الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك، بل يكتفي غالبًا بالطعن في السند، وكذلك كتب العلل وما يعل من الأحاديث في التراجم، تجد غالب ذلك مما يُنكر متنُه، ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم:"منكر"، أو نحوه، أو الكلام في الراوي، أو التنبيه على خلل في السند؛ كقولهم:"فلان لم يلق فلانًا". "لم يسمع منه". "لم يذكر سماعًا". "اضطرب فيه". "لم يتابع عليه". "خالفه غيره". "يُروى هذا موقوفًا وهو أصح"، ونحو ذلك". اهـ.
2 - نماذج من نقد الشيخ المعلمي لمتون بعض الأحاديث:
• في "الأنوار الكاشفة"(ص 68):
قال أبو رية (ص 8): "وكان علي يستحلف الصحابي على ما يرويه له".
فقال الشيخ المعلمي:
"هذا شيء تفرد به أسماء بن الحكم الفزاري، وهو رجل مجهول.
وقد ردَّهُ البخاري وغيره، كما في ترجمة أسماء من "تهذيب التهذيب".
.. على أنه لو فُرض ثبوتُه، فإنما هو مزيد احتياط، لا دليل على اشتراطه.
هذا، ومن المتواتر عن الخلفاء الأربعة أن كلا منهم كان يقضي ويفتي بما عنده من السنة بدون حاجة إلى أن تكون عند غيره، وأنهم كان ينصبون العمال من الصحابة وغيرهم ويأمرونهم أن يقضي ويفتي كل منهم بما عنده من السنة بدون حاجة إلى وجودها عند غيره.
هذا مع أن المنقول عن أبي بكر وعمر وجمهور العلماء أن القاضي لا يقضي بعلمه. قال أبو بكر: "لو وجدت رجلًا على حَدٍّ ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري"، وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلًا على حد زنا أو سرقة وأنا أمير؟، فقال:"شهادتك شهادة رجل من المسلمين"، قال:"صدقت". (راجع فتح الباري 13: 139 و 141).
ولو كان عندهم أن خبر الواحد العدل ليس بحجة تامة لما كان للقاضي أن يقضي بخبر عنده حتى يكون معه غيره، ولا كان للمفتي أن يفتي بحسب خبر عنده ويلزم المستفتي العمل به حتى يكون معه غيره.
فتدبر هذا، فإنه إجماع، وقد مضي به العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الغنى". اهـ.
• وفي "الفوائد المجموعة"(ص 55):
حديث: "إذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين".
أخرجه البيهقي والبزار من حديث أبي هريرة بنحوه.
وأخرج سعيد بن منصور حديثا آخر مرسل.
تكلم الشيخ المعلمي على أسانيدها وبين ضعفها، ثم قال:
"مما يُريب في الخبر من أصله أن أمهاتِ المؤمنين لم يَذْكُرْنَ شيئًا من ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم". اهـ.
قال أبو أنس:
يعني أنه إذا كان الأمر كذلك من فضيلة تلك الركعتين، حتى يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويحث عليها، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحرى بصلاتهما، ولو صلاهما، لكان أولى الناس بنقلها: أزواجه صلى الله عليه وسلم، الذي كان يدخل عليهن بالليل والنهار.
• وفيه (ص 350):
حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحَى إليه، ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعدما غربت". اهـ.
نقد الشيخ المعلمي أسانيده، وبَيَّنَ وَهاءَها جميعا، ثم قال:
"هذه القصة أنكرها أكثر أهل العلم لأوجهٍ؛ الأول: أنها لو وقعت لنُقلت نقلًا يليق بمثلها.
الثاني: أن سنة الله عز وجل في الخوارق أن تكون لمصلحةٍ عظيمةٍ، ولا يظهر هنا مصلحةٌ، فإنه إن فُرض أن عليًا فاتته صلاةُ العصر كما تقول الحكاية، فإن كان ذلك لعذرٍ، فقد فاتت النبي صلى الله عليه وسلم صلاةُ العصر يوم الخندق لعذرٍ، وفاتته وأصحابه صلاةُ الصبح في سفر، فصلاهما بعد الوقت، وبَيَّنَ أنَّ ما وقع لعذرٍ فليس فيه تفريطٌ.
