الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
342 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ شَهِدْتُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
343 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ فَضَرَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
6 - باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا.
ــ
ليس في البُخَارِيّ ومسلم الزيادةُ على هذا لا سيما لفظ إنما، فإنَّه يدل على الحصر، وبه يندفع ما يقال: ذكر الكفين إنما كان للتعليم، وأما القياس فليس بشيء؛ لأنه قياس في مقابلة النص، وجَزْمُ البُخَارِيّ به في الترجمة يدل على أنَّه مختاره.
343 -
(محمَّد بن بشار) بفتح الباء وتشديد الشين (غُنْدر) بضم الغين المعجمة وفتح الدال، وتمام الكلام في الباب الذي قبله.
باب: الصعيد الطِّيب وضوء المسلم يكفيه من الماء
اختلف العلماء فيما يجوزُ به التيمم؛ ذهب الشَّافعيّ والإمام أَحْمد إلى أن التُّراب معين لقول ابن عباس: الصعيد هو الترابُ، والطيب هو المنبت؛ لأن الطِّيب يوصف به الحلال، ولا يلائم المقام، فأريد به المنبت، قال تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] وللحديث: "جُعلت لي الأرضُ مسجدًا وترابها طهورًا" ولآية المائدة: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فإن من تبعيضية، ذكره في "الكشاف".
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى جوازه بكل ما على وجه الأرض؛ لأنه الصعيد على ما نقله الجوهري عن ثعلب. قال الله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] والترابُ لا يكون زلقًا، وأجابوا عن آية المائدة تارةً بأن من ابتدائية، وأخرى بأن الضمير في منه
344 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ
ــ
للحديث. والحقُ الذي لا محيد عنه أن قوله: "ترابها طهورًا" بيانٌ للصعيد، ورافع للاحتمال وزيادة منه في المائدة أَيضًا صريحٌ في ذلك. ألا ترى أن صاحب "الكشاف" مع كونه حنفيًا، وله في العربية اليدُ الطولى والسابقة الأولى، كيف سلم ذلك.
قال بعض الشارحين إلزامًا لمن قال بغير التُّراب: المطلق يحمل على المقيد إذا اتحد السبب وفاقًا. وفيه نظرٌ من وجهين:
الأول: أن اتحاد السبب لا يكفي، بل لا بد من اتحاد الحكم أَيضًا. الثاني: أن هذا ليس من قبيل المطلق والمقيد، بل لفظ مشترك مجمل، ولفظ التُّراب بيانٌ لذلك المجمل.
(وقال الحسن: يجوزُ التيمم ما لم يحدث) وإليه ذهب أبو حنيفة. وفي روايةٍ عن مالك: يصلي بالتيمم صلاة إن كانت قضاءً. وقال الإِمام أَحْمد: يصلي به الصلاتين إذا جَمَعَ بينهما، وتقضى به الفوائت والنفل إلى آخر الوقت. وقال الشَّافعيّ: لا يصلي به إلَّا فرضًا واحدًا، والتطوع ما شاء لأنه ضرورة تقدر بقدر الحاجة.
(وأمّ ابن عباس وهو متيمم) وبه قال أبو حنيفة والشافعي، لكن على أصل الشَّافعيّ فيه إشكالٌ، وذلك أن التيمم ليس رافعًا عنده، بل مستحبًا مع بقاء الحدث، فكما لا يجوزُ اقتداء القائم بالقاعد لكونه بناءً للقوي على الضعيف، فكذا اقتداء المتوضئ بالمتيمم.
(وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالصلاة على السبخة، والتيمم بها) هذا مما لا خلاف فيه إذا ارتفع منه غبار. والسبخة -بكسر الباء- الأرضُ التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلَّا الشجر. كذا قال ابنُ الأثير. والاستدلال على الجواز بأن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبخة، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة لا يخفى ما فيه.
344 -
(مسدَّد) بضم الميم وتشديد الدال المفتوحة (عوف) بفتح العين آخره فاء (أبو رجاء) -بفتح الراء والجيم مع المد- العطاردي اسمه عمران بن مِلْحان بكسر الميم
عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَاّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِىَ عَوْفٌ - ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لَا نَدْرِى مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِى أَصَابَهُمْ قَالَ «لَا ضَيْرَ - أَوْ لَا يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا» . فَارْتَحَلَ
ــ
(عِمران) -بكسر العين- ابن حُصَين، على وزن المصغر، الصحابي الجليل القدر، كانت الملائكةُ تُسلم عليه. فلما اكتوى تركته الملائكة.
