المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأمر الأولمنزلة ابن حبان بين أهل النقد - النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد - جـ ٢

[إبراهيم بن سعيد الصبيحي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقسم الثاني«مناهج بعض أئمة النقد والمصنِّفين»

- ‌مقدمة

- ‌خطة العمل في هذا القسم:

- ‌البخاري

- ‌المبحث الأول: منهج البخاري في "الجامع الصحيح

- ‌المطلب الأول: فيما يتعلق بالأسانيد

- ‌الأمر الأولمنهج البخاري في انتقاء رجال "صحيحه" وكيفية إخراجه لحديثهم، أو: شرطه في رجال "صحيحه

- ‌ توطئة

- ‌أولاً: قول ابن طاهر في شروط الأئمة الستة:

- ‌ثانيًا: قول الحازمي في شروط الأئمة الخمسة:

- ‌ثالثًا: قول ابن تيمية:

- ‌رابعًا: قول العراقي:

- ‌مقصد تطبيقات العلامة المعلمي على منهج البخاري وشرطه في رجال "صحيحه

- ‌الأمر الثاني: انتقاء البخاري من أحاديث شيوخه المتكلم فيهم

- ‌الأمر الثالث: الرواة المتكلم فيه داخل "الصحيحين

- ‌الأمر الرابع: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في "الصحيح" يقتضي ضعْفَهُ أو لِينَهُ عندهما

- ‌الأمر الخامس: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في الأصول يقتضي أنه لا يحتج به عندهما

- ‌المطلب الثاني: فيما يتعلق بالمتون

- ‌الأمر الأولمن منهح البخاري في ترتيب أحاديث الباب

- ‌الأمر الثانيمن منهج البخاري في إخراج الحديث في باب دون باب

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌الأمر الثالثالأحاديث المنتقدة على "الصحيحين

- ‌الأمر الرابعما يعلقه البخاري بصيغة الجزم

- ‌الأمر الخامسرواية البخاري من حفظه

- ‌الأمر السادسفيما ذكر أن البخاري مات قبل أن يبيض كتابه

- ‌المبحث الثاني: منهج البخاري في غير "الصحيحين

- ‌أولًا: شيوخه:

- ‌ثانيًا: غير شيوخه:

- ‌المبحث الثالث: البخاري وكتابه "التاريخ الكبير

- ‌المطلب الأولطريقة البخاري في إخراج كتابه "التاريخ الكبير" ومنهجه في تصنيفه والجواب المجمل على ما أُخذ عليه فيه

- ‌المطلب الثانيإشارة البخاري أحيانًا إلى حال الرجل بإخراج شيء من حديثه في ترجمته من "التاريخ

- ‌المبحث الرابع: اصطلاح البخاري في بعض عبارات الجرح

- ‌أولاً: قوله: "فيه نظر"، "سكتوا عنه"، "منكر الحديث

- ‌ثانيا: قوله: "لم يصح حديثه"، "في إسناده نظر"، "يتكلمون في إسناده

- ‌مسلم بن الحجاج

- ‌المطلب السابعمنهج مسلم في ترتيب روايات الحديث في الباب الواحد

- ‌النوع الأولما وقفتُ فيه لمسلمٍ فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها

- ‌نموذج (1)في باب: مواقيت الحج والعمرة

- ‌نموذج (2)في باب: من باع نخلا عليها ثمر

- ‌نموذج (3)في أول كتاب القسامة

- ‌النوع الثانيما نبَّهَ مسلم عقب إيراده على ما وقع فيه من الوهم أو المخالفة

- ‌نموذج (1)

- ‌نموذج (2)

- ‌نموذج (3)

- ‌النوع الثالثما يورد فى فيه مسلمٌ الحديثَ أولا بالسياق المحفوظ، ثم يشير إلى وروده من طريقٍ أخرى يسوق إسنادها أو يقول: بمثل إسناد السابق، لكنه يُعرض عن متنها

- ‌نموذج (1)في باب التيمم من "الصحيح

- ‌نموذج (2)راجع النموذج الآتي المتعلق بصلاة الكسوف في النوع الرابع

- ‌النوع الرابعما تدل طريقة عرضه لأحاديث الباب، ولقرائن تحتف بذلك على إرادته ترجيح أحاديث على أخرى

