الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب:
قال البخارى: فيه نظر.
وقال أبو حاتم: شيخ، وهو من ولد صهيب ليس به بأس.
13 - يونس بن أبي يعفور العبدي الكوفي:
ضعفه أحمد وابن معين والنسائي، ووثقه الدارقطني، وأخرج له مسلم موضعا واحدا (1852) شاهدا.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال أبو أنس:
هذه نماذج على تعديل أبي حاتم لمن ضعفه أو وهَّاه غيره، وكذلك على تعديله لمن لم يعرفه مثل ابن معين، وسبق تعليقي على بعض هذه النماذج بما يدل مجموع ذلك على المواد منها.
ويلاحظ من بعض تلك النماذج أن أبا حاتم بينما يَنقل هو تضعيف غيره للراوي، أو ينقل ابنه التضعيف أو التجهيل، فإنه مع ذلك يوثقه أو يقول: صدوق، ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن صاحب النَّفَس المتشدد في الجرح، لا تسمح له نفسه غالبا بتوثيق من ضعفه غيره أو جهَّله، لاسيما وهو الذي يحكي ذلك أو يُحكى له، فقد كان مقتضى الطَّبْع أن يستروح لكلام غيره في ذلك.
فدل صنيع أبي حاتم في هذه المواضع أن اختلاف الاجتهاد هو الذي دفعه لهذا التوثيق.
فالأمر إذًا دائر مع:
الدلائل والشواهد والقرائن التي تدعم أو تخالف أو تُفَسِّر أو تُقَيِّد كلام إمام الجرح والتعديل.
مع عرض كلام بعضهم على بعض، واستصحاب بعض الانطباعات التي أُخذت عن أيٍّ منهم في غالب تصرفاته في الأحوال المشابهة من الرواة، على سبيل حمل الغامض أو المجمل من ذلك على الواضح المبين.
والأصل في جميع ذلك أن يدل كلام أئمة الجرح والتعديل في مجمله على معنى متقارب، مع تقارب ألفاظهم وعباراتهم في ذلك، فإن عبارات الجرح والتعديل متجاذبة، يمكن حمل بعضها على بعض، للتقريب بينها.
وما لم يمكن التقريب بينه من عباراتهم حُمل على تباين الاجتهاد، وللنظر في كلامهم حينئذ قواعد تُعرف بالممارسة لكتبهم، ترى شيئا منها في أقسام هذا الكتاب، مما قرره الشيخ المعلمي في مصنفاته، ومما فتح الله به من بعض التحريرات والأطروحات التي أضعها بين يدي الباحثن، عسى أن تكون موفَّقَةً وناهضةً لتدقيق أهل الاختصاص، عاملين فيها بالنقد؛ تمحيصا وتدعيما وتصويبا وتعقيبا، والله من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وأعود لأبي حاتم، فأقول:
لقد طال عجبي وأنا أطالع كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" لأبي الحسنات اللكنوي الهندي الحنفي -وما أكثر ما في هذا الكتاب من العجائب، وقد شرعتُ في تحريرِ الجوابِ عن كثيرٍ من المسائل التي خالفَ فيها مؤلفُه وجهَ الصواب، وقد دأبَ مؤلفُه على تمييعِ كثيرٍ من القضايا الاصطلاحية، وتفريغِ العديدِ من ألفاظِ الجرحِ من مضمونها، وملأ كتابَه بكثيرٍ من الإطلاقات والتعميمات في غير محلها- إذ عقد فيه ما أسماه:"إيقاظ 14 " وقال فيه (ص 107):
لا تغترر بقول أبي حاتم في كثير من الرواة -على ما يجده من يطالع "الميزان" وغيره- إنه (مجهول)، ما لم يوافقه غيره من النقاد؛ فإن الأمان من جرحه بهذا مرتفع عندهم، فكثيرا ما ردوه عليه بانه جَهَّلَ مَن هو معروف عندهم.
فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري":
• الحكم بن عبد الله البصري، قال ابن أبي حاتم عن أبيه:(مجهول).
قلت: ليس بمجهول من روى عنه أربع ثقات، ووثقه الذهلي.