(كنا في سفر) في رواية مسلم عن أبي هريرة: حين قَفَل من خيبر، وقيل: حنين، وقيل: في غزوة تبوك، وقيل: كان بالحديبية. قال النووي: وقع لهم هذا في أسفار متعددة.
قلتُ: النَّوم وقع مرارًا، ولكن قضية البدوية صاحبة المزادتين كما في هذه الرواية واحدة بلا خلاف.
(وإنا أسرينا) الإسراء من السري وهو السير ليلًا يقال: سرى وأسرى بمعنىً واحد (حتَّى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة عند المسافر أحلى منها) عبر عن النَّوم بالوقعة، كناية عن غلبة النَّوم كأنهم سقطوا من غير اختيار (فكان أولَ من استيقظ فلان) بنصب أول، وفلان: اسم كان.
(ثم عمر بن الخَطَّاب) وفي رواية: أول من استيقظ أبو بكر، وفي أخرى: أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه دلالةٌ على تعدد الواقعة (وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه) وقد عَلَّله بقوله: (لأنا لا ندري ما يحدُثُ له في نومه) لأن رؤياه وحيٌ (وكان رجلًا جليدًا) فعيل: من جَلُد بضم اللام. قال ابن الأثير: الجليد: القويُ في نفسه وجسمه.
(لا ضير أو لا يضير) الشك من عمران، يقال: ضار يضير بمعنى ضرّ يضرّ (فارتحل
فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِىَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّىَ مَعَ الْقَوْمِ» . قَالَ أَصَابَتْنِى جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» . ثُمَّ سَارَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلَانًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ» . فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِى بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا. قَالَا لَهَا انْطَلِقِى إِذًا. قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالَا
ــ
فسار غير بعيد، نزل فدعا بالوَضوء) بفتح على الأشهر إنما ارتحل من ذلك المكان، لأنه مكان غفلة عن عبادة الله كره الوقوف به. وسيأتي أنَّه قال:"هذا وادٍ حَضَر فيه الشيطان"، وبه سَقَطَ استدلال من يقول: إنه ارتحل لكراهة الوقت، وأيضًا لم يكن وقت الاستيقاظ وقت الكراهة، ألَا ترى إلى قوله: ما أيقظهم إلَّا حَرّ الشَّمس. وأما السؤال بأنه كيف نام حتَّى فاتته الصلاة؟ فقد أكثر في الجواب عنه بما لا طائل تحته.
والصوابُ أنَّه كان يسري [عليه] من لوازم النَّوم والوقت بما يدرك بالبصر كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: "تنام عيني ولا ينام قلبي".
(أصابتني جنابة ولا ماء [قال]: عليك بالصعيد، فإنَّه يكفيك) هذا موضع الدلالة على الترجمة (فدعا فلانًا كان يسميه أبو رجاء) هو عمران بن حُصين، جاء صريحًا في رواية (فلقيتنا امرأة بين مزادتين أوسطيحتين) المزادة -بفتح الميم-: قِرْبَةٌ زيد فيها من جلد آخر.
والسطيحة: قِرْبة لم يزد فيها شيء، قال ابن الأثير: سميت بذلك، لأن كل واحدٍ من الجلدين قوبل بالآخر فسطح عليه.
(عهدي بالماء أمسِ هذه الساعة) عهدي: مبتدأ، وبالماء خبره، وأمس ظرف الخبر، وهذه الساعة بدل عنه بدل بعض. أي: في مثل هذه الساعة (ونفرنا خلوفًا) -بضم الخاء المعجمة- جمع خالف كقعود في قاعد، والخالف: الغائب، والنفر من الثلاثة إلى العشرة من الرجال خاصة؛ لأنهم ينفرون أي: يخرجون في المهمات. والظاهر أن هذا من إطلاق
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتِ الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالَا هُوَ الَّذِى تَعْنِينَ فَانْطَلِقِى. فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ - أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِىَ، وَنُودِىَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِى أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ» . وَهْىَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا،
ــ
المقيد على المطلق؛ إذْ معلوم أنّ ليس غرضُها أن رجال قومها ما دون العشرة (الذي يقال له الصابئ) -بالهمز- من صبأ: إذا خَرَج من دين إلى آخر. ويقال: صبا يصبو إذا مال. (هو الذي تعنين) أي الذي يقال له ذلك، ولم يزجراها عن هذا الكلام لأنها مشركة جاهلة، وليس لذلك فائدة في الحال (ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين) جمع الأفواه كراهةَ اجتماع تثنيتين، كما في صغت قلوبكما (وأوكأ أفواههما، وأطلق العَزَالي) -بفتح العين والزاي وكسر اللام-: جمع عزلاء -بفتح العين والمدّ- قال الجوهري: هو فم المزادة الأسفل.
