المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ابن السبكي صاحب "طبقات الشافعية الكبرى" (ت 771 هـ) - النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد - جـ ٢

[إبراهيم بن سعيد الصبيحي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقسم الثاني«مناهج بعض أئمة النقد والمصنِّفين»

- ‌مقدمة

- ‌خطة العمل في هذا القسم:

- ‌البخاري

- ‌المبحث الأول: منهج البخاري في "الجامع الصحيح

- ‌المطلب الأول: فيما يتعلق بالأسانيد

- ‌الأمر الأولمنهج البخاري في انتقاء رجال "صحيحه" وكيفية إخراجه لحديثهم، أو: شرطه في رجال "صحيحه

- ‌ توطئة

- ‌أولاً: قول ابن طاهر في شروط الأئمة الستة:

- ‌ثانيًا: قول الحازمي في شروط الأئمة الخمسة:

- ‌ثالثًا: قول ابن تيمية:

- ‌رابعًا: قول العراقي:

- ‌مقصد تطبيقات العلامة المعلمي على منهج البخاري وشرطه في رجال "صحيحه

- ‌الأمر الثاني: انتقاء البخاري من أحاديث شيوخه المتكلم فيهم

- ‌الأمر الثالث: الرواة المتكلم فيه داخل "الصحيحين

- ‌الأمر الرابع: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في "الصحيح" يقتضي ضعْفَهُ أو لِينَهُ عندهما

- ‌الأمر الخامس: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في الأصول يقتضي أنه لا يحتج به عندهما

- ‌المطلب الثاني: فيما يتعلق بالمتون

- ‌الأمر الأولمن منهح البخاري في ترتيب أحاديث الباب

- ‌الأمر الثانيمن منهج البخاري في إخراج الحديث في باب دون باب

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌الأمر الثالثالأحاديث المنتقدة على "الصحيحين

- ‌الأمر الرابعما يعلقه البخاري بصيغة الجزم

- ‌الأمر الخامسرواية البخاري من حفظه

- ‌الأمر السادسفيما ذكر أن البخاري مات قبل أن يبيض كتابه

- ‌المبحث الثاني: منهج البخاري في غير "الصحيحين

- ‌أولًا: شيوخه:

- ‌ثانيًا: غير شيوخه:

- ‌المبحث الثالث: البخاري وكتابه "التاريخ الكبير

- ‌المطلب الأولطريقة البخاري في إخراج كتابه "التاريخ الكبير" ومنهجه في تصنيفه والجواب المجمل على ما أُخذ عليه فيه

- ‌المطلب الثانيإشارة البخاري أحيانًا إلى حال الرجل بإخراج شيء من حديثه في ترجمته من "التاريخ

- ‌المبحث الرابع: اصطلاح البخاري في بعض عبارات الجرح

- ‌أولاً: قوله: "فيه نظر"، "سكتوا عنه"، "منكر الحديث

- ‌ثانيا: قوله: "لم يصح حديثه"، "في إسناده نظر"، "يتكلمون في إسناده

- ‌مسلم بن الحجاج

- ‌المطلب السابعمنهج مسلم في ترتيب روايات الحديث في الباب الواحد

- ‌النوع الأولما وقفتُ فيه لمسلمٍ فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها

- ‌نموذج (1)في باب: مواقيت الحج والعمرة

- ‌نموذج (2)في باب: من باع نخلا عليها ثمر

- ‌نموذج (3)في أول كتاب القسامة

- ‌النوع الثانيما نبَّهَ مسلم عقب إيراده على ما وقع فيه من الوهم أو المخالفة

- ‌نموذج (1)

- ‌نموذج (2)

- ‌نموذج (3)

- ‌النوع الثالثما يورد فى فيه مسلمٌ الحديثَ أولا بالسياق المحفوظ، ثم يشير إلى وروده من طريقٍ أخرى يسوق إسنادها أو يقول: بمثل إسناد السابق، لكنه يُعرض عن متنها

- ‌نموذج (1)في باب التيمم من "الصحيح

- ‌نموذج (2)راجع النموذج الآتي المتعلق بصلاة الكسوف في النوع الرابع

- ‌النوع الرابعما تدل طريقة عرضه لأحاديث الباب، ولقرائن تحتف بذلك على إرادته ترجيح أحاديث على أخرى

