الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الأول
ذكره الأحاديث في ترجمة الرجل مع أن الحمل فيها على غيره واعتذار المعلمي عنه في بعض المواضع
تقدمة:
قال أبو أنس:
مِنْ عادةِ ابن عدي في كتابه "الكامل" أن يُخرجَ الأحاديثَ التي أُنكرت على الثقة أو على غير الثقة، فقد قال في مقدمته:
"
…
وذاكرٌ في كتابي هذا كُلَّ مَن ذُكِرَ بضرْبٍ من الضَّعف، ومن اختلف فيهم، فجرحه البعضُ وعدَّلَهُ البعضُ الآخر
…
وذاكرٌ لِكُلِّ رجلٍ منهم مِمَّا رواه ما يُضَعَّفُ مِن أجله
…
لحاجةِ الناسِ إليها؛ لِأُقَرَّبَهُ على الناظر فيه". اهـ.
فهذا هو الأصل في وضع الكتاب، ومقتضاه أن الأحاديث التي يوردها ابن عدي في تراجم كتابه تشتمل على أوهامٍ للرُّواةِ في الأسانيد والمتون، وأصنافٍ من العلل الخفية، وبالتالي فما يُورَدُ في مثل كتاب ابن عدي هو أشد ما يُنْكَر على الراوي، وما سواه فهو دون ذلك.
ويَنْبَنِي على هذا عدمُ صلاحيةِ ما يورده ابنُ عدي فيه للاعتبار: متابعةً أو استشهادا، خلافا لصنيعِ مَنْ لم يَلتفتْ إلى ذلك مِنَ المُتَهافِتين على تقوية الأحاديثِ بالطرق المنكرةِ والمُعَلَّةِ، وهو ذهولٌ عن مناهج الأئمة في كتبهم، وسقوطٌ في بَراثنِ شهوة التصحيح والتحسين.
نَعَمْ، قد يُختلفُ مع ابنِ عديٍّ فيمن تُعْصَبُ به جنايةُ حديثٍ بعينه، أو مَنْ يُلصقُ به الوهمُ مِن رجال الإسناد، وقد اخْتَلف معه في بعض ذلك أئمةٌ بعده، كما سيأتي، لكنِ الذي لا يتجهُ بحالٍ هو: النظر إلى تلك الطرق نظرات مجردة وكأنَّها محفوظةُ المتنِ والإسناد، واستعمالُها في تقوية الواهي والضعيف من الروايات.
ولهذا المعنى نظائرُ في التعامل مع كتب أخرى، راجع مقدمة القسم الأول من هذا الكتاب.
ونعود إلى نُكَتِ المعلمي في ذلك، وبالله تعالى التوفيق:
فأقول:
ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة: مطرف بن عبد الله الأصم من "التنكيل"(1/ 480) قول ابن عدي فيه: "يروي المناكير عن ابن أبي ذئب ومالك".
فقال المعلمي:
"أقول: فسَّر ابنُ عدي كلمتَه بأن ذكر أحاديث مناكير رواها ابن عدي عن أحمد ابن داود بن عبد الغفار، عن أبي مصعب، فَرَدَّ الذهبي وغيره على ابن عدي بأن الحمل في تلك الأحاديث على أحمد بن داود، وأحمد بن داود كذبه الدارقطني، ورماه العقيلي وابن طاهر بالوضع.
أقول: قد وقع لابن عدي شبيه بهذا في: غالب القطان؛ قال ابن حجر في "مقدمة الفتح": "وأما ابن عدي فذكره في "الضعفاء" وأورد له أحاديث الحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري، وهو من عجيب ما وقع لابن عدي، والكمال لله".
ويظهر لي أن لابن عدي هنا عذرًا ما؛ ففي ترجمة أحمد بن داود من "اللسان": "قال أبو سعيد بن يونس: حدَّث عن أبي مصعب بحديث منكر، فسألته عنه فأخرجه من كتابه كما حدث به"، وفيه بعد ذلك: ذكر حديثه عن أبي مصعب، عن عبد الله بن عمر،
عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله
…
"، إلخ، قال: "قال ابن عدي: لما حدث أحمد بهذا الحديث عن مطرف: كانوا يتهمونه
…
فظلموه لأنه قد رواه عن مطرف: علي بن عمر وعباس الدوري والربيع
…
".
فقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس هو هذا الحديث: من رأى مبتلى
…
إلخ؛ رآه ابن عدي في أصل أحمد بن داود، وعرف أن غيره قد رواه عن مطرف، ورأى أن الحمل فيه على مطرف البتة، فقاس بقية الأحاديث عليه، وقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس غير هذا الحديث، ويكون ابن عدي رأى الأحاديث في أصل أحمد بن داود فاعتقد براءته منها للدليل الظاهر وهو ثبوتها في أصله فحملها كلها على مطرف، فإن كان الأمر على هذا الوجه الثاني فذاك الدليل -وهو ثبوت الأحاديث في أصله- يحتمل الخلل؛ ففي "لسان الميزان" (1/ 253):
"أحمد بن محمد بن الأزهر
…
قال ابن حبان: كان ممن يتعاطى حفظ الحديث ويجري مع أهل الصناعة فيه ولا يكاد يُذكر له باب إلا وأغرب فيه عن الثقات، ويأتي فيه عن الأثبات بما لا يتابع عليه، ذاكرتُه بأشياء كثيرة فأغرب عليَّ فيها، فطاولته على الانبساط، فأخرج إليَّ أصولَ أحاديث
…
فأخرج إليَّ كتابه بأصلٍ عتيقٍ
…
قال ابن حبان: فكأنه كان يعملها في صباه
…
".
فهذا رجلٌ رَوى أحاديث باطلة وأبرز أصله العتيق بها، فإما أن يكون كان دجالا من وقت طلبه، كان يسمع شيئًا ويكتب في أصله معه أشياء يعملها، وإما أن يكون كان معه وقتَ طلبِه بعضُ الدجالين، فكان يُدخل عليه ما لم يَسمع، كما وقع لبعض المصريين مع خالد بن نجيح، كما تراه في ترجمة عثمان بن صالح السهمي من "مقدمة الفتح".
وفي ترجمة محمد بن غالب تمتام من "الميزان" أنه أُنكر عليه حديث فجاء بأصله إلى إسماعيل القاضي، فقال له إسماعيل:"ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة".
وفي "الكفاية"(ص 118 - 119) عن حسين بن حبان: "قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجلٍ حدث بأحاديث منكرة فردها عليه أصحاب الحديث، إن هو رجع وقال: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها علي فقد رجعت عنها؟ فقال: لا يكون صدوقًا أبدًا
…
فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: يخرج كتابًا عتيقًا فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، فيكون شُبِّهَ له وأخطأ كما يخطىء الناس فيرجع عنها".
فأنت ترى ابن معين لم يجعل ثبوتها في الأصل العتيق دليلا على ثبوتها عمن رواها صاحب الأصل عنهم، بل حمله على أنه شُبه له وأخطأ في أيام طلبه.
إذا تقرر هذا فلعلَّ الأحاديث التي ذكرها ابن عدي عن أحمد بن داود عن أبي مصعب رآها ابنُ عديّ في أصلٍ عتيقٍ لأحمد بن داود، فبنى على أن ذلك دليل ثبوتها عن أبي مصعب، وهذا الدليل لا يوثَقُ به كما رأيت، لكن في البناء عليه عذر ما لابن عدي يخف به تعجب الذهبي إذ يقول: هذه أباطيل حاشا مطرفا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عديّ؟! ". اهـ.
تنبيه:
مِنْ عجيب ما بَيَّنَ الذهبي خطأ ابن عدي فيه، ما قاله الذهبي في ترجمة: عبد الله ابن نافع الصائغ من "السير"(10/ 373) إذ قال:
"وقد أخطأ الإمام أبو أحمد بن عدي في ترجمته خطأ لا يحتمل منه، وذلك أنه لم يرو في ترجمته سوى حديث واحد، فساقه بإسناده إلى عبد الوهاب بن بُخت المكي، عن عبد الله بن نافع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكر حديثا، ثم إنه قال: وإذا روى عن عبد الله مثل عبد الوهاب بن بُخت، يكون ذلك دليلا على جلالته، وهو من رواية الكبار عن الصغار.
قلت: من أين يمكن أن يروي عبد الله بن نافع الصائغ عن هشام، ولم يأخذ عن أحد حتى مات هشام؟ ومن أين يمكن أن يحدث عبد الوهاب عن الصائغ وإنما ولد الصائغ بعد موت عبد الوهاب بأعوام عديدة، وإنما عبد الله بن نافع المذكور في الحديث مولى ابن عمر، مات قديما في دولة أبي جعفر المنصور". اهـ.
* * *