الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثالث
الجواب عما زعمه هو وأبو رية من تصديق النبي للمنافقين والكفار في أحاديثهم لعدم علمه بالغيب
نقل الشيخ المعلمي في "الأنوار"(ص 29 - 30) عن أبي رية قوله:
"وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدّق بعض ما يفتريه المنافقون كما وقع في غزة تبوك وغيرها، وصدَّق بعض أزواجه، وتردد في حديث الإفك
…
حتَّى نزل عليه آيات البراءة".
وذكر (ص 142) عن صاحب المنار: "
…
والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم الغيب، فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق إذا لم تَحُفَّ به شبهة وكثيرًا ما صدَّق المنافقين والكفار في أحاديثهم، وحديث العرنيين وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك
…
إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، وما علَّلَه به وهو قوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدّقوا الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين
…
".
وذكر (ص 22) عن عياض حديث: "فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فاقضي له" وفي رواية: "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع
…
".
فقال العلَّامة المعلمي:
أقول: لم يكن صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيب ما لم يُعلمه الله تعالى به ولم يكن -بأبي وأمي- مغفلا، ولم يصدق المنافقين أي يعتقد صدقهم، بل ولا ظَنَّه وإنما كان الأمر عنده على الاحتمال، ولهذا عاتبه الله عز وجل على الإذن لهم، هذا واضح بحمد الله.
والعُرَنيون لم يتحقق منهم كذب، فلعلهم كانوا صادقن في إسلامهم، وإنما بدا لهم أن يرتدّوا لما وجدوا أنفسهم منفردين بالإبل والراعي بعيدًا عن المدينة.
وقصة بئر معونة اختلف فيها فلم يتحقق فيها شاهد على ما نحن فيه. راجع "فتح الباري"(7/ 296).
وقصته مع بعض أزواجه أراها في "الصحيحين"عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيَّنَنَا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إنِّي لأجد منك ريح مغافير، أكلتَ مغافير؟ فدخل على إحديهما، فقالت له ذلك فقال: لا بل شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ، إلى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة
…
".
وتمام الآية {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم صدَّق المرأة أن لذاك العسل رائحة كريهة، لكان امتناعه لكراهيتها، وكذلك كان خلقه الكريم المطلوب منه شرعًا، وسياق الآية يخالف ذلك كما هو واضح.
فالذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم فطن للحيلة، وعلم أن قائلة ذلك إنما غارت لطول مكثه عند ضرتها وانفرادها بسقيه العسل الذي يحبه، فحملتها شدة المغيرة، فتكرم فلم يكاشفها، وامتنع من شرب العسل عند ضرتها تطييبًا لنفسها.
وأما تردده في قصة الإفك فليس فيه ما يوهم التصديق ولا ظن الصدق.
وأما قوله: "فأحسب أنه صادق" فالحسبان هو الظن، ولينظر سند هذه الحكاية. اهـ.
* * *