• وقال أيضًا: عباس القنطري، قال ابن أبي حاتم عن أبيه:(مجهول).
قلت: إن أراد العين، فقد روى عنه البخاري، وموسى بن هلال، والحسن بن علي المعمري. وإن أراد الحال، فقد وثقه عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي، فذكره بخير.
وقال السيوطي في "تدريب الراوي": جَهَّل جماعةٌ من الحفاظ قوما من الرواة لعدم علمهم بهم، وهم قوم معروفون بالعدالة عند غيرهم، وأنا أسرد ما في "الصحيحين" من ذلك:
1 -
أحمد بن عاصم البلخي، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، وقال: روى عنه أهل بلده.
2 -
إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي، جَهَّلَهُ ابن القطان وعرفه غيره فوثقه ابن حبان.
3 -
أسامة بن حفص المديني، جَهَّلَهُ أبو القاسم اللالكائي، وقال الذهبي: ليس بمجهول، روى عنه أربعة.
4 -
أسباط أبو اليسع، جَهَّلَهُ أبو حاتم، وعرفه البخاري.
5 -
بيان بن عمرو، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه ابن المديني وابن حبان وابن عدي وعبيد الله بن واصل.
6 -
الحسين بن الحسن بن يسار، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه أحمد وغيره.
7 -
الحكم بن عبد الله البصري، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه الذهلي، وروى عنه أربع ثقات.
8 -
عباس القنطري، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه أحمد وابنه.
9 -
محمد بن الحكم المروزي، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه ابن حبان". اهـ. نقل اللكنوي.
قال أبو أنس:
ما أشدَّ خطورة هذا الفصل -ككثير من فصول ذاك الكتاب- ومُؤَدَّاهُ كما رَمَى إليه مؤلفُه هو: طَرْحُ قولِ أبي حاتم في الرواة: "مجهول" إذا لم يوافقه على ذلك أحدٌ من النقاد.
وما استدل مؤلفُه بنقله عن ابن حجر والسيوطي فيما يخصُّ أبا حاتم، فَأَوْهَى من بيت العنكبوت.
وهذا إجمالٌ لنكاتٍ تُفيد في الجوابِ عمَّا ذَكره، ثم أُعَرِّجُ على ما نقله تفصيلًا. والله تعالى الموفق.
أولا: الجهالة عند أبي حاتم وكثر المتقدمين في أدقِّ معانيها هي عدم الوقوف على ما يفيد في معرفة ما يمكنُ الاعتمادُ عليه في قبول حديث الراوي، وليس عند الحُذَّاق منهم فرقٌ في ذلك بين مَن روى عنه واحد، أو روى عنه جماعة، فربما وثقوا مِنَ الصنف الأول، وجَهَّلُوا مِن الثاني.
وعدم الوقوف هذا ربما انبنى على:
عزةِ حديث الراوي، أو عزةِ مَنْ روى عنه أو عدمِ سلامةِ الطرق إليه، أو نحو ذلك مما يُعرف بالتتبع والاستقراء.
والأمر في ذلك أوسعُ مما حدَّه المتأخرون في شأن الجهالة، فقسموها إلى الصنفين السابقن، وسموا الأول:"مجهول العين"، والثاني:"مجهول الحال"، وجعلوا الأول: مردودا مطلقا، والثاني: صالحا للاستشهاد والمتابعة.
ثانيا: فَرَّعَ البعضُ على هذا التقسيم أمورا، من ذلك -وهو لصيقٌ بما نحن بصدده- قولُ اللكنوي في كتابه المذكور "الرفع والتكميل" في "الإيقاظ 13 ":
"فرقٌ بين قولِ أكثر المحدثين في حق الراوي: (إنه مجهول)، وبين قول أبي حاتم: (إنه مجهول)، فإنهم يريدون به غالبا: جهالةَ العين، بأن لا يروي عنه إلا واحد، وأبو حاتم يريد به جهالةَ الوصف، فافهمْه واحفظْه؛ لئلا تحكم على كل من وجدتَّ في "الميزان" إطلاقَ المجهول عليه أنه مجهول العين". اهـ.
