الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - كتاب الصلاة
1 - باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِي الإِسْرَاءِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِى أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ يَأْمُرُنَا - يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.
ــ
كتاب الصلاة
باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء
الصلاة لغة: الدعاء، قال تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]. قال صحاب "الكشاف": يقال صلى إذا حرك الصلوين، ولما كان المصلي يحركهما في الصلاة اشتق له منه، ولما اشتملت الصلاة على الدعاء أطلق عليه لفظ الصلاة، ورد هذا الكلام المحققون بأن لفظ الصلاة بمعنى الدعاء شائع في أشعار العرب أهل الجاهلية مع عدم علمهم بالصلاة الشرعية التي هي عبارة عن الأركان المخصوصة.
(وقال ابن عباس: حَدَّثني أبو سفيان في حديث هرقل، يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف) رواه تعليقًا. ورواه في بدء الوحي مسندًا. ثم وجه إيراده هنا أن أَبا سفيان أخبر بهذا بعد صلح الحديبية وذلك بعد الإسراء؛ فإن الإسراء كان بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب، وقيل: سنة خمس أو ست، ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول، أو السابع والعشرين من ربيع الآخر. هذه الأقوال ذكرها النووي، وقيل غير هذا والله أعلم.
وحديث الإسراء متواتر. قال ابن الجوزي: رواه علي وابن مسعود وأبي وحذيفة وأبو سعيد الخُدرِيّ وجابر وأبو هريرة وابن عباس وأم هانئ وأبو ذر، أما بعد الصَّحَابَة فرواه أمة لا تحصى.
واختلف في كيفية الإسراء هل كان بالروح أو الجسد، والثاني هو الصواب، وكذلك أنكر المشركون غاية الإنكار، واختلف أَيضًا في تعدده، أو كان مرة، والثاني هو الصواب، واختلف أَيضًا في أن المعراج هو الإسراء أو غيره، والأول هو الصواب إن شاء الله، وعليه
349 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِى، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِى ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَعَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
ــ
عول المصنف بقوله: (كيف فرضت الصلاة في الإسراء) على أن الإجماع على أنها فرضت ليلة المعراج.
349 -
(يحيى بن بكير) بضم الباء، على وزن المصغر (أبو ذر) هو الغفاري المشهور، اسمه: جندب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة) أي: كشف، هذا أمر خارق للعادة ليكون أنموذجًا لما يأتي بعده (فنزل جبريل) وكان معه ميكال، وقيل طائفة أخرى من الملائكة أَيضًا، وسيأتي في البُخَارِيّ: ثلاثة نفر (ففرج صدري) أي: شقه (ثم غسله بماء زمزم) ولعل الحكمة في إشارة ماء زمزم أنَّه حصل بفيض من الله لأبيه إسماعيل من غيره، فناسب أن يكون مقره كذلك الفيض الباهر، وزمزم غير منصرف للعلمية والتأنيث (ثم جاء بطست من ذهب) أصله: طس بسين مدغمة قلبت الثَّانية تاء لقرب المخرج (ممتلئ حكم وايمانًا) أي: معارف إلهية أصولًا أو فروعًا، وتقديم الحكمة على الإيمان لأن الإيمان كان موجودًا أو آثر أسلوب الترقي، وكونها في آنية الذهب لأنها أشرف أواني الجنة، وأما كون آنية الذهب لا يجوز استعمالها لا يرد؛ فإن هذا أمر من عالم الملكوت خارق للعادة، وأيضًا الحرمة إنما هي على أمته، والاستعمال هنا من الملائكة فلا إشكال.
فإن قلت: الحكمة والإيمان أمران معقولان، فكيف ملئ بهما الطست؟ قلت: جعلهما الله في صورة الأجسام كما تجعل الأعمال الصالحة في صورة الأجسام النورانية يوم الحساب، أو هذا تمثيل وتصوير للمعقول في صورة المحسوس، والأول هو الوجه، ولفظ الامتلاء إنباء عن غاية الوفور، وأيده بلفظ الإفراغ.
(ثم أطبقه) الضمير للصدر أي: غطاه من الطباق وهو الغطاء (ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا) الباء فيه للمصاحبة، وفي هذا الطريق اختصار لأن عروجه كان
قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ. قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَمُ.
