الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصبح في سفر فصلاهما بعد الوقت، وبين أن ما وقع لعذر فليس فيه تفريط، وجاءت عدة أحاديث في أن من كان يحافظ على عبادة ثم فاتته لعذر يكتب الله عز وجل له أجرها كما كان يؤديها. وإن كان لغير عذر فتلك خطيئة، إذا أراد الله تعالى مغفرتها لم يتوقف ذلك على إطلاع الشمس من مغربها. ولا يظهر لإطلاعها معنى، كما أنه لو قتل رجل آخر ظلمًا ثم أحيا الله تعالى المقتول لم يكن في ذلك ما يكفر ذنب القاتل.
الثالث: أن طلوع الشمس من مغربها آية قاهرة، إذا رآها الناس آمنوا جميعًا، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وبذلك فسر قول الله عز وجل:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية، فكيف يقع مثل هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينقل أنه ترتب عليه إيمان رجل واحد؟ "]. اهـ.
الحديث العشرون:
(ص 429): "أهل مقبرة عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها".
قال الشوكاني:
رواه ابن عدي عن ابن عمر، وفي إسناده: بشير بن ميمون، وليس بشيء.
وقد رواه ابن حبان من وجه آخر، وفي إسناده: حمزة بن أبي حمزة، وهو وضاع (1).
وقد روى أحمد في "المسند" من حديث أنس مرفوعًا: عسقلان أحد العروسين، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفًا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألف
(1) لم أجده عند ابن عدي من مسند عبد الله بن عمر، ولكن أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(175) من حديث عمر بن الخطاب، وليس عبد الله، وفي إسناده بشر بن ميمون.
أما حديث عبد الله فهو عند ابن حبان في "المجروحين"(1/ 270) وفيه حمزة بن أبي حمزة.
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من الطريقين وجعلهما من حديث عبد الله بن عمر (1/ 358).
شهيد وفود إلى الله، وبها صفوف الشهداء، رءوسهم مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دمًا، يقولون:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منها أنقياء بيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا (1).
هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال في إسناده: أبو عقال هلال بن زيد، يروي عن أنس أشياء موضوعة.
وقال ابن حجر في القول المسدد: وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط، وما يحيله الشرع ولا العقل. فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه.
وطريق الإِمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام.
قال الشوكاني:
هذا كلامه، ولا يخفاك أن هذه مراوغة من الحافظ ابن حجر، وخروج من الإنصاف. فإن كون الحديث في فضائل الأعمال، وكون طريقة أحمد رحمه الله معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل: لا يوجب كون الحديث صحيحًا ولا حسنًا، ولا يقدح في كلام من قال في إسناده وضاع، ولا يستلزم صدق ما كان كذبًا وصحة ما كان باطلًا.
فإن كان ابن حجر مُسلم أن أبا عقال يروي الموضوعات، فالحق ما قاله ابن الجوزي، وإن كان ينكر ذلك، فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ابن الجوزي.
(1) أخرجه: أحمد (3/ 225)، وابن عدي في "كامله"(1/ 298)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 358 - 359).
ومداره على أبي عقال عن أنس مرفوعًا به.
وقال الذهبي في ترجمة أبي عقال من "الميزان"(5124): "وهو باطل".
[قال المعلمي: "ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال، ولكنه يقول إن ذلك لا يستلزم أن يكون كل ما رواه موضوعًا، وإذا كان الكذوب قد يصدق، فما بالك بمن لم يصرح بأنه كان يتعمد الكذب؟ فيرى ابن حجر أن الحكم بالوضع يحتاج إلى أمر آخر ينضم إلى حال الراوي، كأن يكون مما يحيله الشرع أو العقل. وهذا لا يكفي في رده ما ذكره الشوكاني.
وقد يقال: انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر ليس معناه من جنس المعاق التي عني النبي صلى الله عليه وسلم ببيانها، أضف إلى ذلك قيام التهمة هنا، فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان، وكانت ثغرًا عظيمًا، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يرغب الناس في الرباط فيه، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى"].
قال الشوكاني:
ثم ذكر ابن حجر بعد كلامه السابق: أن لهذا الحديث شاهدًا من حديث ابن عمر، وذكر الحديث المتقدم، وليس فيه سوى بشير بن ميمون ضعيف.
[قال المعلمي: "بل هو هالك البتة، لعله شر من أبي عقال. قال ابن حجر: نفسه في التقريب "متروك متهم"، وقال البخاري: "متهم بالوضع"].
قال الشوكاني:
وله شاهد أخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن بحينة أنه صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تلك المقبرة، فسألوا بعض أزواجه، فسألته. فقال: هي مقبرة أهل عسقلان (1).
(1) أخرجه: أبو يعلى في "مسنده"(2/ 216 / ح 913)، وقال الذهبي في ترجمة المسور بن خالد وهو أحد رجال الإسناد من الميزان (8450):"وهذا -يعني الحديث- ليس بصحيح". وتبعه ابن حجر في "اللسان"(6/ 36).
[قال المعلمي: "هو عن عطاف بن خالد، عن أخيه المسور، عن علي بن عبد الله ابن بحينة، عن أبيه. عطاف صدوق يهم، وأخوه وشيخه لا يعرفان إلا في هذا الخبر"].
قال الشوكاني:
وله شاهد آخر، ذكره الدولابي في "الكني" عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا: يبعث بمقبرة عسقلان سبعون ألف شهيد، يشفع كل منهم بعدد ربيعة ومضر.
[قال المعلمي: "في كنى الدولابي (2/ 63)، وقال: "منكر جدًّا، وهو شبه حديث الكذابين" وفي سنده الهذيل بن مسعر الأنصاري، لم أجده، وليس هو بهزيل أو هذيل ابن مسعدة، الذي ذكره البخاري وابن أبي حاتم، فإنهما وصفاه بأنه أخو علي بن مسعدة، وعلي باهلي"].
قال الشوكاني:
وروى سعيد بن منصور مرسلًا عن عطاء الخراساني. قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:"رحم الله أهل المقبرة" - ثلاث مرات. فسُئل عن ذلك. فقال: "تلك مقبرة تكون بعسقلان"(1).
[قال المعلمي: "عطاء هذا من أتباع التابعين، ومع ذلك فراوي هذا عنه إسماعيل ابن عياش وليس من أهل بلده، وإسماعيل إذا روى عن غير أهل بلده كثر تخليطه"].
قال الشوكاني:
وروى نحوه: عبد الرزاق في مصنفه، عن عائشة مرفوعًا (2).
(1)"سنن سعيد بن منصور"(2/ 194).
(2)
"المصنف"(9635) وإسناده منقطع.
[قال المعلمي: "هو من طريق إسحاق بن رافع قال: "بلغنا
…
إلخ" وهو من أتباع التابعين، وفيه كلام"].
قال الشوكاني:
وقد روى ابن النجار، عن أنس مرفوعًا.
[قال المعلمي: "الشطر الأول من سنده مظلم جدًّا، والثاني كالشمس، وهذا يدل على بطلانه حتمًا"].
قال الشوكاني:
والطبراني عن ابن عباس مرفوعًا (1).
[قال المعلمي: "بسندين في أحدهما: سعيد بن حفص النفيلي، تغير في آخر عمره، والمتن الذي ساقه وفي آخره ذكر عسقلان، قد رواه غيره عن عمر من قوله، بدون ذكر عسقلان، راجع المستدرك (4/ 473)، وفي سند الثاني: يحيى بن سليمان أبو سليمان، لا يوجد، وبني الهيثمي على أنه يحيى بن أبي سليمان أبو صالح المدني المنكر الحديث، وفيه ما فيه، وفي السند أيضًا ابن إسحاق غير مصرح بالسماع.
ثم ذكر في اللآلىء (2) عن ابن عساكر خبرًا عن أبي أمامة، وفي سنده جماعة لم أعرفهم ورجل لم يسم، ثم هو عن أبي طيبة الجرجاني، عن أبي أمامة، وأبو طيبة الجرجاني ليس بشيء، ولم يدرك أبا أمامة. قال ابن عساكر:"كذا قال، وهو أبو طيبة الكلاعي الحمصي".
أقول: هذا ظن يرده صريح الخبر ولم يذكر حجة"]. اهـ.
(1) أخرجه: الطبراني في "الكبير"(11/ 88)، وفي "الأوسط"(6679) بالإسنادين إلى الزهري عن فطر ابن خليفة عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا به.
(2)
انظر: "اللآلىء"(1/ 423) وحديث أبي أمامة أخرجه: السهمي في "تاريخ جرجان"(1/ 293).