وجاءت عدةُ أحاديث في أن من كان يحافظ على عبادةٍ، ثم فاتته لعذر، يكتب الله لا له أجرها كما كان يؤديها، وإن كان لغير عذر فتلك خطيئة إذا أراد الله تعالى مغفرتها لم يتوقف ذلك على إطلاع الشمس من مغربها، ولا يظهر لإطلاعها معنى، كما أنه لو قتل رجل آخر ظلمًا ثم أحيا الله المقتول، لم يكن في ذلك ما يكفر ذنب القاتل.
الثالث: أن طلوع الشمس من مغربها آيةٌ قاهرةٌ، إذا رآها الناس آمنوا جميعًا، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وبذلك فُسِّر قولُ الله عز وجل {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية، فكيف يقع مثل هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُنقل أنه ترتب عليه إيمان رجل واحد؟ ". اهـ.
• وفيه (ص 240).
حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين".
فقال الشيخ المعلمي (ص 242):
"لم يكن صلى الله عليه وسلم مسكينًا قَطّ بالمعنى الحقيقي؛ أما في صغره فقد ورث من أبويه أشياء، ثم كفله جَدُّه وعمُّه، ثم لما كبر أخذ يتجر ويكسب المعدوم، ويُعين على
نوائب الحق، كما وصفته خديجة رضي الله عنها، وقد امتن الله عليه بقوله {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} والعائل: المُقِلّ، لم يكن ليسأل الله تعالى أن يزيل عنه هذه النعمة التي امتن بها عليه.
أما ما كان يتفق من جوعه وجوع أهل بيته بالمدينة، فلم يكن ذلك مسكنة، بل كان يجيئه المالُ الكثير، فينفقه في وجوه الخير منتظرًا مجيء غيره، فقد يتأخر مجيء الآخر، وليس هذا من المسكنة". اهـ.
• وفيه (ص 470):
حديث: "من ولد له ثلاثة أولاد، فلم يُسم أحدهم محمدًا فقد جهل".
وهَّاه الشيخ المعلمي، وقال:
"قد ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أولادٌ، فلم يُسم أحدًا منهم محمدًا، وكذا ولد لعلي من فاطمة فلم يُسم النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم محمدًا، وولد للعباس عشرة فلم يسم محمدًا، ومثل هذا كثير". اهـ.
• وفيه (ص 278):
حديث: "إذا حُدِّثْتُم عني بحديث يوافق الحق، فخذوا به حَدثت أو لم أحدث".
قال الشيخ المعلمي بعد نقد أسانيده (282):
"على فرض صحة الخبر، فلا سبيلَ إلى أن يُفهم منه ما تدفعه القواطع، فمن المقطوع به: أن معارف الناس وآراءهم وأهواءهم تختلف اختلافًا شديدًا، وأن هناك أحاديث كثيرة، تقبلها قلوب، وتنكرها قلوب.
وبهذا يُعلم أن ما يعرض للسامع من قبول واستبشار، أو نفور واستنكار، قد يكون حيث ينبغي، وقد يكون حيث لا ينبغي، وإنما هذا -والله أعلم- إرشاد إلى ما يستقبل به الخبر عند سماعه.
وقد يكون منشأ ذلك: أن المنافقين كانوا يرجفون بالمدينة ويشيعون الباطل، فقد يشيعون ما إذا سمعه المسلمون، وظنوا صدقه ارتابوا في الدين، أو ظنوا السوء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُرشدوا إلى ما يدفع عنهم بادرة الارتياب، وظن السوء، مع العلم بأن بادىء الظن ليس بحجة شرعية، فعليهم النظر والتدبر، والأخذ بالحجج المعروفة، والله الموفق". اهـ.
