الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 - باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لَا يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِىَ.
ــ
قال النووي: حديث ابن مسعود منسوخ لأنه كان بمكة حين رجع من الحبشة.
(إذا شك أحدكم في صلاته فَلْيَتَحَرَّ الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين).
فإن قلت: أول الحديث دل على أن السجدتين قبل السلام، وآخره على أنهما بعد السلام؟ قلت: أشار بذلك إلى جواز الأمرين قال النووي: لا خلاف في الجواز، إنما الخلاف في الأفضلية. قال أبو حنيفة: الأفضل بعد السلام، والشافعي وأحمد قبل السلام، وقال مالك: إن كان السهو بزيادة يسجد بعد السلام ويتشهد له، وإن كان بالنقصان فقلبه، وإن جمع بين النقصان والزيادة فقبل السلام. وقال الشافعي: سجود السهو مندوب، وقال غيره واجب، وسيأتي في حديث ذي اليدين تمام الكلام إن شاء الله.
باب ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة
(وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين من الظهر وأقبل على الناس بوجهه) هذا التعليق هو بعض حديث ذي اليدين، وقد اختلف العلماء فيمن اجتهد في القبلة ثم أخطأ. فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنه لا إعادة عليه لما روى الترمذي وابن ماجه عن عامر بن ربيعة: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فصلوا إلى غير القبلة ثم تبين خطؤهم فلم يأمرهم بالإعادة ونزل قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]. وأجاب الشافعي بأن إسناد الحديث ليس بقوي، فإذا تيقن الخطأ يعيد الصلاة.
فإن قلت: ما وجه إيراد هذا التعليق هنا؟ قلت: حين أقبل على الناس بوجهه كان في الصلاة، وإقباله ساهيًا إلى غير القبلة لم يفسد صلاته.
402 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّى فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ
ــ
402 -
(عمرو بن عون) بفتح العين وسكون الواو وآخره نون (هشيم) بضم الهاء على وزن المصغر، وكذا (حميد) هو الطويل (قال عمر: وافقت ربي في ثلاث) أي: في ثلاث قضايا، والمعنى أنه كان في علم الله وتقديره ما ذهب إليه اجتهاده.
قال بعضهم: فإن قلت: كان موافقًا لربه في كل ما أمر به ونهى فأي وجه لتخصيص الثلاث؟ قلت: ذلك موافقة الرب في الأمر، أو المراد وافقني ربي في إنزال الآية، وإنما عدل عنه تأدبًا. هذا كلامه، ولا أدري ما معنى قوله: ذلك موافقة الرب في الأمر، وكيف يدفع السؤال؟ وأما قوله: عدل عن تلك العبارة تأدبًا يرد عليه ما جاء في سورة البقرة في تفسير قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] بلفظ وافقني ربي، فالتعويل على ما ذكرنا.
فإن قلت: اجتهاده وافق حكم الله في أكثر من هذه الثلاث كما في قضية أسارى بدر، وفي منع الصلاة على المنافقين، وقد ذكر أبو بكر بن العربي الموافقة في تسع قضايا؟ قلت: مفهوم العدد ليس دليلًا، ولئن سلم يكون حين أخبر لم يقع له إلا هذه الثلاث، أو الراوي لم يضبط غيرها. وقال شيخ الإسلام: وقفنا على خمس عشرة، وفي رواية الترمذي:"ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر، إلا ونزل القرآن فيه على وفق ما قال عمر".
(وآية الحجاب) عطف على مقدر أي: إحدى الثلاث: اتخاذ مقام إبراهيم مصلى،
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. أطرافه 4483، 4790، 4916
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِى حُمَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا.
403 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ
ــ
والأخرى آية الحجاب، ويجوز الجر على البدلية، بدل بعض.
قال بعضهم: آية الحجاب هي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] وقد سها فيه، فإن آية الحجاب كما سيأتي مكررًا هي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] إلى قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] والمحققون على أن معنى الحجاب أن لا يرى منهن ما يرى من سائر المؤمنات لا الوجه ولا الكف ولا يرى شخصهن وإن كن في إزار.
(قال أبو عبد الله: وحدثنا ابن أبي مريم) وفي بعضها: قال ابن أبي مريم، وقد نبهناك على أن قول البخاري عن أحد شيوخه قال فلان: ليس من التعليق في شيء بل إنما يكون تعليقًا إذا سقط من الإسناد شيخه، أو هو ومن فوقه، والفرق بين طريق ابن أبي مريم وطريق ابن عون التصريح من حميد بالسماع من أنس دون ابن عون، وفي التصريح الأمن من التدليس.
403 -
(عن عبد الله بن عمر: بينا الناس بقباء) بين ظرف زمان، وألفه للإشباع وربما يزاد عليه ما وقباء -بالضم بالمد- يجوز صرفه ومنعه باعتبار البقعة والمكان (من صلاة الصبح) لا ينافي ما تقدم من صلاة العصر؛ لأن ذلك في المدينة في مسجد بني حارثة
إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. أطرافه 4488، 4490، 4491، 4493، 4494، 7251
404 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا فَقَالُوا أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ «وَمَا ذَاكَ» . قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
ــ
(إذ أتاهم آت) قيل: هو عباد بن بشر (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن) هو ما يتعلق بتحويل القبلة فإنه يطلق على الكل، وعلى كل طائفة صلح مناطًا لحكم (فاستقبلوا وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة) لفظ استقبلوا -بفتح الباء- على لفظ الفعل، ويجوز أن يكون الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه، ويجوز الكسر على أنه أمر من ذلك الآتي، وهذا موضع الدلالة على الترجمة فإن بعض صلاتهم كان إلى غير القبلة قطعًا، ويعلم منه حال الناس، والمجتهد من باب الأولى.
404 -
(مسدد) بضم الميم وتشديد الدال المفتوحة (يحيى) هو القطان (الحكم) بفتح الحاء والكاف (إبراهيم) هو النخعي (قالوا: صليت خمسًا فثنى رجليه وسجد سجدتين) تقدم الحديث في الباب قبله. وموضع الدلالة هنا هذا المكان لأن الكلام كان وهو مستدبر القبلة وهو في الصلاة ولذلك لم يعدها، وقد قدمنا أن الشافعي يوجب على المجتهد في القبلة الإعادة إذا تيقن الخطأ، واعترض عليه بأنه يلزم نقض الاجتهاد، وذلك غير جائز كالحاكم إذا حكم يحكم ثم بَدَا له أن يحكم بخلافه، فأجاب بعضهم بأن القياس إلى الحاكم غير صحيح؛ لأنه فيه خللًا من وجهين:
الأول: أن الحق في الصورتين واحد وهو حكم الله في نفس الأمر لا شك فيه.
الثاني: أن لو سلم ما قاله فهو عليه لا له، وذلك أنه إذا كان متعددًا فلا يكون محل الخطأ والصواب واحدًا، فلا يلزم اجتماع النقيضين، بل الجواب للشافعي أن نقض الاجتهاد