الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الأول
ما وقفتُ فيه لمسلمٍ فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها
نموذج (1)
في باب: مواقيت الحج والعمرة
(ص 838):
أخرج مسلم ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث طاوس عن ابن عباس (1181/ 11، 12): وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: ذا الحُليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم
…
أخرجه من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، ووهيب عن عبد الله بن طاوس -كلاهما: مفرقين- عن ابن عباس بذلك.
الثاني: حديث ابن عمر (1182/ 13 - 15) من طريق مالك عن نافع، والزهري عن سالم، وعبد الله بن دينار، ثلاثتهم -مفرقين- عن ابن عمر مرفوعا، بالثلاثة مواقيت الأولى في حديث ابن عباس، ويقول في الرابعة: بلغني، وفي رواية: وذُكر لي ولم أسمع، وفي أخرى: وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمع ذلك منه، وفي آخرها: وأخْبِرتُ أنه قال: ويهل أهل اليمن من يلملم.
الثالث: حديث روح بن عبادة ومحمد بن بكر البرساني -فرقهما- عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يُسْأَلُ عن المُهَلّ؟ فقال: سمعت. في رواية روح: ثم انتهى فقال: أُرَاه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية محمد بن بكر: أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. واتفقا، فقال: مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومُهَلُّ أهل العراق من ذات عرق، ومُهَلُّ أهل نجد من قرن، ومُهَلُّ أهل اليمن من يلملم. اهـ.
أقول:
في الحديث الثالث زيادةٌ ليست في واحدٍ من الحديثين الأولين، ألا وهي: ميقات أهل العراق، وفي كلا الطريقين عن ابن جريج عن أبي الزبير شكٌ في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والشَّك عِلَّةٌ تقدح في الحديث.
ومقتضى صنيع مسلم في تأخيره لهذه الرواية أنه لا يرى الرفع فيها محفوظا، وذلك أن الثابت في توقيت ذات عرق لأهل العراق إنما صنعه عمر رضي الله عنه، ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أهل مشرق، كما قاله طاوس، من رواية ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه.
قال الشافعي: "لا أحسبه إلا كما قال طاوس". "مسند" الشافعي (1/ 115).
وأخرج البخاري (1531) من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما فُتح هذان المِصْران أَتَوْا عُمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهل نجد قرنا، وهو جَوْزٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شقَّ علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم. فحدَّ لهم ذات عرق. اهـ. والمراد بالمصران: الكوفة والبصرة.
وقد أعلَّ مسلم كُلَّ ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق.
ففي كتاب "التمييز" له ص (212) قال:
"ذِكْر حديث منقول على الخطأ في الإسناد والمتن.
حدثنا إسحاق، أنا عبد الرزاق، قال: سمعت مالكا يقول: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرنا. فقلت: من حدثك هذا يا أبا عبد الله؟ قال: أخبرنيه نافع، عن ابن عمر
…
قال عبد الرزاق: وأخبرني بعض أهل المدينة أن مالكا بأخرة محاه من كتابه.
قال مسلم:
ذِكْر الروايات التي فيها بيان خطأ هذه الرواية عن عبد الرزاق.
ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم.
ثم سَرَدَ مسلمٌ طرق هذا الحديث عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعطاء مرسلا، وذكر ألفاظَ كُلِّ رجلٍ منهم بعد أن بين أن رواية عبد الرزاق عن مالك خطأ غير محفوظ، هكذا حكى راوي الكتاب عن مسلم.
ثم قال مسلم:
فأما الأحاديث التي ذكرناها من قَبْلُ أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق، فليس منها واحد يثبت (1).
وذلك أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير عن جابر (2).
فأما رواية المعافى بن عمران عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ، ولا يُقَرّ الحديث بمثله إذا تفرد (3).
(1) قاله أيضًا ابن خزيمة في "صحيحه"(2592) وغيره.
(2)
هكذا وقع في المطبوع من "التمييز" والظاهر أنه سقط القَدْر الذي يدل على الشك في رفع هذا الحديث، على ما أوردناه سابقا، وقد أخرجه مسلم كما سلف، وهو آخر حديث في باب المواقيت عنده.
وقد رواه عن أبي الزبير -بدون شك في رفعه- اثنان: إبراهيم بن يزيد الخوزي عند ابن ماجه (2915) وهو متروك، وابن لهيعة عند أحمد (3/ 336). ذكره البيهقي في "سننه الكبرى" (5/ 27) وقال: الصحيح رواية ابن جريج، ويحتمل أن يكون جابر سمع عمر بن الخطاب يقول ذلك في مهل أهل العراق. ثم استدل بما ثبت عن عمر أنه هو الذي وقت ذات عرق لأهل العراق، كما رواه البخاري.
(3)
لكن قد رواه النسائي من طريق محمد بن علي الموصلي عن المعافى بن عمران (5/ 94).
وأما حديث يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي، عن ابن عباس: فيزيد هو ممن اتقى حديثه الناس، والاحتجاج بخبره إذا تفرد؛ للذي اعتبروا عليه من سوء الحفظ والمتون في رواياته التي يرويها.
ومحمد بن علي لا يُعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه، أو رآه.
وأما رواية جعفر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، فلم يُحْكِمْ حِفْظَهُ؛ لأن فيه: لأهل الطائف قرنا. وفي رواية سالم ونافع وابن دينار: ولأهل نجد قرنا، وميَّزوا في رواياتهم لأهل اليمن أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية ميمون: جعل لأهل المشرق ذات عرق.
وسالم ونافع وابن دينار؛ كل واحد منهم أول بالصحيح عن ابن عمر من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر. اهـ.
قال أبو أنس:
قد أعلَّ مسلمٌ كُلَّ الرواياتِ المشتملة على رفع توقيت ذات عرق لأهل العراق، وقد أخرج منها حديثا واحدا، اكتفى في إعلاله بوقوع الشك في رفعه من طريقين عن ابن جريج.
قال النووي في شرح "صحيح مسلم"(8/ 81):
"ذكر مسلم في الباب ثلاثة أحاديث، حديث ابن عباس أكملها؛ لأنه صرح فيه بنقله المواقيت الأربعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا ذكره مسلم في أول الباب، ثم حديث ابن عمر؛ لأنه لم يحفظ ميقات أهل اليمن، بل بلغه بلاغا، ثم حديث جابر؛ لأن أبا الزبير قال: "أحسب جابرا رفعه"، وهذا لا يقتضي ثبوته مرفوعا". اهـ.
* * *