- ‌نموذج (1)الأحاديث الواردة في صفة صلاة الكسوف

- ‌نموذج (2)الأحاديث المتعلقة بصلاة العشاء: وقتها وتأخيرها

- ‌نموذج (3)أحاديث "سترة المصلي

- ‌النوع الخامس:ما شرح مسلم فيه ما وقع أحيانا من الإدراج في بعض الأحاديث، دون النص على وقوع ذلك

- ‌نموذج (1)باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن من "الصحيح

- ‌نموذج (2)باب: تحريم الكذب وبيان المباح منه:

- ‌أبو حاتم الرازي

- ‌1 - أيوب بن سويد الرملي:

- ‌2 - ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي:

- ‌3 - حسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي:

- ‌4 - سماك بن حرب الكوفي:

- ‌5 - ضرار بن صرد أبو نعيم الطحان الكوفي:

- ‌6 - عبد الرحمن بن النعمان بن معبد:

- ‌7 - أبو جعفر الرازي واسمه عيسى، واخلتف في اسم أبيه:

- ‌8 - مجاهد بن وردان:

- ‌9 - محمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي:

- ‌10 - الوليد بن الوليد بن زيد العنسي الدمشقي:

- ‌11 - يمان بن عدي الحضرمي الحمصي:

- ‌12 - يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب:

- ‌13 - يونس بن أبي يعفور العبدي الكوفي:

- ‌ابن معين

- ‌الأمر الأولاختلاف قوله في الراوي

- ‌الأمر الثانيتكذيبه أحيانًا بمعنى كثرة الخطأ ونحوه

- ‌الأمر الثالثقوله "ليس بثقة" قد يريد به نفي الدرجة العليا من التوثيق

- ‌الأمر الرابعتشدده أحيانًا فيما يتفرد به الراوي

- ‌الأمر الخامسمعنى قول ابن معين: ليس بشيء

- ‌الأمر السادستوثيقه لبعض المجاهيل

- ‌الأمر السابعتوثيقه لمن ضعفه غيره

- ‌الأمر الثامنتجمُّل بعض الرواة الضعفاء لابن معين واستقباله بأحاديث مستقيمة فيُحسن القولَ فيهم

- ‌الإمام أحمد بن حنبل

- ‌الأمر الأولكيف يشير إلى تعليل الروايات في "مسنده" أحيانا

- ‌الأمر الثانيمنهجه في ترتيب الروايات في "المسند" من حيث القوة

- ‌الأمر الثالثموضوع "المسند" وهل يخرج فيه مراسيل

- ‌الإمام مالك بن أنس

- ‌قضية تركه للعمل بما لم يعمل به أهل المدينة

- ‌عبد الله بن المبارك

- ‌الأول: أن من عادته تتبع أصول شيوخه:

- ‌الثاني: هل روايته عن الرجل تقويه

- ‌الثالث: هل هو ممن لا يشدد في الرواية عن الرجال

- ‌الإمام النسائي

- ‌المبحث الأول: منهجه في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الأولشرط النسائي في الرجال مقارنةً بشرط الشيخين

- ‌المطلب الثانيتوسُّعُه في توثيق المجاهيل

- ‌المبحث الثاني: منهجه في إيراد اختلاف الروايات في سننه

- ‌تطبيق يتعلق بما نسب إلى النسائي من التشيع

- ‌ابن حبان

- ‌المطلب الأولما لا صلة له بمنهجه في الجرح والتعديل أو التصحيح والتعليل

- ‌الأمر الأولقولُ ابن الصلاح فيه: غلط الغلط الفاحش في تصرفه

- ‌الأمر الثانيما نُقل عنه أنه قال: "النبوة: العلم والعمل

- ‌الأمر الثالثما نُقل من إنكاره الحدّ لله تعالى

- ‌المطلب الثانيما يتعلق بمنهج ابن حبان في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل وغير ذلك

- ‌الأمر الأولمنزلة ابن حبان بين أهل النقد

- ‌الأمر الثانيمنهج ابن حبان في شرائط إيراده للرواة في كتاب "الثقات

- ‌الأمر الثالثفي ذكر بعض عادات ابن حبان في إيراد الرواة في كتاب "الثقات

- ‌أولًا: يذكر الرجل في "الثقات" بناء على أنه يروي المناكير التى رويت من طريقه أنَّ الحمل فيها على غيره:

- ‌ثانيًا: إذا تردد ابن حبان في توثيق راوٍ ذكره في "الثقات" وغَمَزَهُ:

