الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
شرط الحاكم في كتابه "المستدرك
"
مقدمة:
قال الحاكم في صدر كتابه "المستدرك"(ص 2 - 3):
"سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيدَ يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها؛ إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له؛ فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيا ذلك لأنفسهما
…
وأنا أستعينُ اللهَ على إخراجِ أحاديثَ رواتُها ثقاتٌ، قد احتج بمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدُهما.
وهذا شرطُ الصحيح عند كافَّة فقهاء الإسلام: أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة". اهـ. كلام الحاكم
قال أبو أنس:
هاهنا عدةُ قضايا اشتملت عليها تلك المقدمة الوجيزة:
الأولى: معنى المثلية في عبارة الحاكم.
الثَّانية: زَعْم الحاكم أنه لا سبيل إلى إخراج ما لا علَّة له، وأن الشيخين لم يدعيا ذلك لأنفسهما.
الثالثة: اتفاق كافة فقهاء الإسلام على قبول زيادة الثقة.
نتعرض هنا للأوليين، أما الثالثة فمحلها بحث "زيادة الثقة" في موضع آخر.
أما بالنسبه للقضية الأولى
فقد اخْتُلِفَ في حَدِّ قولِ الحاكم:
"
…
أجمعُ كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها
…
وأنا أستعينُ اللهَ على إخراجِ أحاديثَ، رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما
…
".
فماذا تعني "المثلية" في عبارة الحاكم؟
هل تعني: "الذاتية"؛ أي يُخرجُ لنفس من خرَّج لهم الشيخان أو أحدهما؟
أم تعني: "المشابهة"؛ أي يُخرجُ لرجالٍ يشُبهون رجال الشيخين أو أحدهما في الصفات من حيث العدالة والضبط؟
أكثرُ الذين تعرَّضوا لهذه القضية؛ كابن الصلاح، والنووي، وعليه عمل ابن دقيق العيد، والذهبي: مالوا إلى المعنى الأول.
وممن رأى المعنى الثاني فيما وقفت عليه: البلقيني في "محاسن الاصطلاح"، والعراقي في "التقييد والأيضاح"، والزركشي في "نكته على ابن الصلاح".
أصحاب المعنى الأول:
قال ابن الصلاح في "مقدمته"(ص 93):
"اعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في "الصحيحين" وجمع ذلك في كتاب سمَّاه: "المستدرك"، أودعه ما ليس في واحد من "الصحيحين" مما رآه على شرط الشيخين، قد أخرجا عن رواته في كتابيهما، أو على شرط البخاري وحده، أو على شرط مسلم وحده
…
".
وقال النووي في "التقريب"(1/ 127 تدريب):
"إن المراد بقولهم على شرطهما: أن يكون رجال إسناده في كتابيهما؛ لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما" اهـ.
وقال العراقي في "التقييد والإيضاح"(ص 30):
"وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد؛ فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديثٍ على شرط البخاري مثلًا، ثم يعترض عليه بأن فيه فلانًا، ولم يخرج له البخاري، وكذا فعل الذهبي في مختصر "المستدرك". اهـ.
أصحاب المعنى الثاني:
قال البلقيني في "محاسن الاصطلاح"(ص 94 حاشية مقدمة ابن الصلاح):
"
…
شرط الحاكم أن يخرج أحاديث جماعة كَمَنْ خرج لهم الشيخان
…
وإيراد كون الرجل لم يخرج له من استدرك عليه، لا يُلتفت إليه؛ لأنه لم يلتزم العَيْنَ، بل الشَّبَه، ومع ذلك فلم يوجد ما شرطه
…
".
وقال العراقي في "التقييد" بعد حكاية المعنى الأول عن ابن الصلاح والنووي وعمل ابن دقيق العيد والذهبي:
"ليس ذلك منهم بجيد؛ فإن الحاكم صرح في خطبة "المستدرك" بخلاف ما فهموه عنه، فقال: وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما.
فقوله "بمثلها" أي بمثل رواتها، لا بِهِم أنفسهم، ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث، وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها، وفيه نظر.