فإن قلت: لم أفرغ أولًا من الأفواه ثم من العزال؟ قلت: القوم كانوا عطاشًا، فبادر إلى دفع ذلك سريعًا، ولما قضى ذلك الوطر أطلق العزال لأنه أسهل (نودي في النَّاس: اسقوا واستقوا) فعال من السقي، يقال، استقى الماء إذا أخذ لنفسه، وسقى أي: غيره ويقال فيه أَيضًا: أسقى بهمزة القطع. قرئ بهما (فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة) انتصب آخر خبر كان، واسمه: أن أعطى (وايم الله) بالقطع والوصل، والثاني أكثر. أصل أيمن خفف بحذف النُّون لكثرة الاستعمال، ولذلك سقطت همزته في الدَّرْج، وقد ذكروا فيه نحوًا من عشرين لغةً (لقد أقلع عنها) على بناء المجهول، أي: كفّ عن أخذ الماء. (وإنه ليخيل إلينا أنها أشدّ مِلأة) يخيل على بناء المجهول، ومِلأة -بكسر الميم وفتحها -أي: أشدّ امتلاءً. وهذا من باهر معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو نَصٌّ في أن لم يأخذ من مائها قطرة بل زادها.
وقد أورد الإشكال وأجابوا خطأ وصوابًا مع أنَّه لا دلالة للفظ عليه أصلًا. الإشكال: أن المرأة كانت حربية، ومجرد الاستيلاء يوجب إرقاقها فكيف أطلقت ولا إشكال فيه، لأن للإمام فضلًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمن على الأسير بنص القرآن. قال تعالى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].
فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «اجْمَعُوا لَهَا» . فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى أَسْقَانَا» . فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِى رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِى إِلَى هَذَا الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ. وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِى السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِى هِىَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلَامِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلَامِ.
ــ
(فقال صلى الله عليه وسلم: أجمعوا لها. فجمعوا لها ما بين عجوة) -بفتح العين- نوع من التمر (دقيقه وسويقه) -بفتح الدال والسين- ويجوزُ على بناء المصغر (قال لها تعلمين ما رزأنا من مائك شيئًا) -بالراء المهملة ثم المعجمة -أي: نقصنا (فأتت أهلها، وقد احتبست عنهم) أي: عن الوقت المتعارف لأنهم عدلوا بها عن طريقها.
(هذا الذي يقال له: الصابئ ففعل كذا وكذا) كناية عما رأته مما فعل بمائها (فكان المسلمون يغيرون بعد ذلك على من حولها) -بضم الياء- من الإغارة، ويجوزُ الفتح فيه (ولا يصيبون الصرم الذي هي منه) -بكسر الصاد- قال ابن الأثير: جماعة ينزلون ناحية من الماء بإبلهم (فقالت يومًا لقومها: ما أرى هؤلاء يدعونكم عَمدًا) -بضم الهمزة- وما: موصولة، أي: الذي أظن أن هؤلاء يدعونكم عمدًا، لعلكم تسلمون. وفي بعض النسخ: ما أدري، والمعنى قريب من الأول، ويجوزُ أن تكون (ما) نافية، والمعنى: لا أرى وجه تخلفكم عن الإِسلام مع أن هؤلاء إنما يدعونكم. وعن أبي البقاء جواز كسر إن على الاستئناف. أي: لا أدري لماذا تخلفكم؟ ثم استأنفت الكلام على وجه التعليل إن هؤلاء يدعونكم عمدًا.
وفي الحديث الإرشاد إلى المحافظة على العهد والذمام وإن كان مع الكافر، وأن الرفق وحسن الخلق محمود في المواطن كلها. وأما أخذ مائها وصرفها عن مقصدها فلا إشكال فيها، لأنها حربية بلغتها الدعوة. ألا ترى كيف قالت: الذي يقال له: الصابئ. فلا وجه لما يقال: الضرورات تبيح المحظورات. وبين فقه الحديث تقديم المحتاج إلى الماء للشرب على الوضوء والغسل، ومن أصاب ذنبًا في بلدٍ يحسن له الارتحال منه، واستدل بقوله: نودي