الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال الشيخ المعلمي:
"وأما إلحاقه ما كان يذكر له الخطيب من أنساب غير المنسوبين، فتساهلٌ لا يوجب الجرحَ، ولكنه يدل على أن ابن المذهب لم يكن بمتقن، وأنه كان فيه سلامةٌ، وحسنُ ظنٍّ بالخطيب ومعرفته، ولا نشك أن الخطيب لم يكن يذكر له من الأنساب إلا ما يستيقنه، فالخطب إن شاء الله تعالى سهل". اهـ.
14 - استنساخ ما فقده الراوي: من كتابٍ ليس عليه سماعه:
• في ترجمة: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبي بكر القطيعي (12):
قال الخطيب: "كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نَسْخَها من كتابٍ لم يكن فيه سماعُه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وابن شاهين
…
سمعت أبا بكر البرقاني سُئل عن ابن مالك، فقال: كان شيخًا صالحًا
…
ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتابٍ، ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة".
قال الخطيب: "وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق، لا يُشك في سماعه، وإنما كان فيه بُلْه، فلما غرقت "القطيعة" (1) بالماء الأسود، غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتابٍ لم يكن فيه سماعه".
فقال الشيخ المعلمي:
"نَسْخُهُ ما غَرق من كتبه من كتابٍ ليس عليه سماعه، يحتمل ما قال ابن الجوزي (2)،
(1) هي محال ببغداد.
(2)
أجاب ابن الجوزي في "المنتظم"(ج 7 ص 93) عن هذا بقوله: "مثل هذا لا يُطعن به عليه، لأنه يجوز أن تكون الكتب قد قُرأت عليه، وعُورض بها أصلُه". اهـ.
ويحتمل أن يكون ذاك الكتاب كان أصل ثقةٍ آخر، كان رفيقه في السماع، فعرف مطابقته لأصله، والمدار على الثقة بصحة النسخة، وقد ثبت أن الرجل في نفسه ثقة مأمون (1)، وتلك الحكاية تحتمل ما لا ينافي ذلك، فكان هو الظاهر.
ولا أدري متى غرق القطيعة بالماء الأسود، وقد فتشتُ أخبار السنين في "المنتظم"، فلم أره ذكر غرقا بالماء الأسود، وإنما ذكر أنه في شهر رمضان سنة 367 غرق بعض المحال، منها قطيعة أم جعفر، فإن كان ذلك هو المراد، فإنما كان قبل وفاة القطيعي بنحو سنة واحدة، وقد سمع الناس منه الكتب كلها قبل ذلك مرارًا، وأُخذت منها عدة نسخ.
والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه روى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه؛ لأنه أبينُ في التليين، وأبلغ في التحذير، وليس من لازم الاستنساخ أن يروي عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته؛ لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه، وقد قال الخطيب في "الكفاية" (ص 109):
"ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لرد الحديث، ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى؛ رجاء إن كان الراوي حيًا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزله من نقل عنه منزلته، فلا يُلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز.
ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده، حتى ينظر هل من أخوات ونظائر
…
".
(1) قاله الحاكم.