وتحقيقُ "المثلية" أن يكون بعضُ من لم يخرج عنه في "الصحيح" مثل مَنْ خرج عنه فيه، أو أعلى منه عند الشيخين، وتُعرفُ "المثلية" عندهما: إما بنصهما على أن فلانًا مثل فلان، أو أرفع منه، وقلَّما يوجد ذلك، وإما بالألفاظ الدالة على مراتب التعديل؛ كأن يقولا في بعض من احتجا به:"ثقة"، أو "ثبت"، أو "صدق"، أو "لا بأس به"، أو غير ذلك من ألفاظ التعديل، ثم يوجد عنهما أنهما قالا ذلك أو أعلى منه في بعض من لا يَحتجان به؛ لأن مراتبَ الرواةِ معيارُ معرفتِها ألفاظُ الجرح والتعديل.
ولكن هنا أمر فيه غموض لابد من الإشارة إليه، وذلك أنَّهم لا يكتفون في التصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتصال من غير نظر إلى غيره، بل ينظرون في حالة مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها، أو كونه في بلده ممارسًا لحديثه، أو غريبًا من بلد من أخذ عنه، وهذه أمور تظهر بتصفح كلامهم وعملهم في ذلك". اهـ. كلام العراقي
وقبل أن أختم تلك النقولات بتحرير الحافظ ابن حجر لهذه القضية، أُورد ما قاله الزركشي في "نكته" على ابن الصلاح، ليتم نقل ما له تعلق بأصحاب المعنى الثاني.
قال الزركشي في "نكته"(1/ 198) تعقيبًا على أصحاب المعنى الأول:
"ليس ذلك منهم بحسن؛ لِما ذكرنا من كلام الحاكم في خطبته أنه لم يشترط نفسَ الرجال المخرَّج لهم في "الصحيح"، بل اشترط رواة احتج بمثلهم الشيخان أو أحدهما، وإنما ينبغي منازعته في تحقيق المماثلة بين رجاله ورجال "الصحيحين".
نعم، القوم معذورون؛ فإنه قال عقب أحاديث أخرجها هو: صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بفلان وفلان، يعني المذكورين في سنده، فهذا منه جنوح إلى إرادة نفس رجال "الصحيح"، وهو يخالف ما ذكره في مقدمة كتابه، ثم إنه خالف الاصطلاحين في أثناء كتابه، وقال -لما أخرج "التاريخ" و"السير": ولابد لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي". اهـ. كلام الزركشي.
ويلاحظ من كلام الزركشي أنه رجح المعنى الثاني، إلا أنه عَرَض ما يقوي المعنى الأول، ولم يأت على ترجيحه للثاني بدليل، إلا ما فهمه من عبارة الحاكم.
تحرير الحافظ ابن حجر لمقصد الحاكم من تلك العبارة:
قال ابن حجر نقلا عن "تدريب الراوي"(1/ 128):
"ما اعترض به شيخنا يعني العراقي على ابن دقيق العيد والذهبي ليس بجيد؛ لأن الحاكم استعمل لفظة "مثل" في أعم من الحقيقة والمجاز في الأسانيد والمتون، دَلَّ على ذلك صنيعُه؛ فإنه تارة يقول: على شرطهما، وتارة: على شرط البخاري، وتارة: على شرط مسلم، وتارة: صحيح الإسناد، ولا يعزوه لأحدهما.
وأيضًا فلو قصد بكلمة: "مثل" معناها الحقيقي حتَّى يكون المراد: احتج بغيرها ممن فيهم من الصفات مثل ما في الرواة الذين خرَّجا عنهم، لم يقل قط: على شرط البخاري؛ فإن شرط مسلم دونه، فما كان على شرطه فهو على شرطهما؛ لأنه حوى شرط مسلم وزاد".
وقال في "النكت على ابن الصلاح" تعقيبًا على العراقي أيضًا:
"تصرُّفُ الحاكم يقوي أحد الاحتمالين الذين ذكرهما شيخنا: -يعني: العراقي- فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدهما لرواته قال: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد حسب.
ويوضح ذلك قوله في باب التوبة لما أورد حديث أبي عثمان (1)، عن أبي هريرة مرفوعًا:"لا تُنزعُ الرحمةُ إلا من شقي"، قال: هذا حديث صحيح الإسناد،
(1)"المستدرك"(4/ 249).
وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي، ولو كان هو النهدي لحكمتُ بالحديث على شرط الشيخين.
فدلَّ هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما، وهو عَيْنُ ما ادعى ابن دقيق العيد وغيره، وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان، ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض والله أعلم ". اهـ. كلام ابن حجر.
قال أبو أنس:
يتبين مما سبق عرضُه أن الحاكم لم تكن له طريقة مُطَّرِدة في إخراج أحاديث رواة هم مثل ما أخرج لهم الشيخان، ولو كان له ذلك لما اختُلف فيه على هذا النحو، بل إن الخلاف يشير إلى أنه ربما أخرج لرواة على المعنى الأول -وهم عَيْنُ من أُخرج لهم في "الصحيحين"- وربما أخرجهم على المعنى الثاني -وهم شَبَهُ من أُخرج لهم فيهما- فربما نظر البعض إلى مواضعَ تؤيد أحد المعنين فركن إليه.
وحرَّر الحافظ ابن حجر فقوّى المعنى الأول بأمثلة ذكرها، لكنه لم ينف وجود بعض المواضع على المعنى الثاني على سبيل الوهم والنسيان.
والذي يعنينا هنا هو ما يتعلق برواة المعنى الأول، وهم الذين صحح لهم الحاكم في "مستدركه" على شرط الشيخين أو أحدهما، وهم في الأصل معدودون في رجال الكتابين أو أحدهما.
أما رواة المعنى الثاني فقد صحح لهم الحاكم مطلقًا في غالب الأحيان -وسيأتي البحث معه في ذلك- وعلى شرط الشيخين أو أحدهما أحيانًا -على سبيل الوهم- كما قال ابن حجر.
وأهمية هذه المباحث هنا هو الوقوف على مدى حُجِّيَّةِ تصحيح الحاكم على شرط "الصحيح"، فإنه قد أكثر المتأخرون من الاحتجاج بتصحيح الحاكم على هذا النحو، وجعلوا تصحيحه من جملة الأدلة على صحة الحديث.
والمقصود هنا أن نقارن بين حُجِّية تصحيح الحاكم على شرط "الصحيح" وبين منهج الشيخين في إخراج الرجال في كتابيهما، بحيث يكون الكلام على تلك الحجية هو المدخل لما نحن بصدده، وسبق التنويه بأن الحاكم هو أكثر المصنفين استعمالًا لهذا النوع من التصحيح، وهو التصحيح على شرط الشيخين أو أحدهما.
تحقيق الحافظ ابن حجر لأقسام أحاديث "المستدرك":
قال ابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح":
"ينقسم "المستدرك" أقسامًا، كل قسم منها يمكن تقسيمه:
الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجًّا برواته في "الصحيحين" أو أحدهما على صورة الاجتماع، سالمًا من العلل. واحترزنا بقولنا: على صورة الاجتماع عما احتجا برواته على صورة الانفراد؛ كسفيان بن حسين عن الزهري؛ فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد (1)، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري؛ لأن سماعه من الزهري ضعيف دون بقية مشايخه، فإن وُجد حديثٌ من روايته عن
(1) هذا وهم من الحافظ؛ فإن البخاري ومسلمًا لم يحتج واحد منهما بسفيان بن حسين أصلًا، إنما ذكره البخاري تعليقًا، وأخرج له مسلم في مقدمة صحيحه، ولأجل أن البخاري لم يسند من طريقه شيئًا، لم يذكره الحافظ فيمن تُكلم فيهم من رجال البخاري، وذلك في الفصل الذي عقده لذلك في مقدمة "فتح الباري". انظر:(ص 426 - 427). وكذلك لم يذكره أحد ممن صنَّف في رجال الشيخين، فذهوله هنا عجيب منه رحمه الله تعالى.
