الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47 - باب التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى.
426 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.
48 - باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» .
ــ
باب التيمن في دخول المسجد
أي: تقديم الرجل اليمنى في دخول المسجد، قدم الأثر على الحديث المسند كما هو دأبه ترقيًا في الاستدلال.
426 -
(سليمان بن حرب) ضد الصلح (عن الأشعث بن سليم) بالثاء المثلثة وضم السين على وزن المصغر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله) أي: مدة استطاعته، ما مصدرية، والجار في قوله في شأنه يتعلق بالتيمن أو يحب (في طهوره وترجله وتنعله) بدل بعض من شأنه كله، اقتصر على هذه الثلاثة لأنها كثيرة الوقوع، ويقاس عليها غيرها إلا ما استثناه من دخول الخلاء والاستنجاء، وقد سلفت في كتاب الطهارة الرواية عن عائشة عكس هذا: وهو كان يحب التيمن في طهوره وترجله وتنعله في شأنه كله، وقد بسطنا الكلام عليه هناك بما لا مزيد عليه من التحقيق، وبينا فساد ما توهمه بعضهم فراجعه تره.
باب هل تنبش قبور المشركين ويتخذ مكانها مساجد
يتخذ بضم الياء على بناء المجهول، ومكانها مفعوله الأول قائم مقام الفاعل، ومساجد نصب مفعوله الثاني، ومحصله: جعل ذلك المكان مسجدًا لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) سيأتي من رواية عائشة أن هذا القول منه كان في مرض انتقل فيه إلى جوار الله ولحق بالرفيق الأعلى.
فإن قلت: على أي شيء دل هذا التعليق وأي حكم علل به، والترجمة إنما هي في
وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْقُبُورِ. وَرَأَى عُمَرُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ الْقَبْرَ الْقَبْرَ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ.
427 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ،
ــ
نبش قبور المشركين؟ قلت: أجيب بأنه لما خص اللعن باتخاذ قبور الأنبياء علم الجواز في غير قبور الأنبياء، وقيل: كلام البخاري في الترجمة استفهام بأنه هل يجوز أم لا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا
…
" وكلا الجوابين ليسا بشيء:
أما الأول: فلأنه مفهوم اللقب إذ لا يلزم من قولنا: رحم الله زيدًا عدم رحمته عمرًا.
وأما الثاني: فلأنه يدل على عدم الجواز في الأنبياء، ولا دلالة فيه على قبور المشركين لا نفيًا ولا إثباتًا، وأيضًا الاستفهام في الترجمة للتقرير والإثبات بدليل الحديث الذي ساقه في الباب. والصواب أن قوله: "لعن الله اليهود
…
إلى آخره" دليل للشق الثاني من الترجمة، وهو قوله:(وما يكره من الصلاة في القبور) وإنما قدم الدليل على المدلول اهتمامًا لعدم اللبس، ومثله يقع كثيرًا في كلام البلغاء، أو التقديم والتأخير وقع من الناسخ.
(ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند القبر فقال: القبر القبر؟) بالاستفهام نصب على التحذير، وقد روى مسلم مسندًا:"لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها". الحكمة في ذلك احترام الميت، ولئلا يكون القبر شبه الأصنام المعبودة دون الله.
427 -
(عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة) أم حبيبة بنت أبي سفيان حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمها رملة، وكذلك أم سلمة واسمها: هند كان زوج أم حبيبة عبيد الله بن جحش على وزن المصغر، سافر بها إلى الحبشة، وارتد -والعياذ بالله- هناك، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بالحبشة، وكان وكيله في ذلك النجاشي، وأصدقها أربعمئة دينار، وجعل يوم العقد طعامًا للمهاجرين، وأما أم سلمة فقدم بها أبو سلمة، فلما توفي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة فيها تصاوير) وإنما قالت: رأينها باعتبار من كان
فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أطرافه 434، 1341، 3873
428 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ، فِي حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَأَقَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً،
ــ
معها، وفي رواية وأتاها، وهو ظاهر، والتصاوير معناها صور الحيوانات فيه (وأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) -بكسر الشين- جمع شر صفة مشبهة كصعب في صعاب، وأولئكِ بكسر الكاف لأن الخطاب مع النساء، وإنما أفرد باعتبار كل واحدة، وكذا الكاف في تلك، ولعن هؤلاء إنما كان لبناء المساجد على قبور الصالحين لا للتصوير بدليل ما تقدم من لعن اليهود والنصارى لاتخاذ القبور مساجد من غير ذكر التصاوير.
فإن قلت: إذا كان المساجد على قبور الأنبياء بهذه المثابة من الجرم العظيم، فكيف بنوا على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد؟ قلت: لم يبنوا على قبره مسجدًا، بل كان المسجد هناك قبل القبر.
قال النووي: لما كثر المسلمون وامتدت الزيادة في المسجد حتى دخلت بيوت أمهات المؤمنين في المسجد، ومنها حجرة عائشة، وكان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، بنوا على القبور حيطانًا من قفة مستديرة لئلا تظهر فيصلي عليها العوام، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبلة.
