الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
استعمال النظر في وفيات الرواة وشيوخهم والآخذين عنهم، في نقد الحكايات، لا سيما المشتملة على جرح بعض الرواة
• ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة: حماد بن سلمة، من "التنكيل"(85) أن الكلام فيه يعود إلى أربعة أمور
…
"الوجه الثالث: زعم بعضهم أنه كان له ربيبٌ يُدخل في كتبه، وقيل ربيبان، وصَحَّفَ بعضُهم "ربيب حماد" إلى "زيد بن حماد"، راجع "لسان الميزان" (ج 2 ص 506).
ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي.
قال الذهبي في "الميزان": "الدولابي حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث -يعني التي في الصفات- حتى خرج مرة إلى (عَبّادان)، فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر، فألقاها إليه.
قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حمادًا كان لا يحفظ، وكانوا يقولون: إنها دُسَّتْ في كتبه، وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه، فكان يدس في كتبه".
قال الذهبي: قلت: ابن الثلجي ليس بِمُصَدَّقٍ على حماد وأمثاله، وقد اتُّهِمَ. نسأل الله السلامة.
أقول: الدولابي حافظ حنفي، له ترجمة في "لسان الميزان"(ج 5 ص 41)، وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله، إلا في قبوله لها من ابن الثلجي، وروايتها عنه.
كان ابن الثلجي من أتباع بشر المريسي، جهميًا، داعية، عدوًا للسنة وأهلها، قال مرة: عند أحمد بن حنبل كتب الزندقة، وأوصى أن لا يُعطى من وصيته إلا من يقول: القرآن مخلوق. ولم أر من وثقه، بل اتهموه وكذبوه، قال ابن عدي: كان يضع أحاديث في التشبيه، وينسبها إلى أصحاب الحديث، يثلبهم بذلك، وذكر ما رواه عن حبان بن هلال، وحبان ثقة، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة مرفوعا:"إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها"، وكذبه أيضًا الساجي، والأزدي، وموسى بن القاسم الأشيب.
فأما ما نُسب إليه من التوسع في الفقه وإظهار التعبد، فلا يدفع ما تقدم.
وحكايته هذه يلوح عليها الكذب، إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي وُلد أبوه سنة 135، فمتى ترى وُلد إبراهيم؟ ومولد ابن الثلجي كما ذَكر عن نفسه سنة 181 فمتى تراه سمع من إبراهيم؟ وفي ترجمة قيس بن الربيع من "التهذيب" شيء من رواية ابن المديني، عن إبراهيم، عن أبيه، وهذا يُشعر بأنه عاش بعد أبيه، وأبوه مات سنة 198، فإذا كان إبراهيم مات سنة 200، فمتى تراه ولد؟ وقد قال الخليلي:"مات وهو شاب، لا يعرف له إلا أحاديث دون العشرة، يروي عنه الهاشمي جعفر بن عبد الوارث أحاديث أنكروها على الهاشمي، وهو من الضعفاء". وحماد بن سلمة توفىِ سنة 167، ومقتضى ما تقدم أن يكون إبراهيم حينئذ إما صبيا، وإما لم يولد، فمتى صحب حماد بن سلمة حتى عرف حديثه، وعرف أنه لم يكن يروي تلك الأحاديث حتى خرج إلى "عبادان"، وكيف عرف هذا الأمر العظيم، ولم يعرفه أبوه وكبار الأئمة من أقران حماد وأصحابه؟ وكلهم أبلغوا في الثناء على حماد كما يأتي، ولا داعي إلى الحمل على إبراهيم لأنه لم يوثقه أحد، وذِكر ابن حبان له في "الثقات" لا يجدي؛ لأنه لم يثبت عنه أحاديث كثيرة يعرف باعتبارها أثقة هو أم لا؟ ولا إلى أن يقال: لعل إبراهيم سمع ذلك من بعض الهلكى، بل الحمل على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي.
وكذلك ما ذكره عن عباد بن صهيب، مع أن عبادًا متروك، وقال عبدان: لم يكذبه الناس، وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر. فعلى هذا فعباد وهو المبتلى بابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي "الميزان" أحاديث من مناكيره. اهـ.
• وفي ترجمة: أحمد بن علي بن مسلم أبي العباس الأبار من "التنكيل"(27):
"قال الأستاذ -يعني الكوثري- (ص 19): "والأبار من الرواة الذين كان دعلج التاجر يدر عليهم الرزق، فيدونون ما يروقه للنكاية في مخالفيه في الفروع والأصول، فللأبار قلمٌ مأجورٌ ولسانٌ ذلق في الوقيعة في أئمة أهل الحق، وكفى ما يجده القارىء في روايات الخطيب عنه في النيل من أبي حنيفة وأصحابه لتعرف مبلغ عداوته وتعصبه، ورواية العدو المتعصب مردودة عند أهل النقد، كيف وهو يروي عن مجاهيل -بل الكذابين- في هذا الباب ما ستراه، فلا يحتاج القارىء الكريم في معرفة سقوط هذا الراوي إلى شيء سوى استعراض مروياته فيمن ثبتت إمامته وأمانته، فكفى الله المؤمنين القتال".
فقال العلامة المعلمي:
في "تذكرة الحفاظ" للذهبي (ج 2 ص 192): الأبار الحافظ الإمام أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم محدث بغداد، يروي عن مسدد، وعلي بن الجعد، وشيبان بن فروخ، وأمية بن بسطام، ودُحيم، وخلق كثير. حدث عنه دعلج، وأبو بكر النجاد، وأبو سهل بن زياد، والقطيعي، وآخرون.
قال الخطيب: كان حافظًا متقنًا حسنَ المذهب، قال جعفر الخلدي: كان الأبار أزهد الناس، استأذن أمّه في الرحلة إلى قتيبة، فلم تأذن له، فلما ماتت رحل إلى بلخ، وقد مات قتيبة، وكانوا يعزونه على هذا.
قلت: وله تاريخ وتصانيف، مات يوم نصف شعبان، سنة تسعين ومائتين".
رأى الأستاذ في الرواة عن الأبار: دعلج بن أحمد السجزي، ورأى في ترجمة دعلج أنه كان تاجرًا، كثير المال، كثير الإفضال على أصحاب الحديث وغيرهم، وأنه أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بقوله، فاستنبط الأستاذ أن دعلجًا كان متعصبًا لابن خزيمة في الأصول يعني العقائد، وفي الفروع، وابن خزيمة عند الأستاذ مجسم، وأبو حنيفة عنده مننره، التنزيه الذي يسميه خصومه تعطيلًا وتكذيبًا، فعلى هذا كان دعلج متعصبًا على أبي حنيفة للعقيدة وللمذهب معًا! ثم استنبط الأستاذ في شأن الأبار أنه جمع ما جمعه في الغض من أبي حنيفة تقربًا إلى دعلج المثري المنفق، وأن دعلجًا كان يوسع العطاء للأبار لأجل ذلك!
فأقول: لا يخفى على عارفٍ بالفقه والحديث أنه يكفي في رد هذه التهمة أن يبين أن الأبار ودعلجًا من الحفاظ المعروفين، روى عنهما أئمة الحديث العارفون بالعدالة والرواية، ووثقوهما، وأثنوا عليهما، ولم يطعن أحد في عدالتهما ولا روايتهما، ولم يذكر أحد دعلجًا بتعصبٍ، بل كان فضله وأفضاله كلمة وفاق، ولم يذكر أحد الأبار بحرصٍ على الدنيا، كما ذكروا الحارث بن أبي أسامة وعلي بن عبد العزيز البغوي وغيرهما، بل وصفه شيخ الزهاد وراوية أخبارهم: جعفر بن محمد بن نصير الخلدي بأنه كان أزهد الناس كما سلف.
ومع هذا فالأبار كان ببغداد، وسُكنى دعلج بها وحصول الثروة له وما عُرف به من الإنفاق، وتجرد ابن خزيمة للكلام في العقائد، وأخذ دعلج كتبه، واتباعه له: كل ذلك إنما كان بعد وفاة الأبار بمدة؛ فإن أقدم من سمي من شيوخ الأبار: مسدد المتوفى سنة 228، فعلي بن الجعد المتوفى سنة 230، فأمية بن بسطام المتوفى سنة 231، وبذلك يظهر أن مولد الأبار كان بعد سنة 210، وتوفي سنة 290 كما مرّ، ومولد دعلج سنة 260 بسجستان، وبها نشأ، ثم كان يطوف البلدان لطلب العلم والتجارة.
ويظهر أن أول دخوله بغداد كان في أواخر سنة 282، أو أوائل التي تليها، فإن أعلى من سمع دعلج منه ببغداد -كما يؤخذ من ترجمته في "تذكرة الحفاظ"(1) - محمد بن ربح البزار ومحمد بن غالب تمتام، وكانت وفاتهما سنة 283، وقد كان ببغداد الحارث بن أبي أسامة، وهو أسن منهما وأعلى إسنادًا وأشهر ذِكْرًا، وتوفي يوم عرفة سنة 282، ولم يذكروا لدعلج عنه رواية، ولو أدركه ما فاته، فعلى هذا أول ما لقي دعلج الأبار سنة 283، وسن الأبار يومئذ نحو سبعين سنة، وسن دعلج نحو ثلاث وعشرين سنة.
ولم يكن دعلج حينئذٍ ذا ثروة ولا إنفاق؛ لأنه أقام بعد ذلك بمكة زمانًا، وسمع بها من الحافظ المعمر عالي الإسناد: علي بن عبد العزيز البغوي، المتوفى سنة 286، وكان البغوي بغاية الفقر، حتى كان يضطر إلى أخذ الأجرة على الحديث،
…
وبقي على ذلك إلى أن مات، إذ لو كَفَّ قبل موته، لكان الظاهر أن يذكر ذلك تلامذتُه الأجلاء، وهم كثير، ولهم حرص على أن يدفعوا عن شيخهم ما عِيب به، فيقول واحد منهم أو أكثر: إنما كان يأخذ للضرورة ثم كَفَّ عن ذلك.
…
، والأبار توفي سنة 290، أي وسن دعلج ثلاثون سنة، وعاش دعلج بعده فوق ستين سنة، فإنه توفي سنة 351، والظاهر مما ذكروه من أنه أقام بمكة زمانًا أنه لم يسكن بغداد إلا بعد وفاة الأبار بمدة، فبالنظر فيما تقدم يتبين أنه ليس هناك أدنى قرينة تقتضي أن يكون دعلج وصل الأبار بفلس واحد.
أما ابن خزيمة فإنه توفي سنة 311، أي بعد وفاة الأبار بإحدى وعشرين سنة، وإنما تجرد للتأليف في العقائد في أواخر عمره، وفي "تذكرة الحفاظ" (ج 2 ص 262) عن الحاكم عن جماعة: لما بلغ ابن خزيمة من السن والرياسة والتفرد بهما ما بلغ،
(1)(3/ 881).
كان له أصحاب صاروا أنجم الدنيا .. فلما ورد منصور الطوسي كان يختلف إلى ابن خزيمة للسماع وهو معتزلي
…
واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ، وقالا: هذا إمام لا يسرع من الكلام وينهى عنه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه، وهو لا يدري فإنهم إلى مذهب (الكلابية)(1)
…
" ثم ذكر كلامًا فيه أن ذلك الخلاف كان بعد ضيافة عملها ابن خزيمة "في جمادى الأولى سنة تسع" يعني سنة 309، وكأن ذاك الخلاف هو الذي دعا ابن خزيمة إلى التأليف في العقائد، وعلى كل حال فالظاهر البين أن أخذ دعلج كتب ابن خزيمة وإفتاءه بقوله، إنما كان بعد وفاة الأبار بمدة.
وإنما الثابت أن الأبار كان ساخطًا على أبي حنيفة سخطًا ما، كما يدل عليه جمعه ما جمع، وذلك شأن أهل الحديث في عصره، كالبخاري ويعقوب بن سفيان وزكريا الساجي والعقيلي وغيرهم، فإن صح أن يسمى ذلك عداوة وتعصبًا، فهي عداوة دينية، لا ترد بها الشهادة، فكيف الرواية؟ وقد مر إيضاح ذلك في القواعد". اهـ.
• وفي ترجمة الخطيب من "التنكيل"(1/ 145):
"قال ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 8 ص 266) بعد أن عدَّدَ جملةً من مصنفات الخطيب:
"فهذا الذي ظهر لنا من مصنفاته، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هُييء له مما لم يتهيأ لمن كان أحفظ منه، كالدارقطني وغيره.
وقد روي لنا عن أبي الحسن ابن الطيوري أنه قال: أكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصوري، ابتدأ بها.
قال ابن الجوزي: وقد يضع الإنسان طريقا فيُسلك، وما قصر الخطيب على كل حال.
(1) في "التنكيل": "الكلامية" وهو خطأ، والتصويب من "تذكرة الحفاظ" ص (724).
أقول: لم يُسَمِّ ابن الجوزي مَنْ حَكى له ذاك القول عن ابن الطيوري، وابن الطيوري هذا هو المبارك عبد الجبار، وثقه جماعة، وكذبه المؤتمن الساجي الحافظ، والصوري هو محمد بن عبد الله الساحلي، ترجمته في "التذكرة"(ج 3 ص 293)، وفيها أن مولده سنة ست أو سبع بعد السبعين وثلاثمائة، ووفاته سنة 441، فهو أكبر من الخطيب بنحو خمس عشرة سنة، ومع حفظه ففي "التذكرة" (ج 3 ص 298) في ترجمة أبي نصر السجزي المتوفى سنة 444:"قال ابن طاهر: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبال عن أبي نصر السجزي والصوري، أيهما أحفظ؟ فقال: كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري".
وفي "التذكرة"(ج 1 ص 314): "قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظًا وإتقانًا وضبطًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننًا في علله وأسانيده، وعلمًا بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه، ثم قال: ولم يكن للبغدادين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي، ففضل الخطيب تفضيلًا بينًا".
وقد علمت أن الصوري توفي سنة 441، أي قبل وفاة الخطيب باثنتين وعشرين سنة، ووفاة السجزي سنة 444، وابن طاهر لقي الحبال سنة 470، كما في "التذكرة"(ج 3 ص 363)، فتفضيل الحبال بين السجزي والصوري كان بعد موتهما، فهو بحسب ما انتهى إليه أمرهما، وأما تفضيل الصوري بين الخطيب والسجزي، ففي حياتهما، لكن أحدهما وهو السجزي كان في أواخر عمره، والآخر وهو الخطيب في وسط عمره؛ لأن الصوري مات سنة 441، كما مَرَّ، فالسؤال منه وجوابه يكون قبل ذلك، فإذا فرضنا أنه قبل ذلك بشهر مثلًا حيث كان سن السائل وهو ابن ماكولا نحو عشرين سنة، فإن مولده 422، كان ذلك قبل وفاة السجزي بنحو ثلاث سنين، وقبل وفاة الخطيب بنحو اثنتين وعشرين سنة، فيخرج مما تقدم أن الخطيب -
باعتراف الصوري- كان قبل موته باثنتين وعشرين سنة بحيث يُفضل تفضيلًا بينًا على من هو بحكم الحبال أحفظ من خمسين مثل الصوري، فما عسى أن يكون بلغ بعد ذلك؟.
وإذا كانت النسبة بينهما هي هذه، فما معنى ما حكى عن ابن الطيوري؟ هل معناه أن الصوري ابتدأ في أكثر الكتب التي تُنسب إلى الخطيب ولم يتم شيئًا منها؟ يقول ابن السمعاني: إن مؤلفات الخطيب ستة وخمسون مصنفًا، فهل ابتدأ الصوري في عمل ثلاثين مصنفًا أو نحوها ولم يتم شيئا منها؟ فإن كان أتم شيئًا منها أو قارب أو على الأقل كتب منه كراسة مثلًا، فقد كان ابن الطيوري من أخص الناس بالصوري، كما يؤخذ من "لسان الميزان"(ج 5 ص 10)، أفلم يكن عنده شيء من ابتداءات الصوري، فيبرز للناس تصديقًا لقوله؟
…
". اهـ.
• وفي ترجمة طلق بن حبيب من "التنكيل"(114):
"قَوْله -يعني الكوثري-: أبو حنيفة أعرف بمذهب سعيد بن جبير
…
مردود عليه؛ فإن سعيد أُخرج من الكوفة عقب وقعة ابن الأشعث، وعُمْرُ أبي حنيفة سنتان أو ثلاث". اهـ.
* * *