الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقصد تطبيقات العلامة المعلمي على منهج البخاري وشرطه في رجال "صحيحه
"
1 -
ذكر الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص 298) حديثَ: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه آمنه اللَّه على داره، ودار جاره، ودويراتٍ حوله".
ثم قال:
…
وقد رواه الدارقطني (1) عن أبي أمامة مرفوعًا بدون قوله: "ومن قرأها حين يأخذ مضجعه
…
" إلخ. وقد أدخله ابن الجوزي في الموضوعات (2) وتعقبه ابن حجر في تخريج أحاديث "المشكاة" وقال: "غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات وهو من أسمج ما وقع له". قال في "اللآلىء": "وقد أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وصححه الضياء في المختارة. اهـ. كلام الشوكاني.
وأورد السيوطي في "اللآلىء" قولَ الدارقطني عقب الحديث: تفرد به محمد بن حِمْيَر وليس بالقوي، ثم تعقبه بقوله: "كلا، بل قويٌّ ثقةٌ من رجال البخاري، والحديث صحيحٌ على شرطه
…
"، وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزءٍ جمعه في تقوية هذا الحديث: "محمد بن حِمْيَر القضاعي السليحي الحمصي، احتج به البخاري في "صحيحه"، وكذلك محمد بن زياد الألهاني الحمصي احتج به البخاري أيضًا".
(1) وقال: تفرد به محمد بن حِمْيَر، وليس بالقويّ.
(2)
(1/ 244).
فعلَّق الشيخ المعلمي على ذلك كله بقوله:
"مدار الحديث على محمد بن حِمْيَر، رواه عن محمد بن زياد الأَلْهاني، عن أبي أمامة، وابنُ حِمْيَر موثَّق (1)، غمزه أبو حاتم (2)، ويعقوب بن سفيان (3)، وأخرج له البخاري في "الصحيح" حديثين قد ثبتا من طريق غيره، وهما من روايته عن غير الأَلْهاني (4)، فَزَعْمُ أن هدا الحديث على شرط البخاري غَفْلَةٌ".
(1) وثقه ابن معين -رواية الدارمي عنه- وقال في رواية ابن محرز: لا بأس به. ووثقه دحيم. وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: ما علمت إلا خيرًا. وقال النسائي والدارقطني: ليس به بأس. "تاريخ الدارمي"(ت 759)، و"سؤالات ابن محرز"(350)، و"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 132)، و"تهذيب الكمال"(25/ 118).
(2)
فقال: يكتب حديثه، ولا يحتج بما ومحمد بن حرب وبقية أحبُّ إِليَّ منه. "الجرح"(7 / ت 1315).
(3)
قال: ليس بالقوي. "المعرفة والتاريخ"(2/ 309).
(4)
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "الفتح"(ص 460): "ليس له في البخاري سوى حديثين، أحدهما: عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عقبة بن وسَّاج، عن أنس في "خضاب أبي بكر" وذكر له متابعًا. والآخر: عن ثابت ابن عجلان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعنز ميتة، فقال: "ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها". أورده في الذبائح، وله أصل من حديث ابن عباس عنده في الطهارة". اهـ.
قلت:
الأول: في مناقب الأنصار (7/ 302) رقم (3919)، قال البخاري: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن حمير حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة أن عقبة بن وسَّاج حدثه عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ..
ثم أتبعه البخاري (3920) بقوله: وقال دحيم: حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني أبو عبيد، عن عقبة بن وسَّاج حدثني أنس
…
وساقه بنحوه.
قال الحافظ في "الفتح"(7/ 303): "وصله الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن دحيم. وأبو عبيد هو حاجب سليمان بن عبد الملك وهو ثقة، وقد أفاد هذا الطريق متابعة محمد بن حمير، وتصريح عقبة ابن وسَّاج بسماعه من أنس".
الثاني: في كتاب الذبائح والصيد (9/ 575) رقم (5532) قال البخاري: حدثنا خطاب بن عثمان حدثنا محمد بن حمير، عن ثابت بن عجلان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم
…
2 -
وفي "الفوائد" أيضًا (ص: 56): "أخرج البزار في "مسنده" من حديث أبي هريرة: "إذا دخلت منزلك فَصَلّ ركعتين تمنعانك مدخل السوء، وإذا خرجت من مجلسك فَصَلِّ ركعتين تمنعانك من مخرج السوء". قال في "مجمع الزوائد": رجاله موثقون".
فقال الشيخ المعلمي:
"هو من طريق يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن صفوان بن سليم. وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" من هذا الوجه (1)، وفيه: قال بكر: حسبته عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. كذا في "شرح الإحياء". وفي "شرح الإحياء" عن ابن حجر: هو حديث حسن، ولولا شك بكر لكان على شرط "الصحيح".
أقول: بكر لم يوثقه أحد، وليس له في البخاري إلا حديث واحد متابعة، وقد أخرجه البخاري من طريق أخرى. كذا قال ابن حجر نفسه في مقدمة "الفتح"(ص 391)، وليس له عند مسلم إلا حديث واحد، وهو حديث أبي ذر: "قلت: يا رسول اللَّه ألا تستعملني؟ قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف
…
"، ثم أخرجه مسلم من
= وقد قدَّم البخاري في الباب ما رواه عن زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي، عن صالح قال: حدثني ابن شهاب أن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه أخبره أن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بشاة ميتة فقال: "هلا استمتعتم بإهابها؟ " قالوا: إنها ميتة. قال: "إنما حرم أكلها". ثم ذكر ما رواه عن خطاب بن عثمان.
