الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيوطي
(ت 911 هـ)
كَشْفُ الشيخ المعلمي عن حالِ السيوطي في باب التصحيح والتعديل من التساهل والجازفة.
وقد نبَّه المعلمي على منهج السيوطي في كتابه "اللآلىء المصنوعة" تنبيهًا عامًّا، فقال في مقدمة تحقيقه لـ"الفوائد المجموعة"(ص 3 - 4).
"ورأيته -يعني الشوكاني- كثيرًا ما يورد الحديث، وأن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات، ثم يذكر أن صاحب "اللآلىء المصنوعة" -وهو السيوطي- تعقبه في ذلك، أو ذكر له طريقًا أخرى، فصاعدًا
…
وقد تتبعتُ كثيرًا من تلك الطرق، وفتَّشْتُ عن تلك الأسانيد، فوجدتُ كثيرًا منها أو أكثرها، يكون ما ذكره السيوطي من الطرق ساقطًا، لا يفيدُ الخبرَ شيئًا من القوة.
ومنها: ما غايته أن يقتضي التوقف عن الجزم بالوضع، فأما ما يفيد الحسن أو الصحة فقليل". اهـ.
أقول:
تمتلىء تعليقات العلامة المعلمي على كلام السيوطي بما يُقَرِّرُ هذا ويؤيده، وهذه جُلُّ المواضع المعنيَّة بذلك:
(1)
في "الفوائد"(ص 179): حديثٌ في فضل التمر البرني، له طرق واهية، منها ما في إسناده عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري، قال ابن حبان: عقبة بن عبد الله الأصم ينفرد بالمناكير عن المشاهير.
قال السيوطي: "روى له الترمذي، وقد أخرجه البخاري في "التاريخ"، والبيهقي في "الشعب"، وصحيحه المقدسي. وأخرجه من حديث أبي سعيد: أبو نعيم في "الطب"، والحاكم في "المستدرك" فالحكم بوضعه مجازفة اهـ.
فقال الشيخ المعلمي:
"بل المجازفة في هذا الكلام؛ فإن ألفاظ الخبر مختلفة، ومنها ما ينادي على نفسه بالوضع، وإخراج البخاري في "التاريخ" لا يفيد الخبر شيئًا، بل يضره؛ فإن من شأن البخاري أن لا يخرج الخبر في "التاريخ" إلا ليدل على وَهَن راويه.
وتصحيح المقدسي لرواية عفبة الأصم مع ضعفه وتدليسه وتفرده وإنكار المتن مردود عليه.
أما حديث أبي سعيد ففي سنده من لا يُعرف، ولم يصححه الحاكم، وإنما قال:"أخرجناه شاهدًا". اهـ.
(2)
قال الشيخ المعلمي في: إبراهيم بن يزيد الخوزي من "الفوائد"(ص 213): "هالك، قال أحمد والنسائي وابن الجنيد: "متروك الحديث" وقال ابن معين: "ليس بثقة وليس بشيء". وقال أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني: "منكر الحديث". وقال البخاري: "سكتوا عنه". وهذه من أشد صيغ الجرح عند البخاري. وقال البرقي: "كان يُتَّهَمُ بالكذب". وقال ابن حبان: "روى المناكير الكثيرة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها" وروى ابن المبارك عنه مرّة ثم تركه، فسئل أن يحدث عنه فقال: "تأمرني أن أعود في ذنب قد تُبْتُ منه".
أَهْمَلَ السيوطي هذا كُلَّهُ وقال: "أخرج له الترمذي وابن ماجه وقال ابن عديّ: يكتب حديثه" وهو يعلم أن فيمن يخرج له الترمذي وابن ماجه ممن أجمع الناس على تكذيبه كالكلبي.
وابن عديّ إنما قال: "هو في عداد من يكتب حديثه". وقد قال ابن المديني: "ضعيف لا أكتب عنه شيئًا". وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه". وعَدَّ ابن المبارك الرواية عنه ذنبًا تجب التوبة منه كما مَرَّ، مع أن ابن المبارك ليس ممن يشُدد فقد روى عن الكلبي.
فإن كان إبراهيم يكذب عمدًا كما اتُّهم بذلك فيما قال البرقي فواضح، وإلا فهو ممن يكثر منه الكذب خطأ". اهـ.
