الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن طاهر
(ت 507 هـ)
يشتمل ذلك هنا على:
وُلُوعِه بالجمال، وتعلقه به، وتسمُّحِه فيه، وأثرِ ذلك في حكايته عن الخطيب ما فيه غضٌّ منه.
قال الشيخ المعلمي في "التنكيل"(1/ 132):
"وأما ابن طاهر وما أدراك ما ابن طاهر؟
…
يقول ابن الجوزي في ترجمة ابن طاهر من "المنتظم"(9/ 178):
"
…
فمن أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث، وإلا فالجرح أولى به، ذكره أبو سعد بن السمعاني وانتصر له بغير حجة بعد أن قال: سألت شيخنا إسماعيل بن أحمد الطلحي عن محمد بن طاهر، فأساء الثناء عليه، وكان سيء الرأي فيه، وقال: سمعت أبا الفضل محمد بن ناصر يقول: محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف كتابًا في جواز النظر إلى المرد، وأورد فيه حكاية عن يحيى بن معين قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها، فقيل له: تصلي عليها؟ فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح، ثم قال: كان يذهب مذهب الإباحة.
قال ابن السمعاني: وذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الحافظ، فأساء الثناء عليه جدًّا، ونسبه إلى أشياء، ثم انتصر له ابن السمعاني، فقال: لعله قد تاب.
فواعجبًا ممن سيره قبيحة، فيترك الذم لصاحبها لجواز أن يكون قد تاب، ما أبله هذا المنتصر!.
ويدل على صحة ما قاله ابن ناصر من أنه كان يذهب مذهب الإباحة ما أنبأنا به أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أنشدنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت
…
به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داريا فإن به
…
الرهبان ما بين قسيس وشماس
فاشرب معتقة من كف كافرة
…
تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس
ثم استمع رنة الأوتار من رشأ
…
مهفهف لحظه أمضي من الماس
وذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ"(4/ 37)، وذب عنه قال:
"الرجل مسلم مُعَظِّمٌ للآثار، وإنما كان يرى إباحة السماع [يعني سماع الغناء والملاهي] لا الإباحة المطلقة
…
معلوم جواز النظر إلى الملاح عند الظاهرية فهو منهم"، وذكر ثناء جماعة عليه، وله ترجمة في "لسان الميزان".
والمقصود أن ابن طاهر كان له ولوع بالجمال، وتعلق به، وتسَمُّح فيه، وإن لم يُخرجه إن شاء الله تعالى إلى ما يوجب الفسق، وإنما ذكرته هنا لأن له أثرًا على حكايته الآتية، كما سترى.
في "تذكرة الحفاظ"(3/ 318):
"قال ابن طاهر في "المنثور" أخبرنا مكي الرملي [صوابه الرميلي] قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم فيه الناس، وكان أمير البلد رافضيًا متعصبًا، فجعل ذلك سببًا للفتك بالخطيب، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ويقتله، وكان سنيا، فقصده تلك الليلة في جماعته فأخذه، وقال له بما أمر به، ثم قال: لا أجد لك حيلة إلا أنك تفر منَّا، وتهجم دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي
…
ففعل ذلك، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال
له: أيها الأمير
…
ليس في قتله مصلحة
…
أرى أن تخرجه من بلدك، فأمر بإخراجه، فذهب إلى صور، وأقام بها مدة".
وذكر ياقوت في "معجم الأدباء"(4/ 34) عن ابن طاهر نحو ذلك، وفيه: "
…
كان يختلف إليه صبي مليح الوجه قد سماه مكي، وأنا نكبت عن ذكره".
أجاب الشيخ المعلمي عن تلك القصة التي أوردها ابن طاهر بأمورٍ، وبيَّن أن مكي الرميلي هذا حافظ فاضل شافعي من تلامذة الخطيب المعظمين له، إلى أن قال:
"طَهَّر الله ابنَ طاهر من اختلاق الكذب، ولكن لا مانع أن يسمع حكايةً لها علاقةٌ ما بالجمال الذي كان مولعًا به متسمحًا في شأنه، فتصطبغ في نفسه صبغة تناسب هواه، فيحكيها بتلك الصبغة على وجه الرواية بالمعنى.
