام البينة، ولذلك ترجم المرأة إذا نكلت

(3)

، وسمَّى أيمانها شهادة؛ لأنَّها في مقابلة شهادة الزوج.

وأيضًا، فإنَّ هذه اليمين خُصَّت من بين الأيمان بلفظِ "الشهادة بالله" تأكيدًا لشأنها

(4)

، وتعظيمًا لخطرها.

الثاني عشر: أنَّه قال: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106]، ومن المعلوم أنَّه لا يصح أن يكون أيمان بينكم إذا حضر أحدكم الموت

(5)

، فإنَّ الموصي إنَّما يحتاج إلى الشاهدين، لا إلى اليمين.

الثالث عشر: أنَّ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذي حكم به

(6)

- وحكم به الصحابة بعده

(7)

- هو تفسير الآية قطعًا، وما عداه باطل، فيجب أن

(1)

انظر: تفسير الطبري (5/ 118)، فتح الباري (5/ 484)، حاشية الجمل على الجلالين (1/ 311).

(2)

الآية ساقطة من "و".

(3)

انظر: (23).

(4)

في "ب": "لشهادتهما".

(5)

"ومن المعلوم" إلى قوله "أحدكم الموت" ساقطة من "جـ".

(6)

كما في حديث تميم الداري المتقدم ص (492).

(7)

كأبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وقد تقدم ص (488).

ص: 501

يرغب عنه

(1)

.

وأمَّا ما ذكره بعض النَّاس: أنَّ ذلك مخالفٌ للأصول والقياس من وجوه

(2)

:

أحدها: أنَّ ذلك يتضمن شهادة الكافر، ولا شهادة له

(3)

.

الثاني: أنَّه يتضمن حبس الشاهدين، والشاهد لا يحبس.

الثالث: أنَّه يتضمن تحليفهما، والشاهد لا يحلف

(4)

.

الرَّابع: أنَّه يتضمن تحليف إحدى البينتين: أنَّ شهادتهما أحق من شهادة البينة الأُخرى.

الخامس: أنَّه يتضمن شهادة المدعين لأنفسهم واستحقاقهم بمجرد أيمانهم.

السَّادس: أنَّ أيمان هؤلاء المستحقين التي قدمت على شهادة الشاهدين لما ظهرت خيانتهما، إن كانت شهادة فكيف يشهدان لأنفسهما؟ وإن كانت أيمانًا فكيف يقضى بيمين المدعي بلا شاهد ولا رد؟

(1)

من قوله "الحادي عشر" إلى "فيجب أن يرغب عنه" ساقطة من "أ".

(2)

انظر: فتح الباري (5/ 484).

(3)

انظر: الناسخ والمنسوخ لابن النحاس (2/ 301).

(4)

انظر: تفسير الطبري (5/ 115)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 244)، زاد المسير (2/ 445)، البحر المحيط (2/ 392)، تفسير ابن كثير (3/ 212)، تفسير الشوكاني (2/ 125).

ص: 502

السَّابع: أنَّ هذا يتضمن القسامة في الأموال، والحكم بأيمان المدعين، ولا يعرف بهذا قائل.

فهذا - وأمثاله - من الاعتراضات التي نعوذ بالله منها، ونسأله العافية، فإنَّها اعتراضات

(1)

على حكم الله وشرعه وكتابه.

فالجواب عنها: بيان أنَّها مخالفة لنص الآية، معارضةٌ لها، فهي من الرَّأي الباطل الَّذي حذَّر منه سلف الأُمَّة

(2)

، وقالوا: إنَّه يتضمن تحليل ما حرَّم الله، وتحريم ما أحلَّ اللهُ، وإسقاط ما فرض الله، ولهذا اتفقت أقوال السلف على ذمِّ هذا النوعِ من الرَّأي

(3)

، وأنَّه لا يحل الأخذ به في دين اللهِ، ولا يلزم الجواب عن هذه الاعتراضات وأمثالها، ولكن نذكر الجواب بيانًا للحكمة، وأن الَّذي تضمنته الآية هو المصلحة، وهو أعدل ما يحكم به، وخير من كلِّ حكمٍ سواه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50].