(3)
في "الفوائد"(ص 314) ذكر المعلمي خبر: "ما أنزل الله من وَحْيٍ قطّ عَلى نبيّ بينه وبينه إلا بالعربية ثم يكون هو مبلغه قومه بلسانهم".
وقال: "في سنده العباس أبو الفضل الأنصاري، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال ابن الجوزي: "سليمان متروك".
فنازع السيوطي بأن سليمان أخرج له (د س ت) ولم يُتهم بكذب ولا وضع، وأن له شاهدًا.
أقول: سليمان ساقط؛ قال أبو داود، والترمذي وغيرهما:"متروك الحديث".
وقال النسائي: "لا يكتب حديثه". والكلام فيه كثير، وإنما ذكرت كلام الذين أخرجوا له لِيُعْلَمَ أن إخراجَهم له لا يدفع كونه متروكًا، والمتروك إن لم يكذب عمدًا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهمًا، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن، لم يمتنع الحكم بوضعه، ولاسيما مع التفرد المريب، كتفرد سليمان هنا عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وفوق هذا، فالراوي عن سليمان وهو العباس بن الفضل الأنصاري تالف
…
وأما الشاهد فيكفي أنه عن الكلبي عن أبي صالح
…
والكلبي كذاب، وشيخه تالف. اهـ.
(4)
في "الفوائد"(ص 471) حديث: "مَنْ وُلد له مولود وسمَّاه محمدًا تبركًا به، كان هو ومولوده في الجنة".
قال الشوكاني: "ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: في إسناده من تُكلم فيه. وقال في "اللآلىء": هذا أمثلُ حديثٍ أورده في الباب، وإسناده حسن".
فقال العلامة المعلمي:
"هيهات؛ راح السيوطي ينظر في آخر السند، وغفل عن أوله، وفي "الميزان"، و"اللسان": حامد بن حماد العسكري، عن إسحاق بن سيار النصيبي بخبر موضوع، فذكر هذا، وهذا أول سنده". اهـ.
(5)
واكتفى السيوطي عند كلامه في: زكريا بن يحيى المصري الوقار بقوله: "ذكره ابن حبان في الثقات".
فكشف الشيخ المعلمي عن هذا التفريط الشنيع بقوله في "الفوائد"(ص 336):
"ولكنه -يعني ابن حبان- قال: "يخطىء ويخالف" وقال صالح بن محمد الحافظ: "حدثنا زكريا بن يحيى الوقار وكان من الكذابين الكبار" وذكر ابن عدي أنهم كانوا يُثْنون عليه في العبادة ويتهمونه بوضع الحديث". اهـ.
(6)
ونحو ذلك قول السيوطي في: يزيد بن سنان الجزري الرهاوي: "محله الصدق".
فقال الشيخ المعلمي في "الفوائد"(ص 240):
"تتمة كلام أبي حاتم: والغالب عليه الغفلة، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف متروك الحديث. وقال أيضًا: ليس بثقة. وقال ابن عديّ: له حديث صالح، وروى عن زيد بن أبي أنيسة نسخة تفرد بها عنه بأحاديث، وله عن غير زيد أحاديث مسروقة عن الشيوخ، وعامّة حديثه غير محفوظ، والكلام فيه كثير". اهـ.
(7)
وقال السيوطي في: محمد بن علي بن خلف العطار الكوفي: "وثقه الخطيب في تاريخه".
فكشف الشيخ المعلمي عن هذه المغالطة بقوله في "الفوائد"(ص 409):
"إنما قال الخطيب (3/ 57): "أخبرنا محمد بن علي الدقاق قال: قرأنا على الحسن -الصواب الحسن- من هارون، عن أبي-الصواب: ابن- سعيد وهو أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، يروي الخطيب من تاريخه بهذا الإسناد، قال ابن عقدة: محمد بن علي بن خلف العطار الكوفي سكن بغداد سمعت محمد بن منصور يقول: "كان محمد بن علي بن خلف ثقة مأمونًا حسن العقل".
فهذا قول محمد بن منصور، ولم يتبين من هو، والظاهر أنه من تَمَامِ حكاية ابن عقدة، فعلى هذا: لا يثبت عن محمد بن منصور؛ لأن ابن عقدة رافضي مُتَّهَم، ومحمد ابن علي بن خلف هذا رافضي لأنه كوفي، وروايته تدل على ذلك (1) وعلى كل حال فكلام ابن عدي هو المعتمد" (2).اهـ.