فعسى أن يكون بعض أعداء الخطيب في دمشق لما سعوا به إلى ذاك الأمير الرافضي على ما تقدم عن ابن عساكر توقف؛ لأن أكثر أهل الشَّام أهل سُنَّة، ويخشى أن يعلموا أنه تعرض للخطيب لأجل المذهب، ففكر أولئك السعاة في حيلة، فرأوا في طلبة العلم الذين كانوا يختلفون إلى الخطيب فتى صبيحًا، فتكلموا بين الناس بأن في اختلاف مثله إلى الخطيب ريبة، وربما اختلقوا ما يوقع الريبة عند بعض الناس، ثم قالوا للأمير: تأخذ الخطيب على أنك أخذته بهذه التهمة التي قد تحدث بها الناس.
فإذا كانت الواقعة هكذا فهي معقولة، فقد يقع مثلها لأفضل الناس، ويخبر بوقوعها له أعقل الناس وأحزمهم إذا كان يعلم أن معرفتهم بحاله تحجزهم عن أن يتخرصوا منها ما يكره، ويحكي وقوعها لأستاذه أبر الناس وأوفاهم، لكن ابن طاهر لما سمعها اصطبغت في فهمه ثم في حفظه، ثم في عبارته بميله وهواه ورأيه الذي أَلَّف فيه، ويؤيد هذا أن الرميلي لما حكى القصة سمَّى ذاك الفتى، ولم هي في ذكر اسمه غضاضة عليه، فلما حكاها ابن طاهر، لم يسمه بل قال: "قد سماه مكي وأنا نكبت عن ذكره؛ لأن لونها عند ابن طاهر غير لونها عند مكي، ولم يحتج ابن طاهر إلى تسميته كما
احتاج إلى ذكر وقوع القصة للخطيب لتكون شاهدًا لابن طاهر على ما يميل إليه، كما استشهد بما حكاه عن ابن معين من قصة الجارية". اهـ. كلام المعلمي.
قول بعض الأئمة في ابن طاهر:
قال الذهبي في "السير"(19/ 361):
"
…
كتب ما لا يوصف كثرة بخطه السريع، القوي الرفيع، وصنف وجمع، وبرع في هذا الشأن، وعُني به أتم عناية، وغيره كثر إتقانا وتحريا منه
…
قال أبو القاسم بن عساكر: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر.
وقال أبو زكريا يحيى بن منده: كان ابنُ طاهر أحدَ الحفاظ، حسنَ الاعتقاد، جميلَ الطريقة، صدوقًا، عالمًا بالصحيح والسقيم، كثيرَ التصانيف، لازما للأثر.
قال أبو سعد السمعاني: سألت الفقيه أبا الحسن الكرجي عن ابن طاهر، فقال: ما كان على وجه الأرض له نظير، وكان داودي المذهب
…
... وقد ذكره الدقاق في رسالته، فَحَطَّ عليه، فقال: كان صوفيا ملامتيا، سكن الري، ثم همذان، له كتاب "صفوة التصوف"، وله أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم وغيرهما.
قلت: يا ذا الرجل أقصر؟ فابن طاهر أحفظ منك بكثير.
ثم قال: وذُكِرَ لي عنه الإباحة.
قلت: ما تعني بالإباحة؟
إن أردت بها الإباحة المطلقة، فحاشا ابن طاهر، هو والله مسلم أَثَرِيٌّ، معظمٌ لحرمات الدين، وإن أخطأ أو شذ.
وإن عنيت إباحة خاصة؛ كإباحة السماع، وإباحة النظر إلى المرد، فهذه معصية، وقول للظاهرية بإباحتها مرجوح.
قال ابن ناصر: محمد بن طاهر لا يحتج به؛ صنف في جواز النظر إلى المرد، وكان يذهب مذهب الإباحة.
قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن ابن طاهر، فتوقف، ثم أساء الثناء عليه، وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول: جمع ابن طاهر أطراف "الصحيحين"، و"أبي داود"، و"أبي عيسى"، و"النسائي"، و"ابن ماجه"، فاخطأ في مواضع خطأ فاحشا.
وقال الذهبي في "الميزان"(7710):
"ليس بالقوي؛ فإنه له أوهام كثيرة في تآليفه
…
وله انحراف عن السنة إلى تصوف غير مرضي، وهو في نفسه صدوق، لم يتُهم، وله حفظ ورحلة واسعة". اهـ.
* * *