الزهري لا يقال: على شرط الشيخين؛ لأنهما احتجا بكل منهما، بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع.
وكذا إذا كان الإسناد قد احتج كل منهما برجل منه ولم يحتج بآخر منه، كالحديث الذي يُروى من طريق شعبة مثلًا، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإن مسلمًا احتج بحديث سماك إذا كان من رواية الثقات عنه، ولم يحتج بعكرمة، واحتج البخاري بعكرمة دون سماك، فلا يكون الإسناد والحالة هذه على شرطهما حتَّى يجتمع فيه صورة الاجتماع، وقد صرح بذلك الإمام أبو الفتح القشيري وغيره.
واحترزت بقولي: أن يكون سالمًا من العلل، بما إذا احتجا بجميع رواته على صورة الاجتماع، إلا أن فيهم من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره؛ فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا من رواية المدلسن بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى.
وكذا لم يخرجا من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحققا أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط.
فإذا كان كذلك لم يجز الحكم للحديث الذي فيه مدلس قد عنعنه أو شيخ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه بأنه على شرطهما، وإن كانا قد أخرجا ذلك الإسناد بعينه إلا إذا صرح المدلس من جهة أخرى بالسماع، وصح أن الراوي سمع من شيخه قبل اختلاطه، فهذا القسم يوسف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما.
ولا يوجد في "المستدرك" حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرًا أو أصلًا إلا القليل كما قدمناه.
نعم وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما استدركها الحاكم واهمًا في ذلك ظانًّا أنهما لم يخرجاه.
القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته، لا على سبيل الاحتجاج، بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونًا بغيره.
ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنبا ما تفرد به أو ما خالف فيه، كما أخرج مسلم من نسخة العلاء بن عبد الرحمن، عن أَبيه، عن أبي هريرة ما لم يتفرد به.
فلا يحسن أن يقال: إن باقي النسخة على شرط مسلم؛ لأنه ما خرج بعضها إلا بعد أن تبين أن ذلك مما لم ينفرد به، فما كان بهذه المثابة لا يلتحق أفراده بشرطهما.
وقد عقد الحاكم في كتاب "المدخل" بابًا مستقلًا، ذكر فيه من أخرج له الشيخان في المتابعات، وعدد ما أخرجا من ذلك، ثم إنه مع هذا الاطلاع يخرج أحاديث هؤلاء في "المستدرك" زاعمًا أنها على شرطهما.
ولا شك في نزول أحاديثهم عن درجة الصحيح، بل ربما كان فيها الشاذ والضعيف، لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسن.
والحاكم إنما يُناقَشُ في دعواه أن أحاديث هؤلاء على شرط الشيخين أو أحدهما، وهذا القسم هو عمدة الكتاب.
القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له، لا في الاحتجاج ولا في المتابعات وهذا قد أكثر منه الحاكم، فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها، لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما
…
". اهـ. كلام ابن حجر.
تحقيق الشيخ المعلمي لهذه القضية والتي تليها:
فقال في معرض حديثه عن أسباب الخلل الواقع في "المستدرك":
"
…
توسع الحاكم في معنى قوله: "بأسانيد يحتج
…
بمثلها"، فبنى على أن في رجال "الصحيحين" من فيه كلام، فأخرج عن جماعةٍ يَعلم أن فيهم كلامًا.
ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة.
أحدها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضر في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونًا، أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.
ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يُسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنةً وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس، فيخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح.
وقَصَّرَ الحاكم في مراعاة هذا، وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا، ولو وفَّى بهذا لهان الخطب، لكنه لم يَفِ به بل أخرج لجماعة هلكى". اهـ.
وبالنسبة للقضية الثانية يقول الشيخ المعلمي:
"ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ما له علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة:
سألني جماعة
…
أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد ابن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها؛ إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له؛ فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيَا ذلك لأنفسهما.
ولم يُصِبْ في هذاة فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة.
وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة، وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة". اهـ.
* * *