وهذا المسلكُ الباطل يسلكه من يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا، فإذا جاءهم حديث خلاف قولهم، قالوا: هذا يخالف الأصول فلا يقبل.

والمحكمون لكتاب الله وسنَّة رسوله

(4)

يرون هذه الآراء وأمثالها

(1)

"التي نعوذ بالله منها ونسأله العافية فإنها اعتراضات" ساقطة من "ب".

(2)

في "و": "السلف الأئمة".

(3)

انظر: ذم الكلام وأهله (2/ 185)، الفقيه والمتفقه (1/ 390)، جامع بيان العلم وفضله (2/ 1037).

(4)

"فلا يقبل والمحكمون لكتاب الله وسنة رسوله" ساقطة من "ب".

ص: 503

من أبطل الباطل؛ لمخالفتها للأصول التي هي من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الآراء هي المخالفة للأصول حتمًا

(1)

، فهي باطلة قطعًا، على أنَّ هذا الحكم أصلٌ بنفسه، مستغن عن نظير يلحق به.

ونحن نجيبكم عن هذه الوجوه أجوبة مفصلة:

أمَّا قولكم: إنَّها تتضمن شهادة الكافر، ولا شهادة له.

قلنا

(2)

: كيف يقول هذا أصحاب أبي حنيفة، وهم يجيزون شهادة الكفار في كلِّ شيء بعضهم على بعض؟

(3)

.

أم كيف يقوله أصحاب مالك، وهم يجيزون شهادة

(4)

طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيبٌ مسلم

(5)

، وليس ذلك في القرآن، فهلَّا أجازوا شهادة

(6)

كافرين في الوصية في السَّفر، حيث لا يوجد

(7)

مسلم، وهو في القرآن

(8)

، وقد حكمَ به رسول الله

(1)

في "أ""حقًّا".

(2)

انظر: المحلى (9/ 409).

(3)

انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 340)، المبسوط (16/ 140)، البحر الرائق (7/ 158)، منحة الخالق (7/ 158)، رؤوس المسائل (529)، فتح القدير (7/ 416)، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (614).

(4)

شهادة" ساقطة من "و".

(5)

انظر: المنتقى (5/ 213)، الذخيرة (10/ 240)، تبصرة الحكام (1/ 247) و (2/ 12)، معين الحكام (2/ 616).

(6)

"شهادة" ساقطة من "د".

(7)

"يوجد" ساقطة من "أ".

(8)

الآية (106) المائدة.

ص: 504

- صلى الله عليه وسلم

(1)

وأصحابه من بعده

(2)

؟

أم كيف يقوله أصحاب الشافعي، وهم يرون

(3)

نص الشافعي صريحًا: "إذا صحَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا به، ودعوا قولي"

(4)

، وفي لفظٍ له:"فأنا أذهب إليه"، وفي لفظٍ:"فاضربوا بقولي الحائط"

(5)

.

وقد صحَّ الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء به نص كتاب الله، وعمل به الصحابة

(6)

.

قولكم: "الشاهدان لا يحبسان" كلام من لم يفهم كتاب الله

(7)

، فليس المراد هنا

(8)

: السجن الَّذي يعاقب به أهل الجرائم، وإنَّما المراد

(1)

تقدم تخريجه ص (492).

(2)

تقدم تخريجها ص (488).

(3)

في "و": "يروون".

(4)

انظر: الفقيه والمتفقه (1/ 389)، مختصر كتاب المؤمل لأبي شامة (3/ 31)"مطبوع ضمن الرسائل المنيرية"، رسالة السبكي "معنى قول المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي"(3/ 98)"ضمن الرسائل المنيرية"، مفتاح الجنة للسيوطي (35)، مناقب الشافعي لابن كثير (125 و 178).

(5)

انظر: ميزان الاعتدال (6/ 220)، حاشية الشرواني (5/ 66)، عون المعبود (2/ 57)، تحفة الأحوذي (1/ 456) و (4/ 450)، نيل الأوطار (6/ 83).

