الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر السادس
فيما ذكر أن البخاري مات قبل أن يبيض كتابه
نقل العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة"(ص 257)، عن أبي رية قولَه: يظهر أن البخاري مات قبل أن يتم تبييض كتابه، فقد ذكر ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" أن أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفِرَبْرِيّ، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئًا، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض.
قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية
…
(1) مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصلٍ واحد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرفٍ (2) أو رقعةٍ مضافة أنه من موضع ما أضافه (3) إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث. اهـ.
فعلَّق العلامة المعلمي بقوله:
أقول: قول أبي رية: قبل أن يبيض، يوهم احتمال أن يكون في النسخة ما لم يكن البخاري مطمئنًّا إليه على عادة المصنفين؛ يستعجل أحدهم في التسويد على أن يعود فينقح، وهذا باطل هنا.
(1) هكذا اختصره المعلمي، وتمامه:"ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني، ورواية أبي زيد المروزي".
(2)
هكذا في "الأنوار" وفي المقدمة: "طرة"، ومثله في كتاب الباجي "التعديل والتجريح"(1/ 311) وهو الصحيح.
(3)
هكذا في "الأنوار" وفى المقدمة وكتاب الباجي: "فأضاف".
فإن البخاري حدَّث بتلك النسخة وسمع الناس منه منها، وأخذوا لأنفسهم نسخًا في حياته، فثبت بذلك أنه مطمئن إلى جميع ما أثبته فيها، لكن ترك مواضع بياضًا، رجاء أن يضيفها فيما بعد، فلم يتفق ذلك.
وهي ثلاثة أنواع:
الأول: أن يثبت الترجمة وحديثًا أو أكثر، ثم يترك بياضًا لحديث كان يفكر في زيادته، وأخَّر ذلك لسببٍ ما، ككونه كان يحب إثباته كما هو في أصله ولم يتيسر له الظفر به حينئذ.
الثاني: أن يكون في ذهنه حديثٌ يرى إفراده بترجمة فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث لنحو ما مرَّ.
الثالث: أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضًا للترجمة؛ لأنه يُعنى جدًّا بالتراجم ويضمنها اختياره، وينبه فيها على معنًى خفي في الحديث، أو حمله على معنى خاص، أو نحو ذلك، فإذا كان مترددًا ترك بياضًا ليتمه حين يستقر رأيه.
وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل فيما أثبته.
فأما التقديم والتأخير فالاستقراء يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم؛ يتقدم أحدُ البابين في نسخةٍ ويتأخر في أخرى، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة وتتأخر عنه في أخرى، فيلتحق بالترجمة السابقة، ولم يقع من ذلك ما يمسُّ سياقَ الأحاديث بضرر.
وفي مقدمة "الفتح" بعد العبارة السابقة: "قلت: وهذه قاعدة حسنة يُفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث، وهي مواضع قليلة جدًّا" اهـ.
* * *