ــ
على البراق إلى بيت المقدس (فلما جئت إلى السماء الدنيا) لم يقل: جئنا لأن مجيئه هو الأمر الغريب دون الملك، كذا قيل، ولكن سيأتي بلفظ الجمع في مواضع، وذلك أنَّه تحدث بهذا الحديث مرارًا بعبارات كلها صادقة (قال جبرائيل لخازن السماء: افتح) أي: الباب (قال: من معك؟ قال: محمَّد، فقال: أرسل إليه) أي: بالعروج، فإنهم كانوا كانوا عالمين برسالته لأن الله تعالى يخبر الملائكة ليلة القدر بما يقع في ذلك العام، وقيل: الاستفهام للتعجب لأنه حصل له ما لم يحصل لأحد قبل، وقيل: استفهام عن رسالته فإنَّه خفي عليهم لاستغراقهم في الطاعات كما أخبر الله: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20]. ولفظ إليه في أرسل إليه يؤيد الوجه الأول (فلما فتح علونا السماء الدنيا) هذه على رغم أنف الفلاسفة الأنجاس الذين يقولون: الفلك لا يقبل الخرق، ولو اجتمع الإنس والجن على وزن خردل منه لا يقدرون على فلقه (فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة) جمع سواد، وهو الشخص لأنه يرى من بعيد [أسود] قاله ابن الأثير (وإذا نظر قبل يساره بكى) إنما بكى حزنًا على أولاده، كما أنَّه ضحك إذا نظر أهل اليمن سرورًا بأهل الجنة.
فإن قلت: أرواح أهل النَّار في سجين تحت الأرض السابعة، وأرواح المُؤْمنين في عليين. قلت: لا منافاة فإنَّه في مقامه يشاهد الطائفتين، ألا ترى إلى قوله:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف: 44]، وقوله:{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} [الصافات: 55] فسقط ما يقال: كيف تكون أرواح الكفار في السماء وقد قال تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40]، والجواب عنه بأنه أراد الأرواح التي لم تتعلق بالأبدان، على أن تعلق الحمل على ذلك لا يصح لعموم لفظ نسم بنيه.
(فقال: مرحبًا بالنبي الصالح) نصب على المفعولية أي: أصاب الله به مكانًا ذا سعة،
وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِى عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ فَفَتَحَ». قَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِدْرِيسَ قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ
ــ
أو مفعول مطلق في موضع الترحيب. قال بعضهم: مفعول مطلق تقديره: أصبت رحبًا، وهذا سهو منه؛ لأن هذا تقدير المفعول به، وأيضًا صيغة الخطاب لا تصح مع قوله: مرحبًا بالنبي، وإنما لم يقل مرحبًا بك لأن في لفظ النَّبِيّ فخامة وإجلالًا لا يوجد في الخطاب، وعلى هذا الأسلوب جرى معه كلام سائر الأنبياء.
(هذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم) جمع نسمة، وهي الروح، قال ابن الأثير: كل ذي روح نسمة، وكأنه مأخوذ من نسيم الريح للطافة الروح (قال أنس: فذكر أنَّه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت منازلهم) الذاكر هو أبو ذر الذي روى عنه أنس، وقد جاء إثبات منازلهم في بعض الروايات. قال النووي: وما يقع من الاختلاف فليس بتناقض؛ لأنهم يسيرون في عالم الملكوت، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم كلهم في بيت القدس.
فإن قلت: قول موسى وعيسى: (مرحبًا بالأخ الصالح) ظاهر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن من نسلهم، فما وجه قول إدريس، وهلا قال مثل قول إبراهيم: مرحبًا بالابن الصالح؟ قلت: تواضع منه، وسيأتي أن الأنبياء كلهم إخوة، وقيل: لأن إدريس ليس من آباء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بصواب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد نوح بلا خلاف، ونوح من ولد إدريس كذلك.
فإن قلت: لم وصفه كل منهم بالصلاح، والنبوة فوق الصلاح؟ قلت: الصلاح وصف جامع لكل فضيلة وخصلة حميدة. وقال بعض المحققين: وصف الشيء بآخر قد يكون لتعظيم الموصوف كرجل عالم، وقد يكون لتعظيم الوصف منه، وصفة الأنبياء بالصلاح
الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِىَّ كَانَا يَقُولَانِ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ عُرِجَ بِى حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلَامِ» . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ
ــ
إشارة إلى أن الصلاح وصف يوصف به الرسل فيكون فيه ترغيب للسامع، ويجوز أن يكون اللام للعهد أي: الذي صلح لهذه الرتبة السنية.
(قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم) -بالزاي المعجمة- محمَّد بن حزم الأَنْصَارِيّ، تابعي جليل القدر (وأبا حبَّة الأَنْصَارِيّ) -بحاء مهملة وباء موحدة- قال الغساني: اسمه عامر، وقيل: زيد (ثم عرج بي حتَّى ظهرت لمستوى) بفتح التاء أي: علوه، الفضاء الذي لا عوج فيه (أسمع منه صريف الأقلام) صوت جريانها في الكتاب. قال الأصمعيّ: الصريف صوت ناب البعير إذا كان من الفحول يكون من النشاط، وإذا كان من الإناث يكون من الإعياء.
(قال ابن حزم وأنس: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة) هذا من مقول ابن شهاب داخل تحت الإسناد وليس من التعليق في شيء، نبه عليه أبو نعيم وكذا ذكره الإسماعيلي وآخرون. قيل: في هذا إشكال وهو أن النسخ قبل البلاغ واعتقاد وجوبه لا يجوز عندنا، وأجاب شيخ الإِسلام بأنه نسخ بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن نسخًا بالنسبة إلى أمته، ولا يدفع الإشكال لقوله:(فرض على أمتي).
