الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - كتاب التيمم
قول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
334 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ،
ــ
كتاب التيمم
وقول الله عز وجل: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
قال الجوهري: التيمم القصدُ لغةً، وفي الشرع: قصد مخصوصٌ وهو قصد إيصال التراب إلى الوجه واليدين إلى المرفقين، لأنه بدل الوضوء، فيعتبر فيه ما هو معتبر في الأصل، أو ما يقوم مقام التراب مما هو على وجه الأرض كما ذَهَبَ إليه الإمام أبو حنيفة. ونظيره الإيمان، فإنه تصديق القلب لغة، وفي الشرع: تصديق مخصوص. قيل: وهو إما مجاز أو حقيقة شرعية، وهذا وهمٌ؛ لأنه لا منافاة بين المجاز اللغوي والحقيقة الشرعية؛ لأن كل حقيقة شرعية لا بد وأن تكون مجازًا لغويًّا؛ لأن عرف الشرع جارٍ على اللغة وهذا ليس شيئًا يلتبس على أحد، مقرر صريحًا في كتب الأصول.
والآية دلت على وجوبه عند عدم الماء، وانعقد عليه الإجماعُ في الحدث الأصغر والأكبر، وأحاديث الباب ظاهرة في الوجوب، والآيةُ تحتمل آية النساء وآية المائدة، فإن هذا القدر الذي أورده البخاري من نظم القرآن مشترك في السورتين، لكن رواية البخاري في تفسير المائدة، تعين آية المائدة. وكذا رواية عمرو بن الحارث فنزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] وهذا لفظ منه في بعض النسخ وهو خاص بالمائدة.
334 -
(عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره)
حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ - أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ - انْقَطَعَ عِقْدٌ لِى، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِى قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِى بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِى، فَلَا يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَاّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِى، فَقَامَ رَسُولُ
ــ
المحققون على أنه غزوة بني المصطلق، وهي أيضًا المريسيع، وفيها قصة الإفك أيضًا بلا خلاف، كانت سنة ست من الهجرة، وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة أربع (حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش) البيداء: الفضاء. وعند الإطلاق علم بيداء المدينة، قال البكري: هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة على طريق مكة، وذات الجيش مكان على بريد من المدينة. وفي رواية النسائي: أو ذات الجيش والمعنى واحد. قال النووي: البيداء إنما هو من ناحية خيبر، وردَّ بأن البيداء لفظ مشترك، والمراد به هنا الذي في طريق مكة، والدليل عليه ما رواه عروة عن هشام: أن القلادة سقطت بالأبواء.
(انقطع عقدي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه) العِقْد: بكسر وسكون القاف، سيأتي في الباب الذي بعده أن العقد لأسماء أختها. قيل: يجوزُ تعدُّد القضية وليس كذلك، للاتفاق على أنه سبب نزول الآية، فلا يمكن تكرره، بل الصواب أن العقد لأسماء حقيقة، كانت تجملت به في ذلك السفر، والإضافة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأدنى ملابسة، كونه كان عليها كإضافة سكنى البيت إلى الساكن، فإنه يقال: بيت فلان إن كان ساكنًا به سواء كان مُلكًا له أو لا.
(فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام) يجوزُ في الفخذ وكل ما كان على وزنه وعين فعله حرف حَلْقٍ أربعٌ: فتح الأول وكسر الثاني، وسكونه، وكسرهما، وكسر الأول وسكون الثاني. حروف حلق مثل الكف يجوز فيه ثلاث لغاتٍ. سقط منه كسرهما.
(وجَعَل يطعنني بيده) بفتح العين في الماضي وضمه في الغابر في الأعيان مثل الرمح والإصبع، وبالفتح في القول في العرض وقيل بالضم فيهما (في خاصرتي) الخاصرة منتهى الأضلاع (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: كون رأسه على فخذي.
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِىَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ. قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِى كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. أطرافه 336، 3672، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164، 5250، 5882، 6844، 6845
ــ
مصدر، ومحصّله أنه: طعن في خاصرتها طعنًا شديدًا موجعًا.
(أصبح على غير ماء) أي: دخل في الصباح حال كونه كائنًا على غير ماء (فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا. فقال أُسيد بن الحُضَير) بتصغير الاسمين والحاء المهملة، الأنصاري الأوسي، عظيم الشأن، أحسن الناس صوتًا وأحلاهم تلاوةً استمعت الملائكةُ تلاوتَهُ كما سيأتي. مناقبُهُ أكثرُ من أن تُحصى.
(ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر) هي ضمير الآية، أو القضية أي: بركاتكم على المسلمين سابقات. قبل هذه كثيرة وأصل آل أول أو أهل، خص بالأشراف ولا يُضاف إلى الأماكن، فلا يقال: آل بغداد (فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته).