- ‌نموذج (1)الأحاديث الواردة في صفة صلاة الكسوف

- ‌نموذج (2)الأحاديث المتعلقة بصلاة العشاء: وقتها وتأخيرها

- ‌نموذج (3)أحاديث "سترة المصلي

- ‌النوع الخامس:ما شرح مسلم فيه ما وقع أحيانا من الإدراج في بعض الأحاديث، دون النص على وقوع ذلك

- ‌نموذج (1)باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن من "الصحيح

- ‌نموذج (2)باب: تحريم الكذب وبيان المباح منه:

- ‌أبو حاتم الرازي

- ‌1 - أيوب بن سويد الرملي:

- ‌2 - ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي:

- ‌3 - حسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي:

- ‌4 - سماك بن حرب الكوفي:

- ‌5 - ضرار بن صرد أبو نعيم الطحان الكوفي:

- ‌6 - عبد الرحمن بن النعمان بن معبد:

- ‌7 - أبو جعفر الرازي واسمه عيسى، واخلتف في اسم أبيه:

- ‌8 - مجاهد بن وردان:

- ‌9 - محمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي:

- ‌10 - الوليد بن الوليد بن زيد العنسي الدمشقي:

- ‌11 - يمان بن عدي الحضرمي الحمصي:

- ‌12 - يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب:

- ‌13 - يونس بن أبي يعفور العبدي الكوفي:

- ‌ابن معين

- ‌الأمر الأولاختلاف قوله في الراوي

- ‌الأمر الثانيتكذيبه أحيانًا بمعنى كثرة الخطأ ونحوه

- ‌الأمر الثالثقوله "ليس بثقة" قد يريد به نفي الدرجة العليا من التوثيق

- ‌الأمر الرابعتشدده أحيانًا فيما يتفرد به الراوي

- ‌الأمر الخامسمعنى قول ابن معين: ليس بشيء

- ‌الأمر السادستوثيقه لبعض المجاهيل

- ‌الأمر السابعتوثيقه لمن ضعفه غيره

- ‌الأمر الثامنتجمُّل بعض الرواة الضعفاء لابن معين واستقباله بأحاديث مستقيمة فيُحسن القولَ فيهم

- ‌الإمام أحمد بن حنبل

- ‌الأمر الأولكيف يشير إلى تعليل الروايات في "مسنده" أحيانا

- ‌الأمر الثانيمنهجه في ترتيب الروايات في "المسند" من حيث القوة

- ‌الأمر الثالثموضوع "المسند" وهل يخرج فيه مراسيل

- ‌الإمام مالك بن أنس

- ‌قضية تركه للعمل بما لم يعمل به أهل المدينة

- ‌عبد الله بن المبارك

- ‌الأول: أن من عادته تتبع أصول شيوخه:

- ‌الثاني: هل روايته عن الرجل تقويه

- ‌الثالث: هل هو ممن لا يشدد في الرواية عن الرجال

- ‌الإمام النسائي

- ‌المبحث الأول: منهجه في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الأولشرط النسائي في الرجال مقارنةً بشرط الشيخين

- ‌المطلب الثانيتوسُّعُه في توثيق المجاهيل

- ‌المبحث الثاني: منهجه في إيراد اختلاف الروايات في سننه

- ‌تطبيق يتعلق بما نسب إلى النسائي من التشيع

- ‌ابن حبان

- ‌المطلب الأولما لا صلة له بمنهجه في الجرح والتعديل أو التصحيح والتعليل

- ‌الأمر الأولقولُ ابن الصلاح فيه: غلط الغلط الفاحش في تصرفه

- ‌الأمر الثانيما نُقل عنه أنه قال: "النبوة: العلم والعمل

- ‌الأمر الثالثما نُقل من إنكاره الحدّ لله تعالى

- ‌المطلب الثانيما يتعلق بمنهج ابن حبان في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل وغير ذلك

- ‌الأمر الأولمنزلة ابن حبان بين أهل النقد

- ‌الأمر الثانيمنهج ابن حبان في شرائط إيراده للرواة في كتاب "الثقات

- ‌الأمر الثالثفي ذكر بعض عادات ابن حبان في إيراد الرواة في كتاب "الثقات

- ‌أولًا: يذكر الرجل في "الثقات" بناء على أنه يروي المناكير التى رويت من طريقه أنَّ الحمل فيها على غيره:

- ‌ثانيًا: إذا تردد ابن حبان في توثيق راوٍ ذكره في "الثقات" وغَمَزَهُ:

- ‌ثالثًا: عادة ابن حبان فيمن لم يجد عنه إلا راوٍ واحدٍ:

- ‌الأمر الرابعفي درجات توثيق ابن حبان

- ‌الأمر الخامسفيما ذُكر من تعنت ابن حبان في باب الجرح في مقابل ما وُصف به من التساهل في باب التوثيق

- ‌الأمر السادسفي تفسير بعض الألفاظ التي يطلقها ابن حبان في كتاب "الثقات

- ‌أولاً: قوله: ربما أخطأ، وربما خالف، ونحوهما:

- ‌ثانيًا: قوله: يغرب:

- ‌ثالثًا: قوله: يخطىء ويخالف:

- ‌الأمر السابعفي شرائط ابن حبان في تصحيح الأخبار

- ‌الأمر الثامنفي النظر في طبقة شيوخ وشيوخ شيوخ ابن حبان

- ‌1 - طبقة شيوخ ابن حبان:

- ‌2 - طبقة شيوخ شيوخ ابن حبان:

- ‌الأمر التاسعأمثلة لما أُخذ على ابن حبان في توثيقه لمَنْ ضَعَّفَهُ في موضع آخر

- ‌الحاكم صاحب "المستدرك

- ‌المطلب الأولشرط الحاكم في كتابه "المستدرك

- ‌المطلب الثانيتناقضه في إخراج أحاديث في "المستدرك" بأسانيد قد وَهَّنَ هو بعض رجالها في مواضع أخرى

- ‌المطلب الثالثالبحث في القَدْر الذي أصاب الحاكم فيه التساهُل في "المستدرك"، والسبب في ذلك

- ‌المطلب الرابع:منزلته في التوثيق والتصحيح

- ‌ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام

- ‌الأمر الأولقول المعلمي فيما وقع لابن القطان من التصحيف في أسماء الرواة

- ‌الأمر الثانيما زدتُّه من بعميه الفوائد والنكات الحديثية المتعلقة بكتاب "بيان الوهم والإيهام

- ‌نماذج من مناقشات واعتراضات بعض الحفاظ على ابن القطان في جانب نقده للرواة

- ‌1 - الرد عليه في رميه هشام بن عروة بالاختلاط والتغير:

- ‌2 - الاعتراض عليه في إطلاق التجهيل على من لم يَطَّلِعْ على حاله من الرواة مع مناقشة هذا الاعتراض:

- ‌3 - عدم معرفة ابن القطان بأئمة كبار:

- ‌4 - الاعتراض عليه في ذهابه إلى أن انفراد الثقات أو اختلافهم لا يضر:

- ‌5 - الاعتراض على ابن القطان في إيطاله لكثير من تعليلات النقاد بأنواع من التجويزات والاحتمالات العقلية:

- ‌6 - الاعتراض عليه في رده مراسيل الصحابة:

- ‌تعليق مجمل على ما سبق

- ‌الضياء المقدسي صاحب "المختارة

- ‌الأمر الأولقول المعلمي في تصحيحٍ للضياء

- ‌الأمر الثانيما زدتُّه من بعض الفوائد والنكات المتعلقة بإخراج الضياء المقدسي للحديث في كتابه "المختارة" وتصحيحه له بناء على ذلك

- ‌1 - مدح كتابه لا سيما عند مقارنته بـ "مستدرك الحاكم

- ‌2 - تصحيحه ما لم يُسبق إليه:

- ‌3 - بعض ما انتقده الحفاظ عليه في "المختارة

- ‌أبو عوانة

- ‌الأمر الأولقول المعلمي في أبي عوانة والمستخرجات بصفة عامة

- ‌الأمر الثانيما زدتُّه من بعض النماذج التي وقفت عليها مما يؤيد تلك المعاني التي شرحها المعلمي

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌الأمر الأولالنظر في عقيدته وتقرير أنه كان على مذهب السلف

- ‌الأمر الثانيالنظر في مذهبه في الفروع

- ‌الأمر الثالثحول اختصاصه بالبغداديين

- ‌الأمر الرابعحول انفراده بالرواية عن الرجل وتصديقه إياه

- ‌الأمر الخامستثبته واحتياطه

- ‌الأمر السادسعادته في "تاريخه" التعويل فيما يورده من الجرح والتعديل على الكلام المؤخر في الترجمة

