الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
ما لا صلة له بمنهجه في الجرح والتعديل أو التصحيح والتعليل
الأمر الأول
قولُ ابن الصلاح فيه: غلط الغلط الفاحش في تصرفه
نقله الشيخ المعلمي -فيما يظهر- عن "اللسان"، وهذا بِدَوْره يذكره عن "الميزان"، وهو نَقْلٌ مجملٌ لم يتضح فيه مراد ابن الصلاح بهذا الغلط الفاحش.
ولذا فقد اضطر الشيخ المعلمي أن يجيب عنه جوابًا مجملًا أيضًا حسبما حَدَسَ أن يكون هو مراد ابن الصلاح، فقال: في "التنكيل"(1/ 436):
"ابن الصلاح ليس منزلته أن يُقبلَ كلامُه في مثل ابن حبان بلا تفسير، والمعروف مما يُنْسَبُ ابنُ حبان فيه إلى الغلط أنه يذكر بعض الرواة في "الثقات" ثم يذكرهم في "الضعفاء"، أو يذكر الرجل مرتين، أو يذكره في طبقتين ونحو ذلك، وليس ذلك بالكثير، وهو معذور في عامَّةِ ذلك، وكثير من ذلك أو ما يشبهه قد وقع لغيره كابن معين والبخاري". اهـ. كلام المعلمي.
قال أبو أنس:
بالرجوع إلى أصل كلام ابن الصلاح -الذي لم يَطَّلِعْ عليه المعلمي- يتضح المراد، فقد قال ابن الصلاح في كتابه "طبقات الشافعية" (1/ 115 - 116):
"كان أبو حاتم هذا: واسعَ العلم، جامعًا بين فنون منه، كثيرَ التصنيف، إمامًا من أئمة الحديث، كثيرَ التصرف فيه والافتنان، يسلك مسلك شيخه ابن خزيمة في استنباط فقه الحديث ونُكَتِهِ، وربما غلط في تصرُّفِهِ الغلطَ الفاحش على ما وجدتُّه". اهـ.
قلت:
فوضح أنه أراد غلطه في بعض استنباطاته وتأويلاته وتبويباته في كتابه "التقاسيم والأنواع" المعروف بـ "صحيح ابن حبان".
ولذا فقد عَقَّبَ الذهبيُّ في "الميزان"(4/ 427) قولَ ابن الصلاح بقوله: "صَدَقَ أبو عمرو، وله أوهام كثيرف تَتَبَّعَ بعضَها الحافظُ ضياء الدين"(1). اهـ.
وقال في "السير"(16/ 97): "في تقاسيمه من الأقوال والتأويلات البعيدة والأحاديث المنكرة عجائب، وقد اعترف أن "صحيحه" لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه"(2).
وأبان السيوطي عن سبب ذلك فقال في "تدريب الراوي"(1/ 109):
"صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع، ليس على الأبواب ولا على المسانيد، ولهذا سماه
(1) سأورد ما ذكره الذهبي منها بعد قليل.
(2)
قال ابن حبان في مقدمة "التقاسيم والأنواع"(ص 150):
"قصدنا في نظم السنن حذو تأليف القرآن؛ لأن القرآن أُلِّفَ أجزاءً، فجعلنا السنن أقسامًا بإزاء أجزاء القرآن
…
وإذا كان عنده هذا الكتاب وهو لا يحفظه، ولا يتدبر تقاسيمه وأنواعه، وأحبَّ إخراج حديث منه، صعب عليه ذلك، فإذا رام حفظه أحاط علمه بالكل، حتى لا ينخرم منه حديثه أصلًا، وهذا هو الحيلة التي احتلنا ليحفظ الناس السنن
…
".
"التقاسيم والأنواع" وسببه أنه كان عارفًا بالكلام والنحو والفلسفة، ولهذا تُكلم فيه ونُسب إلى الزندقة
…
" (1).
وذكر الذهبي في "السير"(16/ 98 - 102) عن الحافظ الضياء أمثلةً لما غلط ابن حبان في تأويله، فقال الذهبي:
"قرأت بخط الحافظ الضياء -في جزء عَلَّقَهُ- مآخذَ على كتاب ابن حبان، فقال في حديث أنس في "الوصال": فيه دليل على أن الأخبار التي فيها وضع الحَجَر على بطنه من الجُوع كلها بواطيل، وإنما معناها: الحُجَز، وهو طرف الرداء، إِذِ الله يطعم رسوله، وما يغني الحجرُ من الجوع"(2).
قلت: فقد ساق في كتابه حديثَ ابن عباس في خروج أبي بكر وعمر من الجوع، فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراهُ فقال: أخرجني الذي أخرجكما. فدلَّ على أنه كان يُطْعَمُ ويُسْقَى في الوِصَال خَاصَّة (3).
وقال في حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أَصُمْتَ من سَرَرِ شعبان شيئًا؟ " قال: لا.
قال: "إذا أفطرت فصم يومين"(4).
فهذه لفظة استخبار، يريد الإعلام بَنفْي جواز ذلك، كالمُنْكِرِ عليه لو فعله، كقوله لعائشة:"تسترين الجدر". وأمره بصوم يومين من شوَّال، أراد به انتهاء السِّرار. وذلك في الشهر الكامل، والسِّرار في الشهر الناقص يوم واحد.
(1) سيأتي ما في هذه النسبة في الأمر الثاني والثالث إن شاء الله تعالى.
(2)
"الإحسان"(3579).
(3)
"الإحسان"(5216).
(4)
"الإحسان"(3588).
قلنا: لو كان مُنْكِرًا عليه لما أمره بالقضاء.
…
وحديث: "كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله تسع نسوة" وفي رواية الدستوائي، عن قتادة:"وهي إحدى عشرة"(1).
قال ابن حبان: فحكى أنس ذلك الفعلَ منه أولَ قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، والخبر الأول إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة، حيث كان تحته تسع؛ لأن هذا الفعل كان منه مرات.
قلنا: أول قدومه فما كان له سوى امرأة، وهي سودة، ثم إلى السنة الرابعة من الهجرة لم يكن عنده أكثر من أربع نسوة، فإنه بنى بحفصة وبأمِّ سلمة في سنة ثلاث، وقبلها سَوْدة وعائشة، ولا نعلم أنه اجتمع عنده في آنٍ إحدى عشرة زوجة.
…
حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب (2).
قال ابن حبان: "فيه البيان بأنَّ الحَبْر الفاضل قد يَنْسى، قال: لأنَّ المصطفى ما اعتمر إلا أربعًا: أولاها: عمرة القضاء عام القابل من عام الحديبية، قال: وكان ذلك في رمضان. ثم الثانية حين فَتح مكة في رمضان، ولما رجع من هوازن اعتمر من الجِعِرَّانَة وذلك في شوال، والرابعة مع حجته".
فوهم أبو حاتم كما ترى في أشياءة ففي "الصحيحين"(3) لأنس: اعتمر نبي الله أربع عُمر، كلهن في ذي القعدة إلا التي في حجته: عمرة الحديبية، وعمرته من العام المقبل، وعمرته من الجِعِرَّانَة.
وقال: ذِكْر ما كان يقرأ عليه السلام في جلوسه بين الخطبتين، فما ذكر شيئًا. اهـ.
(1)(1209).
(2)
(3945).
(3)
البخاري (1780)(4148) ومسلم (1253).