فإن قلت: في الباب الذي بعده وجدها الرجل الذي بعثه في طلبها، وفي رواية أخرى: بعث أسيد بن حُضير وأنا سامعة، قلتُ: لا ينافي، ذهبوا في طلبها ولم يجدوها، فلما رجعوا وأرادوا الارتحال وجدها ذلك الرجل الذي كان مع أُسيد. وإن قيل بتعدد الواقعة فلا إشكال. والظاهر مع جميع الروايات: تعدد الواقعة وهو الظاهر من قول أسيد بن حُضير: ما هي بأول بركتكم. وفي رواية الطبراني التصريح بأنّ آية التيمم كانت بعد الإفك في غزوة أخرى.
قال النووي: وفقه الباب جواز القلائد للنساء والأغنياء لحفظ أموال الناس، وإن كان شيئًا قليلًا فإنهم ذكروا أن قيمة العقد كان اثني عشر درهمًا. وجوازُ الإقامة في موضع لا ماء به وتأديب الرجل ابنته بالقول والفعل وإن كانت ذات زوج خارجة من عنده، وجوازُ دخوله عليها وهي عند الزوج إذا لم يكن وقت الصلاة.
335 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ح قَالَ وَحَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ - قَالَ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِى نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِىَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِىُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» . طرفاه 438، 3122
ــ
335 -
(محمد بن سنان) بكسر السين (هُشيم) بضم الهاء على وزن المصغر (سعيد بن النضر) بضاد معجمة، وهذا قانون حيث كان مع اللام فهو بضاد معجمة، وحيث لم يكن معه لام فهو بصاد مهملة (سيّار) بفتح المهملة ومثناة تحتُ مشددة (يزيد هو ابن صهيب الفقير) بضم الصاد على وزن المصغر. والفقير فعيل بمعنى المفعول. أي: كسر فقار ظهره.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُعطيت خمسًا لم يُعطَهُن أحدٌ قبلي، نُصرت بالرعب مسيرة شهرٍ) أي: من كل جانب. ألَا ترى قول أبي سفيان في شأن هرقل وهو بالقدس: ملك بنو الأصفر يخافه.
(وجُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا) أراد التيمم بالتراب، ويجب عدُّهما واحدًا، أو لا يزيد على الخمس. وقد بين معنى كون الأرض مسجدًا بقوله:(فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاةُ فليصل) وكان سائر الأمم لا تجوزُ صلاتهم إلا في مساجدهم.
(وأُحلت لي المغانم) جمع مغنم، وفي رواية: الغنائم (ولم تحل لأحدٍ قبلي) بل كانوا يجمعونها وتنزل نار من السماء فتحرقها.
(وأُعطيت الشفاعة) أي: العظمى العامة حتى للأنبياء وهي لإراحة الموقف، وهي من خَوَاصّه، وكذلك إدخال طائفة من أمته الجنة بغير حساب. وأما الشفاعة في قوم استحقوا دخول النار والشفاعة في إخراج الطائفة بعد الدخول والشفاعة في رفع الدرجات يشاركه فيها الأنبياء والملائكة وسائر المؤمنين (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبعث إلى قومه وبُعثت إلى الناس عامةً) وفي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رواية مسلم: "إلى الخَلْق كافةً" ويروى: "إلى الأحمر والأسود". وقيل: هذا يشكل بقول أهل المحشر لنوح: أنت أولُ رسول إلى أهل الأرض. وقد تكلّفوا في الجواب بما لا يجدي، وأنا أقول: الإشكال ليس منحصرًا في نوح، بل قوله تعالى:{أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل: 15] أشدّ إشكالًا؛ لأن فرعون لم يكن من بني إسرائيل. والجواب: أن مراد الحديث أنه كان يُبعث إلى قومه أصالةً، وإن كانت الدعوة إلى التوحيد عامةً، يدل عليه قول موسى وهارون لفرعون:{إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16]، وقوله:{إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه: 47] ولم يقل: إنا أرسلنا إليدُ.
فإن قلت: في رواية مسلم: "فُضّلت عن الأنبياء بستٍّ: أُعطيت جوامعَ الكلم، وخُتم بي النبيون"؟ قلتُ: مفهوم العدد عند مَنْ يقول به إنما يعتبر إذا لم يعارضه منطوق، وخواصّه غيرُ هذه كثيرة: هو أولُ من تنشق عنه الأرضُ، وأول من يحرّك حِلَق باب الجنة. ومن بقي معجزته بعد موته على وجه الزمان إلى آخر الدهر هو القرآن. وقد ضبطه أبو سعيد النيسابوري في كتاب "شرف المصطفى" اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء بستين خصلةً.
وزعم شيخ الإسلام أن إخراج من قال: لا إله إلا الله أيضًا من خَوَاص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه نظرٌ، لما في الرواية الأخرى:"شَفَعتِ النبيون، وشفعت الملائكة ولم تبق إلا شفاعةُ أرحم الراحمين"(6).