(1) حديثه المشار إليه: "أن عمار بن ياسر قال لأبي موسى رضي الله عنهما: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يلعنك. قال: إنه استغفر لي. قال عمار: شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار".
(2)
يعني قول ابن عدي: أن البلاء في هذا الحديث من ذاك العطار. وذكره ابن الجوزي في موضوعاته.
(8)
في "الفوائد"(ص 459) قال ابن الجوزي: "درست بن زياد ليس بشيءٍ".
قال السيوطي في "اللآلىء": "لم يُتَّهم بكذب، بل قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ضعيف، ووثقه ابن عديّ فقال: أرجو أنه لا بأس به".
فقال الشيخ المعلمي:
"ليس هذا بتوثيق، وابن عديّ يذكر منكرات الراوي ثم يقول: أرجو أنه لا بأس به، يعني بالباس: تعمد الكذب، ودرست واهٍ جدًّا". اهـ.
(9)
وفي "الفوائد"(ص 350) حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوحَى إليه ورأسُه في حجر عليٍّ، فلم يصل العصر حتَّى غربت الشمس
…
".
له طرق قد نقدها الشيخ المعلمي، حتَّى قال الشوكاني (ص 354):
"وقد رواه الطحاوي في "مشكل الحديث" من طريقين، وقال: هما ثابتان، ورواتهما ثقات".
فعلَّق الشيخ المعلمي بقوله:
"للبحث في "مشكل الآثار" للطحاوي (2/ 8 - 14) ليس فيه هذه العبارة، والمؤلف -الشوكاني- أخذها من "اللآلىء"، وصاحب "اللآلىء" نقلها عن "شفاء" عياض، ولا يبعد أن يكون السيوطي راجع كتاب الطحاوي فلم يجد هذه العبارة ولكن لم تسمح نفسه بتركها
…
".
(10)
وفيها ص (442):
حديث: إن بين الله وبين الخلق سبعين ألف حجاب، وأقرب الخلق إلى الله جبريل، وإسرافيل، ومياكائيل، وأن بينهم وبينه أربعة حجب من نار، وحجاب من ظلمة، وحجاب من غمام، وحجاب من الماء.
رواه الدارقطني عن سهل بن سعد مرفوعًا، وفي إسناده: حبيب بن أبي حبيب، وكان وضاعًا.
وقال في الميزان: وهاه أبو زرعة، وتركه ابن المبارك، وقد استدرك صاحب اللآلىء على ابن الجوزي، حكمه بوضع هذا الحديث، وأطال الكلام عليه ..
فقال الشيخ المعلمي:
وقع في السند (محمد بن يوسف بن أبي معمر. ثنا حبيب بن أبي حبيب ثنا هشام ابن سعد - الخ) قال ابن الجوزي: (تفرد به حبيب وكان يضع).
زعم السيوطي أن ابن الجوزي وهم، فظن أن الواقع في السند (حبيب) بالتكبير ابن أبي حبيب الخرططي) قال:(والذي في هذا الإسناد حبيب بالتصغير ابن حبيب بالتكبير، وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات).
أقول: وهم السيوطي وهما مضاعفًا؛ ليس هذا بالخرططي، ولا أخى حمزة، إنما هذا كاتب مالك فإنه حبيب بن أبي حبيب كما في السند، وفي ترجمته من التهذيب 2/ 181 (قال ابن حبان،
…
وذكر له عدة أحاديث عن هشام بن سعد وغيره، وقال: كلها موضوعة) وترجمة الراوي عنه في تاريخ بغداد 3/ 393 رقم 1516 (محمد بن يوسف بن أبي معمر أبي جعفر السعدي، حدث حبيب كاتب مالك - إلخ).
(11)
وفيها ص (346):
حديث: أولكم ورودًا على الحوض، أولكم إسلامًا: علي بن أبي طالب.
رواه ابن عدي عن سلمان مرفوعًا. وفي إسناده: عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، وهو وضاع، وتابعه سيف بن محمد، وهو شر منه.
وقد رواه الخطيب من طريقه، وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريقه أيضًا. وقد رواه الحارث بن أبي أسامة من طريق يحيى بن هاشم السمسار متابعًا لهما، وهو كذاب.
وروى أبو بكر بن أبي عاصم من طريق عبد الرزاق متابعًا لهم، لكن موقوفًا على سلمان.
قال في اللآلىء: وهذه متابعة قوية جدًّا، ولا يضر إيراده بصيغة الوقف، لأن له حكم الرفع. انتهى.
فقد رواه كل واحد من هؤلاء الأربعة عن سفيان الثوري.
ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن يحيى المازني عن سفيان. فكان خامسًا لهم، وعبد الرزاق، لا يحتاج إلى متابع.
فقال المعلمي:
…
أما خبر عبد الرزاق، فعبد الرزاق عمي بآخره، وصار يلقن فيتلقن. وربما دلس، وكان يتشيع، فلا يؤمن أن يكون سمعه من بعض أولئك الدجالين فدلسه.
وذكره السيوطي من وجه آخر عن سلمة بن كهيل. وفيه السندي بن عبدويه مجهول الحال. وذكره ابن حبان في الثقات ثم نقض ذلك بقوله (يغرب) وهو أيضًا عن سلمان من قوله
…
وفوق هذا فقول السيوطي: إن له حكم الرفع مردود؛ إذ لا مانع أن يستشعر سلمان أن السبق إلى الإسلام يقتضي السبق في الورود. اهـ.
(12)
وفيها ص (480):
حديث: إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيب رأسهما في الإسلام ثم أعذبهما بعد ذلك، ولأنا أعظم عفوًا من أن أستر على عبدي ثم أفضحه، ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني.
رواه ابن حبان عن أنس مرفوعًا، وقال: باطل لا أصل له، وله طرق أوردها صاحب اللآلىء.
فقال المعلمي:
كلها هباء
…
في السادسة: أحمد بن عبيد، ثنا عمرو بن جرير، راح السيوطي يذكر كلامهم في أحمد بن عبيد لثناء بعضهم عليه، وأغفل ذكر شيخه، وهو كذاب
…
ويكفي في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى: (إن الله لا يستحي من الحق).
(13)
وفيها ص (214):
حديث: إن لقيتم عشارًا فاقتلوه.
هو موضوع.
قال في اللآلىء: أخرجه أحمد، وفيه ابن لهيعة ذاهب الحديث، وقال في الوجيز: في إسناده مجاهيل، وأخرجه البخاري في تاريخه والطبراني.
.... قال السيوطي: والصواب أنه حسن.
فقال الشيخ المعلمي:
"هذا عجيب؛ فإن الخبر مع ما تقدم وقع فيه (عن رجل من جذام)، وهذا لا يُدرى من هو، وفيه تحيس بن ظبيان، وهو مجهول، وفيه عبد الرحمن بن أبي حسان، أو عبد الرحمن بن حسان، وهو مجهول، وهو من طريق إمالك بن عتاهية، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) وفي الإصابة عن يحيى بن بكير، يقولون: مالك بن عتاهية سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ريح لم يسمع منه شيئًا. اهـ.
(14)
وفيها ص (407):
حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا؟ قال أبو برزة: فصعدت فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اللهم اركسهما في الفتنة ركسًا، ودعّهما إلى النَّار دَعًّا".
ذكره ابن الجوزي في "موضوعات"، وقال: لا يصح، يزيد بن أبي زياد كان يتلقن.
قال السيوطي في "اللآلىء": "هذا لا يقتضي الوضع".
فقال المعلمي:
"لكنه مظنة رواية الموضوع؛ فإن معنى قبول التلقين أنه قد يقال له: أَحَدَّثَكَ فلان عن فلان بكيت وكيت؟ فيقول: نعم، حدثني فلان ابن (1) فلان بكيت وكيت. مع أنه ليس لذلك أصل وإنما تلقنه وتوهم أنه من حديثه.
وبهذا يتمكن الوضاعون أن يضعوا ما شاءوا، ويأتوا إلى هذا المسكين فيلقنونه فيتلقن ويروي ما وضعوه.
(1) كذا والظاهر أنها "عن".
وشيخ يزيد في هذا الخبر سليمان بن عمرو بن الأحوص، مجهول الحال كما قال ابن القطان، ولا يدفع ذلك ذكر ابن حبان له في "الثقات".
ولا أرى البلاء إلا من يزيد؛ فإنه من أئمة الشيعة الكبار، والراوي عنه لهذا الخبر شيعي (1)، وله عنه خبر آخر باطل، وإذا كان من أئمة الشيعة فلا بدع أن يستحوذ عليه بعض دجاجلتهم فيلقنه الموضوعات". اهـ.
