الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن التركماني
صاحب كتاب "الجوهر النقي في الرد على البيهقي"
(ت 749 هـ)
قال أبو أنس:
عَلَى ابن التركماني مؤاخذات عديدة في تعقباته للبيهقي، أوقعه فيها تعصبه لمذهبه، كشف بعضها الشيخ المعلمي.
1 -
ففي ترجمة الشافعي من "التنكيل"(1/ 423 - 426) يقول الشيخ المعلمي:
"ومن براعة الشافعي الفائقة ومهارته الخارقة أنه يجمع في مناظرته بين لطف الأدب وحسن العشرة واستيفاء الحق حتى في التشنيع
…
" إلى أن قال:
"ومن لطائفه ما تراه في "الأم" (6/ 160) ذكر مناظرته مع بعضهم إلى أن قال:
"وكانت حجته في أن لا يقتل المرأة على الردة شيئًا رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس
…
وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب، وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث، فسألناهم عن هذا الحديث، فما علمت واحدًا منهم سكت عن أن قال: هذا خطأ، والذي روى هذا ليس ممن يُثبت أهل العلم حديثه، فقلت له: قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شك في علمهم بحديثك
…
قال: إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس
…
".
فكأن الشافعي كان متوقعًا البحث في ذاك المجلس عن هذه المسألة، وأن يستدل مناظره بحديث أبي حنيفة عن عاصم وكره الشافعي أن يقول هو في أبي حنيفة شيئًا يسوء صاحبه، وكان لابد له من بيان أن الحديث لا يصلح للحجة. فتلطف في الجمع بين المصلحتين، بأن أوعز إلى جماعة من العلماء بالحديث أن يحضروا المجلس ليكون الكلام في أبي حنيفة منهم، ولعله أتَمَّ اللطفَ بأن أظهر أنه لم يتواطأ معهم على الحضور! وألطف من هذا أنه حافظ على هذا الخلق الكريم في حكايته المناظرة في كتابه وهو بمصر بعيدًا عن الحنفية؛ فقال:"رواه عن عاصم" وترك تسمية
الراوي عن عاصم؛ وهو أبو حنيفة. وقال في حكاية قوله الجماعة: "والذي روى هذا" ولم يقل: "وأبو حنيفة".
وقد حاول التركماني استغلال هذا الأدب؛ فقال في "الجوهر النقي":
"أبو رزين صحابي، وعاصم وإن تكلم فيه بعضهم. قال الدارقطني: في حفظه شيء. وقال ابن سعد: ثقة. إلا أنه كثير الخطأ في حديثه. فإن ضعَّفوا هذا الأمر لأجله فالأمر فيه قريب، فقد وثقه جماعة
…
وإن ضُعف لأجل أبي حنيفة فهو وإن تكلم فيه بعضهم فقد وثقه كثيرون، وأخرج له ابن حبان في "صحيحه"
…
".
أطنب في مدح أبي حنيفة، بلى أن قال:"وذكر أبو عمر في""التمهيد""أن أبا حنيفة والثوري رويا هذا الأثر عن عاصم. وكذا أخرجه الدارقطني بسند جيد عنهما عن عاصم. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عنه فقد تابع الثوري أبا حنيفة
…
".
كذا قال، وسعى جهده في قلب الحقائق؛ فذكر أولا احتمال أن يكونوا أرادوا عاصمًا، ومَهَّدَ لذلك بأن ذكر غمز الدارقطني وابن سعد له، ولما ذكر أبا حنيفة لم يذكر شيئًا من كلامهم فيه، وإنما اكتفى بخطفه مجملة، ثم راح يطنب في إطرائه، وذكر إخراج ابن حبان في "صحيحه"، ونسي كلام ابن حبان في أبي حنيفة في "كتاب الضعفاء" كما يأتي في ترجمة ابن حبان.
وغرضه أن يُوقع في نفس القارىء ترجيحَ أنهم أرادوا عاصمًا، وهو يعلم حق العلم أنهم إنما أرادوا أبا حنيفة، وأعرض عما رواه البيهقي نفسه في ذاك الموضع "
…
أحمد بن حنبل ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سألت سفيان عن حديث عاصم في المرتدة، فقال: أما مِنْ ثقةٍ فلا". وحكى عن "التمهيد"، ولا أشك أن صاحب "التمهيد" قد أوضح أن الثوري إنما سمعه من أبي حنيفة، ثم حكى عن الدارقطني. والذي في "سنن" الدارقطني المطبوع (ص 338): "
…
عبد الرزاق، عن سفيان، عن أبي حنيفة، عن عاصم
…
".
نعم ذكروا أن عبد الرزاق رواه في "مصنفه": "عن سفيان عن عاصم" ولا يبعد أن يكون سفيان إنما قال: "يحكى عن عاصم" أو نحو ذلك، فأطلق بعضهم:"سفيان عن عاصم" اتكالا على أنه لا مفسدة في هذا؛ لاشتهار سفيان بالتدليس، فلا يحمل على السماع، كما قدمت لضرحه في ترجمة حجاج بن محمد.
وقد ساق الخطيب في "تاريخه" بعض ما يتعلق بهذا الحديث، فاكتفى الأستاذ بالتبجح بأن سفيان قد روى عن أبي حنيفة! وقد روى ابن أبي حاتم في ترجمة الثوري من "تقدمة الجرح والتعديل" عن صالح بن أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد القطان قال:"سألت سفيان عن حديث عاصم في المرتدة، فأنكره. وقال: "ليس من حديثي".
وقد أعَلَّ ابن التركماني بعضَ الأحاديث بأن سفيان الثوري مدلس، وتغافل عن ذلك هنا مُصِرًّا على أن الثوري قد تابع أبا حنيفة.