(6)

انظر: الشرح الكبير (29/ 335)، الإنصاف (29/ 327). وقد سبق ذكر الكلام مفصلًا ص (488).

(7)

"كلام من لم يفهم كتاب الله" ساقطة من "جـ" و"د" و"هـ" و"و".

(8)

في "أ" و"ب": "فليس الحبس ها هنا".

ص: 505

به إمساكهما لليمين بعد الصلاة

(1)

، كما يقال: فلان

(2)

يُصبَرُ لليمين، أي يمسك لها، وفي الحديث:"ولا تُصْبَرْ يمينُه حَيْثُ تُصْبَرُ الأيمان"

(3)

.

قولكم: يتضمن تحليف الشاهدين، والشاهد لا يحلف.

فمن أين لكم أن مثل هذا الشاهد الَّذي شهادته بدل عن شهادة المسلم للضرورة لا يحلف؟ فأي كتاب، أم أية

(4)

سنَّة جاءت بذلك؟ وقد حلَّف ابن عباس المرأة التي شهدت بالرضاع

(5)

، وذهب إليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه

(6)

، وقد تقدم الكلام في تحليف الشهود المسلمين إذا ارتاب بهم الحاكم، ومن ذهب إليه من السلف وقضاة العدل

(7)

.

وقولكم: "فيه شهادة المدعين لأنفسهم، والحكم لهم بمجرد دعواهم" ليس بصحيح؛ فإنَّ الله سبحانه جعل

(8)

الأيمان لهم

(9)

عند

(1)

انظر: فتح الباري (5/ 484).

(2)

"فلان" ساقطة من "و".

(3)

رواه البخاري موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما (7/ 190) رقم (3845). وانظر معناه: فتح الباري (7/ 193)، حاشية السيوطي على النسائي (8/ 4).

(4)

في "د" و"هـ" و"و": "أي" وهي ساقطة من "أ".

(5)

رواه عبد الرزاق (7/ 482) و (8/ 336)، وابن أبي شيبة (3/ 487).

(6)

انظر: النكت على المحرر (2/ 281).

(7)

انظر: ص (378).

(8)

في "أ" و"ب": "نقل".

(9)

في "أ": "إليهم".

ص: 506

ظهور اللوث بخيانة الوصيين، فشرع لهما أن يحلفا ويستحقا، كما شرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلفوا ويستحقوا دم وليهم؛ لظهور اللوث، فكانت اليمين في جنبتهم

(1)

لقوتها بظهور اللوث في الموضعين، وليس هذا من باب

(2)

شهادة المدعي لنفسه، بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة

(3)

، لقوة جانبه، كما حكمَ صلى الله عليه وسلم للمدعي بيمينه

(4)

لما قوي جانبه بالشاهد الواحد، فقوَّة

(5)

جانب هؤلاءِ بظهور خيانة الوصيين كقوة جانب المدعي بالشَّاهد، وقوة جانبه بنكول خصمه، وقوة جانبه باللوث

(6)

، وقوة جانبه بشهادة العرف في تداعي الزوجين المتاع، وغير ذلك.

فهذا محضُ العدل، ومقتضى أصول الشرع، وموجب القياس الصحيح.

وقولكم: إنَّ هذا يتضمن القسامة في الأموال.

قلنا

(7)

: نعم لعمر الله، وهي أولى بالقبول من القسامة في الدماء، ولا سيما مع ظهور اللوث، وأي فرقٍ بين ظهور اللوث في صحة

(1)

"في جنبتهم" ساقطة من جميع النسخ عدا "أ".

(2)

"باب" ساقطة من "أ".

(3)

في "و": "الشاهد".

(4)

"بيمينه" ساقطة من "ب". والحديث تقدم تخريجه.

(5)

في "و": "فقوي".

(6)

"وقوة جانبه باللوث" ساقطة من "ب".

(7)

انظر: تفسير ابن كثير (3/ 213)، فتح الباري (5/ 484).

ص: 507