- ‌الأمر السابعالإشارة إلى وَهَن الراوي بإيراد الأحاديث الشاذَّة والمنكرة في ترجمته من "التاريخ

- ‌ابن الجوزي

- ‌الأمر الأولالنظر في عقيدته

- ‌الأمر الثانيالتنبيه على أنه لا يُعلم أنه يلتزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، والتنبيه على كثرة أوهامه في تصانيفه

- ‌الأمر الثالثكشف ما في كلامه في الخطيب من التجني والتحامل

- ‌ابن عدي

- ‌الأمر الأولذكره الأحاديث في ترجمة الرجل مع أن الحمل فيها على غيره واعتذار المعلمي عنه في بعض المواضع

- ‌الأمر الثانيالنظر في جواب المعلمي على رمي ابن عدي رجلا بالسرقة من أجل حديث واحد لا يتبين الحمل فيه عليه

- ‌الأمر الثالثمعنى قوله في التراجم: أرجو أنه لا بأس به

- ‌الدارقطني

- ‌البيهقي

- ‌الأمر الأولبيان عذر البيهقي في إخراج أحاديث البخاري وغيره بإسناد البيهقي إليهم، ونسبتها إليهم مع وجود خلاف في اللفظ

- ‌الأمر الثانيجواب الشيخ المعلمي عن قول البيهقي في حماد بن سلمة

- ‌الأمر الثالثمقارنة البيهقي بابن حبان والخطيب في معرفة دقائق هذا الفن

- ‌ابن قانع

- ‌وصفه الشيخ المعلمي

- ‌ نماذج مما تعقب فيه ابنُ حجر ابنَ قانع:

- ‌الدولابي

- ‌ نعيم بن حماد

- ‌ حماد بن سلمة

- ‌العقيلي

- ‌مسلمة بن القاسم الأندلسي

- ‌أبو الفتح الأزدي

- ‌السليماني

- ‌السيوطي

- ‌ابن التركماني

- ‌ابن سعد

- ‌ابن شاهين

- ‌ابن يونس

- ‌أبو الشيخ الأصبهاني

- ‌السُّلَمي

- ‌ابن طاهر

- ‌رزين بن معاوية العبدري

- ‌النووي

- ‌ابن تيمية

- ‌ابن السبكي

- ‌سبط ابن الجوزي

- ‌ابن فُورَك

- ‌ابن الثلجي

- ‌ابن قتيبة

- ‌ابن خراش

- ‌ابن نمير

- ‌عثمان بن أبي شيبة

- ‌دحيم

- ‌العجلي

- ‌ابن أبي خيثمة

- ‌ابن محرز

- ‌موسى بن عقبة

- ‌الحكيم الترمذي

- ‌بدر الدين العيني

- ‌ياقوت الحموي

- ‌الحسن بن صالح بن حي

- ‌الإمام أبو حنيفة

- ‌أبو بكر الرازي

- ‌عبد القادر القرشي

- ‌ابن خالويه

- ‌أبو الحسن الأشعري

- ‌الدميري

- ‌أبو جعفر الإسكافي

- ‌الثعالبي

- ‌الملك عيسى بن أبي بكر بن أيوب

- ‌ابن دحية

- ‌محمد بن مخلد أبو عبد الله العطار

- ‌ابن أبي الحديد

- ‌محمد رشيد رضا

- ‌الأمر الأولمناقشته في قضية خطيرة نسبها إلى أبي حامد الغزالي، وهو منها براء

- ‌الأمر الثانيالرَّدُّ عليه في قوله إن النهي عن كتابة الأحاديث متأخر عن الإذن بالكتابة

- ‌الأمر الثالثالجواب عما زعمه هو وأبو رية من تصديق النبي للمنافقين والكفار في أحاديثهم لعدم علمه بالغيب

- ‌الأمر الرابعهل السنة تنسخ القرآن أم لا

- ‌المدعو مسعود بن شيبة

الفصل: ‌الأمر الأولمنزلة ابن حبان بين أهل النقد

‌المطلب الثاني

ما يتعلق بمنهج ابن حبان في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل وغير ذلك

وهو المراد هنا.

