الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا فهم دقيقٌ، تَدْعَمُه الممارسَةُ المَرِنَةُ للصحيحين، وهو سبيلٌ لم يُطْرَقْ بالقَدْر الكافي من المحققين.
وهذه الأحرف المشار إليها، والتي يعرفها الحذاق من أهل الاختصاص، لا تُعكر على أصل وضع "الصحيح" كما يتوهمه أكثر المعترضين، بل هي كالفوائد والنِّكات الإسنادية والمَتْنِيَّة، لم ير الشيخان إخلاءَ الكتابين منها، وهي دليلُ البراعة والتمكن، خلافا لمن لم يقبل ذلك، فعاد عليهما بالانتقاد والتناقض أحيانا.
ويبقى أن لكلٍّ من صاحبي "الصحيح" طريقته في سَوْق وعرض تلك الفوائد، يحتاج كل منهما إلى أن يُفرد بالبحث، للاقتراب من التصور المقبول لذلك.
وأنا أسوق في هذا القسم بعضَ النماذج التي تُلاحظُ بممارسة الصحيحين، أَعرضها على الباحثين للنظر في مدلولاتها، عسى أن تصلح نواةً لهذا المبحث، ودَرءا لما يكون أحيانا سببًا في توجيه نَقْدٍ أو رَمْي بنقصٍ لأحدهما.
أما البخاري فهناك ثلاثة نماذج نستعرضها للتأمل فيها، وأما مسلم فنؤخره إلى ترجمته:
النموذج الأول:
في باب: الأكفاء في الدِّين، من كتاب النكاح:
قال البخاري (5089): حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج. قالت: واللَّه لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود. اهـ.
فأقول:
هذا الحديث يشتمل على قصة ضباعة بنت الزبير، وهي أصح وأشهر ما يُستدل به على قضية الاشتراط في الحج، وحديثها معروفٌ من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، لكن اختلف على هشام فيه وصلا وإرسالا.
وقد أخرجه مسلم (1207) وصَدَّرَ به الباب من طريق أبي أسامة موصولا كما أخرجه البخاري، ثم خرجه من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به.
وأعقبه برواية عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، ثم خرجه من طرق عن ابن عباس، وأرسله ابن عيينة عن هشام، فلم يذكر عائشة في الإسناد، ولذا فقد تردد الشافعي فيه فقال: لو ثبت حديث عروة لم أَعْدُهُ إلى غيره.
وفي الحديث بحثٌ ليس هذا محله، انظر "الفتح"(4/ 12).
والمقصود هنا أن مقتضى صنيع البخاري في "صحيحه" أنه لا يرى الاشتراط في الحج، ففي باب: الإحضار في الحج من كتاب المحصر (4/ 11 - فتح) لم يخرج البخاري سوى حديث ابن عمر، وابن عمر معروف أنه كان ينكر الاشتراط، ويقول: "أليس حسبكم سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا
…
قال ابن حجر: أشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس.
أما حديث عائشة، فالقدر المقصود منه هو قوله: وكانت -يعني ضباعة- تحت المقداد بن الأسود - كما في "الفتح"(9/ 38) فهو المراد للتبويب المذكور، فقد كانت ضباعة فوق المقداد في النسب، ولم يمنع ذلك من زواجه منها.