الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغير، وأنه استنسخ من كتابٍ ليس عليه سماعه، كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لما لم يذكروا في حياته، ولا بعد موته أنه حدث بعد تغير شديد، أو حدَّث مما استنسخه من كتابٍ ليس عليه سماعه، ولا استنكروا روايةً واحدةً، وأجمعوا على الاحتجاج به كما تقدم، تبين بيانًا واضحًا أنه لم يكن منه ما يخدش في الاحتجاج به.
هذا، وكتب الإمام أحمد كـ "المسند" و"الزهد" كانت نُسخُها مشهورةً متداولةً، قد رواها غير القطيعي، وإنما اعتنوا بالقطيعي واشتهرت رواية الكتب من طريقه؛ لعلو السند، ويأتي لهذا مزيد في ترجمة الحسن بن علي ابن المذهب، والحمد لله الذي بنعمته يتم الصالحات". اهـ.
15 - قولهم: "رأيت كتبه طرية" أو"كانت أصوله العتق غرقت فاستدرك نسخها" أو"يترب كتبه لِيُظَنَّ أنها عتق
":
• في ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست العلاف أبي عبد الله البزاز من "تاريخ بغداد"(4/ 125):
"سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: ابن دوست ضعيف؛ رأيت كتبه كلها طرية، وكان يُذكر أن أصوله العتق غرقت، فاستدرك نسخها.
سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست، فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويتربها؛ ليظن أنها عتق"
فقال الشيخ المعلمي في ترجمة ابن دوست من "التنكيل"(37):
"التضعيفُ مفسَّرٌ بما بعده، واعلم أن المتقدمين كان يعتمدون على الحفظ، فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرت عدالته، وكان حديثه مستقيمًا، وثَّقُوه.
ثم صاروا يعتمدون الكتابةَ عند السماع، فكان النقاد إذا استنكروا شيئًا من حديث الراوي، طالبوه بالأصل.
ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع، فشدَّدَ النقادُ، فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم، الموثوق به، المقيد سماعه فيه.
فإذا لم يكن للشيخ أصلٌ، لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضهم بتضعيفه، فإذا ادَّعَى السماعَ ممن يستبعدون سماعَهُ منه، كان الأمرُ أشدَّ.
ولا ريب أن في هذه الحالة الثالثة احتياطًا بالغا، ولكن إذا عُرفت عدالةُ الرجل وضبطُه وصدقُه في كلامه، وادَّعى سماعا عتملا ممكنا، ولم يُبرز به أصلًا، واعتذر بعذرٍ محتملٍ قريبٍ، ولم يأتِ بما يُنكر، فبأي حجة يُرد خبره؟
وقد قال الخطيب: "حدثني أبو عبد الله الصوري قال: قال لي حمزة بن محمد بن طاهر: قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست: أراك تملي المجالس من حفظك، فلم لا تملي من كتابك؟ فقال لي: انظر فيما أمليه، فإن كان لك فيه زلل أو خطأ، لم أُمْلِ من حفظي، كان كان جميعه صوابًا، فما الحاجة إلى الكتاب؟ أو كما قال".
فيظهر أن والده لم يكتف بتسميعه، بل اعتنى بتحفيظه ما سمع.
فإذا كانت أصوله بعد حفظه ما فيها غرقت، فابتلت، وخيف تقطع الورق، وبقيت الكتابة تقرأ، فاستنسخ منها، أو ذهبت، فنسخ من حفظه، أو من كُتبٍ قد كانت قُوبلت على أصوله، أو لم تُقابل، ولكنه اعتبرها بحفظه، فأي حَرَجٍ في ذلك؟
وإذ كان اعتمادُه على حفظه، فَهَبْ أنه لم يكن له أصولٌ البتة، أو كانت، فتلفت، ولم يستدرك نسخها، ألا يكون له أن يروي من حفظه؟ أولًا تقومُ الحجةُ بخبره إذا كان عدلًا ضابطًا؟