الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرأي المختار
تصحيح الكتاب معناه جعله صحيحا، ولصحة المطبوع ثلاثة اعتبارات:
الأول: مطابقته لما في الأصل القلمي فأكثر.
الثاني: مطابقة ما فيه لما عند المؤلف.
الثالث: مطابقة ما فيه للواقع في نفس الأمر.
مثال ذلك: اسم "عرابي" بن معاوية، صححوا أنه بعين وراء، وأن البخاري ذكره بغين معجمة وراء، فإذا وقع في أصل قلمي من تاريخ البخاري مثلًا بعين مهملة وزاي، فإن أُثبت في المطبوع كذلك ساغ أن يقال أنه صحيح بالنظر إلى مطابقته للأصل القلمي، لكنه خطأ بالنظر إلى ما عند المؤلف، وبالنظر إلى ما في نفس الأمر، وإن أُثبت بعين مهملة وراء كان صحيحًا بالنظر إلى ما في نفس الأمر، لكنه مخالف لما في الأصل، ولما عند المؤلف، وإن أُثبت بغين معجمة وراء صح أن يقال أنه صحيح بالنظر لما عند المؤلف، لكنه مخالف لما في الأصل وخطأ في نفس الأمر.
وإذا ثبت في المطبوع على أحد الأوجه الثلاثة ولم ينبه على خلاف ذلك كان الظاهر أنه كذلك في الأصل القلمي وكذلك هو عند المؤلف وكذلك هو في نفس الأمر، فيكون ذلك خطأ وكذبا من وجهين.
فالتصحيح العلمي حقه مراعاة الأوجه الثلاثة بأن يثبت الاسم في الأصل على أحد الأوجه وينبه في الحاشية على الوجهين الأخيرين، والصواب في هذا المثال أن يثبت الاسم في المطبوع بالغين المعجمة والراء؛ لأن الكتاب كتاب البخاري، والمقصود فيه نقل كلامه بأمانته، وأهل العلم ينقلون عن الكتاب، فيقول أحدهم: قال البخاري في التاريخ "
…
" فيسوق العبارة كما يجدها في المطبوع.
ثم لينبه في الحاشية على الوجهين الأخيرين؛ كأن يقول: "هكذا يقوله البخاري بدليل "
…
" ووقع في الأصل "عرابي" وقال فلان "
…
" فيذكر ما صححه أهل العلم من أنه "عرابي" بالعين المهملة والراء.
فإذا لم يعرف ما عند المؤلف فالظاهر أنه موافق لما في نفس الأمر، وإذا لم يعرف ما في نفس الأمر فالظاهر أن ما في الأصل القلمي موافق لهما، لكن ليس للمصحح أن يستغني بهذا الظاهر عن البحث والتنقيب، فإن اختلفت الأصول رجح بالكثرة والجودة والقياس، وينبه على الوجه الآخر في الحاشية، مع بيان وجه الترجيح إن لم يكن ظاهرًا.
وقريب من اختلاف الأصول أن تقع الكلمة في أصل الكتاب على وجه وفي كتاب آخر فأكثر على خلافه، لكن الأَوْلى في هذا أن يثبت في متن المطبوع ما في أصل الكتاب، وينبه على ما خالفه في الحاشية، اللهم إلا أن يترجح عنده رجحانا بينا أن ما في الأصل من خطأ النساخ، فحينئذ يثبت في متن المطبوع ما تبين له أنه الصواب، وينبه في الحاشية على ما وقع في الأصل مع بيان وجه ضعفه إن لم يكن ظاهرًا.
وحيث وقع في الأصل على وجه وفي كتاب آخر فأكثر على خلافه وترجح عند المصحح ما في الأصل فإنه يتبع ما في الأصل ولا يلزمه التنبيه على ما في الكتب الأخرى، فينبغي في مثل هذا أن ينبه على ما في الكتب الأخرى مع بيان الدليل على صحة ما في الأصل.
فأما اختلاف الأصول فلا بد من التنبيه عليه على كل حال، اللهم إلا أن يكون منها أصل رديء كثير الأغلاط فيشق التنبيه عليها تفصيلًا، فيكفيه التنبيه الإجمالي في مقدمة الطبع بأن يذكر ذاك الأصل الرديء وكثرة أغلاطه وأنه لم يلتزم التنبيه عليها تفصيلا.