428 -
(مسدد) بضم الميم وفتح الدال المشددة (عن أبي التياح) -بفتح الفوقانية وتشديد التحتانية- يزيد الضبعي (فنزل أعلى المدينة) قيل: هو ما كان على جهة نجد (في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف) هم أهل قباء أو ...... ، وكان نزوله في بيت كلثوم بن الهدم بكسر الهاء وسكون الدال المهملة، وكان شيخًا كبيرًا أسلم قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأقام أربع عشرة ليلة) وكذا في مسلم، هذا نهاية ما قيل في إقامته في قباء وهو الصواب وفي رواية المستملي والحموي أربعًا وعشرين، وأسس لهم [المسجد، الذي قال الله تعالى في
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِى النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِى النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِى أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّىَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّى فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ فَقَالَ «يَا بَنِى النَّجَّارِ ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ هَذَا» . قَالُوا لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى
ــ
شأنه: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108] وقيل: نزوله كان على سعد بن خيثمة. قال ابن عبد البر: والصواب هو الأول لكن كان تحدث في بيت سعد بن خيثمة وكان بيته يسمى بيت العز، فكذلك وقع الوهم، والأول اتفق عليه ابن إسحاق وموسى والواقدي، إلا أنه قال: إقامته في بني عمرو بن عوف كانت أربعة أيام الإثنين يوم قدومه والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم انتقل يوم الجمعة فأدركته فصلاها في بني سالم في بطن الوادي.
(ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا مقلدين السيوف) وفي بعضها: متقلدين، وانتصابه على الحال، وإنما خص بني النجار لأنهم أخواله من أعقاب خزرج، والنجار هذا اسمه تيم اللات وإنما سمي النجار لأنه اختتن بالقدوم، وقيل: ضرب إنسانًا بالقدوم، وكان هاشم تزوج سلمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار.
(كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله) الملأ: الأشراف، لفظ مفرد، ومعناه الجمع (حتى ألقى بفناء أبي أيوب) الفناء -بكسر الفاء والمد- ما امتد من جوانب الدار، وإنما ألقى هناك لأن ناقته بركت هناك.
قال ابن سعد: كان يمر على بيوت الأنصار، ما كان يمر على بيت إلا قالوا: هلم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوة والمنعة والثروة فيدعو لهم فيقول: "دعوها فإنها مأمورة" فلما وصل إلى بيت أبي أيوب تجاوزت عنه، [ثم] عادت فبركت فنزل عنها وقال:"هذا المنزل إن شاء الله".
(وكان يصلي في مرابض الغنم) جمع مربض، مأوى الغنم من ربض بالمكان إذا أقام به (يا بني النجار: ثامنوني بحائطكم هذا) أي: اذكروا لي ثمنه والباء زائدة، والحائط: كل حديقة عليها الجدران تسمية للشيء بما يجاوره (قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى
اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَاّ خَيْرُ الآخِرَهْ
…
فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
ــ
الله) لا زائدة لتوكيد القسم كما في {لا أُقْسِمُ} [لقيامة: 1] وضمن الطلب معنى التوسل فعدي بإلى، وليس في هذا الحديث أنه اشتراه، إلا أن أهل السير ذكروا أنه اشتراه، واختلفت أقوالهم في كيفية الشراء، فقيل: اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أبا بكر بإعطاء ثمنه. عشرة دنانير، وقيل: اشتراه أبو أيوب، وقيل: اشتراه معاذ بن عفراء. وكان الحائط لسهل وسهيل ابني رافع بن عمرو النجاري، وكانا في حجر أسعد بن زرارة.
فإن قلت: إذا كان الحائط ليتيمين فما وجه قول بني النجار: لا نطلب ثمنه إلا [إلى] الله؟ قلت: معناه أنهم يشترونه بمالهم ويجعلونه لله، أو أن لفظ اليتيم باعتبار ما كان، وذلك أن ابن عبد البر ذكر أن سهلًا من أصحاب بدر.
(قال أنس: فكان فيه ما أقول لكم، فيه قبور المشركين، وفيه خرب وفيه نخل) قوله: فيه قبور المشركين وما عطف عليه بدل من قوله: فيه ما أقول لكم والخَرِب -بفتح المعجمة وكسر الراء- جمع خَرْبة بفتح الخاء وسكون الراء كنبق في نبقة، وقيل: بكسر الخاء، وفتح الراء جمع خِرْبة بكسر الخاء وسكون الراء كنعم في نعمة، وقيل: بضم الخاء وفتح الراء- جمع خُرْبة بضم الخاء وسكون الراء كعلب في علبة. قال ابن الأثير: ويروى بالحاء المهملة والثاء المثلثة أي: مكان الزرع.
(وجعلوا عضادتيه الحجارة) -بكسر العين وضاد معجمة- جانب الباب، مأخوذ من العضد؛ لأن قوام الأبواب به (وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون) الارتجاز قول الرجز، وهو بحر من الشعر، سُمي به لأنه أخف من سائر البحور، حتى ذهب بعضهم إلى أنه ليس بشعر (والنبي صلى الله عليه وسلم معهم) أي: ينقل الحجر (وهو يقول:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة)
لأن ما عداه فانٍ، وكل فانٍ كالعدم، واستشكل بعضهم هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى قال في شأنه:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي} [يس: 69] فأجاب بعضهم بأنه رجز، والرجز ليس بشعر، وقال آخرون: لم يقرأه موزونًا وكان يتلفظ بالتاء في قوله: