الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثامن
تجمُّل بعض الرواة الضعفاء لابن معين واستقباله بأحاديث مستقيمة فيُحسن القولَ فيهم
• قال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة"(ص 30):
"عادةُ ابنِ معين في الرواة الذين أدركهم أنه إذا أعجبته هيئةُ الشيخ يسمعُ منه جملةً من أحاديثه، فإذا رأى أحاديثه مستقيمةً ظنَّ أن ذلك شأنَه، فوثَّقَهُ، وقد كانوا يَتَّقُونَهَ ويخافونه.
فقد يكون أحدُهم مِمنْ يُخَلِّطُ عمدًا، ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة ولَمَّا بَعُدَ عنه خَلَّطَ.
فإذا وجدنا مِمَّنْ أدركه ابنُ معين من الرواة مَن وثقه ابنُ معين وكَذَّبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنًا شديدًا، فالظاهر أنه مِنْ هذا الضَّرْب، فإنما يزيدُه توثيقُ ابن معين وَهَنًا؛ لدلالته على أنه كان يتعمد". اهـ.
• وقال: في "التنكيل"(1/ 67 - 68):
"كان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخًا فسمع منه مجلسًا، أو ورد بغداد شيخٌ فسمع منه مجلسًا، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة ثم سُئل عن الشيخِ وثَّقَهُ، وقد يتفقُ أن يكون الشيخُ دجالا، استقبل ابنَ معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلَّط قبل ذلك أو يخلِّط بعد ذلك.
ذكر ابنُ الجنيد أنه سأل ابنَ معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: "ما كان به بأس" فحَكَى له عنه أحاديثَ تُستنكر، فقال ابن معين:"فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيمًا".
وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي: "ثقة وقد كتبت عنه" وقد كذبه أحمد وقال: "أحاديثه موضوعة"، وقال أبو داود:"غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة". اهـ.
• وعلق الشيخ المعلمي في "الفوائد"(ص 400) على حديثٍ بقوله:
"في سنده محمد بن كثير الكوفي: هالك؛ تَصَنَّعَ لابن معين بأحاديث مستقيمة، فظنَّ ابنُ معين أن ذلك شأنه فأثنى عليه، ثم ذُكر له بعض مناكيره، فقال: فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب"، وقال أحمد: حرقنا حديثه، وقال ابن المديني: كتبنا عنه عجائب وخططت على حديث". اهـ.
• وقال: في "الفوائد" أيضًا (ص 293):
"أبو الصلت -وهو عبد السلام بن صالح الهروي- فيما يظهر لي كان داهيةً؛ من جهةٍ: خدم علي الرضا بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وتظاهر بالتشيع، ورواية الأخبار التي تدخل في التشيع.
ومن جهةٍ: كان وجيهًا عند بني العباس.
ومن جهةٍ: تقرَّبَ إلى أهل السنة بردِّه على الجهمية.
واستطاع أن يتجمَّلَ لابن معين حتى أحسن الظن به، ووثقه
…
" (1).
* * *
(1) انظر: ترجمة أبي الصلت في قسم التراجم رقم (455).
قال أبو أنس:
من تأمَّل تلك الأمور الخاصَّة بابن معين، عَلم ما قررناه سابقًا أن لكل إمام نظرًا يختلف من حالٍ إلى حال، ومن راوٍ إلى آخر، وأن الحَقَّ يُعرفُ بمجموع كلام الإمام.
ولو استحق الإمامُ وصفًا ما برأي كرره في مواضع، وخالف فيه غيره من الأئمة، لاستحق كُلُّ إمامٍ أوصافا متناقضة فمن نظر إلى الأمر السادس والسابع، رمى ابن معين بالتساهل، ومن نظر إلى الأمر الرابع، رماه بالتشدد، وإلى الأمر الثاني والثالث، رماه بالمجازفة والتعدِّي في استعمال ألفاظ الجرح فيمن لا يستحق.
ومن نظر في الأمر الثامن ربما ظن عدم الخبرة أو نحو ذلك، وفي الأمر الأول ظن اضطراب ابن معين في أقواله.
وجميعُ هذا لا يصحُّ وصفُ ابن معين -ولا غيره من الأئمة- به، ولا يكادُ يسلمُ كلامُ أحدٍ من الأئمة في الرواة من بعض هذه الأمور، كما سبق في ترجمة أبي حاتم، فبينما جَهَّلَ جماعة من الرواة قد عرفهم أو وثقهم غيره فقد عرف ووثق جماعةً قد جهلهم أو ضعفهم غيره.
وهذا أمر منتشر مستفيض في كتب التراجم، لا يلزم من شيء منه إلصاق الأوصاف بالأئمة، وتعطيل أقوال بعضهم في الرواة بحجة كونه يتشدد أو يُسَهِّلُ.
اللهم إلا أن يُصرِّحَ الإمامُ بمنهجٍ له في توثيق الرواة، يُعلم من مذاهب النقاد وقوع الخلل في ذاك المنهج، كتوثيقات ابن حبان مثلًا، كما سيأتي.
والله تعالى الهادي إلى الصواب.
* * *