وينتظم ذلك هنا في تسعة أمور:

‌الأمر الأول

منزلة ابن حبان بين أهل النقد

قال الحازمي في كتابه "شروط الأئمة الخمسة"(ص 31 - 32):

"ابنُ حبان أَمْكَنُ في الحديث من الحاكم". اهـ.

وقال ابن كثير في كتابه: "اختصار علوم الحديث"(ص 26):

"قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة، وهما خير من "المستدرك" بكثير، وأنظف أسانيد ومتونًا". اهـ.

قال أبو أنس:

قد نُسب ابنُ حبان إلى التعنت في الجرح، وإلى التساهل في التصحيح والتوثيق أيضا، وهذا مما قد يُوهِمُ الاضطرابَ في الحكم على ابن حبان من حيث الاعتماد عليه في باب النقد.

ص: 239

وسيأتي في الفصول الآتية شرحُ ما يدفعُ هذا الإيهامَ، ويُبَيِّنُ وَجْهَ الحكم عليه في الحالتين إن شاء الله تعالى.

وخلاصة ذلك: أنه وإن كان يتساهل في توثيق من لم يَعرف من حالهم شيئًا بناءً على البراءة الأصلية عنده، فإنه ربما تعنَّت فيمن وقف له على حديث منكر أو أكثر ممن وثقه جمهور الأئمة، فلا هو بالمتساهل مطلقًا، ولا هو بالمتعنت مطلقًا، ولِكُلِّ مقامٍ مقالٌ، فلا تعارض ولا إيهام، ويأتي تفصيل ذلك قريبًا، والله الموفق.

ومما يبُيّنُ منزلةَ ابن حبان عند الشيخ المعلمي، مع ما سيأتي من تفصيل قوله فيه:

(1)

أنه قابلَ قولَ أبي زرعة وأبي حاتم بقول ابن حبان في القاسم بن أُمية؛ ففي تعليق المعلمي على "الفوائد المجموعة"(ص 265):

"ذكر الرازيان أنه -يعني القاسم بن أمية- صدوق. وقال ابن حبان: يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، ثم ساق له هذا الحديث (1). وقال: لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر: شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أَوْلى.

أقول: بل الصواب تتبع أحاديثه، فإن وُجد الأمر كما قال ابن حبان ترجَّح قولُه وبان أن هذا الرجل تغيَّرت حالُه بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهمَ، وقد تفرد بهذا". اهـ.

(1) يعني حديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك".

ص: 240

قال أبو أنس:

فهاك منهجٌ للمعلمي تُضربُ له أكبادُ الإبل، وهو: أن الجرحَ المُفسَّرَ المُبَرْهَنَ عليه لا يُدفعُ بالتعديل المطلق، مهما تفاوتَ قدرُ الجارح والمعدِّل، بل ربما كان مع الجارح زيادةُ علمٍ أو غيرها من الملابسات، هذا حتى ولو كان الجارح معروفًا بالتعنت والمجازفة في الجرح.

وأوضحُ من ذلك في إرساء هذا المنهج ما ذكره الشيخ المعلمي في ترجمة مهنأ بن يحيى من "التنكيل" رقم (255) إذ قال فيه أبو الفتح الأزدي: "منكر الحديث".

فقال الشيخ المعلمي: "الأزدي نفسه متكلم فيه حتى رُمي بالوضع

و

في عبارة ابن الجوزي في "المنتظم"(8/ 368): ذكر -يعني الخطيب- مهنأ بن يحيى، وكان من كبار أصحاب أحمد، وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل، وحكى

عن أبي الفتح الأزدي

وهو يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكُلِّ

فلا يستحيي الخطيب أن يقابلَ قولَ الدارقطني في مهنأ بقول هذا ثم لا يتكلم عليه؟

أقول: عفا الله عنك يا أبا الفرج

وعليك في كلامك هذا مؤاخذات:

الرابعة: أن الأزدي ذكر مُتَمَسَّكَهُ، فلا يسوغُ ردُّ قوله إلا ببيانِ سقوطِ حجته.

