الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قضية التتريب، فهي في عبارة للبرقاني، قال الخطيب:"سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست؟ فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويتربها؛ لِيُظَنَّ أنها عتق".
فقوله: "قيل
…
" لا يُدرى من القائل؟ وعلى فرض صحة ذلك فهو تدليس خفيف، أراد به دفع تعنت بعض الطلبة، وكان إذا سُئل يبين الواقع كما في بقية عبارة الأزهري، وأما قول البرقاني: "تكلموا فيه"، وما في الترجمة أن الدارقطني تكلم فيه، فمحمول على ما صرحوا به مِمَّا مَرَّ، ومَرَّ ما فيه.
وبَعْدُ، فقد وصفوا ابنَ دوست بالحفظ والمعرفة؛ قال الخطيب:
"كان مكثرًا من الحديث، عارفًا به، حافظًا له، مكث مدة يملي في جامع المنصور بعد وفاة أبي طاهر المخلص، ثم انقطع عن الخروج، ولزم بيته، كتب عنه الحسن بن محمد الخلال، وحمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، وأبو القاسم الأزهري، وهبة الله بن الحسن الطبري، وعامة أصحابنا، وسمعت منه جزءًا واحدا".
ولم يغمزوه في دينه بشيء، ولا استنكروا له حديثًا واحدًا، فلا أرى أمره إلا قويًا، والله أعلم". اهـ.
16 - قراءة الشيخ من كتاب غيره، وليس عليه سماعه، إذا وثق به:
• في ترجمة: محمد بن العباس بن حيويه أبي عمر الخزاز من "الطليعة" ص (21) و"التنكيل" رقم (208):
قال الأزهري: "كان أبو عمر بن حيويه مكثرًا، وكان فيه تسامح، لربما أراد أن يقرأ شيئا ولا يقرب أصله منه، فيقرؤه من كتاب أبي الحسن ابن الرزاز (1)؛ لثقته
(1) احتاج الكوثري إلى الطعن في ابن حيويه هذا، فذكر ص 21 أن أبا الحسن بن البزاز الذي كان يثق بكتابه هو: علي بن أحمد المعروف بابن طيب البزاز، وهو معمّر متأخر الوفاة، نص الخطيب على أن =
بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، وكان مع ذلك ثقة".
قال الشيخ المعلمي في "الطليعة":
"كأن بعض كُتب علي بن موسى -وهو ابن إسحاق أبو الحسن، الذي يعرف بابن الرزاز، وكان فاضلا أديبا ثقة فاضلا- هذه صارت بعد وفاته إلى تلميذه ابن حيويه، وكان فيها ما سمعه ابن حيويه، لكن لم يقيد سماعه في تلك النسخة التي هي من كتب الشيخ، وبهذا تبين أنه لا يلحق ابن حيويه عيبٌ، ولا يوجب صنيعُه أدنى قدح، وسيأتي بسط ذلك في ترجمة محمد بن العباس من "التنكيل" إن شاء الله تعالى". اهـ.
ثم قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل"(208):
"يؤخذ من عبارة الأزهري مع ما تقدم أمورٌ:
الأول: أنها تقتضي أن ذاك الكتاب كان في متناول ابن حيويه في كثيرٍ من الأوقات،
…
الأمر الثاني: أن في عبارة الأزهري: "لثقته بذلك الكتاب"، وابن حيويه يصفه الأزهري في العبارة نفسها بأنه:"ثقة"، ويصفه العتيقي بأنه:"كان ثقة صالحا دينا"، وبأنه:"كان ثقة متيقظا"، ويصفه البرقاني بأنه:"ثقة ثبت حجة".
الأمر الثالث: عبارة الأزهري تقتضي أنه لم يتفق لابن حيويه القراءة من غير أصله إلا من ذاك الكتاب،
…
الأمر الرابع: إطلاق البرقاني مع إمامته وجلالته والعتيقي مع ثقته وتيقظه ذاك الثناء البالغ على ابن حيويه، يدل على أنه لم يكن منه تساهل يخدش فيما أثنيا عليه به.
= ابنًا له أدخل في أصوله تسميعات طرية، قال:"فماذا تكون قيمة تحديث من يثق بها فيحدث من تلك الأصول" فناقش المعلمي ذلك، وبَيَّنَ خطأه، وأن الصواب أنه: علي بن موسى بن إسحاق أبو الحسن المعروف بابن الرزاز، روى عنه ابن حيويه والدارقطني، وكان فاضلًا أديبًا ثقة عالمًا، لا علي بن أحمد كما زعم الكوثري، وقد رأيتُ الإعراضَ عن تلك المناقشة هنا، لوضوح نتيجتها، وقد عرَّجَ عليها المعلمي أحيانا أثناء ترجمة ابن الرزاز من "التنكيل"، فحذفُ ما يتعلق بذلك أيضًا.