• وفيه (ص 458):
حديث: "أنه قَلَّ الجرادُ في سَنة من سني عمر التي ولي فيها، فسأل عنه، فلم يُخبَر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكبًا إلى اليمن، وراكبًا إلى الشام، وراكبًا إلى العراق يسأل: هل رُئي من الجراد شيء أم لا؟ فأتاه الراكب من قبل اليمن بقبضة من الجراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبَّر ثلاثا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خلق الله عز وجل ألف أُمَّة منها: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر. فأول شيء يهلك من هذه الأمم: الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه". اهـ.
فقال الشيخ المعلمي:
" .. الخبر منكر جدًّا، والأمم أكثر مما ذُكر، وقد انقرض منها أنواع، ومنها ما يتوقع انقراضه قبل الجراد". اهـ.
• وفيه (ص 186):
حديث: "كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان إذا رآه غضب، وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق".
قال الشيخ المعلمي:
"
…
هو بسند كالشمس، ومتنه ركيك، فالظاهر أن أبا زكير غلط فى إسناده، سمعه من بعض القُصَّاص، فتوهم أنه سمعه بذاك السند، والله أعلم". اهـ.
• وفيه ص (429):
حديث: أهل مقبرة عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها.
…
روى أحمد في المسند من حديث أنس مرفوعًا: عسقلان أحد العروسين
…
أورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال في إسناده: أبو عقال هلال بن زيد، يروي عن أنس أشياء موضوعة.
وقال ابن حجر في القول المسدد: وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط، وما يحيله الشرع ولا العقل، فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه.
وطريق الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام.
قال الشوكاني:
هذا كلامه، ولا يخفاك أن هذه مراوغة من الحافظ ابن حجر، وخروج من الإنصاف. فإن كون الحديث في فضائل الأعمال، وكون طريقة أحمد: معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل: لا يوجب كون الحديث صحيحًا ولا حسنًا، ولا يقدح في كلام من قال في إسناده وضاع. ولا يستلزم صدق ما كان كذبًا وصحة ما كان باطلا. فإن كان ابن حجر يسلم أن أبا عقال يروي الموضوعات، فالحق ما قاله ابن الجوزي، وإن كان ينكر ذلك، فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ابن الجوزي
…
فقال الشيخ المعلمي:
ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال، ولكنه يقول إن ذلك لا يستلزم أن يكون كل ما رواه موضوعًا، وإذا كان الكذوب قد يصدق، فما بالك بمن لم يصرح بأنه كان يتعمد الكذب؟ فيرى ابن حجر أن الحكم بالوضع يحتاج إلى أمر آخر ينضم إلى حال الراوي، كأن يكون مما يحيله الشرع أوالعقل.
وهذا لا يكفي في رده ما ذكره الشوكاني.
وقد يقال: انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر، ليس معناه من جنس المعاني التي عني النبي صلى الله عليه وسلم ببيانها، أضف إلى ذلك قيام التهمة هنا؛ فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان، وكانت ثغرا عظيما، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يرغب الناس في الرباط فيه، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى. اهـ.
وفيه ص (218):
حديث: ما حسن الله خُلق رجل وخَلقه فأطعم لحمه النار.
في إسناده: عاصم بن علي، قيل: ليس بشيء، ورُدَّ بأنه أخرج له البخاري في صحيحه ووثقه الناس.
وروي من حديث أبي هريرة وأنس. وفي إسنادهما: مقال، فالحديث إذا لم يكن حسنًا فهو ضعيف، وليس بموضوع.
فقال الشيخ المعلمي بعد أن نقد أسانيده:
المدار على المعنى. اهـ.
• وفيه ص (304):
حديث: لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذلك القرآن كله.
رواه ابن قانع عن أنس مرفوعا. وقال أحمد: هو حديث منكر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات.
قال ابن حجر: أفرط ابن الجوزي في إيراد هذا الحديث في الموضوعات.
ولم يذكر مستنده إلا قول أحمد [وتضعيف عبيس]، وهو لا يقتضى الوضع.