وحديث ابن شهاب هذا هو الذي أشار إليه الحافظ في مقدمة "الفتح" بقوله: "وله أصل من حديث ابن عباس عنده في الطهارة"، وكأن الحافظ ذَهَل عن إيراد البخاري له مُصَدِّرًا به الباب الذي ذكر فيه رواية محمد ابن حمير! فقد تكلم الحافظ في "الفتح"(9/ 576) على إسناد حديث محمد بن حمير هذا، وذكر ما في إسناده من الكلام، ثم قال: فهذا الحديث من أجل هؤلاء من "المتابعات"، لا من الأصول، والأصل فيه الذي قبه
…
(1)
(3/ 124)
وجه آخر، فروايته عن بكر في معنى المتابعة، وليس له عند مسلم غيره، كما يعلم من الجمع بين رجال "الصحيحين"، ففي تحسين حديثه نظر، كيف وقد شك فيه؟! مع أن الراوي عنه: يحيى بن أيوب هو الغافقي، راجع ترجمته في مقدمة "الفتح"(1).
3 -
وفي "الفوائد"(ص 85): حديث: "من أنظر معسرا كان له مثله كل يوم صدقة".
قال الشوكاني: "إسناده ضعيف، وهو في "سنن" ابن ماجه (2) وأخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما".
فقال العلامة المعلمي: "هو في "المستدرك" (2/ 29) من طريق سليمان بن بريدة، عن أبيه وليس هو على شرط البخاري؛ لأن البخاري لم يخرج لسليمان، وذكر أنه لم يذكر سماعا من أبيه، ولفظ الحديث في "المستدرك" آخر، وهو مع ذلك مخالف للفظه عند أحمد في "المسند" (5/ 360)، وأحسب بعض الخطأ من النساخ". اهـ.
قال أبو أنس:
أُلَخِّصُ هنا ما وعدتُّ به من أهم النقاط المتعلقة بمنهج البخاري -ونحوه مسلم- في انتقاء رجال "صحيحيهما"، وكيفية إخراجهما لحديثهم في ضوء ما سبق من تحقيق الشيخ المعلمي، فأقول:
أولا: مجرد إخراج الشيخين للرجل في "الصحيح" لا يكفي في استحقاقه التوثيق المطلق، بل لابد من النظر في كلام سائر أهل النقد في تفصيل حاله من حيث الضبط وغيره من الأحوال التفصيلية التي يُستفاد منها في معرفة حاله في كل حديثٍ يأتي من طريقه.
(1) انظر ترجمة بكر بن عمرو وهو المعافري المصري في قسم تراجم الرواة من كتابنا هذا رقم (137).
(2)
علق المعلمي فقال: "هو من طريق نفيع أبي داود الأعمى وهو هالك رواه عن بريدة".
وهذا خلافٌ لمن اغتر بقول القائل: "من أُخرج له في الصحيح فقد جاز القنطرة" فلا يَعتبرُ بما ورد فيه من الجرح وأوجه الضعف من قِبَل غير صاحب "الصحيح"، بل ربما من صاحب "الصحيح" نفسه.
والبخاري ومسلم رحمهما اللَّه تعالى لم يشترطا أن يخرجا لمن لم يتكلم فيه أحدٌ من أهل النقد المتقدمين عنهما أو المعاصرين لهما، بل ربما خرَّجا لمن وصفاه هما بالوهم ونحوه، ويكون إخراجُهما لهذا وأمثالِه ممن وصفهم غيرهما من الأئمة بذلك، إنما هو على سبيل انتقاء ما قامت القرائن عندهما على صحة ما رَوَياه لهؤلاء في الكتابين، وربما لم تنهض تلك القرائن عند غيرهما من النقاد للحكم على حديثٍ ما بالصحة، فينشأ من هنا الاختلاف في الحكم على بعض ما خرجه صاحبا "الصحيح".
ثانيا: مجرد إخراج الشيخين للرجل في بعض المواضع من "الصحيح" لا يعني بالضرورة أنهما يرياه أَهْلا لأن يُخرَّجَ له في كل موضع، فلا يقال لإسنادٍ أخرج البخاري أو مسلم لجميع رواته: هذا مما أخرجا أو أحدُهما لرجال إسناده، فينبغي أن يُصَحَّحَ هذا الإسنادُ قياسا على ذلك!.
ثالثا: هناك فرقٌ بين من يخرجا له احتجاجا، ومن يخرجا له متابعةً أو استشهادا، فليس من احتجابه فأخرجا له في صَدْر الباب -لا سيما مسلما-، أو ما يدور الحديث عليه، كمن أخرجا له مستشهَدا به، مؤخَّرا عن صدر الباب ، أو ثبت الحديث عندهما من غير طريقه.
رابعا: قد يخرجا للرجل عن شيخٍ، ومن طريق شيخٍ معين عنه؛ لِمَا يريانه من استقامة حديث كل من هؤلاء عن الآخرة لمزيد اختصاصٍ به، أو حفظٍ لحديثه، أو غير ذلك من القرائن، وعليه فليس بلازمٍ ولا سائغٍ أن يقال لإسنادٍ ورد فيه هذا الرجل -لكن ليس بذاك النَّسق المشار إليه: هذا على شرطهما.
خامسا: لا يستوي من خرجا له فَأَكْثَرَا، ومن خرجا له حديثا أو حديثين؛ فالإكثار مظنة القوة والاحتجاج، والإقلال بخلافه غالبا.
هذا إجمالٌ وتلخيصٌ يُعرف بشيء من الاستقراء والتتبع، ولتفصيل هذه الأمور وشرح ذلك بأمثلة توضح المقصود منها موضعٌ آخر، كما أشرت آنفًا، ويأتى مزيد بيان في الأمور التالية، واللَّه تعالى الموفق.
* * *