قاله أبو أنس:
قد كنت وقفت قديمًا على كلام للسيوطي على حديث إحياء الله تعالى لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما به، وتقويته له، في كتابه "اللآلىء المصنوعة" 1: 266، وأشار هناك أن له في ذلك جزءًا سَمَّاهُ "نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين". ثم وقفت على مجلد، مكتوب عليه "الرسائل التسع" لجلال الدين السيوطي، طبع دار إحياء العلوم - بيروت، الطبعة الثانية 1409 هـ يحتوي على تسع رسائل، منها ست رسائل تتعلق بهذا الموضوع، أحدهما "نشر العلمين" والباقي هي:"مسالك الحنفا في والدي المصطفى"، و"الدرج المنيفة في الآباء الشريفة" و"السبل الجلية في الآباء العلية" و"المقامة السندسية في النسبة المصطفوية" و"التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة" وهذه الأخيرة رأيتها مطبوعة مفردة.
وهذه الست رسائل جميعًا كأنها واحدة مع تغير في السياق والترتيب، ويدور محورها جميعًا على رفع رتبة هذا الحديث من الوضع إلى الضعف، كي يسوغ له رحمه الله تعالى إجراء ما يعرف بالتساهل في أحاديث الفضائل.
(1) هو محمد بن فضيل بن غزوان.
وفي كلامه على أسانيد هذا الحديث مؤاخذات عديدة، وكنت قد شرعت في تَقْييد رسالةٍ في مناقشاتي على كلامه ذلك، وتفنيد ما قَوَّى به هذا الحديث الباطل الذى حكم عليه بالوضع والنكارة والبطلان كثير من الحفاظ الجهابذة، على رأسهم: الدراقطني رحمه الله تعالى.
وقد وقع في كلام السيوطى رحمه الله تعالى عند نقله لكلام الأئمة في نقد أسانيد هذا الحديث، ما يتعب الصدور، من اقْتِضَابٍ وبَتْرٍ للكلام على الرجال، وحَذْفِ ما فيه تُهْمَةٌ لَهُم.
والسّيُوطي: يُصِرُّ على أن أحدًا من رجال تلك الأسانيد لم يُتهم، ولم يُرْمَ بالوضع.
ومدار الحديث على ثلاثة رجال هُمْ:
1 -
أبو بكر محمد بن الحسن النَّقَّاش.
2 -
أبو غَزِيَّه محمد بن يحيى الزهري.
3 -
عُمر بن أيوب الكَعْبى.
وكذا نسخة أو صحيفة: أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
…
أما الأول: فهو كذاب، راجع "ميزان الاعتدال" (3: 516، 40: 35)، "واللسان" (5: 632).
أما السيوطي: فقد اكتفى بنقل الذهبي لمعرفته بالقرآن، وترك تصريحَهُ بكذبه، وراجع "الميزان" في المصدرين السابقين.
وأما الثاني: فقد ذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" 1: 284 أنه مجهول، فتعقبه الحافظ في "اللسان" 4: 91 بقوله: "وأما محمد بن يحيي فليس بمجهول، بل هو معروف، له ترجمه جيدة في "تاريخ مصر" لأبي سعيد بن يونس، ورماه الدراقطني بالوضع" اهـ.
فلما أن جاء السيوطي ليَرُدَّ كلامَ ابن الجوزي في تجهيله، نَقَل كلامَ الحافظ السابق، لكنه لم يذكر قوله:"ورماه الدراقطني بالوضع"! ثم قال بعد ذلك: "ومدار الحديث على أبي غزية، وهو ضعيف، ما رمي بكذب"!.
وأما الثالث: فهو مُتَّهم، تردد الدارقطني في واضع هذا الحديث: هو أم الكعبي.
ومع ذلك يكتفي السيوطي بقوله: "فيه جهالة"!. وراجع "اللسان" 4: 192.
وأما النسخة المذكورة فيقول الدارقطني: "لا يصح منها شيء" وراجع "اللسان" 4: 192. وانظر مزيدا للبيان كتاب: "الأباطيل والمناكير" للجورقاني، الجزء الأول، حديث رقم (207).
هذا ما كنت كتبته في حاشية كتابي: "حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال".
وسيأتي شيء من ذلك في الحديث رقم (17) من ملحق (المنتقى) في آخر هذا القسم.
* * *