فقال الشيخ المعلمي:
"لكنه انضم إلى ذلك ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إطلاق (سورة البقرة) وإنما تنطع في ذلك الحجاج بن يوسف كما في حديث رمي الجمرة في الصحيحين". اهـ.
• وفي "الأنوار الكاشفة"(ص 39):
قال أبو رية: "وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شيء فليمحه".
فقال الشيخ المعلمي:
"هذا منقطع، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، وزيادته منكرة، لو كتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة". اهـ.
قال أبو أنس:
يعني أن ما كان في متناول يد عمر من صحيفة علي وعبد الله بن عمرو أَوْلى أن يمحوه - لو صح هذا، لكن بقاءهما واشتهارهما دليلٌ على أن شيئا من ذلك لم يكن، والله تعالى أعلم.
• وفيها أيضا (ص 54):
قال أبو رية: روى ابن عساكر (1) عن [إبراهيم بن] عبد الرحمن بن عوف قال: والله ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله، فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة (2)، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، قال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: تنهانا؟ قال: [لا]، أقيموا
(1)(40/ 500).
(2)
في التاريخ: "عبد الله وحذيفة".
عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات (1).
فقال الشيخ المعلمي:
"أخذ أبو رية هذا من كنز العمال (1: 239) وأسقط منه ما أضفته بين حاجزين.
وفي خطبة كنز العمال 1: 3 أن كل ما عُزي فيه إلى تاريخ ابن عساكر فهو ضعيف، وعبد الله بن حذيفة غير معروف، إنما في الصحابة عبد الله بن حذافة، وهو مقل جدًّا لا يثبت عنه حديث واحد، فلا يصلح لهذه القصة. وفي سماع إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من عمر خلاف، والظاهر أنه لا يثبت (2).
ثم إن هؤلاء النفر لم يكونوا جميع الصحابة، بل كان كثير جدًّا من الصحابة في الأمصار والأقطار يحدثون". اهـ.
• وفي "عمارة القبور" ص (153 - 156):
"البخاري في "صحيحه" تعليقا: "لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سَنَة، ثم رُفعت، فسمعت صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا، فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا".
قال المعلمي:
"علقه البخاري بصيغة الجزم، وقد قالوا: إن ما كان كذلك فهو محمول على أنه صح لديه في الجملة، أي: إما على شرطه، وإما على شرط غيره على الأقل، وفي هذا إجمال؛ فإن من الأئمة الذين يصدق عليهم أنهم غيره من يتساهل في التصحيح.
(1) هو من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه. ويونس منكر الحديث، كما قاله غير واحد.
(2)
انظر ترجمة إبراهيم في القسم الأول من هذا الكتاب رقم (18) ص (159)، وقد وضعت في حاشيتها بحثا فراجعه.
ومع هذا فقد يصحح أحدهم لمن يكذبه غيره، فلابد من النظر في رجال السند.
وقد راجعنا "فتح الباري" فذكر فيه ما لفظه: (3/ 161).
"أي: الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط، كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه".
وفي كتاب ابن أبي الدنيا في "القبور" من طريق المغيرة بن مقسم قال: "لما مات الحسن ابن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطًا، فأقامت عليه سنة فذكر بنحوه".
ولا ندري ما حال السندين إلا أن المغيرة بن مقسم كان أعمى ومدلسا.
وقد ذكر البخاري هذه القصة في (باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور).
قال في "الفتح": "ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو عن الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة. وقال ابن المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه؛ تعليلًا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأُنس، ومكابرة للحس .. فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا .. الخ".
أقول: تعقبه بعضهم بأن الظاهر أنها إنما ضربت الخيمة للاجتماع لقراءة القرآن، وهذا مع كونه ممنوعًا -أيضًا- مردود بقول الهاتفين:"هل وجدوا ما فقدوا، بل يئسوا فانقلبوا".
فالقصة فيها زِراية على زوجة الحسن، وهي كما في الفتح، فاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم، بل وعلى أهل البيت الموجودين حينئذ كلهم.
فالذي عندي أن هذه القصة لا تصح، فإن أهل البيت أعلم بالله عز وجل، وأكمل عقولا، وأثبت قلوبًا، من أن يقع لهم مثل هذه القصة.
وفي الحديث: "لعن زوارات القبور"، أي: المكثرات لزيارتها، وضرب الخيمة على القبر، والإقامة فيها سَنَة، أبلغ من إكثار الزيارة، وأهل البيت أَوْلى من يُنزه عن ذلك.
هذا مع علمنا أن مثل هذا لا تقوم به حجة، بل القصة بنفسها في ذكر كلام الهاتفين تدل على قبح ذلك الصنع، ولكن رأينا حقا علينا الذب عن أهل البيت رضي الله عنهم. اهـ.
• وفيه أيضا ص (157):
البخاري في "صحيحه" تعليقًا -أيضًا- في (باب: الجريد على القبر): وقال خارجه بن زيد: رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه إن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يُجاوزه.
قال في "الفتح": "وقد وصله المصنف في "التاريخ الصغير"، من طريق ابن إسحاق".
أقول: قال في "التاريخ الصغير" ص (23) طبعة إله آباد:
"وحدثنا عمرو بن محمد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: سمعت خارجة بن زيد بن ثابت: رأيتني ونحن غلمان شبان زمن عثمان، وأن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه".
وقد مر قريبًا الكلام على ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم، وأنه لا يغني ذلك عن النظر في سنده وقد عُلم هاهنا سنده.
فأقول: شيخ ابن إسحاق لم أر له ترجمة، وابن إسحاق كما تقدم في حديث فضالة أنه قال الذهبي:"ما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئًا".
ولا نعلم أحدًا تابعه في هذا الأثر، ولا ثَم قرينة تدل على حفظه، ينجبر بها تفرده، ففي الأثر نكارة.
بل على القول بأنه يُفهم منه رفع القبر فوق الشبر شذوذ، إذ المعروف المشهور أن القبور لم تكن ترفع في ذلك العصر.
بل نفس قبر عثمان بن مظعون ورد "أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع حجرًا، وقال: أعلم به قبر أخي". وأسلفنا أن ذلك يدل أنه لم يرفع عن وجه الأرض.
ومع ذلك فيبعد جدا أن يخرج الشبان من أولاد الصحابة يتواثبون على قبر رجل من أفاضل السابقين، بحيث أنه لا يجاوز القبر إلا أشدهم وثبة، وغالبهم تقع وثبته على القبر، مع أن بجواره من قبور أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر إبراهيم وغيره.
نعم، قد كان بعض الصحابة والتابعين، ومنهم خارجة لا يرون بأسًا بالجلوس على القبور، ولكن أين الجلوس من التوثب، وقد كان أبناء الصحابة رضي الله عنهم بغاية التمسك بالآداب الشرعية، ولا سيما مثل خارجة بن زيد.
5 -
وفي تهذيب التهذيب في ترجمة خارجة: قال ابن نمير وعمرو بن علي: مات سنة 99 هـ، وقال ابن المديني وغير واحد: مات سنة مائة. اهـ.
فالأكثر كما ترى أنه مات سنة مائة.
وقال ابن عساكر في "تاريخه": "الصحيح الذي عليه أكثر الروايات أنه توفي سنة مائة" وذكر قبل ذلك ما لفظه: "وقال العجلي: خارجة مدني .. وقال: رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة، فلما فرغت منها تهورت، وهذه السنة لي سبعون سنة قد أكملتها، فمات فيها".
أقول: وقد ذكر هذه القصة ابن سعد في "الطبقات" من روايته عن الواقدي بسنده ونقلها عنه ابن خلكان، فإن صح هذا، كان مولده سنة (30 هـ)، فيكون سنه يوم قتل عثمان نحو خمس سنين؛ لأن عثمان قتل سابع ذي الحجة سنة 35 هـ. فكيف يكون من الشبان زمن عثمان. اهـ.