وإذا تسامح العالم نفسه مثل هذه المسامحة، فالجاهل خير منه بألف درجة". اهـ.
2 -
وفي المسألة الحادية عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل": "للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة؛ سهم له وسهمان لفرسه"(ص 71 - 72).
ذكر الشيخ المعلمي مَنْ روى هذا الحديثَ عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال:
…
السابع: عبد الله بن نمير. رواه عنه الإمام أحمد في "المسند"(ج 2 ص 143): " .... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم للفرس سهمين وللرجل سهما". وكذلك رواه الدارقطني (ص 467) من طريق أحمد. ورواه مسلم في "الصحيح" عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، وأحال على متن سُليم بن أخضر قال:"مثله. ولم يذكر: في النفل". ورواه الدارقطني أيضًا من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن عبد الله بن نمير.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة": باب "في الفارس كم يُقسم له؟ من قال: ثلاثة أسهم":
حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير قالا: ثنا عبيد الله بن عمر
…
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللرجل سهمًا. "وذكره ابن حجر في "الفتح" عن "مصنف ابن أبي شيبة"، وذكر أن ابن أبي عاصم رواه في "كتاب الجهاد" له عن ابن أبي شيبة كذلك.
وقال الدارقطني (ص 469): "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا أحمد بن منصور (الرمادي) نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو أسامة وابن نمير
…
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا.
قال الرمادي: كذا يقول ابن نمير. قال لنا النيسابوري: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي؛ لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا، وقد تقدم ذكره عنهما. ورواه ابن كرامة وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا أيضًا وقد تقدم".
أقول: الوهم من الرمادي؛ فقد تقدم عن "مصنف ابن أبي شيبة": "للفرس، للرجل" وكذلك نقله ابن حجر عن "المصنف". وكذلك رواه ابن أبي عاصم عن ابن أبي شيبة كما مَرَّ، ويؤكد ذلك أن ابن أبي شيبة صدَّر بهذا الحديث البابَ الذي قال في عنوانه:"من قال ثلاثة أسهم" كما مَرَّ، ثم ذكر بابًا آخر عنوانه:"من قال: للفارس سهمان؟ " فذكر فيه حديث مجمع وأَثَرَيْ عليٍّ وأبي موسى، فلو كان عنده أن لفظ ابن نمير كما زعم الرمادي أو لفظ أبي أسامة أو كليهما:"للفارس، للراجل" لوضع الحديث في الباب الثاني
…
فإن قيل: فقد قال ابن التركماني في "الجوهر النقي": "وفي "الأحكام" لعبد الحق: وقد روي عن ابن عمر أنه عليه السلام جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا. ذكره أبو بكر بن أبي شيبة وغيره".
ونقل الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 417) حديث ابن أبي شيبة، وفيه:"للفارس، للراجل"، ثم قال:"ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الدارقطني في "سننه" وقال: قال أبو بكر النيسابوري
…
".
أقول: أما عبد الحق فلا أُراه إلا اعتمد على رواية الرمادي.
وأما ابن التركماني فالمعتبة عليه؛ فإنه ينقل كثيرًا عن "مصنف ابن أبي شيبة" نفسه، بل نقل عنه بعد أسطر أثرَ عليٍّ، فبها بالُه أعرض هنا عن النقل عنه، وتناوله من بعيد من "أحكام عبد الحق"؟!
وأما الزيلعي فلا أُراه إلا اعتمد على رواية الدارقطني عن النيسابوري عن الرمادي، فإما أن لا يكون راجع "المصنَّف" لظنه موافقته لما رواه الرمادي، وإما أن يكون حمل الخطأ على النسخة التي وقف عليها من "المصنف" ولم يتنبه لزاجم الأبواب، وإما -وهو أبعد الاحتمالات- أن يكون وقع في نسخته في "المصنف" خطأ كما قاله الرمادي. والله المستعان
…
التاسع: ابن المبارك، رواه عنه علي بن الحسن بن شقيق كما في "فتح الباري" ذكر رواية الرمادي، عن نعيم، عن ابن المبارك الآتية، ولفظها: "
…
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم للفارس سهمين وللراجل سهمًا"، ثم قال: "وقد رواه علي بن الحسن بن شَقِيق -وهو أثبت من نعيم- عن ابن المبارك بلفظ: أسهم للفرس" ولم يذكر بقيته؛ لأنه إنما اعتنى بلفظ الفارس والفرس، وقد قال قبل ذلك: "
…
فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة
…
بلفظ: أسهم للفارس سهمين. قال الدارقطني
…
".
فأما ما رواه الدارقطني (ص 469) "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا أحمد بن منصور (الرمادي) نا نعيم بن حماد نا ابن المبارك
…
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم للفارس سهمين وللراجل سهمًا. قال أحمد: "كذا لفظ نعيم عن ابن المبارك، والناس يخالفونه".
قال النيسابوري: "ولعل الوهم من نعيم؛ لأن ابن المبارك من أثبت الناس".
أقول: نعيم كثير الوهم، وكلام الحنفية فيه شديد جدًّا، كما في ترجمته من قسم التراجم، ولكني أخشى أن يكون الوهم من الرمادي، كما وهم على أبي بكر بن أبي شيبة، ولا أدري ما بليته في هذا الحديث مع أنهم وثقوه.
وقال ابن التركماني: "رواه ابن المبارك عن عبيد الله بإسناده فقال فيه: للفارس سهمين وللراجل سهمًا ذكره صاحب "التمهيد".
أقول: وهذه معتبة أخرى على ابن التركماني؛ إذ لم يذكر أن صاحب "التمهيد" إنما رواه من طريق الرمادي عن نعيم! والله المستعان. اهـ.
* * *