الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدارقطني
(ت 385 هـ)
يشتمل هذا الموضع على:
التنبيه على منهج الدارقطني في عدم تقيّده بمذاهب المتقدمين في اشتراط إمعان الراوي في موافقة الثقات من أجل توثيقه، وقبول تفرداته.
في "الأنوار الكاشفة"(ص 112 - 114) خبرٌ أخرجه الخطيب عن مالك: "أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهي زوجته فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي -أي كعب الأحبار- يقول إنك من أبواب جهنم، فقال عمر: ما شاء الله، ثم خرج فأرسل إلى كعب، فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: ما هذا؟ مرّة في الجنة ومرّة في النار! قال كعب: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم، تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا متّ اقتحموا. وقد صدقت يمينه
…
فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة 23 هـ" (1).
تناول الشيخ المعلمي ما في هذه الحكاية مما يُستنكر من بيان وقت موت عمر على التحديد، فقد كان عمر في شهر ذي الحجة سنة 23 حاجًّا
…
إلى آخر ما قال رحمه الله، ثم قال:
(1) قال الحافظ ابن حجر في "اللسان"(4/ 91): "قد ذكر الخطيب عبد الوهاب بن موسى صاحب الترجمة في "الرواة عن مالك"، وكناه: أبو العباس، ونسبه زهريًّا، وأورد له من طريق سعيد بن أبي مريم، عنه، عن مالك، عن عبد الله بن دينار أثرًا موقوفا على عمر في قصةٍ له مع كعب الأحبار، وقال: إنه تفرد به، ولم يذكر فيه جرحًا.
وأورده الدارقطني في "الغرائب" من هذا الوجه، وقال: هذا صحيح عن مالك، وعبد الوهاب بن موسى ثقة، ومن دونه كذلك". اهـ. كلام الحافظ.
"وبَعْدُ فسند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجل يقال له: "عبد الوهاب ابن موسى" لا يكاد يعرف، وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذُكر في تاريخ البخاري، ولا كتاب ابن أبي حاتم، بل قال الذهبي في "الميزان": "لا يُدرى من ذا الحيوان الكذاب" (1).
وفي مقدمة "صحيح مسلم": "الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقاتِ من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه، قُبل منه
…
" (2).
وهذا الرجل لم يُمعن في المشاركة، فضلا عن أن يكون ذلك على الموافقة.
لكن هذا الشرط لا يتَقَيَّدُ به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني، ومن ثَمَّ -والله أعلم- وَثَّق الدارقطني عبد الوهاب هذا، وزعم أن الخبر صحيح عن مالك.
أما بقية سنده عن مالك فهو عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري، وسعد الجاري غير مشهور ولا موثق، ولا يُدرى أدركه عبد الله بن دينار أم لا؟
(1) قال الذهبي في "الميزان"(2/ 684): "عبد الوهاب بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بحديث: إن الله أحيا لي أمي فآمنت بي" الحديث. لا يُدرى مَنْ ذا الحيوان الكذاب؛ فإن هذا الحديث كذب مخالف لما صَحَّ أنه صلى الله عليه وسلم استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له. اهـ.
(2)
(ص 7) من "مقدمة مسلم"، وبقيته: فأما من تراه -يعني من الرواة - يَعْمد لمثل الزهري أو مالك كما في مثالنا- في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، وحديثه عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابه عنه حديثه على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنه -يعني ذاك الراوي- العددَ من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابه، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبولُ حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم. اهـ. بتصرف.
ومقطع الحق أن ليس بيد من يتهم كعبًا بالمؤامرة غير كلمات يروى أن كعبًا قالها لعمر، وقد كان عمر والصحابة أعلم بالله ورسوله وكتبه منا، وأعلم بعد أن طعن عمر بالمؤامرة وقد انكشفت وهو حي، وأعلم بحال كعب لأنه صحبهم وجالسهم.
والمعقول أنه لو كان فيما خطب به عمر ما يوجب اتهامه لاتهموه، وقد علمنا أنهم لم يتهموه، لا قبل انكشاف المؤامرة ولا بعده، فوجب الجزم بأنه لم يقع منه ما يقتضي اتهامه. اهـ.
قال أبو أنس:
يؤيد ما ذكره المعلمي ما ذُكر في مذهب الدارقطني في رفع الجهالة وإثبات العدالة:
قال السخاوي في "فتح المغيث":
"عبارة الدارقطني: من روى عنه ثقتان، فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته، وقال أيضًا في الديات نحوه.
وكذا اكتفى بمجرد روايتهما ابنُ حبان، بل توسع كما تقدم في مجهول العين، وقيل: يفصل، فإن كانا لا يرويان إلا عن عَدْلٍ قُبِلَ، وإلا فلا". اهـ.
* * *