والحق في الجواب أن التبليغ إلى كل من كلف به ليس بواجب قطعًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكلفًا بالصلوات، فعلمه بذلك كاف؛ لأن ما التزمه لازم لأمته إذا لم يكن من خواصه، وإلى ما فصلناه أشار البزدوي في دفع الإشكال بأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أصل هذه.
فإن قلت: قال الله تعالى للأمة في آخر المزمل: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] والمراد به صلاة الليل، وقال فيه:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] والمزمل من أوائل القرآن نزولًا. قلت: كانت الصلاة مشروعة في الجملة، وقيل: كانت صلاة الصبح وصلاة العصر وإليهما أشير بقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].
إِلَى مُوسَى قُلْتُ وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ. فَقَالَ هِىَ خَمْسٌ وَهْىَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى. ثُمَّ انْطَلَقَ بِى حَتَّى انْتَهَى بِى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِى مَا هِىَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ». طرفاه 1636، 3342
ــ
إنما الكلام في فرضية الصلوات الخمس (ارجع إلى ربك) أي: إلى الموضع الذي كنت تناجيه فيه.
(هي خمس وهي خمسون) أي: خمس عددًا وخمسون معنىً لأن الحسنة أقل ما يكون بعشر أمثالها، وأما النهاية باعتبار حال المصلي والأزمان والأماكن فلا يحيط به إلَّا علم علام الغيوب تعالى وتقدس (إلى سدرة المنتهى) وفي رواية:"السدرة" فعلى الرواية الأولى من إضافة الموصوف إلى الصفة، كمسجد الجامع، وهذه شجرة النبوة كما سيأتي وصفها. قال ابن عباس: لأن علم الملائكة لا يجاوزها غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن مسعود: لأن ما يصعد من تحت ينتهي إليها وكذلك ما ينزل من فوق (وغشيها ألوان لا أدري ما هي) أي: من كمال حسنها كما جاء في الرواية الأخرى: "ولا يقدر أحد من الخلق أن ينعتها"، وبه يسقط ما قيل: قوله: ما هي للتفخيم وإن كان معلومًا.
(ثم أدخلت الجنة) أي: بعد قضاء الوطر من مناجاة ربه تعالى وتخفيف الأمر على أمته. قال ابن دحية: (ثم) ليس على أصله من التراخي زمانًا، بل للتراخي رتبة، وليس كما قال، وأي رتبة فوق مناجاة رب العالمين؟ (فهذا فيها حبائل اللؤلؤ) بالحاء بعدها باء موحدة. قال ابن الأثير: كذا وقع في البُخَارِيّ، والمعروف جنابذ بالجيم جمع جنبذ -بضم الجيم وفتح الباء- معرب كنبذ فارسي معناه: القبة، قال: ويحمل ما في البُخَارِيّ على مواضع المرتفع كجبال الرمل كأنه جمع حبالة، وجبالة جمع جبل، والجبال في الرمل كالجبال في غير الرمل، وفي الحديث دلالة على فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الرسل، وعلى وجود الملائكة والجنة والنار، وأن السماوات ذات أبواب، وضل الصلاة على سائر فروع الإيمان لأنها فرضت من غير واسطة ملك، ودلالة على جواز النسخ قبل التمكن من الفعل، وأن ما في علمه تعالى لا يتبدل، وأما قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: 39]
350 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» . طرفاه 1090، 3935
ــ
و"الصدقة تزيد في العمر" ونظائره فليس فيه تبديل، بل الواقع هو الذي كان في علمه في الأزل، وهو المعبر عنه بالقضاء المبرم وغيره من القضاء المعلق.
350 -
(صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون الياء (عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حيث فرضها ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر).
فإن قلت: روي عن ابن عباس أن الصلاة فرضت في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين. قلت: رواية عائشة في مسلم والبخاري لا تقاومها رواية ابن عباس.
فإن قلت: يحمل قول عائشة على ما قبل الإسراء من صلاة العشي والإبكار. قلت: خلاف الظاهر لأن صلاة العشي والإبكار ليس لهما حديث معتمد، كيف والبخاري إنما أورد حديث عائشة في باب فريضة الصلاة في باب الإسراء.
فإن قلت: إذا أقرت صلاة السفر على الركعتين فكيف قال الشَّافعيّ وأَحمد: يجوز الإتمام؟ قلت: حملا القصر على الرخصة تخفيفًا، وأجاب بعضهم للشافعي بأن قول عائشة: يجوز أن يكون اجتهادًا، وليس بشيء لأن هذا مما لا مساغ فيه للاجتهاد، وعند أهل الحديث والأصول مثله من قبيل المرفوع.
فإن قلت: قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] الظاهر فيما قاله ابن عباس. قلت: بعد الزيادة في الحضر رفع الجناح عن المسافر، نظيره قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا