الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - سُلوك الجادة في الأسانيد:
قال أبو أنس:
المراد به أن الراوي -لقلةِ ضبطٍ أو غفلةٍ- يسلكُ الطريقَ المشهورة في الرواية، والتي يكثر تردادها وتكرارها، فهي أسهل في الحفظ، وأسبق للذهن.
* * وهذه نماذج لشرح المعلمي لذلك السبب:
• قال الشيخ المعلمي في "التنكيل"(2/ 67):
"المخطىء كما يخطىء من الحقيقة إلى المجاز، فكذلك عكسه، بل احتماله أقرب، لأن أغلب ما يكون الخطأ بالحمل على المألوف، وغالب ما يقع من التصحيف كذلك، فقد رأيتُ ما لا احصيه اسمَ: "زَبر" مصحفًا إلى: "أنس"، واسم: "سعر" مصحفًا إلى: "سعد"، ولا أذكر أنني رأيتُ عكسَ هذا. قال الشاعر:
فمن يكُ سائلا عني فإني
…
من الفتيان أيام الخُنان
وقال الآخر:
كساك ولم تستكسه فحمدته
…
أخ لك يعطيك الجزيل وياصر
فصَحَّفَ الناسُ قافيتي هذين البيتن إلى "الختان. ناصر".
وأمثال هذا كثيرة، لا تخفى على من له إلمام.
وهكذا الخطأ في الأسانيد، أغلبُ ما يقعُ بسلوكِ الجادة؛ فهشامُ بن عروة: غالبُ روايتِه: عن أبيه، عن عائشة، وقد يروي: عن وهب بن كيسان، عن عبيد بن عمير.
فقد يسمعُ رجلٌ من هشام خبرًا بالسند الثاني، ثم يمضي على السامع زمانٌ، فيشتبه عليه، فيتوهم أنه سمع ذاك الخبر من هشام بالسند الأول - على ما هو الغالب المألوف.
ولذلك تجد أئمة الحديث إذا وجدوا راويين اختلفا بأن رويا عن هشام خبرًا واحدًا؛ جعله أحدهما: عن هشام، عن وهب، عن عبيد، وجعله الآخر: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، فالغالب أن يقدموا الأول، ويخطؤوا الثاني.
هذا مثال، ومن راجع كتب علل الحديث وجد من هذا ما لا يحصي". اهـ.
• وقال في ترجمة (114):
"تحريف كلمة "العدل" إلى "القدر" هو الجاري على طريقة التصحيف والتحريف؛ فإن القارىء أو الناسخ إنما يعدل عما لا يعرفه إلى ما يعرفه". اهـ.
• وقال في حاشية "موضح أوهام الجمع والتفريق"(1/ 271):
"المعروف عندهم أنه إذا وقع الاختلاف على وجهين، فأقربهما أن يكون خطأ هو الجاري كل الجادة، أي الجاري على الغالب". اهـ.
قال أبو أنس:
هذه بعض النماذج المستخرجة من كلام المعلمي تطبيقًا لهذا السبب:
• في "الفوائد المجموعة"(ص 220):
حديث: "إذا بعثتم إليّ بريدًا فابعثوا حسن الوجه، حسن الاسم".
رواه العقيلي والطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا.
وفي إسناده: عمر بن راشد.
فقال الشيخ المعلمي:
"روى عمر هذا الخبر عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وقد رواه غيره عن يحيى، عن أبي سلمة، عن الحضرمي بن لاحق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحضرمي من صغار التابعين الذي لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.
فكأن عمر بن راشد سمع هذا، ثم وهم فسلك به الجادة: يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة". اهـ.
• وفيها (ص 238):
حديث: لا خير فيمن لا يجمع المال يصل به رحمه، ويؤدي به عن أمانته، ويستغني به عن خلق ربه.
رواه ابن حبان عن أنس مرفوعا. وفي إسناده: العلاء بن مسلمة، وهو وضاع. وقد رواه البيهقي في "الشعب".
فقال الشيخ المعلمي:
"رواه العلاء، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن مرجى بن رجاء، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس.
وأخرجه البيهقي من وجه آخر فيه بعض النظر عن أبي النضر، ثم قال: إنا يُروى هذا الكلام بعينه من قول سعيد بن المسيب.
ومرجى ربما وهم، وسعيد اختلط، فلعل الخطأ من أحدهما، كان أصله: قتادة، عن ابن المسيب قوله، فجعل خطأ: قتادة، عن أنس مرفوعًا". اهـ.
• وفي "الفوائد"(ص 463):
حديث: أنه جاء بستاني اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد: أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟
رواه سعيد بن منصور في "سننه" عن أبي مسعود مرفوعًا، وهو موضوع، كما قال ابن الجوزي، وذكر أن في إسناده الحكم بن ظهير، وهو متروك، والسدي وهو كذاب.