أقول:
فهذا تلبيسٌ ظاهرٌ، لأنه يُلزِمُ أبا حاتم بهذا التقسيم المذكور، ثم يُقْصِرُ قولَه:"مجهول" على أنه أراد به جهالةَ الوصف أو الحال، لا العين.
واللكنوي هو الذي نقل بعد ذلك عن تقي الدين السبكي في "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" قوله:
"أما قول أبي حاتم الرازي في موسى بن هلال: إنه "مجهول"، فلا يضره؛ فإنه إما أن يريد به جهالة العين أو جهالة الوصف
…
".
وعن "فتح المغيث" للسخاوي قوله:
"على أن قول أبي حاتم في الرجل: إنه "مجهول"، لا يريد به أنه لم يرو عنه سوى واحد؛ بدليل أنه قال في: "داود بن يزيد الثقفي" إنه مجهول، مع أنه قد روى عنه جماعة، ولذا قال الذهبي عقبه: هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم، ولو روى عنه جماعة ثقات. يعني إنه مجهول الحال انتهى.
ومعنى كلام هؤلاء واضح جدًّا أن أبا حاتم لا يتقيد في تجهيله للرواة برواية الواحد أو الجماعة، وهو ما قررناه آنفًا، فكيف يقال مع ذلك: "
…
وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف، فافهمه واحفظه
…
"!
أما تفصيل الجواب عما نقله اللكنوي فأقول:
أبو حاتم من أهل الاصطلاح الذين تُؤخذ عنهم القواعد، بل هو من المقدَّمين منهم، الذين أثّرَوْا عِلْمَ النقد بوافرٍ من التحقيقات والتعليلات، وعليه مدار كثير من المنقول في نقد الرواة والأخبار؛ فلا يقال له في رجل قال فيه "مجهول":"ليس بمجهول من روى عنه أربع ثقات، ووثقه الذهلي".
بل يقال كما سبق:
لا يشترط في الوصف بالجهالة عدمُ رواية أكثر من واحد عن الراوي، كما قاله الذهبي؛ استدلالًا بصنيع أبي حاتم.
أو قُلْ: هو اصطلاح أبي حاتم على أَقَلِّ تقدير.
أما الذُّهلي فكان فيه تسمُّح؛ ترتفع الجهالةُ عنده برواية اثنين عن الراوي، فلعله أثبت له العدالة هنا بناءً على هذا، ولا يُقارَن الذهلي بأبي حاتم في هذا الباب.
وأبو حاتم إمامٌ، فلا يُبْطَلُ نَقْدُهُ بنَقْدِ إمامٍ آخر، ولكن يُجمع بينهما بقواعد الجمع المعروفة، فربما اطَّلع الواحد منهم على ما لم يطلع عليه الآخر، أو يكونا اطَّلعَا، لكنِ اعْتَدَّ أحدُهما بما وقف عليه فوثَّق أو صحَّح، ولم يعتد الآخر به فجهَّل أو توقَّف، ولكُلِّ مقامٍ نقدٌ خاصٌ.
وقد يكون من اعتدَّ: قد اغترَّ بما لا ينهضُ، فخالفه الصوابُ.
هذا ربما تدل عليه القرائن، وهو خلاف الأصل المتعارف عليه: أن من علم حُجة على من لم يعلم.
وأما ما سرده السيوطي، فمما يُؤخذُ عليه:
اعتمادهُ توثيق ابن حبان للطبقات المتقدمة، لاسيما في مقابل تجهيل أبي حاتم، وراجع ترجمة ابن حبان في هذا القسم.
وقابل ما أورده من النماذج بما أوردته سابقا، تعلم أن القضية ليست بمطردة، وأن الأمر دائرٌ على الاجتهاد واختلاف النظر في كل موضع.
هذا آخر ما أردتُّ التنبيه عليه فيما يتعلق بأبي حاتم هنا، وإن كان تناولُ منهجه يحتاج إلى دراسة مستقلة، لكن كما نبهت في مقدمة هذا القسم أنني إذا تناولت تحرير شيء فإني أتقيدُ بما يأتي ذكره في كلام الشيخ المعلمي.
* * *