الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثاني
التنبيه على أنه لا يُعلم أنه يلتزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، والتنبيه على كثرة أوهامه في تصانيفه
(1)
قال الشيخ المعلمي في "التنكيل"(1/ 221):
"لا نعلمُ ابنَ الجوزي التزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، ولو التزم لكان في صحة الاعتماد على نقله نظر؛ لأنه كثير الأوهام، وقد أثنى عليه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" كثيرًا، ثم حكى عن بعض أهل العلم أنه قال في ابن الجوزي: "كان كثيرَ الغلط فيما يصنفه؛ فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره".
قال الذهبي: "نعم له وهم كثير في تآليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر، ومن أجلِ أن علمه من كتبِ صحفٍ ما مارس فيها أربابَ العلم كما ينبغي".
وذكر ابن حجر في "لسان الميزان"(3/ 84) حكايةً عن ابن الجوزي، ثم قال:"دلت هذه القصة على أن ابنَ الجوزي حاطبُ ليلٍ لا يَنْقُدُ ما يحدث به".
وقد وقفتُ أنا على جملةٍ من أوهامه:
منها: أنه حَكَى عن أبي زرعة وأبي حاتم أنهما قالا في داود بن عمرو بن زهير: "منكر الحديث" وإنما قالا ذلك في داود بن عطاء المدني، راجع التعليق على "تاريخ البخاري"(ج 2 قسم 1 ص 215).
ومنها: أنه حَكَى في إسحاق بن ناصح عن الإمام أحمد كلاما، إِنما قاله أحمد في إِسحاق بن نجيح، راجع "لسان الميزان"(1/ 376).
ومنها: أنه قال في الربيع بن عبد الله بن خطاف: "كان يحيى بن سعيد يُثْنِي عليه، وقال ابن مهدي: لا ترو عنه شيئًا"، وهذا مقلوب كما في ترجمة الربيع من "التهذيب".
ومنها: أنه حَكَى في سوار بن عبد الله بن سوار أن الثوري قال فيه: "ليس بشيء" مع أن سوارًا هذا إنما ولد بعد موت الثوري، وإنما قال الثوري تلك الكلمة في جده سوار بن عبد الله كما في "التهذيب".
ومنها: أنه حَكَى في صخر بن عبد الله بن حرملة الحجازي أن ابن عدي وابن حبان اتهماه بالوضع، وإنما اتهما صخر بن محمد، ويقال ابن عبد الله الحاجبي المروزي، راجع "التهذيب"، و"اللسان".
ومنها: أنه حَكَى في جعفر بن حيان أبي الأشهب البصري كلامًا عن الأئمة، إنما قالوه في جعفر بن الحارث أبي الأشهب الواسطي. راجع:"التهذيب".
ومنها: أنه ذكر معاوية بن هشام (1)، فقال: وقيل: هو معاوية بن أبي العباس روى ما ليس من سماعه فتركوه، كذا قال، ومعاوية بن هشام من الثقات لم يرو ما ليس من سماعه، ولم يتركه أحد، وإنما روى مروان بن معاوية الفزاري، عن معاوية بن أبي العباس أحاديثَ عن شيوخِ الثوري، وهي معروفة من حديث الثوري، فقال ابن نمير -وأخذه عنه أبو زرعة وغيره: إن معاوية بن أبي العباس رجلٌ متروكٌ، كان جارًا للثوري، فلما مات الثوري أخذ معاوية كتبه فرواها عن شيوخه فسمعوا منه، ثم فطنوا لصنيعه فافتضح وتركوه، وبقي مروان يروي عنه.
ورأى بعض الحفاظ أن معاوية بن هشام روى تلك الأحاديث عن الثوري، فسمعها منه مروان، ثم دَلَّسَ مروان اسمه وأسقط الثوري من السند فدلس مروان [تدليس] تسوية بعد تدليسه الاسم، وهذا القول على وَهَنِهِ كما بينته في تعليقي على
(1) انظر: ترجمته رقم (747) من قسم التراجم.
"الموضح"(1) لا يُفِيدُ أن معاوية بن هشام روى ما لم يسمع ولا أنهم تركوه، ولكنَّ ابنَ الجوزي جمع بين القولين؛ فإن القائل أن ابن أبي العباس روى ما لم يسمع وتركوه بَنَى على أنه غير معاوية بن هشام، والقائل أنه هو لم يقل أنه روى ما لم يسمع ولا أنهم تركوه.
ومنها: أنه ذكر في موضوعاته حديثًا رواه الطبراني قال: "حدثنا أحمد حدثنا إسحاق بن وهب العلاف حدثنا بشر بن عبيد الفارسي
…
".
ثم قال ابن الجوزي: "إسحاق كذاب
…
"، قال السيوطي في "اللآلىء" (1/ 206): "إنما الكذاب إسحاق بن وهب الطهرمسي فالتبس على المؤلف
…
" يعني ابن الجوزي، وصدق السيوطي، العلاف موثق وهو من شيوخ البخاري في "صحيحه" والطهرمسي كذبوه، إلى غير ذلك من أوهامه". اهـ.
(2)
وفي "الفوائد"(ص 97) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصرد أول طير صام عاشوراء".
رواه الخطيب (2) من طريق إسماعيل بن إسحاق الرقي حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه
…
قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 204): في إسناده: عبد الله بن معاوية، منكر الحديث.
فقال الشيخ المعلمي: "هذا من أوهام ابن الجوزي؛ فإن الذي قيل فيه "منكر الحديث" هو عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي،
(1)(2/ 424 - 425).
(2)
"تاريخ بغداد"(6/ 295 - 296).
والذي في السند منصوصٌ على أنه جمحي، وهو عبد الله بن معاوية وهو ابن موسى ابن أبي غليظ الجمحي، ثقةٌ عندهم.
والبلاء في هذا الحديث من غيره، إما أبيه، وإما الراوي عنه: إسماعيل بن إسحاق ابن الحصين المعمري الرقي ابن بنت معمر بن سليمان الرقي، رواه الرقي عن عبد الله: سمعت أبي يحدث، عن أبيه، عن جده، عن أبي غليظ بن أمية بن خلف، قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ.
أخرجه الخطيب في "التاريخ"(6/ 296) في ترجمة إسماعيل من وجهين عنه، ثم ذكر من وجهٍ ثالث عنه أيضًا، ولكن وقع فيه تخليط، ولم يذكر الخطيب في إسماعيل جرحًا ولا تعديلا، وإنما أشار إلى وهنه بذكر هذا الحديث، ولم يذكر إسماعيل في "الميزان"، ولا "اللسان"، وإنما ذكرا (1): معاوية بن موسى والد عبد الله، وفيهما:"هذا حديث منكر، رواه ثلاثة عن الرقي". اهـ.
* * *
(1)"الميزان"(4/ 137)، و"اللسان"(6/ 159).