أما متمسك الأزدي فهو أن مهنأ روى عن زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر حديثًا في الجمعة، ولا يُعلم رواه أحدٌ غيره عن زيد بن أبي الزرقاء، ولا أحد غير زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري، فلا يُعرف عن الثوري إلا بهذا الإسناد

فلو كان ابن الجوزي نظر في هذا الحديث وحَقَّقَ، لكان أَوْلَى به مما صنع، وعلى كل حال فغاية ما في الباب أن يكون مهنأ أخطأ في سند هذا الحديث، فكان ماذا؟ وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "كان من خيار الناس في حديث أحمد بن حنبل وبشر

ص: 241

الحافي، مستقيم الحديث" ويكفيه مكانته عند أحمد وثناء أصحابه عليه. والله أعلم". اهـ. كلام المعلمي.

قلت:

فانظر كيف أقام المعلمي لجرح الأزدي -على ما فيه- وزنًا؛ لَمَّا فسَّرَهُ الأزدي وبَيَّن مستنده فيه ولم يقبل المعلمي دَفْعَ ابن الجوزي له لمجرد ما في الأزدي من الطعن.

وفي جواب المعلمي عما رُمي به ابن حبان من المجازفة والتهور في الجرح أحيانًا يقول المعلمي في ترجمة ابن حبان من "التنكيل" رقم (200):

"إنما ذلك في مواضع غير كثيرة، يرى ما يستنكره للراوي، فيبالغ في الحطّ عليه، وهذا أمرٌ هيِّن؛ لأنه إن كان فيمن قد جرحَه غيره فكما يقول العامّة: "لا يضر المقتول طعنة" وإن كان فيمن وثقه غيره، لم يُلتفت إلى تشنيعه، وإنما ينظر في تفسيره وما يحتج به". اهـ.

(2)

مثال آخر لبيان منزلة ابن حبان عند المعلمي أنه قابلَ تجهيلَ أبي حاتم للراوي بمعرفة ابن حبان له.

فقد ترجم ابن أبي حاتم في "الجرح"(8 / ت 1431) لمصعب بن خارجة، ولم يزد في نسبه شيئًا، وبيَّض لشيوخه والآخذين عنه، ونقل عن أبيه قولَه فيه:"مجهول".

فقال الشيخ المعلمي في ترجمة مصعب من "التنكيل"(246):

"قد عرفه ابن حبان فقال في "الثقات": مصعب بن خارجة بن مصعب، من أهل سرخس، يروي عن حماد بن زيد وأبيه، روى عنه أهل بلده، مات سنة إحدى أو اثنتن ومائتين، وكان على قضاء سرخس". اهـ. كلام المعلمي.

ص: 242

قال أبو أنس:

واضح من سياق ابن أبي حاتم للترجمة أن أباه لم يعرف عنه سوى أنه وقع له هكذا في بعض الأسانيد. والله تعالى أعلم.

(3)

وفي ترجمة: مسلم بن أبي مسلم من "التنكيل" رقم (244):

"وثقه الخطيب لكن في "اللسان" أنه ربما يخطىء. وقال البيهقي: غير قوي، وقال أبو الفتح الأزدي: حدث بأحاديث لا يتابع عليها".

قال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات": مسلم بن أبي مسلم الجرمي، سكن بغداد، يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن الحسين ثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعين ومائتين.

وقدمنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله:"ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه.

فأما أبو الفتح محمد بن الحسن الأزدي، فليس في نفسه بعمدة حتى لقد اتهموه بوضع الحديث.

ومع ذلك فليس من شرط الثقة أن يُتابَعَ في كل ما حدَّث به، وإنما شرطه أن لا ينفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر.

والظاهر أن الأزدي إنما عنى الحديث الذي ذكره البيهقي، وهو ما رواه مسلم هذا عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا:"لا يقل أحدكم زرعته، ولكن ليقل حرثته". قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63 - 64].

ص: 243

وهذا الحديث أخرجه ابن جرير في تفسير الواقعة عن أحمد بن الوليد القرشي عن مسلم. وفي "اللسان" أن البيهقي أخرجه في "شعب الإيمان" من وجهين [عنه] وقال: إن مسلمًا غيرُ قويّ.

ولعل ابن حبان إنما أشار بقوله: "ربما أخطأ" إلى هذا الحديث، على أن الصواب موقوف، وأخطأ مسلم في رفعه.

ومسلم مكثر في التفسير كما يُعلم من "تفسير ابن جرير" فإن ترجح خطؤه في هذا الحديث الواحد لم يضره ذلك إن شاء الله.

وابن حبان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي". اهـ.

* * *

ص: 244