الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدعي شاهدًا واحدًا قوي جانبه، فترجح على
(1)
جانب المدعى عليه الذي ليس معه إلا مجرد استصحاب الأصل، وهو دليل ضعيف يرفع بكل دليل يخالفه
(2)
، ولهذا يرفع بالنكول واليمين المردودة واللوث والقرائن الظاهرة، فرفع بقول الشاهد الواحد، وقويت شهادته بيمين المدعي، فأي قياس أحسن من هذا وأصح
(3)
؟ مع موافقته
(4)
للنصوص والآثار التي لا تُدفع.
فصل
وقد ذهب طائفة من قضاة السلف العادلين إلى
الحكم بشهادة الشاهد الواحد، إذا علم صدقه من غير يمين
، قال أبو عبيد: رُوّينا عن عظيمين من قضاة أهل العراق: شريح، وزرارة بن أبي أوفى - رحمهما الله - أنهما قضيا بشهادة شاهد واحد. ولا ذكر لليمين في حديثهما
(5)
.
حدثنا الهيثم بن جميل عن شريك عن أبي إسحاق
(6)
قال: أجاز شريح شهادتي وحدي
(7)
.
(1)
"على" ساقطة من "هـ".
(2)
في "أ": "مخالفة".
(3)
وفي "ب": "وأوضح".
(4)
في "ب": "موافقة".
(5)
وسيأتي تخريجه قريبًا.
(6)
هو عمرو بن عبد الله بن ذي يُحْمِد الهمذاني الكوفي أبو إسحاق السبيعي الحافظ. توفي سنة 127 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الطبقات الكبرى (6/ 311)، تهذيب الكمال (22/ 102)، سير أعلام النبلاء (5/ 392).
(7)
رواه الشافعي في الأم (6/ 357)، وابن أبي شيبة (4/ 539)، ووكيع في =
قال
(1)
حدثنا القاسم بن جميل
(2)
عن حماد بن سلمة عن عمران بن حدير
(3)
، قال: شهد
(4)
أبو مجلز
(5)
عند زرارة بن أبي أوفى، قال أبو مجلز: فأجاز شهادتي وحدي، ولم يصب
(6)
.
قلت: لم يصب عند أبي مجلز
(7)
، وإلا فإذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد جاز له الحكم بشهادته، وإن رأى تقويته باليمين فعل،
= أخبار القضاة (2/ 271 و 275)، والبيهقي (10/ 293)، وفي المعرفة (14/ 295).
(1)
"قال" من "هـ".
(2)
في "جـ": "حميد". القاسم بن جميل لم أجد له ترجمة، وهو من رجال الطحاوي في شرح المعاني (1/ 422)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 90) و (5/ 19). وفي النسخة "جـ":"بن حميد"، فإن صحت فهو "ابن عبد الرحمن بن عوف المدني"، ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 331).
(3)
في "هـ": "عمر بن حيدر"، وفي "جـ":"عمر بن حدير"، والصواب ما أثبتناه. وهو عمران بن حدير السدوسي أبو عبيد البصري. توفي سنة 149 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 30)، تاريخ الدارمي (138)، تهذيب الكمال (22/ 314)، علل ابن المديني (119)، سير أعلام النبلاء (6/ 263).
(4)
"شهد" ساقطة من "أ".
(5)
لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مجلز. توفي سنة 106 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (9/ 124)، تهذيب الكمال (31/ 176)، تاريخ الإسلام (7/ 14 و 199).
(6)
رواه الشافعي في الأم (6/ 357)، وعبد الرزاق (8/ 337)، وابن أبي شيبة (4/ 539)، والبيهقي (10/ 293)، وفي المعرفة (14/ 295).
(7)
في "د" و"و": "لم يصب عندي أبو مجلز".
وإلا فليس ذلك بشرط، والنبي صلى الله عليه وسلم لما حكم بالشاهد واليمين لم يشترط اليمين، بل قوى بها شهادة الشاهد.
وقال أبو داود في "السنن"
(1)
: باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به. ثم ساق حديث خزيمة بن ثابت: "أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أعْرابي
(2)
، فَأَسْرَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم المَشْيَ، وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِي، فَطفِقَ
(3)
رِجَال يَعْتَرِضُونَ الأَعْرابي، فَيسَاوِمُونَه بِالفَرَس، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الأَعْرابِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الفَرَسَ وَإِلَّا بعْتُهُ، فَقَامَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِي، فَقَالَ:"أَوَ لَيْسَ قَد ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ " قَالَ الأَعْرَابِي: لَا وَاللهِ، مَا بعْتُكَ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:"بَلَى، قَد ابْتَعْتُهُ مِنكَ". فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا. فَقَالَ خَزَيْمَةُ بْن ثَابِت: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَايَعْته فَأقْبَلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَلَى خُزَيْمَةَ، فَقَالَ:"بِمَ تَشْهَدُ؟ " قَالَ: بتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ الله، فَجَعَلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ خُزَيَمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَينِ". ورواه النسائي
(4)
. وفي هذا الحديث عدة فوائد:
(1)
(10/ 25)"مع شرحه عون المعبود".
(2)
واسمه: سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي. الغوامض والمبهمات لابن بشكوال (1/ 390)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 224)، الإصابة (2/ 93).
(3)
طفق يفعل كذا أي جعل يفعل. مختار الصحاح (394)، لسان العرب (10/ 225).
(4)
سبق تخريجه ص: 97.
منها: جواز شراء الإمام الشيء من رجل من رعيته.
ومنها: مباشرته الشراء بنفسه.
ومنها: جواز الشراء ممن يجهل حاله، ولا يسأل من أين لك هذا؟
ومنها: أن الإشهاد على البيع ليس بلازم.
ومنها: أن الإمام إذا تيقن من
(1)
غريمه اليمين الكاذبة لم يكن
(2)
له تعزيره؛ إذ هو غريمه.
ومنها: الاكتفاء بالشاهد الواحد إذا علم صدقه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال
(3)
لخزيمة: أحتاج معك إلى شاهد آخر، وجعل شهادته بشهادتين؛ لأنها تضمنت شهادته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق العام فيما يخبر به عن الله، والمؤمنون مثله في هذه الشهادة، وانفرد بشهادته له بعقد التبايع مع الأعرابي، دون الحاضرين؛ لدخول هذا الخبر في جملة الأخبار التي يجب على كل مسلم تصديقه فيها، وتصديقه بها من لوازم الإيمان، وهي الشهادة التي تختص بهذه الدعوى، وقد قبلها منه وحده
(4)
، والحديث صريح فيما ترجم عليه أبو داود رحمه الله.
وليس هذا الحكم بالشاهد الواحد مخصوصًا بخزيمة
(5)
، دون من
(1)
"من" ساقطة من "هـ".
(2)
في "ب": "يمكن".
(3)
في "أ": "لم يقل".
(4)
انظر: تهذيب السنن للمؤلف (5/ 223).
(5)
وفي إعلام الموقعين (2/ 115) ذكر أن هذا من خصائصه رضي الله عنه.