الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: فيما يتعلق بالمتون
وفيه ستة أمور:
الأمر الأول
من منهح البخاري في ترتيب أحاديث الباب
ذكر الشيخ المعلمي في المسألة الرابعة عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل" -وهي مسألة: "تُقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا"- حديثَ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وذكر اختلاف الرواة فيه عن هشام سندًا ومتنًا (1).
قال: وأما المتن فعلى ثلاثة أوجه:
الأول (2): ما رواه البخاري، عن عثمان بن أبي شيبة، عن عبدة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة:"أن يد السارق لم تُقطع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في مِجَنِّ حَجَفَةٍ أو تُرس".
ثم روى البخاري، عن عثمان أيضًا، عن حميد:"ثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة" مثله.
(1) قال: "أما السند فمنهم من ذكر عائشة، ومنهم من لم يذكرها وجعله مرسلًا من قول عروة، نبه على ذلك البخاري في "الصحيح" والصواب ذكر عائشة".
(2)
"الفتح"(12/ 99) رقم (6792).
الثاني (1): ما رواه البخاري، عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة:"لم تكن تُقطع يدُ السارق في أدنى من حجفة أو ترس، كل واحد منهما ذو ثمن"(2).
الثالث (3): رواه البخاري: حدثني يوسف بن موسى، ثنا أبو أسامة، قال: هشام ابن عروة أخبرنا، عن أبيه، عن عائشة، قالت:"لم تُقطع يدُ سارقٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن: ترسٍ أو حجفةٍ، وكان كل منهما ذا ثمن".
فالأول: مداره على عثمان بن أبي شيبة، عن عبدة، وعن حميد، وقد خولف عن كل منهما.
فرواه مسلم في "صحيحه" عن محمد بن عبد اللَّه بن نمير، عن حميد بسنده:"لم تُقطع يدُ سارقٍ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس وكلاهما ذو ثمن". وهذا على الوجه الثالث كما ترى.
ورواه البيهقي في "السنن"(8/ 256) من طريق هارون بن إسحاق، عن عبدة بسنده:"لم تكن يدٌ تُقطع على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن مجن حجفة أو ترس".
وهذا على الوجه الثاني كما ترى.
وبهذا بانَ ضعفُ الوجهِ الأول، بل ظاهره باطل؛ لأنه يعطي أن القطع لم يقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة في ذاك المجن، وقد ثبت قطع سارق رداء صفوان الذي كانت قيمته ثلاثين درهمًا، وثبت قطع يد المخزومية التي كانت تستعير الحلي ثم تجحدهُ.
(1) رقم (6793).
(2)
زاد البخاري هنا: رواه وكيع وابن إدريس، عن هشام، عن أبيه مرسلًا.
(3)
رقم (6794).
وأما الوجه الثاني فقد اختلف على عبدة كما رأيت، وكذلك اختلف على ابن المبارك، رواه النسائي عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة:"لم تقطع يد سارق في أدنى من حجفة أو ترس، وكل واحد منهما ذو ثمن".
وهذا على الوجه الثالث كما ترى، فبانَ رجحانُ الوجه الثالث؛ لأنه رواه عن هشام: أبو أسامة ولم يختلف عليه فيه، ورواه ابن نمير، عن حميد، عن هشام، وابنُ نمير أثبتُ من عثمان بن أبي شيبة، ورواه سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن هشام. وقد رجح الشيخان والنسائي الوجهَ الثالث.
أما البخاري فساقها على هذا الترتيب، ثم عَقَّبَ بحديث ابن عمر (1)، فأشار -واللَّه أعلم- بالترتيب إلى ترتيبها في القوة، فالثاني أقوى من الأول، والثالث أرجح منهما.
أو قُلْ: أشار إلى أن الثاني يُفَسِّرُ الأولَ من وجهٍ، والثالث (2) يفسرهما جميعًا.
وأشار بالتعقيب بحديث ابن عمر إلى أن هذا الحديثَ وحديثَ ابن عمر عن واقعة واحدة؛ فعائشة حفظتْ أَنَّ أقلَّ ما قطع فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو ذاك المجن ولم تذكر قيمته، وابن عمر حفظ قيمته، ولم يذكر أنه أقل ما قطع النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
وأما مسلم (3) فصدَّرَ بحديثه عن محمد بن عبد اللَّه بن نمير وساقه بتمامه، وهو على الوجه الثالث كما مرَّ، ثم قال:
(1) من رقم (6795) حتى (6798) ولفظه: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم" وفي رواية الليث: "قيمته".
(2)
في أصل التنكيل: "والثاني" وصُوِّبَ في حاشية الطبع إلى "والثالث" وهو الصواب.
(3)
(ص 313) رقم (1685).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة بن سليمان وحميد بن عبد الرحمن ح وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان ح.
وثنا أبو كريب ثنا أبو أسامة كلهم عن هشام بهذا الإسناد نحو حديث ابن نمير عن حميد بن عبد الرحمن، وفي حديث عبد الرحيم وأبي أسامة:(وهو يومئذ ذو ثمن). اهـ.
فحمل سائر الروايات على حديث ابن نمير، وهو على الوجه الثالث كا مَرَّ، ولم يَعْتَدَّ بمخالفة بعضها له في الأوجه المذكورة، مع اعتداده بالاختلاف في قول ابن نمير:"وكلاهما ذو ثمن" وقولِ عبد الرحيم وأبي أسامة: "وهو يومئذ ذو ثمن"، ثم عَقَّبَ ذلك مسلم بحديث ابن عمر.
وأما النسائي (1) فإنه مع تصدِّيه لجميع الروايات في ذكر المجن، لم يَسُقْ من طرق حديث هشام المذكور إلا رواية سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن هشام، وهي على الوجه الثالث. اهـ.
قال أبو أنس:
تحقيق العلامة المعلمي لترتيب البخاري أحاديث هذا الباب تحقيقٌ بديعٌ، والأمر بحاجة إلى بحثٍ مستقل؛ للنظر: هل هذا المنهج يَطّردُ في نظائره من "الجامع الصحيح"، أم أن لكل موضع تحقيقًا خاصًّا بحسب القرائن المحتفة به؟ وانظر ما يأتي من تعليقي عقب الأمر الثاني.
* * *
(1) المجتبى (8/ 82).