- ‌ثالثًا: عادة ابن حبان فيمن لم يجد عنه إلا راوٍ واحدٍ:

- ‌الأمر الرابعفي درجات توثيق ابن حبان

- ‌الأمر الخامسفيما ذُكر من تعنت ابن حبان في باب الجرح في مقابل ما وُصف به من التساهل في باب التوثيق

- ‌الأمر السادسفي تفسير بعض الألفاظ التي يطلقها ابن حبان في كتاب "الثقات

- ‌أولاً: قوله: ربما أخطأ، وربما خالف، ونحوهما:

- ‌ثانيًا: قوله: يغرب:

- ‌ثالثًا: قوله: يخطىء ويخالف:

- ‌الأمر السابعفي شرائط ابن حبان في تصحيح الأخبار

- ‌الأمر الثامنفي النظر في طبقة شيوخ وشيوخ شيوخ ابن حبان

- ‌1 - طبقة شيوخ ابن حبان:

- ‌2 - طبقة شيوخ شيوخ ابن حبان:

- ‌الأمر التاسعأمثلة لما أُخذ على ابن حبان في توثيقه لمَنْ ضَعَّفَهُ في موضع آخر

- ‌الحاكم صاحب "المستدرك

- ‌المطلب الأولشرط الحاكم في كتابه "المستدرك

- ‌المطلب الثانيتناقضه في إخراج أحاديث في "المستدرك" بأسانيد قد وَهَّنَ هو بعض رجالها في مواضع أخرى

- ‌المطلب الثالثالبحث في القَدْر الذي أصاب الحاكم فيه التساهُل في "المستدرك"، والسبب في ذلك

- ‌المطلب الرابع:منزلته في التوثيق والتصحيح

- ‌ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام

- ‌الأمر الأولقول المعلمي فيما وقع لابن القطان من التصحيف في أسماء الرواة

- ‌الأمر الثانيما زدتُّه من بعميه الفوائد والنكات الحديثية المتعلقة بكتاب "بيان الوهم والإيهام

- ‌نماذج من مناقشات واعتراضات بعض الحفاظ على ابن القطان في جانب نقده للرواة

- ‌1 - الرد عليه في رميه هشام بن عروة بالاختلاط والتغير:

- ‌2 - الاعتراض عليه في إطلاق التجهيل على من لم يَطَّلِعْ على حاله من الرواة مع مناقشة هذا الاعتراض:

- ‌3 - عدم معرفة ابن القطان بأئمة كبار:

- ‌4 - الاعتراض عليه في ذهابه إلى أن انفراد الثقات أو اختلافهم لا يضر:

- ‌5 - الاعتراض على ابن القطان في إيطاله لكثير من تعليلات النقاد بأنواع من التجويزات والاحتمالات العقلية:

- ‌6 - الاعتراض عليه في رده مراسيل الصحابة:

- ‌تعليق مجمل على ما سبق

- ‌الضياء المقدسي صاحب "المختارة

- ‌الأمر الأولقول المعلمي في تصحيحٍ للضياء

- ‌الأمر الثانيما زدتُّه من بعض الفوائد والنكات المتعلقة بإخراج الضياء المقدسي للحديث في كتابه "المختارة" وتصحيحه له بناء على ذلك

- ‌1 - مدح كتابه لا سيما عند مقارنته بـ "مستدرك الحاكم

- ‌2 - تصحيحه ما لم يُسبق إليه:

- ‌3 - بعض ما انتقده الحفاظ عليه في "المختارة

- ‌أبو عوانة

- ‌الأمر الأولقول المعلمي في أبي عوانة والمستخرجات بصفة عامة

- ‌الأمر الثانيما زدتُّه من بعض النماذج التي وقفت عليها مما يؤيد تلك المعاني التي شرحها المعلمي

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌الأمر الأولالنظر في عقيدته وتقرير أنه كان على مذهب السلف

- ‌الأمر الثانيالنظر في مذهبه في الفروع

- ‌الأمر الثالثحول اختصاصه بالبغداديين

- ‌الأمر الرابعحول انفراده بالرواية عن الرجل وتصديقه إياه

- ‌الأمر الخامستثبته واحتياطه

- ‌الأمر السادسعادته في "تاريخه" التعويل فيما يورده من الجرح والتعديل على الكلام المؤخر في الترجمة