والأزهري وإن ذكر التساهل، فقد عقبه بقوله:"وكان مع ذلك ثقة"، فهذا يقضي أنه إن ساغ أن يسمى ما وقع منه تساهلا، فهو تساهل عرفي، لا يخدش في الثقة والتيقظ والحجة.
وهذا إنما يكون بفرض أن ذاك الكتاب الذي قرأ منه كان موثوقا به، وبمطابقته لأصل ابن حيويه، وإنما فيه أنه ليس هو أصله الذي كتب عليه سماعه، وقد كانوا يكرهون مثل هذا، وذلك من باب سد الذريعة".
قال الكوثري: "رواية الخزاز لو كانت عن كتابِ أحدِ شيوخه، لكانت روايته من أصل شيخه، ولما كان يُرمى بالتسامح".
فقال الشيخ المعلمي:
"علي بن موسى أبو الحسن ابن الرزاز شيخُ الخزاز حَتْما، ثم هناك احتمالان:
الأول: أن يكون شيخَه في ذاك الكتاب.
الثاني: أن لا يكون شيخَه فيه، وإنما سمعه الخزاز من رجل آخر.
فعلى الأول -وهو الذي بنى عليه الأستاذ- فصورةُ التساهلِ موجودةٌ.
فإنه من المقرر عندهم أن التلميذ إذا سمع وضبط أصله، ثم بعد مدة وجد في أصل شيخه زيادةً أو مخالفةً لما في أصله، لم يكن له أن يروي إلا ما في أصله.
وقد قال حمزة السهمي في "تاريخ جرجان"(ص 122 - 123): "أخبرنا أبو أحمد ابن عدي .... أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم -في كتابي بخطي: عثراتهم- ورأيت في كتاب ابن عدي بخطه: عقوبتهم".
فلو أن حمزة روى ذاك الحديث، وقال:"عقوبتهم"، ثم رأى أهلُ العلم أصلَه، وفيه:"عثراتهم"، فراجعوه في ذلك، فقال: نعم، ولكني بعد سماعي بمدة رأيت في أصل شيخي:"عقوبتهم"، لَعَدُّوا هذا تساهلا.
ومَنْ رَوى مِنْ أصل شيخه، لا يُؤمن أن يقع في نحو هذا، إلا إذا كان قد كرَّرَ المقابلة، حتى وثق كل الوثوق بالمطابقة، وأوْلَى به -وإن وثق كل الوثوق- أن لا يروي إلا من أصله نفسه، فإن كان الخزاز سمع ذاك الكتاب من أبي الحسن ابن الرزاز، فتساهله هو ترك الَأْولى كما عرفت.
وعلى الاحتمال الثاني، لا يكون للخزاز أن يروي من كتابٍ ليس هو أصله، ولا أصل شيخه، إلا أن يقابله بأصله مقابلة دقيقة، فيثق بمطابقته لأصله، ومع ذلك فالأَوْلى به أن لا يروي إلا من أصله، وعلى هذا فتساهل الخزاز هو في ترك الأَوْلى كما اقتضته عباراتُهم في الثّناء عليه كما مَرَّ". اهـ.
قال الكوثري: "وكان ينبغي أن يَذكر في السند اسمَ شيخِه الذي ناوله، وليس بمعقولٍ أن يُهمل التلميذُ ذكرَ شيخِه في سند ما حمله وتلقاه بطريقه".
فقال الشيخ المعلمي:
"هذا مبني على الاحتمال الأول، وأن لا يكون الخزاز سمع الكتاب أصلا، وإنما ناوله إياه ابنُ الرزاز، والذي نقوله إنه إن كان على الاحتمال الأول، فالخزاز سمع ذاك الكتاب سماعا من ابن الرزاز، وإلا لغمزوه بأنه يعتمد على الإجازة، بل عبارة الأزهري نفسه تصرح بهذا؛ فإن فيها: "ربما أراد أن يقرأ شيئا، ولا يقرب أصله منه، فيقرؤه من كتاب أبي الحسن بن الرزاز"، وهذا يدل أن له أصلا بذاك المصنَّف غير ذاك الكتاب، إلا أنه لم يقرب منه، ولو كان إنما يرويه بمناولة الشيخ ذاك الكتاب لما كان له أصلٌ آخر.
ثم إن كان سمع ذاك المصنَّف من ابن الرزاز، فقد كان إذا قرأ منه قال:"أخبرنا أبو الحسن ابن الرزاز"، ثم يقرأ من الكتاب، وإن كان إنما سمعه من غير ابن الرزاز، فإنما كان يذكر اسمَ شيخِه في ذاك المصنَّف، ولا معنى لذكر ابن الرزاز.