الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثاني
من منهج البخاري في إخراج الحديث في باب دون باب
(1)
روى البخاري في "صحيحه"، كتاب الرقاق، باب التواضع، حديث رقم (6502) عن محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه
…
".
ذكر الشيخ المعلمي هذا الحديثَ في "الأنوار الكاشفة"(ص 193)، فقال:
هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من "الميزان"(1) وابن حجر في "الفتح"؛ لأنه لم يُرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة.
ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث، مع أن خالدًا له مناكير، وشريكًا فيه مقال.
(1) قال الذهبي: "هذا حديث غريب جدًّا، لولا هيبةُ "الجامع الصحيح" لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد؛ وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه مَنْ عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد، وقد اختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار". اهـ.
وقد جاء الحديثُ بأسانيدَ فيها ضعف من حديث علي، ومعاذ، وحذيفة، وعائشة، وابن عباس، وأنس، فقد يكون وقع خطأٌ لخالد أو شريك؛ سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثًا آخر بهذا السند، ثم التبسا عليه، فغلط فروى هذا المتن بسند الحديث الآخر
…
وإلا فهو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فَسَّرَهُ أهلُ العلم بما تجده في "الفتح"، وفي "الأسماء والصفات"(ص 345 - 348).
وقد أومأ البخاري إلى حالِهِ فلم يخرجه إلا في باب "التواضع" من كتاب "الرقاق". اهـ.
(2)
في المسألة الحادية عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل" وهي: "للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة؛ سهم له وسهمان لفرسه".
ذكر الشيخ المعلمي مَنْ وقع عليه من الرواة لهذا الحديث عن عبيد اللَّه بن عمر ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى بلغ الثامن: زائدة بن قدامة عند البخاري في "صحيحه" في غزوة خيبر (1)، رواه البخاري، عن الحسن بن إسحاق، عن محمد بن (سابق، عن)(2) زائدة (3)
…
"قسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس: سهمين، وللراجل: سهمًا. فسَّرَهُ نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم".
(1)"الفتح"(7/ 553) رقم (4228).
(2)
سقط ما بين القوسن من طبعة دار الكتب السلفية من "التنكيل" وهو مثبت في الطبعة الأم.
(3)
تمامه: عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
وهذا التفسير يدل أن الصواب في المتن "للرجل" لكن وقع في نسخ "الصحيح" كما رأيت.
وزائدة متقن، لكن شيخ البخاري ليس بالمشهور، ومحمد بن سابق، قال ابن حجر في ترجمته من الفصل التاسع من مقدمة "الفتح":
وثقه العجلي، وقوَّاهُ أحمد بن حنبل، وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة، وليس ممن يوصف بالضبط، وقال النسائي: لا بأس بمع وقال ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: ضعيف.
قلت: ليس له في البخاري سوى حديث واحد في "الوصايا"
…
وقد تابعه عليه عبيد اللَّه بن موسى. اهـ.
كذا قال، وفاتَهُ هذا الحديثُ، وعُذْرُ البخاري أنه رأى أنَّ الوهْمَ في هذا الحديث يسيرٌ يجبرهُ التفسيرُ.
ومع ذلك فلم يذكرْهُ في باب: "سهمان الخيل" وإنما ذكره في: "غزوة خيبر". اهـ.
قال أبو أنس:
تحقيق الشيخ المعلمي لقضية "الترتيب" -هنا وفي ترجمة مسلم كما سيأتي- و"إخراج الحديث في باب دون باب" يقتضي أمرا مهمًّا، نَدَر من يتعرض له، ألا وهو:
أن صاحبي "الصحيح" قد يخرجان في كتابيهما بعض الأحاديث التي ليست في الدرجة العليا من الصحة، ولا يخرجانها بقصد تصحيح متونها أو بعض ألفاظٍ فيها، بل لِيُنَبِّها على وهم يقع فيها من بعض الرواة، وهذا التنبيه يأخذ أشكالا متعددة، يعرفها الممارسُ، ويغفل عنها من لم يوفق لها، فينتقد تلك الأحرف على صاحبي "الصحيح"، وما أُتِي إلا من عدم التفاته لاصطلاحهما في ذلك، كما سيشير إليه الشيخ المعلمي في الأمر التالي.