- ‌الأمر السابعالإشارة إلى وَهَن الراوي بإيراد الأحاديث الشاذَّة والمنكرة في ترجمته من "التاريخ

- ‌ابن الجوزي

- ‌الأمر الأولالنظر في عقيدته

- ‌الأمر الثانيالتنبيه على أنه لا يُعلم أنه يلتزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، والتنبيه على كثرة أوهامه في تصانيفه

- ‌الأمر الثالثكشف ما في كلامه في الخطيب من التجني والتحامل

- ‌ابن عدي

- ‌الأمر الأولذكره الأحاديث في ترجمة الرجل مع أن الحمل فيها على غيره واعتذار المعلمي عنه في بعض المواضع

- ‌الأمر الثانيالنظر في جواب المعلمي على رمي ابن عدي رجلا بالسرقة من أجل حديث واحد لا يتبين الحمل فيه عليه

- ‌الأمر الثالثمعنى قوله في التراجم: أرجو أنه لا بأس به

- ‌الدارقطني

- ‌البيهقي

- ‌الأمر الأولبيان عذر البيهقي في إخراج أحاديث البخاري وغيره بإسناد البيهقي إليهم، ونسبتها إليهم مع وجود خلاف في اللفظ

- ‌الأمر الثانيجواب الشيخ المعلمي عن قول البيهقي في حماد بن سلمة

- ‌الأمر الثالثمقارنة البيهقي بابن حبان والخطيب في معرفة دقائق هذا الفن

- ‌ابن قانع

- ‌وصفه الشيخ المعلمي

- ‌ نماذج مما تعقب فيه ابنُ حجر ابنَ قانع:

- ‌الدولابي

- ‌ نعيم بن حماد

- ‌ حماد بن سلمة

- ‌العقيلي

- ‌مسلمة بن القاسم الأندلسي

- ‌أبو الفتح الأزدي

- ‌السليماني

- ‌السيوطي

- ‌ابن التركماني

- ‌ابن سعد

- ‌ابن شاهين

- ‌ابن يونس

- ‌أبو الشيخ الأصبهاني

- ‌السُّلَمي

- ‌ابن طاهر

- ‌رزين بن معاوية العبدري

- ‌النووي

- ‌ابن تيمية

- ‌ابن السبكي

- ‌سبط ابن الجوزي

- ‌ابن فُورَك

- ‌ابن الثلجي

- ‌ابن قتيبة

- ‌ابن خراش

- ‌ابن نمير

- ‌عثمان بن أبي شيبة

- ‌دحيم

- ‌العجلي

- ‌ابن أبي خيثمة

- ‌ابن محرز

- ‌موسى بن عقبة

- ‌الحكيم الترمذي

- ‌بدر الدين العيني

- ‌ياقوت الحموي

- ‌الحسن بن صالح بن حي

- ‌الإمام أبو حنيفة

- ‌أبو بكر الرازي

- ‌عبد القادر القرشي

- ‌ابن خالويه

- ‌أبو الحسن الأشعري

- ‌الدميري

- ‌أبو جعفر الإسكافي

- ‌الثعالبي

- ‌الملك عيسى بن أبي بكر بن أيوب

- ‌ابن دحية

- ‌محمد بن مخلد أبو عبد الله العطار

- ‌ابن أبي الحديد

- ‌محمد رشيد رضا

- ‌الأمر الأولمناقشته في قضية خطيرة نسبها إلى أبي حامد الغزالي، وهو منها براء

- ‌الأمر الثانيالرَّدُّ عليه في قوله إن النهي عن كتابة الأحاديث متأخر عن الإذن بالكتابة

- ‌الأمر الثالثالجواب عما زعمه هو وأبو رية من تصديق النبي للمنافقين والكفار في أحاديثهم لعدم علمه بالغيب

- ‌الأمر الرابعهل السنة تنسخ القرآن أم لا

- ‌المدعو مسعود بن شيبة

الفصل: ‌ ‌ابن السبكي صاحب "طبقات الشافعية الكبرى" (ت 771 هـ)

‌ابن السبكي

صاحب "طبقات الشافعية الكبرى"

(ت 771 هـ)

ص: 543

هو تاج الدين قاضي القضاة أبو النصر عبد الوهاب بن تقي الدين علي بن عبد الكافي بن تمام الأنصاري السبكي الشافعي.

قال الشيخ المعلمي في "التنكيل"(1/ 127):

"

لِغُلُوُّهِ شديدُ العُقوق لأستاذه الذهبي". اهـ.

قاله أبو أنس:

أسرد هنا ما يتعلق بهذه القضية، مما لخصه الدكتور/ بشار عواد في ترجمته للذهبي في مقدمة "سير أعلام النبلاء" (ص 128) قال:

"

وقد عرفنا من حياة الذهبي أنه رافق الحنابلة، وتأثر بشيخه ابن تيمية، لا سيما في العقائد، فكان شافعي الفروع، حنبلي الأصول، ولذلك عني عند النقد بإيراد العقائد على طريقة أهل الحديث، وعَدَّها جزءا منه كما بيَّنَا قبل قليل، ووجدنا في البيئة الدمشقية في الوقت نفسه من يتعصب للأشاعرة غاية التعصب.

وبسبب العقائد انْتُقِدَ الذهبيُّ مِنْ بعض معاصريه، لا سيما تلميذه تاج الدين عبد الوهاب السبكي (1)(728 - 771) في غير موضع من كتابه "طبقات الشافعية الكبرى"(2) وفي كتابه الآخر "معيد النعم"(3)، فقال في ترجمته من "الطبقات":

"وكان شيخنا -والحق أحق ما قيل، والصدق أولي ما آثره ذو السبيل- شديدَ الميل إلى آراء الحنابلة، كثير الازدراء بأهل السنة الذين إذا حضروا كان أبو الحسن

(1) اتصل السبكي بالذهبي سنة 739 هـ، ولم يبلغ آنذاك اثني عشر عامًا، ولازمه، فكان يذهب إليه في كل يوم مرتين، وقد ترجم له الذهبي في "معجمه المختص" انظر مقدمة "طبقات الشافعية".

(2)

انظر مثلًا 2/ 13 فما بعد، 3/ 299، 352 - 353، 356، 4/ 33، 133، 147، 9/ 103 - 104، وغيرها.

(3)

"معيد النعم"(ص 74، 77).

ص: 545

الأَشعري فيهم مقدم القافلة، فلذلك لا ينصفهم في التراجم، ولا يصفهم بخير إلا وقد رغم منه أنف الراغم.

صنف "التاريخ الكبير"، وما أحسنه لولا تعصب فيه، وكمله لولا نقص فيه، وأي نقص يعتريه" (1).

وقال في ترجمة: أحمد بن صالح المصري من "الطبقات" أيضًا:

"وأما تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب المفرط لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين؛ أعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على أئمة الشافعيين والحنفيين، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المجسمة، هذا وهو الحافظ المِدْرَه، والإمام المبجل، فما ظنك بعوام المؤرخين"(2).

وذكر في موضع آخر أنه نقل من خط صلاح الدين خليل بن كيلكلدي العلائي (694 - 761) وهو من تلاميذ الذهبي والمتصلين به، أنه قال ما نصه:

"الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي، لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله الناس، ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات، ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه، حتى أثَرَ ذلك في طبعه انحرافا شديدًا عن أهل التنزيه وميلا قويًا إلى أهل الإثبات، فإذا ترجم لواحدٍ منهم يُطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في وصفه، ويتغافل عن غلطاته، ويتاول له ما أمكن، وإذا ذكر أحدًا من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوهما، لا يبالغ في وصفه، ويُكثر من قول من طعن فيه، ويُعيد ذلك ويُبديه، ويعتقده دينًا، وهو لا يشعر، ويُعْرِضُ عن محاسنهم الطافحة، فلا يستوعبها، وإذا ظفر لأحدٍ منهم بغلطة ذكرها.

(1)(2/ 22).

(2)

(9/ 103 - 104).

ص: 546

وكذلك فِعْلُهُ في أهل عصرنا، إذا لم يقدر على أحدٍ منهم بتصريحٍ يقول في ترجمته: والله يُصلحه، ونحو ذلك، وسببه المخالفة في العقائد" (1).

ثم ذكر السبكي أن الحال أزيد مما وصف العلائي، ثم قال:"والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجرىء أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عليه"(2).

وبالغ السبكي بعد ذلك، فقال:"إن الذهبي متقصد في ذلك، وأنه كان يغضب عند ترجمته لواحد من علماء الحنفية والمالكية والشافعية غضبا شديدًا، ثم يقرطم الكلام ويمزقه، ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغي، فربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق بها"(3).

وقد أثارتْ انتقاداتُ السبكي هذه نقاشا بين المؤرخين، فَرَدَّ عليه السخاوي (ت 902 هـ) حيث اتَّهَمَ السبكيَّ بالتعصب الزائد للأشاعرة. ونقل قولَ عز الدين الكناني (ت 819 هـ) في السبكي:"هو رجلٌ قليلُ الأدب، عديمُ الإنصاف، جاهلٌ بأهل السنة ورتبهم"(4).

وقال يوسف بن عبد الهادي (ت 909 هـ) في "معجم الشافعية":

"وكلامُه هذا في حَقِّ الذهبيِّ غيرُ مقبول؛ فإن الذهبي كان أَجل من أن يقول ما لا حقيقة له

والإنكار عليه أشدُّ من الإنكار على الذهبي، لا سيما وهو شيخه وأستاذه فما كان ينبغي له أن يفرط فيه هذا الإفراط". اهـ.

(1)"الدرر الكامنة" لابن حجر: (2/ 179 - 182).

(2)

نفسه (2/ 13 - 14).

(3)

نفسه (2/ 14).

(4)

"الإعلان بالتوبيخ"(ص 469) فما بعدها.

ص: 547

والحق أن السبكي أشعري جلد متعصب غاية التعصب، ولا أدل على ذلك من شتيمته المقذعة في حقِّ الذهبي في ترجمة أبي الحسن الأَشعري من "الطبقات"، فقد سفَّ بها إسفافا كثيرا؛ بسبب عدم قيام الذهبي بترجمته ترجمة طويلة في "تاريخ الإسلام"، ولأنه اكتفى بإحالة القارىء إلى كتاب "تبيين كذب المفتري" لابن عساكر، فعَدّ ذلك نقيصة كبيرة في حق الأَشعري

ولقد أبانت دراستنا لـ "تاريخ الإسلام" أن الذهبي قد وُفِّقَ إلى أن يكون منصفا إلى درجة غير قليلة في نقده لكثير من الناس، وما رأينا عنده تفريقا كبيرًا بين علماء المذاهب الأربعة، وما كان يرضى الكلام بغير حق، ولا حتَّى نقله في بعض الأحيان.

* قال في ترجمة: الحسن بن زياد اللؤلؤي الفقيه الحنفي:

"قد ساق في ترجمة هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا ينبغي لي ذكرها". اهـ.

* وقال في ترجمة: ابن الحريري الدمشقي الحنفي (ت 728 هـ):

"قاضي القضاة، علامة المذهب، ذو العلم والعمل". اهـ.

* وقوله في قاضي الحنفية: شمس الدين الأذرعي (ت 673 هـ):

"لم يخلف بعده مثله". اهـ.

* وترجم لأبي جعفر الطحاوي ترجمة رائقة ودلل على سعة معرفته وفضله وعلمه الجمّ.

* وقال في ترجمة عماد الدين الجابري الحنفي المتوفى سنة (584 هـ) من "السير"(1): "شيخ الحنفية نعمان الزمان". اهـ.

* وقال في ترجمة المرغيناني الحنفي: "كان من أوعية العلم"(2).

(1)(21/ 172).

(2)

نفسه (21/ 232).

ص: 548

وهذا هو منهجه في معظم الحنفية، لم نره تكلم في أحدهم بسبب المذهب، لا من الشافعية ولا المالكية ولا الحنفية.

ولو قال السبكي: إنه كان يتعصب على الأشاعرة حَسْب لَوَجَد بعضَ الآذان الصاغية، ولبحث له المؤيدون عن بضعة نصوص قد تؤيد رأيه علمًا أني بحثت في "تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" وغيرهما، فلم أستطع أن أحصل على مثلٍ يصلح أن يسمى انتقادا لأشعري.

نعم قد نجد بعض تقصير في تراجم قسمم من الأشاعرة، وفي هذا المجال صرت أشعر أن سبب قصر بعض تراجم الأشاعرة قد جاء من عدم قيام الذهبي بنقل آراء المخالفين بتوسع حبا منه للعافية، كما في ترجمة أبي الحسن الأشعري الذي لم يأت الذهبي بكلمةِ نقدٍ فيه، مع أن الأشعري قضى القسم أكبر من حياته معتزليا. ونحن نعرف موقف الذهبي من المعتزلة.

والواقع أن الذهبي ما بخس فضل هذا الرجل إلى درجة أنه عده مجددا في أصول الدين على رأس المائة الرابعة (1).

أما كلام الذهبي في الصوفية، فصحيحٌ ما قاله السبكي، ولكن في النادر منهم، وهذا رأي ارتآه الذهبي، واعتقد فيه وآمن بمع فقد ميَّز بين طائفتين منهم:

أولاهما: كانت متمسكة بالدين القويم، متبعة للسنة، احترمهم الذهبي الاحترام كله، بل لبس هو خرقة التصوف من الشيخ ضياء الدين عيسى بن يحيى الأنصاري السبتي عند رحلته إلى مصر، وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد، ويُعنى بايرادها في كتابه، بل يكثر منها عادة، ويورد بعض أقوالهم وحكاياتهم في الزهد والمحبة فيه.

(1) انظر "طبقات" السبكي (3/ 26).

ص: 549

أما الثانية: فقد عدهم الذهبي مارقين عن الدين، مشعوذين بِهِم مَسٌّ من الجنون ومنهم الأحمدية أتباع الشيخ أحمد الرفاعي، والقلندرية (1)، وشيخُها جمال الدين محمد الساوجي، فقد ذكر تُرَّهاته، وانغشاش الناس به وبحاله الشيطاني ووصف بعض أحوالهم في ترجمة يوسف القميني (ت 657 هـ) فقال: "وكان يأوي إلى قمين حمام نور الدين، ولما تُوفي شيَّعَهُ خلقٌ لا يحصون من العامة، وقد بصَّرنا الله تعالى وله الحمد وعرفنا هذا النموذج

فقد عم البلاء في الخلق بهذا الضرب

ومن هذه الأحوال الشيطانية التي تضل العامة: أكل الحيات ودخول النار، والمشي في الهواء ممن يتعانى المعاصي، ويخل بالواجبات

وقد يجىء الجاهل، فيقول: اسكت، لا تتكلم في أولياء الله ولم يشعر أنه هو الذي تكلم في أولياء الله وأهانهم إذ أدخل فيهم هؤلاء الأوباش المجانين أولياء الشيطان".

ولم يكن الذهبي متعصبا للحنابلة بالمعنى الذي صوره السبكي، فالرجل كان محدثا يحب أهل الحديث ويحترمهم، إلا أن هذا لم يمنعه من تناول مساوىء بعضهم؛ فقد نقل عن الإمام ابن خزيمة في ترجمة الطبري المؤرخ قوله:"ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة"، ثم قال الذهبي معقبًا:"كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهلٍ وحاسدٍ وملحدٍ".

وقال في ترجمة: عبد الساتر بن عبد الحميد، تقي الدين، الحنبلي، المتوفى سنة 679: "ومهر في المذهب

وقلَّ من سمع منه؛ لأنه كان فيه زعارة. وكان فيه غلو في السنة ومنابذة للمتكلمين، ومبالغة في اتباع النصوص

وهو فكان حنبليا خشنا، متحرقا على الأشعري

كثير الدعاوى قليل العلم".

(1) القلندرية: المحلقون أي الذي يحلقون رءوسهم ولحاهم.

ص: 550

ومع ما كان للذهبي من إعجابٍ بشيخه ابن تيمية، فإنه أخذ عليه:"تغليظه، وفظاظته، وفجاجة عبارته، وتوبيخه الأليم المبكي المنكي المثير النفوس"

وقد رأى في بعض فتاويه انفرادًا عن الأمة. قال: "وقد انفرد بفتاوى نِيلَ من عِرضه لأجلها، وهي مغمورةٌ في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه، ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكُلُّ أحدٍ من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا؟ "(1).

وقد بلغ حرص الذهبي في النقد وشدة تحريه: أنه تكلم في ابنه أبي هريرة عبد الرحمن، فقال:"إنه حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه حتَّى نسيه"(2).

ولست هنا في حال دفاع عن الرجل فكتاباته خير مدافع عنه، وهي الحكَمُ في تقويمه ولكنني أقول: إن تحقيق كثيرٍ من الإنصاف -وإن لم يكن كله- أمر له قيمته العظمى في كل عصر". اهـ. النقل عن مقدمة "السير" للدكتور/ بشار عواد، بغالب حواشيه.

* * *

(1)"تذكرة الحفاظ"(4/ 1497).

(2)

"الإعلان بالتوبيخ" للسخاوي (ص 488).

ص: 551