الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع
منهج مسلم في ترتيب روايات الحديث في الباب الواحد
• تناول الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة"(ص 28 - 29) قصة تأبير النخل، فقال:
"أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث طلحة قال: "مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل. فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه؛ يجعلون الذَّكَرَ في الأنثى فيلقح. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئًا. قال: فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن اللَّه شيئًا فخذوا به؛ فإني لن أكذب على اللَّه عز وجل".
ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه: "فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا، فتركوه فنقضت
…
فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا".
ثم أخرجه عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وعن ثابت، عن أنس
…
وفيه: "فقال: لو لم تفعلوا لصلح". وقال في آخره: "أنتم أعلم بأمر دنياكم".
عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوَّتها: يقدم الأصح فالأصح.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة: "ما أظن يغني ذلك شيئًا إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صدق قطعًا، وخطأ الظن ليس كذبًا وفي معناه قوله في حديث رافع: "لعلكم
…
" وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد؛ لأن حمادًا كان يخطىء.
وقوله في حديث طلحة: "فإني لن أكذب على اللَّه" فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ؛ لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمدًا معلوم من باب أولى، بل كان معلومًا عندهم قطعًا". اهـ.
• وقال الشيخ في "التنكيل"(2/ 257 - 258) في باب تنزيه الأنبياء عن الكذب:
"فأما الخطأ فلا ريب أن الأنبياء قد يخطىء ظنهم في أمور الدنيا، وأنهم يحتاجون إلى الإخبار (1) بحسب ظنهم إذا احتاجوا إلى ذلك فإنما يخبر أحدهم بأنه يظن وذلك -كما تقدم- صدق حتى على فرض خطأ الظن.
فمن ذلك ما جاء في قصة تأبير النخل؛ نشأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وليست بأرض نخل، ورأى عامة الأشجار تثمر ويصلح ثمرها بغير تلقيح، فلا غرو ظنَّ أن الشجر كلها كذلك، فلما ورد المدينة مرَّ على قوم يؤبرون نخلا فسأل فأخبروه فقال:"ما أظن يغني ذلك شيئًا"، وفي رواية:"لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا". فتركوه فلم يصلح فبلغه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإني إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن اللَّه شيئًا فخذوا به؛ فإني لن أكذب على اللَّه".
وفي رواية: لا إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. أو كما قال".
أخرج مسلم الرواية الأولى من حديث طلحة بن عبيد الله، والثانية من حديث رافع بن خديج، ثم أخرج من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة وعن ثابت، عن أنس: القصة مختصرة وفيها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لو لم تفعلوا لصلح". وحماد على فضله كان يخطىء فالصواب ما في الروايتين الأوليين.
(1) في "التنكيل": "الأخبار" بفتح الهمزة، وهو خطأ.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به؛ فإني لن أكذب على الله"، و"إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به" واضح الدلالة على عصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب خطًا فيما يخبر به عن الله وفي أمر الدين. اهـ.
قال أبو أنس:
قضية ترتيب مسلم روايات الحديث بحسب القوة قد تعرض لها مسلم في مقدمة "صحيحه"، نورد نصه في ذلك، ثم نعرج على كلام أهل العلم حيال كلامه هناك، ثم نذكر طرفا مما وقفنا عليه من الفوائد المتعلقة بهذه القضية.
قال الإمام مسلم: في مقدمة "صحيحه"(ص 4):
"
…
ثم إنا -إن شاء الله- مبتدئون في تخريج ما سألتَ وتأليفِه على شريطةٍ سوف أذكرها لك، وهو أنا نعمد إلى جملةِ ما أُسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقسمها على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس، على غير تكرار، إلا أن يأتي موضعٌ لا يُستغنى فيه عن ترداد حديثٍ فيه زيادةُ معنًى، أو إسنادٌ يقع إلى جنب إسناد، لِعلةٍ تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديثٍ تام، فلابد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة، أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن، ولكن تفصيله ربما عَسُر من جملته، فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلمُ، فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله إن شاء الله.
فأما القسمُ الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهلَ استقامةٍ في الحديث وإتقانٍ لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلافٌ شديد، ولا تخليطٌ فاحش، كما قد عُثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم.
فإذا نحن تقصَّينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم -وإن كانوا فيما وصفنا دونهم- فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حُمَّال الآثار، ونُقَّال الأخبار -فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين- فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنية.
ألا ترى أنك إذا وازنتَ هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء، ويزيد، وليثا بـ: منصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث والاستقامة فيه، وجدتَّهم مباينين لهم لا يدانونهم، لا شك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور، والأعمش، وإسماعيل، وإتقانهم لحديثهم، وأنهم لم يَعرفوا مثل ذلك من عطاء، ويزيد، وليث.
وفي مثل مَجْرى هؤلاء إذا وازنتَ بين الأقران، كابن عون وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحمراني، وهما صاحبا الحسن وابن سيرين، كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما، إلا أن البَوْن بينهما وبين هذين بعيدٌ في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم.
وإنما مَثَّلْنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلُهم سمةً يصدر عن فهمها من غَبِيَ عليه طريقُ أهل العلم في ترتيب أهله فيه فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ويعطى كل ذى حق فيه حقه وينزل منزلته.
وقد ذُكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم" مع ما نطق به القرآن من قول الله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .
فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه نؤلف ما سألتَ من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم، كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني، وعمرو بن خالد، وعبد القدوس الشامي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وغياث بن إبراهيم، وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي، وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار.
وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، أمسكنا أيضًا عن حديثهم.
وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفتْ روايتُه روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجورَ الحديث، غيرَ مقبولِه ولا مستعملِه.
فمن هذا الضرب من المحدثين: عبد الله بن محرر، ويحيى بن أبي أنيسة، والجراح ابن المنهال أبو العطوف، وعباد بن كثير، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وعُمر بن صُهبان، ومَن نحا نحوهم في رواية المنكر من الحديث، فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به؛ لأن حُكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قُبلت زيادته.
فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنن لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروى عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في "الصحيح" مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم.
قد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم ووفق لها، وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى". انتهى كلام الإمام مسلم.
قال أبو أنس:
قد فهم الحاكم من قول مسلم في مقدمته ما يلي:
"أنه يفرد لكل طبقة كتابا، ويأتي باحاديثها خاصة مفردة، وأن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني، وأنه إنما ذكر القسم الأول".
ووافقه تلميذه الحافظ البيهقي (1).
وناقشه القاضي عياض: فقال:
"هذا الذي تأوله أبو عبد الله الحاكم على مُسْلم من اخترام المنية قبل استيفاء غرضه مما قَبِلَهُ الشيوخ، وتابعه عليه الناسُ في أنه لم يُكْمِلْ غرضه إلا من الطبقة الأولى، ولا أدخل في تأليفه سواها".
(1) نقله القاضي في شرحه لـ "صحيح" مسلم. "الإكمال"(1/ 19 / 1).
وأنا أقول: إن هذا غير مُسَلَّم لمن حقَّق نظره، ولم يتقيد بتقليد ما سمعه، فإنك إذا نظرتَ تقسيمَ مُسْلم في كتابه الحديثَ كما قال على ثلاث طبقات من الناس، فذكر أن القسمَ الأولَ حديثُ الحفاظ، ثم قال بأنه إذا تقصَّى هذا أَتْبَعَهُ بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم، وذكر أنهم لاحقون بالطبقة الأولى، وسمَّى أسماء من كل طبقة من الطبقتن المذكورتين، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع أو اتفق الأكثر على تهمته، وبقي من اتهمهم بعضُهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا.
ووجدته: قد ذكر في أبواب كتابه وتصنيفِ أحاديثه حديثَ الطبقتين الأوليين التي ذكر في أبوابه، وجاء بأسانيد الطبقة الثانية التي سماها وحديثها، كما جاء بالأولى، على طريق الإِتْباع لأحاديث الأولى والاستشهاد بها، أو حيث لم يجد في الكتاب للأولى شيئا، وذكر أقواما تكلم قوم فيهم وزكَّاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل البخاري.
فعندى أنه قد أَتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذَكر ورتَّب في كتابه وبيَّنَهُ في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه (1)، فتأوَّل الحاكمُ أنه إنما أراد أن يُفرد لكل طبقة كتابا، ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة، وليس ذلك مراده، بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبأن من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب، ويأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريقة الاستشهاد والإتباع، حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد الطبقات الثلاث من الناس الحفاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها (2) والله أعلم بمراده.
(1) مسلم إنما قسَّم الرواة ثلاثة أقسام وثلاث طبقات، وطرح أحاديث الثالثة، هذا ما صرَّح به.
(2)
هذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.
وكذلك أيضًا عِلَل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها: قد جاء بها في مواضعها من الأبواب؛ من اختلافهم في الأسانيد، والإرسال والإسناد، والزيادة والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وإدخاله في كتابه كما وعد به.
وقد فاوضتُ في تأويلي هذا ورأيي فيه مَن يفهم هذا الباب، فما وجدت منصفا إلا صوَّبه وبأن له ما ذكرتُ، وهو ظاهرٌ لمن تأمَّل الكتابَ وطالع مجموعَ الأبواب، والله الموفق للصواب.
ولا يعترض على هذا ما نقلتُ عن ابن سفيان من أن مسلما خرج بثلاث كتب، فإنك إذا تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه، فتأمله تجده كذلك إن شاء الله". اهـ.
ثم قال -شارحا لقول مسلم: "وسنزيد إن شاء الله شرحا وإيضاحا
…
"-:
"قيل: هذا الكلام الذي وعد به ليس منه شيء في الكتاب، وأنه مما اخترمته المنية قبل جمعه، إذ ما أدخله في كتابه من "الصحيح" المتفق عليه ليس يحتاج إلى شيء من الكلام عليه؛ لعلو رتبته، وقلة غلط رواته؛ وحفظهم وإتقانهم، وقد قدمنا الكلام عليه، وأنه قد ذكره في أبواب". اهـ. كلام القاضي.
وقد نقل النووي في شرح "صحيح" مسلم عن القاضي قوله في بعض أحاديث "الصحيح": "هذا الإسناد من الأحاديث المعللة في كتاب مسلم التي يبين مسلم علتها كما في خطبته، وذكر الاختلاف فيه"(4/ 26).
وفي موضع آخر عنه: "هذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنه يذكرها في موضعها، فظن ظانون أنه يأتي بها مفردة، وأنه تُوفي قبل ذِكرها، والصواب أنه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح"(11/ 81).
قال أبو أنس:
قد تبع الحاكمَ في قوله: تلميذُهُ البيهقي، وتبع القاضي جماعةٌ من المحققين؛ كابن الصلاح والنووي.
وفي المسألة نقل كثير، نطويه هنا، ويحتاج البتُّ فيها إلى استقراء صحيح مسلم، مع دراسة أسانيده ومتونه، ومحاولة فهم طريقته في سرد الأحاديث، مع استحضار الأحوال التفصيلية للرواة، وعرض أحاديثه على نظر النقاد؛ ليتبينَ الحالُ.
ولابد حينئذ من استخراج النماذج التي تقضي لأحد الرأْيَيْن، بحيادٍ تام وموضوعية، بعيدا عن التعصب لقولٍ دون الآخر، وقد أثارت هذه القضية جدلا في هذا العصر.
وهذه مناسبةٌ حسنةٌ لعرض بعض ما وقفتُ عليه حيال ذلك، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
ونُذَكِّرُ بأن محور الخلاف في هذه القضية قديما وحديثا يكمن في سؤالين:
1 -
هل خرج مسلم هذه الأقسام من الحديث وتلك الطبقات من الرواة (1) في كتابه "الصحيح" الذي بين أيدينا، أم ليس فيه إلا القسم الأول والطبقة الأولى؟
2 -
هل يحتوي كتاب "الصحيح" لمسلم على أخبار مُعلَّة ذكرها مسلم على سبيل الشرح والإيضاح منه، كما قال هو، أم أنه أيضا لم يُقدَّر له ذلك في هذا الكتاب، واخترمته المنية كما قال الحاكم؟
وكما هو معلوم، فإنه لا يلزم من وجود الأخبار المعلَّة أن يكون في أسانيدها أحدٌ من أهل الطبقة الثانية.
(1) البحث في الطبقتين الأوليين أما الثالثة وهي من اتهموا أو غلب عليهم المنكر، فقد صرح بأنه لم يتشاغل بإخراجها.
ويمكن تقسيم النماذج الآتية بحسب قوة وضوحها إلى أنواع:
الأول: ما وقفتُ لمسلمٍ فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها.
الثاني: ما نبَّهَ مسلم عقب إيراده على ما وقع فيه من الوهم أو المخالفة.
الثالث: ما يورد فيه مسلمٌ الحديثَ أولا بالسياق المحفوظ، ثم يشير إلى وروده من طريقٍ أخرى يسوق إسنادها أو يقول: بمثل إسناد السابق، لكنه يُعرض عن متنها.
الرابع: ما تدل طريقة عرضه لأحاديث الباب، ولقرائن تحتف بذلك على إرادته ترجيح أحاديث على أخرى.
الخامس: ما شرح مسلم فيه ما وقع أحيانا من الإدراج في بعض الأحاديث، دون النص على وقوع ذلك.
* * *